إن الانخراط فی المجتمع والتفاعل معه لا یعنی الفوضویة فی الاحتکاک مع الآخرین فلیس صحیحا أن نجلس أی مجلس نصادفه لمجرد أننا اجتماعیون لأن المجلس قد یؤثر فیک أکثر مما تأثر فیه وقد یلقی بظلاله على أخلاقک وسلوکک وطریقة تفکیرک، وکما فی المثل المعروف: "قل لی من تعاشر أقل لک من أنت".
عن رسول اللّه صلى الله علیه وآله وسلم: (ارتعوا فی ریاض الجنة..." قالوا: یا رسول اللّه، وما ریاض الجنة؟ قال صلى الله علیه وآله وسلم: "مجالس الذکر)(1)
وفی الروایة عن رسول الله صلى الله علیه وآله وسلم:(المرء على دین خلیله وقرینه)(2)
فلابد وأن یلاحظ الإنسان ویراعی بدقة متناهیة من یجالسهم والأسلوب الذی یجالس به الآخرین والحقوق المترتبة علیه من جراء ذلک، وقد یندم الإنسان على کثیر من المجالس التی کان یحضرها، ولذا کانت الوصیة من لقمان الحکیم فی وصایاه لولده:
(اختر المجالس على عینیک فإن رأیت قوما یذکرون الله فاجلس معهم، فإنک إن تک عالما ینفعک علمک ویزیدونک وإن کنت جاهلا علموک، ولعل الله یصلهم برحمة فتعمک معهم)(3)
ولذا لابد من مراجعة للنصوص الدینیة لملاحظة الأحکام التی جاءت بها الشریعة للمجلس والجلیس والحدیث لکی نقف على حد الحق ونتوجه نحو الله بقلوب خلت من اللغو السهو، فأی مجلس نشارک فیه؟ وأی مجلس نعرض عنه؟ هنالک الکثیر من الروایات التی تحدثنا عن ذلک:
هناک العدید من المجالس التی لا تلیق بالمؤمن ولا تخدم مسیرته وروحیته. وقد أشارت العدید من الآیات القرآنیة الشریفة والروایات عن أهل البیت إلى هذه المجالس:
1- مجالس الاستهزاء بالمقدسات
ولا سیما لو کان القاعدون ممن لا ینتهون عن المنکر ولا یخجلون من ارتکابه قال سبحانه وتعالى:﴿وَقَدْ نَزَّلَ عَلَیْکُمْ فِی الْکِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آیَاتِ اللّهِ یُکَفَرُ بِهَا وَیُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلاَ تَقْعُدُواْ مَعَهُمْ حَتَّى یَخُوضُواْ فِی حَدِیثٍ غَیْرِهِ...﴾(4).
وقد شرح الإمام الصادق علیه السلام هذه الآیة ومن المراد من هؤلاء القوم وما هی صفاتهم حیث روی عنه علیه السلام فی قوله تعالى: ﴿وَقَدْ نَزَّلَ عَلَیْکُمْ فِی الْکِتَابِ...﴾:
(إنما عنى بهذا الرجل یجحد الحق ویکذب به ویقع فی الأئمة فقم من عنده ولا تقاعده کائنا من کان)(5).
فهناک حد أدنى یجب توفره فی المجالس التی یحضرها الإنسان، هذا الحد الأدنى یتمثل باحترام المقدسات الإسلامیة، وعدم الاستهزاء بالأمور الأساسیة کآیات الله أو أنبیاءه أو الأئمة الأطهار علیهم السلام.
فعن رسول الله صلى الله علیه وآله: من کان یؤمن بالله والیوم الآخر فلا یجلس فی مجلس یسب فیه إمام أو یغتاب فیه مسلم إن الله یقول فی کتابه: ﴿وَإِذَا رَأَیْتَ الَّذِینَ یَخُوضُونَ فِی آیَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى یَخُوضُواْ فِی حَدِیثٍ غَیْرِهِ وَإِمَّا یُنسِیَنَّکَ الشَّیْطَانُ فَلاَ تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّکْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِین﴾(6).
2- مجالس الخمر
إن الخمر من الأمور الأساسیة التی حاربها الإسلام بشکل قاطع بسبب فسادها واثرها على الإنسان، ویکفی هذا الشراب الشیطانی أنه یسلب الإنسان عقله هذا العقل الذی جعله الله تعالى میزة الإنسان فی هذه الدنیا وفخره ورفعته، فإذا فقد الإنسان عقله لم یعد هناک ما یمیزه عن أی دابة من دواب الأرض! هذا الشراب الذی ینقل الإنسان لیعیش على هامش الحیاة ویتحول إلى فضلة من الفضلات التی نبذها المجتمع... بل یصبح عبداً للشیطان بعد أن خلقه الله تعالى حراً .
فعن الإمام الصادق علیه السلام: (حرمها لأنها أم الخبائث ورأس کل شر، یأتی على شاربها ساعة یسلب لبه فلا یعرف ربه ولا یترک معصیة إلا رکبها ولا یترک حرمة إلا انتهکها ولا رحماً ماسة إلا قطعها ولا فاحشة إلا أتاها، والسکران زمامه بید الشیطان إن أمره أن یسجد للأوثان سجد، وینقاد حیثما قاده)(7).
ولم یکتف الإسلام بتحریم کثیره وقلیله، بل حرم حتى الجلوس فی المجلس وعلى الطاولة التی فیها خمر، تحریماً قاطعاً! یصل إلى درجة لعن من یرتکب ذلک.
وعن الإمام علی علیه السلام:(لا تجلسوا على مائدة یشرب علیها الخمر فإن العبد لا یدری متى یؤخذ)(8)
فکیف یکون موقف الإنسان أمام الله، إذا انتقل إلیه وهو على طاولة الخمر .
3- الجلوس فی الطرقات
فالطرقات هی أماکن عامة من حق جمیع الناس أن یستفیدوا منها من أی مزاحمة أو مضایقة من أحد، فلیس من الأدب جعل المجالس فی الشارع وتضییق الطرقات، فإن ذلک قد یتسبب بأذیة الناس.
وقد ورد عن الإمام علی علیه السلام:(إیاک والجلوس فی الطرقات)(9)
إن المجالس التی ینبغی أن یشارک فیها الإنسان المؤمن هی المجالس التی لله تعالى، والتی یذکر فیه الله سبحانه وتعالى. وقد سمت الروایات المجالس التی یذکر فیها الله عز وجل بریاض الجنة، ولعل ذلک لأن الملائکة تحضر فیها.
فعن رسول الله صلى الله علیه وآله وسلم:
(ارتعوا فی ریاض الجنة قالوا یا رسول الله وما ریاض الجنة؟ قال صلى الله علیه وآله وسلم: مجالس الذکر)(10)
وفی روایة أخرى عنه صلى الله علیه وآله وسلم:
(ما قعد عدة من أهل الأرض یذکرون الله إلا قعد معهم عدة من الملائکة)(11).
فمجالس الذکر هی مجالس العبادة فلیس عجیبا أن تحضر الملائکة فیها ومن هذه المجالس مجالس ذکر أهل البیت علیهم السلام سواء کان ذکرا لفضائلهم وتعالیمهم أم ذکرا لمصائبهم التی تعرضوا لها.
وفی الروایة المأثورة عن الإمام الرضا علیه السلام: (من جلس مجلسا یحیى فیه أمرنا لم یمت قلبه یوم تموت القلوب)(12).
وعن الإمام الصادق علیه السلام لفضیل:
(تجلسون وتحدثون؟ قلت نعم جعلت فداک قال علیه السلام إن تلک المجالس أحبها فأحیوا أمرنا یا فضیل فرحم الله من أحیا أمرنا، یا فضیل من ذکرنا أو ذکرنا عنده فخرج من عینه مثل جناح الذباب غفر الله له ذنوبه ولو کان أکثر من زبد البحر)(13).
وعن أبی الحسن الکاظم علیه السلام قال:
(وإن المؤمنین یلتقیان فیذکران اللَّه ثم یذکران فضلنا أهل البیت فلا یبقى على وجه إبلیس مضغة لحم إلا تخدد حتى أن روحه لتستغیث من شدة ما تجد من الألم فتحس ملائکة السماء وخزان الجنان فیلعنونه حتى لا یبقى ملک مقرب إلا لعنه فیقع خاسئاً حسیراً مدحور)(14).
وعن رسول اللَّه صلى الله علیه وآله وسلم:(إن اللَّه تعالى جعل لأخی علی بن أبی طالب علیه السلام فضائل لا تحصى کثرة فمن قرأ فضیلة من فضائله مقراً بها غفر اللَّه له ما تقدم من ذنبه وما تأخر ومن کتب فضیلة من فضائله لم تزل الملائکة یستغفرون له ما بقی لتلک الکتابة رسم، ومن استمع إلى فضیلة من فضائله غفر اللَّه له الذنوب التی اکتسبها بالسمع، ومن نظر إلى کتابة من فضائله غفر اللَّه له الذنوب التی اکتسبها بالنظر)(15)
فهذه بعض الأمور التی تذکر فی المجالس بصورة عامة.ومن الذکر الخاص الذی یقال فی المجالس ما روی عن أبی جعفر الباقر علیه السلام:
(من أراد أن یکتال بالمکیال الأوفى فلیقل إذا أراد أن یقوم من مجلسه (سبحان ربک رب العزة عما یصفون وسلام على المرسلین والحمد للَّه رب العالمین)(16)
وفی حدیث آخر قال علیه السلام:(وهذه هی کفارة الذنوب فی المجلس)(17).
وعن أبی عبد اللَّه علیه السلام قال:
(ما اجتمع فی مجلس قوم لم یذکروا اللَّه عزَّ وجلّ ولم یذکرونا إلا کان ذلک المجلس حسرة علیهم یوم القیامة)(18).
فهنیئا لمن یحضر مجالس الذکر مستذکرا ومخلصا متعبدا لله عزَّ وجلّ، فبها غفران ذنوبه وترحم أهل البیت علیهم السلام علیه...
هذا بالنسبة إلى طبیعة المجلس الذی ینبغی التجنب عنه وعدم المشارکة فیه، یُضاف إلى ذلک ضرورة ملاحظة طبیعة الأشخاص الذین یشارکون فی المجالس، فللأشخاص تأثیر کبیر حتى لو لم یکن المجلس عنوانه معصیة.
المصادر :
1- میزان الحکمة ح2386 /بحار الانوار :93/163
2- الکافی، ج 2، ص 375.
3- میزان الحکمة، ج 1، ص 398.
4- النساء:140.
5- میزان الحکمة، ح 2373.
6- میزان الحکمة، ح 5732. / الأنعام:68.
7- وسائل الشیعة، ج 52، ص 317.
8- میزان الحکمة، ح 2377.
9- میزان الحکمة، ح 2378.
10- میزان الحکمة، ح 2386.
11- میزان الحکمة، ح 2387.
12- میزان الحکمة، ح 2394.
13- میزان الحکمة، ح 2395.
14- الکافی، ج 2، ص 188.
15- بحار الأنوار ج 26، ص 229.
16- وسائل الشیعة ج 7، ص 154، نشر مؤسسة أهل البیت قم المقدسة.
17- حلیة المتقین، ص 574 573.
18- الکافی،ج 2، ص 496.
source : .www.rasekhoon.net