فاطمة الزهراء بنت محمد بن عبد الله رسول الإسلام. أمها خدیجة بنت خویلد ولدت یوم الجمعة 20 جمادى الآخرة فی السنة الخامسة بعد البعثة النبویة بعد حادثة الإسراء والمعراج بثلاثة سنوات. زوجها هو علي بن أبي طالب علیه السلام.
نشأتها :
شهدت فاطمة منذ طفولتها أحداثاً جساماً کثیرةً، فقد کان النبی یعانی من اضطهاد قریش وکانت فاطمة تعینه على ذلک الاضطهاد وتسانده وتؤازره، کما کان یعانی من أذى عمه أبی لهب وامرأته أم جمیل من إلقاء القاذورات أمام بیته فکانت فاطمة تتولى أمور التنظیف والتطهیر.
وکان من أشد ما قاسته من آلام فی بدایة الدعوة ذلک الحصار الشدید الذی حوصر فیه المسلمون مع بنی هاشم فی شعب أبی طالب، وأقاموا على ذلک ثلاثة سنوات، فلم یکن المشرکون یترکون طعاماً یدخل مکة ولا بیعاُ إلا واشتروه، حتى أصاب التّعب بنی هاشم واضطروا إلى أکل الأوراق والجلود، وکان لا یصل إلیهم شیئاً إلا مستخفیاً، ومن کان یرید أن یصل قریبا له من قریش کان یصله سراً.
وقد أثر الحصار والجوع على صحة فاطمة، ولکنّه زادها إیماناً ونضجاً. وما کادت فاطمة الصغیرة تخرج من محنة الحصار حتى فوجئت بوفاة أمها خدیجة فامتلأت نفسها حزناً وألماً، ووجدت نفسها أمام مسؤولیات ضخمة نحو أبیها النبی الکریم، وهو یمرّ بظروف قاسیة خاصة بعد وفاة زوجته وعمّه أبی طالب. فما کان منها إلا أن ضاعفت الجهد وتحملت الأحداث بصبر، ووقفت إلى جانب أبیها الرسول الکریم لتقدم له العوض عن أمها وزوجته ولذلک کانت تُکنّى بـ أم أبیها.
أسماؤها و ألقابها
سبب تسمیة الرسول الکریم لها بفاطمة :
تعددت أسماء فاطمة الزهراء وألقابها. أما تسمیة "فاطمة" فقد قال عنها الخطیب البغدادی وابن حجر الهیتمی فی الصواعق المحرقة: «أن الله سمّاها فاطمة لأنه فطمها ومحبیها عن النار»، وفی سنن الأقوال والأفعال روى الدیلمی عن أبی هریرة: «إنما سمیت فاطمة لأن الله فطمها ومحبیها عن النار». بینما قال محب الدین الطبری فی ذخائر العقبى: «إن الله فطمها وولدها عن النار».(1)
من ألقابها :
• الزهراء: هناک من یقول أن النبی محمد (صلی الله علیه وآله وسلم) هو من سماها بالزهراء لأنها کانت تزهر لأهل السماء کما تزهر النجوم لأهل الأرض، وذلک لزهدها وورعها واجتهادها فی العبادة، وفی ذلک ینقل بعض المحدثین وأصحاب السیر عنها عباداتٍ وأدعیةً وأوراداً خاصة انفردت بها، مثل: تسبیح الزهراء، ودعاء الزهراء وصلاة الزهراء وغیر ذلک.(2)
• البتول: تعددت الأقوال حول هذة التسمیة، منها:
قول النووی فی شرح مسلم: التبتل هو الانقطاع عن النساء انقطاعاً إلى عبادة الله وأصل التبتل القطع ومنه مریم البتول وفاطمة البتول لانقطاعهما عن نساء زمانهما دینا وفضلاً ورغبة فی الآخرة.(3)
• الحوراء الأنسیة: ویستشهدون بروایة عن رسول الإسلام أوردها الطبرانی فی المعجم الکبیر: (فاطمة حوراء إنسیّة، فکلّما اشتقتُ إلى رائحة الجنّة شممتُ رائحة ابنتی فاطمة.(4)
وألقاباً أخرى، منها
• الصدیقة. • الطاهرة. • أم الأئمة. • المنصورة • الصادقة • الصدیقة • المحدثة • الریحانة • البضعة
هجرتها
حسب روایة اهل السنة:
هاجرت الزهراء إلى المدینة المنورة وهی فی الثامنة عشرة من عمرها وکانت معها أختها أم کلثوم وأم المؤمنین سودة بنت زمعة بصحبة زید بن حارثة وهاجر معهم أم المؤمنین عائشة وأمها أم رومان بصحبة عبد الله بن أبی بکر، وکان ذلک فی السنة الأولى من الهجرة.
حسب روایة الشیعة: هاجرت الزهراء إلى المدینة المنورة وهی فی الثامنة من عمرها حیث هاجرت مع علی ابن ابی طالب و امهُ فاطمة بنت اسد وعمته فاطمة بنت ابی طالب حتى سمیت الهجرة بهجرة الفواطم.
أولادها :
• الحسن. • الحسین. • المحسن.
بناتها :
• زینب بنت علی. • أم کلثوم بنت علی.
مقام ومنزلة السیدة فاطمة الزهراء (علیها السلام) :
ان السیدة فاطمة الزهراء (علیها السلام) بنت النبی الاکرم (صلى الله علیه وآله) وکوثر الفیض الإلهی الذی ردّ بها الله تعالى شماتة أعداء النبی (صلى الله علیه وآله) الذین کانوا یصفونه بلا عقب ولا ذریة، وأنزل سورة الکوثر، حیث قال تعالى: (إِنّا أَعْطَیْناکَ الْکَوْثَرَ...). وکانت سیدة نساء العالمین تتمتع بمکانة مرموقة لدى النبی (صلى الله علیه وآله) حتى قال فی حقها: «فاطمة بَضعةٌ مِنّى، فَمن اَغضبها فقد اَغْضَبنى». ومن یغضب النبی (صلى الله علیه وآله) فقد أذّاه ومن أذّاه فله عذاب ألیم، قال الله تعالى: «والذین یؤذون رسول الله لهم عذاب الیم.»(5)
وفی روایة أخرى شدد النبی (صلى الله علیه وآله) على ان غضب ورضى السیدة فاطمة الزهراء (علیها السلام) موجب لغضب ورضى الله تعالى حیث قال: «یا فاطمة! إن الله یغضب لغضبک ویرضى لرضاک.»(6)
ویدل هذا على المقام الرفیع التی تتمع به السیدة الزهراء (علیها السلام)، وکون غضبها ورضاها معیاراً للغضب والرضى الإلهی، على عصمتها. وبما ان الله تعالى عادل وحکیم فلا ینال غضبه الا الکفار والمذنبین، وهو لا یرضى الا عن المؤمن والمطیع. وفی ظل هذه الکرامة أصبحت السیدة فاطمة على لسان النبی (صلى الله علیه وآله) سیدة نساء العالمین: عن رسول الله (صلى الله علیه وآله) أنه قال لفاطمة (علیها السلام): أما ترضین أن تکونی سیدة نساء العالمین وسیدة نساء المؤمنین وسیدة نساء هذه الأمة؟»(7)
ومع ان السیدة الزهراء (علیها السلام) معصومة ولا تقترف ذنباً إلا أنها لیست نبیة، وذلک لأن لا تلازم بین مقام النبوة والعصمة. والدلیل على ذلک ان السیدة مریم کانت معصومة حسب تصریح القرآن الکریم (إِنَّ اللهَ اصْطَفاکِ وَطَهَّرَکِ وَاصْطَفاکِ عَلى نِساءِ الْعالَمِینَ)(8)، الا انها لم تکن نبیة. إن الاخبار عن طهارة السیدة المریم بعد اصطفائها من قبل الله تعالى إنما یدل على طهارتها من الذنوب ومخالفتها للشرک الحاکم فی عهدها واما بالنسبة الى عدم نبوتها فهذا واضح ولا یحتاج لدلیل، وطبقاً لما تقدم فإن بنت خاتم الانبیاء هی سیدة نساء العالمین وکالسیدة مریم طاهرة ومعصومة الا انها غیر نبیة. (9)
مکانة فاطمة الزهراء (سلام الله علیها ) فی السّنّة النّبویّة :
لفاطمة الزّهراء سلام الله علیها مکانة رفیعة فی السّنّة النّبویّة و فی شأنها من الأحادیث الصّحیحة، و النّصوص الصّریحة ما تضیق عنه هذه الرّسالة، و لا تحتمله هذه العجالة و إنّما نذکر منها:.
1- قول رسول اللّه (صلی الله علیه وآله وسلم): «أفضل نساء أهل الجنة خدیجة بنت خویلد، و فاطمة بنت محمد، و آسیه بنت مزاحم امرأة فرعون، و مریم بنت عمران». أخرجه جماعة من المحدّثین کثیرون، کالإمام أحمد من حدیث رواه عن ابن عباس فی صفحة 293 من الجزء الأول من مسنده، و أبی داود «کما فی ترجمة خدیجة من الاستیعاب»،(10)و قاسم بن محمد «کما فی ترجمة الزهراء من الاستیعاب»(11)و جماعة من حملة الآثار و حفظة الأخبار لا یسع المقام استیفاءهم.(12)
و أنت تعلم: أن هذه الأحادیث و نحوها نصوص جلیة فی تفضیل الأربع على سائر نساء البریة، و لا تعرض فیها لبیان الأفضل من تلک الأربع لکن صحاحنا المتواترة عن أئمة العترة الطاهرة نصوص فی تفضیل الزهراء صریحة لا تقبل التأویل، کما یشهد به کل من أنعم اللّه علیه الاستسلام لحکمها.(13)
و حسبک فی تفضیل الزهراء أنّها بضعة من سید الأنبیاء، و لا نعدل به و لا ببضعته أحدا من العالمین.
و قد وافقنا فی تفضیلها جمهور من المسلمین، و صرح به کثیر من المحققین، نقل ذلک عنهم غیر واحد من العلماء الباحثین المتتبعین، کالمعاصر النبهانی، حیث قال فی أحوال الزهراء من کتابه «الشرف المؤبد» ما هذا لفظه:
و صرّح بأفضلیتها على سائر النساء، حتى على السیدة مریم کثیر من العلماء المحققین، منهم التقیّ السبکی، و الجلال السیوطی، و البدر الزرکشی، و التقی المقریزی.
«قال»: و عبارة السبکی حین سئل عن ذلک: الذی نختاره و ندین به: أنّ فاطمة بنت محمد أفضل.
«قال»: و سئل عن مثل ذلک ابن أبی داود، فقال: إنّ رسول اللّه (صلی الله علیه وآله وسلم) قال: «فاطمة بضعة منی»، و لا أعدل ببضعة رسول اللّه أحدا.(14)
2- ما أخرجه البخاری و مسلم و الترمذی فی صحاحهم و صاحب الجمع بین الصحیحین و صاحب الجمع بین الصحاح الستة و الإمام أحمد من حدیث الزهراء من مسنده و ابن عبد البرّ فی ترجمتها من استیعابه و محمد بن سعد فی ترجمتها من الجزء الثامن من طبقاته. و فی باب ما قاله النبی فی مرضه من المجلد الثانی من الطبقات أیضا. و اللفظ الذی تسمعه للبخاری فی آخر ورقة من کتاب «الاستئذان» من الجزء الرابع من صحیحه، قال:
حدّثنا موسى، عن أبی عوانة، عن فراس، عن عامر، عن مسروق، حدّثتنی عائشة أم المؤمنین، قالت:
إنّا کنّا أزواج النبی عنده جمیعا لم تغادر منّا واحدة، فأقبلت فاطمة تمشی، لا و اللّه ما تخفی مشیتها من مشیة رسول اللّه (صلی الله علیه وآله وسلم)، فلمّا رآها رحّب و قال: «مرحبا بابنتی»، ثم أجلسها عن یمینه أو عن شماله، ثم سارّها فبکت بکاء شدیدا، فلمّا رأى حزنها سارّها الثانیة اذا هی تضحک.
فقلت لها: أنا من بین نسائه: خصّک رسول اللّه (صلی الله علیه وآله وسلم) بالسرّ من بیننا، ثم أنت تبکین فلمّا قام رسول اللّه (صلی الله علیه وآله وسلم) سألتها عمّا سارّک. قالت: «ما کنت لأفشی على رسول اللّه سرّه».
فلما توفّی، قلت لها: عزمت علیک بما لی علیک من الحقّ لما أخبرتنی. قالت: «أما الآن فنعم»، فأخبرتنی.
قالت: «أما حین سارّنی فی الأمر الأول، فإنّه أخبرنی أن جبرائیل کان یعارضه کل سنة مرة، و أنّه قد عارضنی به العام مرتین، و لا أرى الأجل إلّا قد اقترب، فاتقی اللّه و اصبری، فإنّی نعم السلف أنا لک».
قالت: فبکیت بکائی الذی رأیت، فلمّا رأى جزعی سارّنی الثانیة.
قال: «یا فاطمة ألا ترضین أن تکونی سیدة نساء المؤمنین، أو سیدة نساء هذه الأمة»....(15)
و اللفظة فیما ذکره ابن حجر فی ترجمتها من الإصابة(16) و غیر واحد من المحدّثین(17) «ألا ترضین أن تکونی سیدة نساء العالمین». و کیف کان: فالحدیث صحیح، و النص فی تفضیلها صریح.
و أخرج ابن سعد فی باب ما قاله النبی لها فی مرضه من المجلد الثانی من طبقاته بالإسناد الى أم سلمة.
قالت: لما حضر رسول اللّه (صلی الله علیه وآله وسلم) دعا فاطمة فناجاها فبکت، ثم ناجاها فضحکت، فلم أسألها حتى توفی رسول اللّه (ص)، فسألتها عن بکائها و ضحکها. فقالت: أخبرنی أنه یموت، ثم أخبرنی «أنی سیدة نساء أهل الجنة» الحدیث.
و أخرجه أیضا أبو یعلى «کما فی ترجمة الزهراء من الإصابة» بالإسناد الى أم سلمة، و رواه عنها غیر واحد من أهل الحدیث.(18)
3- ما أخرجه جماعة من الحفظة و أهل الضبط ممّن حملوا العلم بأسانیده و طرقه کابن عبد البر فی ترجمتها علیها السّلام من الاستیعاب: انّ النبی (صلی الله علیه وآله وسلم) عادها و هی مریضة، فقال: «کیف تجدینک یا بنیة»؟
قالت: «إنی لوجعة، و إنّه لیزیدنی أنّی ما لی طعام آکله». قال یا بنیة: «أ ما ترضین أنّک سیدة نساء العالمین»؟
قالت: «یا أبة فأین مریم بنت عمران»؟ قال: «تلک سیدة نساء عالمها، و أنت سیدة نساء عالمک، أما و اللّه لقد زوجتک سیدا فی الدنیا و الآخرة»....(19)
4- ما أخرجه أحمد و الترمذی و النسائی و ابن حبّان«کما فی الفصل الثالث من الباب 11 من الصواعق المحرقة لابن حجر» عن حذیفة: أن النبی (صلی الله علیه وآله وسلم) قال له: «أما رأیت العارض الذی عرض لی قبل ذلک هو ملک، لم یهبط الى الأرض قطّ قبل هذه اللیلة، استأذن ربّه عز و جل أن یسلّم علیّ و یبشّرنی أنّ الحسن و الحسین سیدا شباب أهل الجنة، و أنّ فاطمة سیدة نساء أهل الجنة» ....(20)
و قالت- بأبی هی و أمی- لابی بکر و عمر، کما صرح به الإمام ابن قتیبة فی أوائل کتاب «الإمامة و السیاسة»-:
«نشدتکما اللّه أ لم تسمعا رسول اللّه (صلی الله علیه وآله وسلم) یقول: «رضا فاطمة من رضای، و سخط فاطمة من سخطی، فمن أحبّ ابنتی فاطمة فقد أحبنی، و من أرضى فاطمة فقد أرضانی و من أسخط فاطمة فقد أسخطنی»؟
قالا: نعم سمعناه من رسول اللّه صلّى اللّه علیه و آله.(21)
و هذا من الأحادیث المتواترة، عن أئمة العترة الطاهرة، و کفى به حجة لتفضیلها على من سواها من نساء العالمین.
و هل یعدل مسلم ببضعة النبی صلّى اللّه علیه و آله و بقیته فی أمته أحدا من الناس؟
فاطمة الزهرا(سلام الله علیها) کانت معصومة عن الخطأ :
ان فاطمة(سلام الله علیها) کانت معصومة عن الخطأ؛ و بیان عصمتها من وجوه:
الأول: أنها(سلام الله علیها) کانت من أهل البیت بالاتفاق، و أهل البیت معصومون بدلیل الکتاب، و السنة.
أما الکتاب: فقوله تعالى: « إِنَّما یُرِیدُ اللَّهُ لِیُذْهِبَ عَنْکُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَیْتِ وَ یُطَهِّرَکُمْ تَطْهِیراً »(22)، أورد ذلک فى معرض الامتنان، و الإنعام علیهم، و التعظیم لهم، و إنما یتم ذلک أن لو انتفى عنهم الرجس مطلقا، و إلا لبطلت فائدة ذلک؛ لمشارکة غیرهم لهم فى ذلک؛ فیلزم أن تکون فاطمة معصومة عن الخطأ مطلقا.
و أما السنة: قوله صلّى اللّه علیه و آله و سلّم: (إنّی مخلّف فیکم الثّقلین کتاب اللّه و عترتی أهل بیتی، إن تمسّکتم بهما لن تضلّوا أبدا، و لن یفترقا حتى یردّا علیّ الحوض).(23)
و هو نصّ صریح فی عصمتهم علیهم السّلام؛ ذلک لأن أهل البیت مع القرآن دائما، و کلّ من کان مع القرآن دائما مصیب دائما، و کل مصیب دائما معصوم، فالنتیجة من هذا القیاس أن أهل البیت علیهم السّلام معصومون؛ و ذلک لأن أهل البیت یأمرون بالصواب مطلقا، و کلّ من یأمر بالصواب مطلقا معصوم فأهل البیت معصومون، و دلیل الصغریّین من القیاسین حدیث الثقلین، أما دلیل الکبریّین: فلأنه لو جاز علیهم الخطأ لفارقوا القرآن، إذ لا شیء من القرآن بخطإ، و من حیث أنهم لم یفارقوا القرآن أبدا علمنا أنهم معصومون، و لأنه لو جاز علیهم الخطأ لجاز التمسک بهم فی الأمر بالخطإ، و لا شیء من الخطأ یجوز التمسک به مطلقا، و لمّا علمنا وجوب التمسک بهم مطلقا من ظاهر إطلاق الأمر علمنا أنهم معصومون علیهم السّلام.(24)
الثانی: قَوْلِ النَّبِیِّ صلی الله علیه وآله وسلم: مَنْ آذَى فَاطِمَةَ فَقَدْ آذَانِی وَ مَنْ آذَانِی فَقَدْ آذَى اللَّهَ عَزَّ وَ جَلَ.(25)
وفی روایة أخرى شدد النبی (صلى الله علیه وآله) على ان غضب ورضى السیدة فاطمة الزهراء (علیها السلام) موجب لغضب ورضى الله تعالى حیث قال(س): «یا فاطمة! إن الله یغضب لغضبک ویرضى لرضاک.»(26)
فلو أن فاطمة(سلام الله علیها) لم تکن معصومة من الخطأ مبرأة من الزلل لجاز منها وقوع ما یجب أذاها به بالأدب و العقوبة و لو وجب ذلک لوجب أذاها و لو جاز وجوب أذاها لجاز أذى رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم و الأذى لله عز و جل فلما بطل ذلک دل على أنها(سلام الله علیها) کانت معصومة حسبما ذکرناه.(27)
الثالث: قوله علیه الصلاة و السلام: «فاطمة بضعة منى »(28)، و النبی- صلى اللّه علیه وآله وسلم- معصوم؛ فبضعته تکون معصومة.
مولد فاطمة (علیها السّلام) :
الکلینی فی «اصول الکافی»: «باب مولد فاطمة» و قبل أن یفتتح الباب و فی آخر الباب السابق حسب النسخ الموجودة من الکتاب، أورد بسند صحیح عن الإمام الباقر(علیه السّلام) قال: «ولدت فاطمة بنت محمّد (صلّى اللّه علیه و آله) بعد مبعث رسول اللّه بخمس سنین. و توفّیت و لها ثمان عشرة سنة و خمسة و سبعون یوما» ثمّ افتتح الباب فقال: ولدت فاطمة- علیها و على بعلها السلام-، بعد مبعث رسول اللّه بخمس سنین، و توفّیت و لها ثمان عشرة سنة و خمسة و سبعون یوما، بقیت بعد أبیها خمسة و سبعین یوما» و کذلک فی «روضة الکافی» قال: ولدت بعد البعثة بخمس سنین. و الظاهر أنّه یستند فی ذلک الى ما رواه فی الاصول قبیل الباب، صحیحا.
أما عن الصّادق(علیه السّلام) فقد روى الطبری الإمامی فی «دلائل الإمامة» بسنده عنه علیه السّلام قال: «ولدت فاطمة فی جمادى الآخرة: الیوم العشرین منها سنة خمس و أربعین من مولد النبیّ صلّى اللّه علیه و آله فأقامت بمکّة ثمان سنین».(29)
فاطمة الزهراء سلام الله علیها حوراء إنسیّة :
ان اللبنة الاولى فی بناء کیان الانسان هی انعقاد «النطفة»، لأنها على أیة حالٍ تحمل قسماً مهماً من قیمه الوجودیة. و لذلک تواترت الروایات التی توصی بضرورة سلامة هذه اللبنة و صحة تکوینها. و أنّ فاطمة سلام الله علیها حوراء انسیة و سیدة نساء اهل الجنّة.
و عند ما نطالع تأریخ حیاة سیدة النساء نرى أنها قد امتازت فی هذا المجال عن جمیع شخصیات العالم رجالًا و نساءً.
و من الأفضل أن نسمع هذا الحدیث من فم رسول اللَّه:
عن ابن عباس قال: کان النبىّ یکثر تقبیل فاطمة،
فقالت له عائشة: انک تکثر تقبیل فاطمة.
فقال: انّ جبرئیل لیلة أسرى بی أدخلنی الجنة فأطعمنی من جمیع ثمارها فصار ماءً فی صلبی فحملت خدیجة بفاطمة «فاذا اشتقت لتک الثمار قبلت فاطمة فأصبت من رائحتها جمیع تلک الثمار التی أکلتها».(30)
و قال النسفی و غیره: لمّا دخل النبیّ صلّى اللّه علیه وآله و سلّم الجنّة لیلة المعراج و رأى قصر خدیجة المتقدم ذکره أخذ جبریل تفاحة من شجر القصر و قال: یا محمّد کل هذه التفاحة فانّ اللّه تعالى یخلق منها بنتا تحمل بها خدیجة، ففعل فلما حملت خدیجة بفاطمة وجدت رائحة الجنّة تسعة أشهر، فلمّا وضعتها انتقلت الرائحة إلیها، فکان النبیّ صلّى اللّه علیه و سلّم إذا اشتقاق إلى الجنّة قبّل فاطمة، فلمّا کبرت قال رسول اللّه صلّى اللّه علیه و سلّم: یا ترى لمن هذه الحوراء؟ فجاءه جبرئیل و قال: إنّ اللّه یقرئک السلام و یقول لک: الیوم کان عقد فاطمة فی موطنها فی قصر امّها فی الجنّة الخاطب إسرافیل، و جبرئیل و میکائیل الشهود و الولی ربّ العزّة، و الزوج علیّ رضی اللّه عنه.(31)
و فی الواقع فانّ الحدیث الأول فی هذا الفصل یحوی و یفسر مجموع هذه الاحادیث، فطبقاً لما جاء فیه فان الرسول قد تناول من جمیع فواکه الجنة و أنَّ نطفة فاطمة قد انعقدت من عصارة تلک الثمار. هذا مع الاخذ بنظر الاعتبار أن الدنیا التی نعیشها تختلف عن عالم الجنة بقدرٍ تعجز معه ألفاظنا عن تبیان حقائقها، و ما نذکره عنها ما هو الّا اشارات مختصرة لما تتمتع بها.
على کلِّ حال فان حوراءً أنسیة بالمواصفات الخلقیة و الطبیعیة لاهل الجنة لابد و أن تکون نطفتها من عصارة فاکهة الجنة، و هذه ما امتازت به هذه السیدة على سائر نساء العالمین.
وایضا روایات کثیرة اخری دلّت علی هذا المقام من فاطمة الزهراء سلام الله علیها:
منها قول أبیها صلى الله علیه و آله و سلم: «فاطمة حوراء إنسیّة، کلّما اشتقتُ إلى الجنّة قبّلتها»(32)
انها کانت من نساء الجنة، نفسها و خلقتها، قلبها و روحها، لونها و هیئتها، قولها و حدیثها، و غیر ذلک من صفات و میزات أهل الجنة، و خلاصة القول أنها سلام الله علیها من الجنة من رأسها الى أخمص قدمیها.(33)
المصادر :
1- سنن الأقوال والأفعال الفصل الثانی فی فضائل اهل البیت مفصلا فاطمة ا، الصواعق المحرقة 96، ذخائر العقبى 26
2- الکوثر فی حیاة فاطمة بنت النبی الاطهر - الباقری
3- الدر المنثور للسیوطی 5:218 والمستدرک للحاکم 3:156 والمناقب لابن المغازلی حدیث 407
4- فتح الباری (شرح صحیح البخاری): ج 7، ص 84; صحیح البخاری: ج 6، ص 491، (باب علامات النبوة) و ج8، ص110، (باب المغازی).
5- التوبة: 61.
6- مستدرک الحاکم: ج 3، ص 154; مجمع الزواید: ج 9، ص 203.
7- نفس المصدر، ص 156.
8- آل عمران: 42.
9- سیماء عقائد الشیعة، ص 244.
10- الإستیعاب: ج 4 ص 382.
11- الإستیعاب: ج 4 ص 450.
12- المستدرک: ج3 ص 370، المعجم الکبیر: ج 22 ص 407، مسند فاطمة الزهراء للسیوطی: ص 149، فیض القدیر
13- معانی الأخبار للصدوق: ص 107، الخصال: ص 206، الأمالی للشیخ الصدوق: ص 574 و ص 174.
14- الشرف المؤبد لآل محمد للنبهانی ص 59.
15- صحیح البخاری: ج 5 ص 2317 من کتاب الاستئذان.
16- الاصابة: ج 4 ص 378.
17- المستدرک: ج 3 ص 366 بسند آخر الى الشعبی.
18- الذریة الطاهرة: ص 144، ذخائر العقبى فی مناقب ذوی القربى للطبری ص 50.
19- الاستیعاب: ج 4 ص 449.
20- الصواعق المحرقة: ج 2 ص 560.
21- الإمامة و السیاسة ص 31.
22- سورة الأحزاب /33.
23- هذا الحدیث من جهة الدلالة قویٌّ جدّاً و صریح، و من جهة السند فإنّ الروایة متواترة و مذکورة فی جمیع مصادر الفریقین؛ حتی ورد فی صحاح سته و فی خصائص النسائی: ص 20، و الصواعق المحرقة: ص226، و منهاج السنّة: ج 4 و... .
24- الآلوسی و التشیع، ص: 183.
25- مستدرک الصحیحین 3/ 153، أسد الغابة 5/ 552، الإصابة 8/ 159، تهذیب التهذیب 12/ 441، و میزان الاعتدال 2/ 73، ذخائر العقبى 39.
26- مستدرک الحاکم: ج 3، ص 154؛ مجمع الزواید: ج 9، ص 203.
27- الفصول المختارة، ص: 89 .
28- ورد فى صحیح البخارى 7/ 131 حدیث رقم 3767 «فاطمة بضعة منى فمن أغضبها أغضبنى». و قد ذکره البخارى فى کتاب فضائل الصحابة- 29- باب مناقب فاطمة علیها السلام. و قال النبی- صلى اللّه علیه و سلم- «فاطمة سیدة نساء أهل الجنة». و قارنه بشرح المواقف- الموقف السادس- ص 297، 298، 299.
29- دلائل الإمامة، ص 10.
30- ذکرها الذهبی الدمشقی المتوفى سنة 748 فی کتابه «میزان الاعتدال» (ج 2 ص 84)؛ و البغدادی فی «تاریخ بغداد» (ج 5 ص 87 ط السعادة بمصر).
31- ذکره الشیخ عبد الرحمن بن عبد السلام الصفورى الشافعی البغدادی المتوفى بعد 884 فی «نزهة المجالس» (ج 2 ص 223 ط القاهرة)
32- تاریخ الخطیب البغدادی: 5/ 87
33- الزهراء علیها السلام سیدة نساء العالمین، ص: 49.
source : rasekhoon