عربي
Sunday 24th of November 2024
0
نفر 0

هل يمكن اطلاق صفة المُدرك على الله تعالى؟

هل يمكن اطلاق صفة المُدرك على الله تعالى؟

جاء في كتاب الله المجيد في وصف الباري تعالى " لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ وَ هُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصارَ وَ هُوَ اللَّطيفُ الْخَبيرُ"[1] و مدرك على وزن "فاعل" اسم من اسماء الله تعالى.[2] كذلك ورد في القرآن الكريم و الروايات توصيف الله تعالى بالمُدرك،[3] و صفة "مُدرك" في الرواية تأتي بنفس المعنى الذي ورد في الآية الشريفة " یُدْرِكُ".

و قد وقع البحث بين المتكلمين حول صفة الادراك هذه و اختلاف الآراء فيها، من هنا نحاول الاشارة الى ما ذكرة الشيخ السبحاني في كتاب الالهيات:

قد عدّ بعض المتكلمين الإِدراك من صفاته، و المدرِك بصيغة الفاعل من أَسمائه، تَبَعاً لقوله سبحانه: «لَّاتُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ».

و لا شك أَنَّه سبحانه بحكم الآية الشريفة مُدْرِك، لكن الكلام في أنَّ الإِدراك هل هو وصف وراء العلم بالكليّات و الجزئيات؟، أو هو يعادل العلم و يرادفه؟، أو هو عِلْم خاص و هو العِلم بالموجودات الجزئية العَيْنِيّة، فإِدراكُه سبحانه هو شهود الأَشياء الخارجية ووقوفه عليها وقوفاً تاماً؟.

يقول العلامة الطباطبائي: الأَلفاظ المستعملة في القرآن الكريم في أَنواع الإِدراك كثيرة ربما بلغت العشرين كالعِلْم والظَّن و الحُسبان و الشعور و الذِكر و العِرفان والفَهْم و الفِقْه و الدِراية و اليقين و الفِكر و الرَأي و الزَّعم و الحِفْظ و الحِكْمة و الخِبْرة و الشَّهادة و العَقْل و يلحق بها مثل القَوْل و الفَتوى و البَصيرة.

و هذه الأَلفاظ لا تخلو معانيها عن ملابسة المادَّة و الحركة و التَّغيّر، غير خمسة منها و هي: العِلْم الحفظ و الحكمة و الخبرة و الشهادة. فلأجل عدم استلزامها النقص والفقدان استعملت في حقه سبحانه. قال تعالى: «وَاللَّهُ بِكُلّ شَي ءٍ عَلِيمُ» [4]. و قال تعالى «وَ رَبُّكَ عَلَى كُلّ شَي ءٍ حَفِيظٌ»[5]. و قال تعالى: «وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ»[6] و قال سبحانه: «إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ».[7]و قال تعالى: «أَوَ لَمْ يَكْفِ بِرَبّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلّ شَي ءٍ شَهِيدٌ»[8].

و بذلك يظهر أنّ إدراكه سبحانه ليس شيئاً وراءَ ما جاءَ في هذه الآيات و عبّر عنه بالعليم و الحفيظ و الخبير و الحكيم و الشهيد. و الأقرب هو كونه بمعنى الأَخير (الشهيد)، فشهوده للموجودات و حضورها لدى ذاته و قيامُها به قيام المعنى الحرفي بالإِسمي، معنى كونه مدركاً للأَشياء «لَّاتُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ».[9]

و الجدير بالذكر ان المتكلمين لم يختلفوا في جواز اطلاق الاسماء و الصفات التي ثبت ان الله تعالى اطلقها على نفسه، و المنع من اطلاق الصفات التي صرح الشرع بمنع اطلاقها عليه سبحانه، نعم، وقع الخلاف في الامور التي لم يصرح بالاذن فيها و لم يصرح بمنع اطلاقها على ذات الله تعالى، و بقيت كحالة برزخية بين المنع و الجواز. حيث ذهب بعض الاعلام الى نفي توقيفية الاسماء و الصفات؛ بمعنى أنه لا يشترط في إطلاق الصفة أو الاسم على الله تعالى وجودها في آية أو رواية، بل يكفي في كون الاسم أو الصفة غير موهم و يكون من الامور التي لا يستحيل وصف الباري بها. و في المقابل ذهب بعض الاعلام الى القول بتوقيفية الاسماء و الصفات و أنه لا يمكن وصفه تعالى الا بما جاء في الكتاب أو السنة الصحيحة. و هناك طائفة ثالثة ذهبت الى التفصيل بين الاسماء و الصفات فقالت بتوقيفية الاسماء دون الصفات.[10]

 

[1] الانعام، 103.

[2] السبحاني، جعفر، الإلهيات على هدى الكتاب و السنة و العقل، ج 1، ص 163، المركز العالمي للدراسات الإسلامية، قم، 1412 ق.

[3] من قبيل: «وَ اللَّهِ الَّذِي لا إِلهَ إِلَّا هُوَ ... الْمُدْرِكُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ وَ الْعَلَانِيَةَ»؛ الطوسي، محمد بن الحسن، تهذيب الأحكام، تحقيق و تصحيح: موسوي خرسان، حسن، ج 6، ص 319، دار الكتب الإسلامية، طهران، الطبعة الرابعة، 1407ق.

[4] النساء، 176.

[5] سبأ، 21.

[6] البقرة، 234.

[7] يوسف، 83.

[8] سورة فصلت: الآية 53، لا حظ فيما ذكرناه الميزان، ج 2، ص 259- 261.

[9] الانعام، 103؛ و انظر: الإلهيات على هدى الكتاب و السنة و العقل، ج 1، ص 163.

[10] پژوهشكده تحقيقات اسلامي، فرهنگ شيعة، ص 321، زمزم هدايت ، قم، الطبعة الثانية، 1386ش؛ الطباطبائي، سید محمدحسین، المیزان في تفسیر القرآن، ج 8، ص 358 و 359، مكتب الاعلام الاسلامي، قم، الطبعة الخامسة، 1374ش.

 


source : www.islamquest.net
0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخر المقالات

مسؤوليات الشباب في كلام القائد
ما تفسیر آیة "ما یَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلاَّ ...
ارضاء الروح
تنصيص النبي السابق على نبوة اللاحق
في قول النبي لأهل بيته: (أنا حرب لمن حاربكم) ...
نظرة قرآنية حول مفهوم الموت
کیف ندعو الله اذا مرضنا؟
وقفة بين يدي زِيارة الأربعِين
من هو النبي المرسل؟ ومن هم الأنبياء؟ وما هي ...
المُناظرة التاسعة/مناظرة السيد محمد جواد ...

 
user comment