سيدتي أنت الأقرب إلى ابنكِ وأنتِ الوحيدة التي تعرفينه جيداً فلا تأخذي بالآراء التي تدعوك إلى استشارة عالم أو طبيب نفسي أو حتى باحث إجتماعي ، كلما شككت بأن هناك إشكالاً يعترض حياة طفلك . مسؤوليتك هي إزالة الغموض والسعي نحو حلّ كل مشاكله . لا تدعي أحداً يحلّ مكانك في هذه المسؤولية . أنت قادرة على ذلك إذا واجهت الأمور بواقعية ولم تدعي العاطفة تتدخل . أنظري في الأمر نظرة المشاهد الغريب وليس نظرة أم واعترفي على الأقل بينك وبين نفسك بأن طفلك إنسان عادي بعيد عن الكمال ويمرّ بمشاكل أنتِ قادرة على حلّها إذا لم تتجاهليها .
التسرّع:
أنت مستعجلة تريدين أن يتطوّر طفلك بسرعة هائلة في كل الميادين تقارنينه دائماً بابن الجيران . تريدين أن يمشي إبنك قبله . أن يتكلم في عمر أصغر ، أن يكبر قبله وأن يكون عاقلاً في عمر اللهو . لم هذا السباق مع الوقت ؟ كل طفل له إيقاعه الخاص . منهم من تبرز أسنانه عند بلوغه الأشهر الستة ومنهم من لا تبرز قبل التسعة أشهر . هناك من يمشي لدى بلوغه التسعة أشهر وآخر لا يترك يد أمّه قبل بلوغه الأربعة عشر شهراً . المراهقة تبدأ عند البعض في عمر التسع سنوات وعند آخرين لا تبدأ قبل الخامسة عشرة .
يجب مراعاة إيقاع كل طفل وإلاّ واجهت مشاكل تربوية مستعصية . وفي كل الأحوال ما أهمية أن يسير طفلك سابقاً سواه بثلاثة أشهر ، أو أن يتعلم القراءة قبل سنة من العمر المحدّد ؟ ما تأثير ذلك كله على مستقبله ؟ لا شيء . هل تدركين معنى مسؤوليتك عن سرقة الطفولة من عمر طفلك وإخراجه من عالمه الصغير قبل أوانه ؟ . وكل هذا فقط لأنك تودّين الإستعجال ؟ دعي طفلك يتابع إيقاع حياته الطبيعي ، دعيه يكون طفلاً ولا تستعجلي تطوّره .
عندما تطلبين من الطفل النجاح المبكّر تدفعينه بيديك نحو الفشل وتجعلينه عصبيّا طوال حياته . مجتمعنا المعاصر يحتاج إلى كل هؤلاء الأطباء النفسيين لسبب واضح : ليعالجوا متوتري الأعصاب الذين يفرزهم المجتمع باتباعه مثل هذه الأساليب التربوية التي تعظّم روح المنافسه .
عدم التفهّم:
إذا انتبهت جيداً تتذكرين أنك لا تتكلمين كثيراً مع طفلك بل تتحدثين أمامه أو بحضوره وتبرّرين ذلك بأنه لا يزال صغيراً لا يفهم . طفلك يفهم كل كلمة تتفوّهين بها وفي مرحلة مبكرة أكثر بكثير ممّا تتصوّرين . الاستيعاب غير مرتبط بالقدرة على التعبير والتوضيح بل يسبقها بكثير . كما في حالة تعلّمنا اللغات الأجنبية ، نستطيع فهم لغة أجنبية قبل أن نتقن التحدّث بهذه اللغة .
العنف:
في بعض مراحل تطوّره يصبح طفلك عنيفاً . في عمر السنتين كلمة « لا » تغريه ويستعملها باستمرار . عند بلوغه الثلاث سنوات يضرب الأرض بقدمه ليعلن العصيان . ردة الفعل هذه لا تدلّ على طباع شريرة بقدر ما هي إشارة إلى أن الطفل يجتاز مرحلة جديدة مهمة من تطوّره ، هي دليل على شخصية جديدة تبصر النور و تحاول أن تفرض وجودها على الأهل .
يظهر العنف عادة بشكل نوبات تدلّ على صعوبة التأقلم مع أجواء جديدة أو ترك عادات قديمة متأصلة .
عندما تنتهي النوبة ويعبر الطفل العتبة الصعبة يعود كل شيء إلى طبيعته ويعود الطفل إلى توازنه . العنف في هذه الحالة دليل على صحة جيدة .
أمّا إذا أصبح العنف عادة ولم يحاول الطفل التخلّص منه ، بل تمسّك به ، فهو دليل على اضطرابات عاطفية . في هذه الحالة يكون العنف بمثابة جرس الإنذار الذي ينبّه الأهل وعليهم أن يتفهموا الوضع ويبادروا إلى معالجته بدلاً من أن يؤكدوا أن طفلهم أصبح مزعجاً . عليهم أن يعلموا أنه تعيس وبحاجة الى الاهتمام . وعليك أنت سيّدتي أن تفتّشي عن سبب تعاسته . هل يعاني من قسوة المكلفين برعايته ؟ هل يريد أن يلفت انتباه أم كثيرة الشرود أو أبٍ كثير الانشغال ؟ هل يزعجه شجار مع رفاقه ؟ أو هل يشعر بالغيرة ؟
لابدّ لك من معرفة السبب قبل أن يصبح العنف طبعاً عند طفلك يخرّب علاقته بمحيطه .
الألعاب:
في الأعياد والمناسبات يأخذ الأهل أولادهم إلى مخازن الألعاب ويتركونهم يختارون ما تشتهيه نفوسهم .
هذه الكمية الهائلة من الألعاب التي تعرض على طفلك تذهله ويصعب عليه الاختيار من بينها . الأفضل أن تدعيه يمرّ أمام الواجهات للتفرّج وأن تدوّني ملاحظاته في رأسك وتستعيني بها لتختارين ما يعجبه ويناسبه .
إعلمي أن اللعبة التي قدّمتها الى طفلك هي له مهما كان ثمنها غالياً . وإذا كنت لا تتحملين منظرها وهي محطّمة فقدّمي اليه لعبة رخيصة الثمن منذ البداية . الفرح الذي تولّده اللعبة في نفس طفلك لا علاقة له بتاتاً بثمنها . إذا كان الطفل يحاول تركيب قطع بعضها داخل البعض الآخر ، وكان لا يتّبع الطريقة الصحيحة أو يتكلّم وحده أو مع اللعبة فراقبيه عن بعد ولا تتدخلي لتصحيح مجرى الأمور أو للمشاركة في الحديث فهو يرغب في أن يكتشف الأمور بنفسه وبلا مساعدة أحد .
المحادثة:
معظم المراهقين يتحسّرون لعدم قدرتهم على التحدّث بصراحة ووضوح مع أهلهم . يتوقون إلى هذا النوع من الحديث الصريح أكثر من توقهم إلى الحرية .
الحاجة إلى المحادثة والاتّصال ضرورة حيوية وجدت مع الطفل منذ الولادة . الطفل يحتاج الى أن تتكلّمي معه منذ الساعات الأولى لحياته . وتستمر هذه الحاجة في عمر السنتين ، والعشر سنوات والخمس عشرة سنة ... ودائماً . لكل مرحلة أحاديث مختلفة تناسبها ، لكن الحديث الدائم حيوي .
الاتّصال لا يقتصر فقط على الحديث بل يشمل الحركة والنظرة والابتسامة وقصة تقرأ أو تروى والنزهة وإلخ ...
الحرية:
في عمر السنة يخرج الطفل من سريره ذي القضبان العالية ليكتشف المنزل . بعد أربعة أشهر من ذلك التاريخ يرغب في أن يترك يدك ليركض وحيداً على قدميه . عند بلوغه عمر السنتين ونصف يتناول السكين وحده رغبة منه بقطع التفاحة . عند بلوغه الرابعة يرغب في الخروج إلى الشارع وحده . في السادسة يرغب بالذهاب وحيداً إلى المدرسة ، وفي الثامنة يذهب لشراء حاجات أمه وحيداً أيضا . في الثانية عشرة يخرج مع أصدقائه لحضور أفلام السينما أو للتنزه ، وفي الرابعة عشرة يود قضاء عطل طويلة بعيداً عن أهله . وفي كل مرة تتساءلين عمّا يجب فعله : هل تتركينه يحقق رغباته أم تطلبين إليه تأجيلها قليلاً ؟
نصيحة الخبراء هي وجوب تشجيع الطفل على أخذ المبادرات والتعوّد على نمط الحياة كلّما رغب في ذلك ، وبلا تدخّل من قبلك . لكن دورك يبقى دائماً دور المراقب وهو الدور الأهم . راقبي تحرّكاته من بعيد وحاولي ألاّ تدعيه يلاحظ ذلك ولا تتدخّلي إلاّ في الحالات القصوى عندما تشعرين أن هناك خطراً ما يتهدّده .
الولد الوحيد:
الولد الوحيد ليس محظوظاً . إنه البكر وفيه كل سيئات الولد البكر ، ولا يخضع للضغوطات التي يفرضها عليه وجود أخ أو أختٍ له ، والتي تساعد على تنفيس كبريائه وتكوين صداقاته وعلاقاته الاجتماعية .
أن يكون له أخوة وأخوات يعني أن يعيش في عالم الطفولة . أمّا إذا كان وحيداً بين أهله ولو كانوا لا يزالون في عمر الشباب فيعني العيش في عالم الكبار وتحمّل المسؤوليات بصورة مبكرة والعيش في جو أقل فرحاً وسعادة . يبحث الولد الوحيد عن أهله ليلعبوا معه وبما أنهم مشغولون معظم الأوقات ، فسوف يجد نفسه وحيداً في غرفته ويكتشف الوحدة باكراً . وهذه تجربة صعبة .
عندما تقدمين لطفلك لعبة ، اعتبري انها صارت ملكاً له يتصرّف بها كما يشاء . قد يخطر للطفل أن يفكك لعبة ليرضي فضوله أو لينفس عن موجة عنف تولّدت في نفسه ، عليك أن تقابلي تصرفه هذا بالتسامح والصبر ، حتى ولو كان ثمن اللعبة التي كسرها باهظاً جداً .
سياسة الابتزاز:
« أنا حزينة لأنك ولد مشاكس » . « تريدني أن أصاب بمرض » . « إذا عذّبتني مرة ثانية ، لن أحبّك أبداً » . « إذا أكلت طعامك كله أشتري لك لعبة » .
ينجرف الأهل بهذه الوسيلة ويستسهلون « الابتزاز » ، دون أن يفكروا بأنهم يزرعون هذه العادة في نفوس أطفالهم . فإمّا أن يصدّق الطفل ما يقولونه ـ وما أصعب أن يشعر الطفل بفقدان حب أهله له ـ أو لا يصدّق ويفقد ثقته بكلامهم وهذا صعب أيضاً .
السلبية:
« لا تلمس ، لا تفعل هذا ، لا تركض ... » إلخ ...
كثيرون من الأهل يعتمدون على سياسة التربية السلبية لاعتقادهم أن الطفل يرغب دائماً في ما يحرّمه الأهل . ويعمد الأهل إلى فرض إرادتهم عليه ليصححوا مساره . لكن في المدرسة يعلّمه الأستاذ أن ( 1 + 1 ) تساوي 2 ، ولا يقول له إن ( 1 + 1 ) لا تساوي ثلاثة . لماذا نتبع السياسة السلبية في المنزل إذاً ؟
السلطة:
هل السلطة ضرورية بالنسبة إلى الأطفال ؟ يحتاج الطفل الى أن يكون منقاداً ويرشد إلى الطريق الصحيح . يحتاج إلى أهل يدلونه على ما يجب ان يفعله وما يجب أن يتجنّبه .
ما هي السلطة ؟ السلطة هي معرفة ما هو جيد لمصلحة الطفل جسديّاً ومعنويّاً ، والحسم ، وفرض الإرادة والحزم وعدم الرضوخ للتوسّل .
حزم الأهل يطمئن الطفل ويريحه ، هذه السلطة لا يقبل بها وحسب بل هو يبحث عنها إذا لم تكن موجودة ، وهي ضرورية لتوازنه النفسي .
الأمان:
الأمان هو أهم احتياجات الطفل . الأمان هو أن تعطيه المأكل والمشرب وتقيه أذى البرد والمرض . هذا الأمان المادي ضروري لكنه ليس كل شيء ، فالطفل يحتاج أيضاً إلى الشعور بالأمان النفسي . أنظري إلى الطفل الرضيع الذي يقفز إلى حضن أمه بطريقة لا شعورية عندما يسمع صوتاً قوياً ، أو ذاك الذي يلتصق بأمه ويشدّ على يدها عندما يلمح ثوب الطبيب الأبيض . إنّه بحاجة إلى وجود الأم ليتشجّع على مواجهة كل جديد . هذا هو الأمان بالنسبة إلى الطفل .
الولد البكر:
نلاحظ أن الأولاد الأبكار يتشابهون . إنهم جديون ، مثاليون ، قلقون دائماً ، يشكّكون بكل شيء . من أسباب ذلك أن الولد البكر لا يتربّى مثل أخوته الأصغر منه . مع الأول نلجأ إلى كافة التجارب التربوية وننفّذ كل النصائح التي سمعناها وقرآناها بحرفيّتها . نخاف على الولد الأول ، نخاف أن يبرد ، أن يسقط ، نلفّه ونحميه جيداً . في الوقت نفسه نجد أنفسنا متحمسين لرؤيته يكبر بسرعة . ما ان يدخل صف الحضانة حتى نبدأ نفكّر بتخصّصه الجامعي . بهذا الاستعجال ومعاملتنا له كأنه أكبر سناً ، نسرق منه مرحلة الطفولة . وتأمّلي موقفه عندما يصله نبأ ، قرب ولادة أخ له ، أو أخت ، سوف تقاسمه محبتك ورعايتك . وما إن يطل الولد الثاني حتى يصبح البكر ، الولد الأكبر ، الذي يتحمل مسؤوليته أخوته وربما أهله . هكذا بسرعة وبسبب المسؤوليات الملقاة على عاتقه ولو بالكلام ، يصبح جدياً وهو لا يزال طفلاً .
أن تلقّني ابنك البكر مبادئ راقية هو واجبك كمربيّة ، لكن حاولي أن تزوّديه بها مرفقة بكل ما لديك من حنان ومحبة .
التربية الصامتة:
من أصعب الأمور وأدقّها الحديث عن وسائل التربية وإعطاء النصائح حول هذا الموضوع . ذلك لأنه واسع جداً ومتنوّع بتنوّع طباع الأطفال . ورغم ذلك نودّ أن نجازف بنصيحة أخيرة :
لا تردّدي « قل مرحباً ، اضبط أعصابك ، انتبه لنظافة ثيابك ، كن عاقلاً إلخ .... » لأنك بذلك لن تحصلي على لحظة الراحة التي تنشدين وطفلك سوف يبقى في حالة قلق دائمة . بكل بساطة استمعي إليه واستفيدي من وجوده معك وغداً يذهب إلى المدرسة وتشعرين أن منزلك بات فارغاً وسوف تندمين على اللحظات التي مرّت .
حتى لو حاولت أن تكوني أمّاً مثالية فسوف ترتكبين أخطاءً كثيرة . هذا الأمر غير مهمّ طالما أنك تؤمّنين لطفلك احتياجاته الأساسية : العاطفة والثقة .
لا تتأثري كثيراً بنوعية كلامك معه . الكلام لا يؤثّر فيه بقدر ما تؤثّر تصرّفاتك في حضوره . إهتمامك ، ذوقك ، الإطار الذي تعيشين ضمنه وتحيطين به طفلك ، ورعايتك له ... تلك هي البذور التي تنزرع في نفسه .
بكل بساطة تصرّفي أمام الطفل كما تريدينه أن يفعل ، وهكذا توصلين إليه ما تريدينه من مبادئ ومفاهيم . أمّا إذا كانت أفعالك متناقضة مع أقوالك فهو سيتمثّل بالأفعال وحدها . والتربية الجيدة والفعّالة هي التربية الصامتة .
أخيراً سيدتي ثقي بأنك المرجع الأول والأخير في تقرير الوسائل التربوية المناسبة لطباع طفلك ومزاجه . وأفضل وسيلة تتعرّفين من خلالها على ما يجب فعله في لحظة معينة ، هو احساسك بالمسؤولية وحدسك ومحبتك الهائلة لهذا الطفل ، وباختصار ما اتفق على تسميته بعد أجيال من الاختبارات الحياتية « بغريزة الأمومة . »
المصدر :
بتصرف من کتاب اسرار الطفولة
source : .www.rasekhoon.net