السلام علیکم، قوله تعالى (لَقَدْ رَضِیَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِینَ إِذْ یُبَایِعُونَکَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ).(إِنَّ الَّذِین َ یُبَایِعُونَکَ إِنَّمَا یُبَایِعُونَ اللَّهَ یَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَیْدِیهِمْ فَمَنْ نَکَثَ فَإِنَّمَا یَنْکُثُ عَلَى نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفَى بِمَا عَاهَدَ عَلَیْهُ اللَّهَ فَسَیُؤْتِیهِ أَجْرًا عَظِیمًا ( الفتح 10) ولم تذکر ید الرسول (ص)؟
الجواب الإجمالي
الآیات المبارکة تتحدث عن قصة الحدیبیة فی السنة التی اراد بها حج بیت الله و الاعتمار هناک الا ان قریشا منعته و اصرت على عنادها و من هنا بایعة المسلمون على الثبات و القتال فتزعزت ارکان مشرکی قریش و من هنا تحدث الایة الاولى عن البیعة و الثانیة عن النتیجة المترتبة علیها.
فذهب بعض المفسرین الى ان المراد من الآیة "ید الله فوق ایدیهم" أنّ قدرة اللّه فوق قدرتهم أو أنّ نصرة اللّه أعظم من نصرة الناس و ان حول اللّه و قوته فوق قوتهم و حرکتهم، و هو قولهم للرسول (ص)عند البیعة: «بایعناک على أن لا نفر و نقاتل لک". فاذا کانت الله تعالى سندا و دعما للمبیایعن للرسول (ص) فانه من باب أولى سیکون سندا و معتصما للرسول نفسه، کما ورد فی قوله تعالى الذی اشار به الى بعض زوجاته (ص) " إِنْ تَتُوبا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُکُما وَ إِنْ تَظاهَرا عَلَیْهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلاهُ وَ جِبْریلُ وَ صالِحُ الْمُؤْمِنینَ وَ الْمَلائِکَةُ بَعْدَ ذلِکَ ظَهیر".
واما الآیة الاخرى: "لَقَدْ رَضِیَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِینَ إِذْ یُبایِعُونَکَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ" فقد تحدثت عن بیعة الرضوان و التی کان الهدف منها اظهار الانسجام أکثر فأکثر بین القوى و تقویة المعنویات و تجدید التعبئة العسکریة و معرفة الأفکار و اختبار میزان التضحیة من قبل المخلصین الأوفیاء! و هذه البیعة أعطت روحا جدیدا فی المسلمین لأنّهم أعطوا أیدیهم إلى النبی و أظهروا وفاءهم من أعماق قلوبهم.
فأعطى اللّه هؤلاء المؤمنین المضحّین و المؤثرین على أنفسهم نفس رسول اللّه فی هذه اللحظة الحسّاسة و الذین بایعوه تحت الشجرة أعطاهم أربعة أجور، و من أهمّ تلک الأجور و الاثابات الأجر العظیم و هو «رضوانه» کما عبّرت عنه الآیة (72) من سورة التوبة وَ رِضْوانٌ مِنَ اللَّهِ أَکْبَرُ ... أیضا.
الجواب التفصيلي
نقرأ فی الآیتین المبارکتین:
1. الآیة الاولى: " إِنَّ الَّذینَ یُبایِعُونَکَ إِنَّما یُبایِعُونَ اللَّهَ یَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَیْدیهِمْ فَمَنْ نَکَثَ فَإِنَّما یَنْکُثُ عَلى نَفْسِهِ وَ مَنْ أَوْفى بِما عاهَدَ عَلَیْهُ اللَّهَ فَسَیُؤْتیهِ أَجْراً عَظیماً"[1]
و البیعة تعنی بذل الطاعة للسلطان بما رضخ له[2]. و عرفها المصطفوی بقوله: هی المعاهدة و المعاقدة المخصوصة.[3] و قال صاحب تفسیر الامثل: «البیعة» معناها المعاهدة على اتّباع الشخص و طاعته، و کان المرسوم أو الشائع بین الناس أنّ الذی یعاهد الآخر و یبایعه یمد یده إلیه و یظهر وفاءه و معاهدته عن هذا الطریق لذلک الشخص أو لذلک «القائد» المبایع!.
و حیث أنّ الناس یمدّون أیدیهم «بعضهم إلى بعض» عند البیع و ما شاکله من المعاملات و یعقدون المعاملة بمد الأیدی و «المصافحة» فقد أطلقت کلمة «البیعة» على هذه العقود و العهود أیضا. و خاصة أنّهم عند «البیعة» کأنّما یقدّمون أرواحهم لدى العقد مع الشخص الذی یظهرون وفاءهم له.[4]
و من هنا یتضح معنى قوله تعالى "ید الله فوق ایدیهم" یعنی یدک الّتی فوق أیدیهم فی حال بیعتهم إیّاک، إنّما هی بمنزلة ید اللّه لأنّهم فی الحقیقة یبایعون اللّه ببیعته.[5] و أمثال هذه الکنایة کثیرة فی اللغة العربیة!.
و بناء على هذا التّفسیر فإنّ من یرى بأنّ معنى هذه الجملة "یَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَیْدِیهِمْ" هو أنّ قدرة اللّه فوق قدرتهم أو أنّ نصرة اللّه أعظم من نصرة الناس و أمثال ذلک لا یتناسب تأویله مع شأن نزول الآیة و مفادها و إن کان هذا الموضوع بحدّ ذاته صحیحا.
ثمّ یضیف القرآن الکریم قائلا: "فَمَنْ نَکَثَ فَإِنَّما یَنْکُثُ عَلى نَفْسِهِ وَ مَنْ أَوْفى بِما عاهَدَ عَلَیْهُ اللَّهَ فَسَیُؤْتِیهِ أَجْراً عَظِیماً"[6] . کلمة «نکث» مشتقة من «نکث» و معناها الفتح و البسط ثمّ استعملت فی نقض العهد.
و القرآن فی هذه الآیة ینذر جمیع المبایعین للنبی (ص) أنّ یثبتوا على عهدهم و بیعتهم فمن ثبت على العهد فسیؤتیه اللّه أجرا عظیما و من نکث فإنّما یعود ضرره علیه و لا ینال اللّه ضرره أبدا .. بل إنّه یهدّد وجود المجتمع و کرامته و عظمته و یعرّضه للخطر بنقضه البیعة![7]
و قد ورد- فی کلام- عن أمیر المؤمنین علیه السّلام قوله: «إنّ فی النّار لمدینة یقال لها الحصینة، أ فلا تسألونی ما فیها؟! فقیل له: ما فیها یا أمیر المؤمنین؟! قال: فیها أیدی الناکثین".[8] من هنا یتضح مدى شناعة و قبح نکث العهود و المواثیق و یتّضح بجلاء قبح نقض البیعة من وجهة نظر الإسلام.[9]
و ذهب بعض المفسرین الى ان المراد من الآیة أنّ قدرة اللّه فوق قدرتهم أو أنّ نصرة اللّه أعظم من نصرة الناس و ان حول اللّه و قوته فوق قوتهم و حرکتهم، و هو قولهم للرسول (ص)عند البیعة: «بایعناک على أن لا نفر و نقاتل لک".[10] فاذا کانت الله تعالى سندا و دعما للمبیایعن للرسول (ص) فانه من باب اولى یکون سندا و معتصما للرسول نفسه، کما ورد فی قوله تعالى الذی اشار به الى بعض زوجاته (ص) " إِنْ تَتُوبا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُکُما وَ إِنْ تَظاهَرا عَلَیْهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلاهُ وَ جِبْریلُ وَ صالِحُ الْمُؤْمِنینَ وَ الْمَلائِکَةُ بَعْدَ ذلِکَ ظَهیر".[11]
2. الایة الثانیة: " لَقَدْ رَضِیَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنینَ إِذْ یُبایِعُونَکَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ ما فی قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّکینَةَ عَلَیْهِمْ وَ أَثابَهُمْ فَتْحاً قَریباً".[12]
من المعروف ان رسول الله (ص) خرج یرید مکة فلما بلغ الحدیبیّة جرى حوار بین ممثلی قریش و النّبی (ص) الذین بعثهم إلى أشراف مکّة و مشرکی قریش لیطلعهم على أنّ النّبی لم یکن یقصد الحرب و القتال بل هدفه زیارة بیت اللّه و احترام الکعبة المشرّفة بمعیة أصحابه ... إلّا أنّ قریشا اصرت على عنادها واوقفت ممثل النبی مؤقتا و شاع على أثر ذلک بین المسلمین أنّه قد قتل!
فقال النّبی (ص): لا أبرح مکانی هذا حتى أقاتل عدوّی!
ثمّ جاء إلى شجرة هناک فطلب من المسلمین تجدید البیعة تحتها، و طلب منهم أن لا یقصّروا فی قتالهم المشرکین و أن لا یولّوا أدبارهم من ساحات القتال. فبلغ صدى هذه البیعة مکّة و اضطربت قریش من ذلک بشدّة.
و کما نعرف فإنّ هذه البیعة عرفت ببیعة الرضوان و قد أفزعت المشرکین و کانت منعطفا فی تاریخ الإسلام.
فالآیتان محل البحث تتحدّثان عن هذه القصة فتقول الأولى: "لَقَدْ رَضِیَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِینَ إِذْ یُبایِعُونَکَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ". و الهدف من هذه البیعة الانسجام أکثر فأکثر بین القوى و تقویة المعنویات و تجدید التعبئة العسکریة و معرفة الأفکار و اختبار میزان التضحیة من قبل المخلصین الأوفیاء! و هذه البیعة أعطت روحا جدیدا فی المسلمین لأنّهم أعطوا أیدیهم إلى النبی و أظهروا وفاءهم من أعماق قلوبهم.
فأعطى اللّه هؤلاء المؤمنین المضحّین و المؤثرین على أنفسهم نفس رسول اللّه فی هذه اللحظة الحسّاسة و الذین بایعوه تحت الشجرة أعطاهم أربعة أجور، و من أهمّ تلک الأجور و الاثابات الأجر العظیم و هو «رضوانه» کما عبّرت عنه الآیة (72) من سورة التوبة وَ رِضْوانٌ مِنَ اللَّهِ أَکْبَرُ ... أیضا.[13]
[1] الفتح، 10.
[2] الراغب الاصفهانی، حسین بن محمد، المفردات فی غریب القرآن، تحقیق: داودی، صفوان عدنان، ص 155، دارالعلم ، الدار الشامیة، دمشق، بیروت، الطبعة الاولى، 1412ق.
[3] مصطفوی، حسن، التحقیق فی کلمات القرآن الکریم، ج 1، ص: 36، بنگاه ترجمه و نشر کتاب، طهران، 1360هجری شمسی.
[4] مکارم الشیرازی، ناصر، الأمثل فی تفسیر کتاب الله المنزل، ج 16، ص: 442، مدرسة الامام علی بن ابی طالب(ع)، الطبعة الاولى،1421هـ.
[5] الفیض الکاشانی، ملا محسن، الأصفى فی تفسیرالقرآن، تحقیق: درایتی، محمدحسین، نعمتی، محمدرضا، ج 2، ص 1183، مرکز انتشارات مکتب الاعلام الاسلامی، قم، الطبعة الاولى، 1418ق؛ التفسیر الامثل ج16 ص443.
[6] الفتح، 10.
[7] الأمثل فی تفسیر کتاب الله المنزل، ج 16، ص: 442-443.
[8] بحار الأنوار، الجزء 67، الصفحة 186.
[9] انظر: «رضوان الله عن بیعة المبایعین فی بیعة الرضوان»، سؤال 2793. وانظر تفسیر الامثل.
[10] شریف لاهیجی، محمد بن علی، تفسیر شریف لاهیجی، تحقیق: حسینی ارموی (محدث)، میر جلال الدین، ج 4، ص 190، دفتر نشر داد، طهران، الطبعة الاولى، 1373ش؛ تستری، ابومحمد سهل بن عبدالله، تفسیر التستری، تحقیق: عیون السود، محمد باسل، ج 1، ص 147، منشورات محمدعلی بیضون، دارالکتب العلمیة، بیروت، الطبعة الاولى، 1423ق.
[11] التحریم، 4.
[12] الفتح، 18.
[13] انظر: مجمع البیان فی تفسیر القرآن، ج 9، ص: 176-177؛ الأمثل فی تفسیر کتاب الله المنزل، ج 16، ص: 457 - 458.
source : www.islamquest.net