عربي
Saturday 23rd of November 2024
0
نفر 0

نشأته

وكانت الظروف صعبةً في مكة، وقد أصاب البلد الحرام قحط شديد، عمَّ بيت أبي طالب. فجاء النبي صلى الله عليه وآله إلى بعض أعمامه الأثرياء، يفاوضهم في الأمر. واقترح أن يتكفلوا أبناء عمه. فلما عرضوا عليه قال: أبقوا لي عقيلاً وخذوا من شئتم. فأخذ كل من العباس وحمزة عمّا النبيِّ وهاله بنت عبد المطلب عمته، واحداً من أبناء أبي طالب، وبقي علي عليه السلام فإذا بالنبي يستدعيه ليكون له صاحباً، فيغمره البشر، ويأوي إليه كما يأوي الفصيل إلى أُمه. إن عليّاً الذي فتح عينيه- أول ما فتحهما- على ملامح النبي صلى الله علي
نشأته

ولم يزل يدرج ويترعرع متميزاً بين أترابه، في أعماله، وأقواله.
وكانت الظروف صعبةً في مكة، وقد أصاب البلد الحرام قحط شديد، عمَّ بيت أبي طالب. فجاء النبي صلى الله عليه وآله إلى بعض أعمامه الأثرياء، يفاوضهم في الأمر. واقترح أن يتكفلوا أبناء عمه. فلما عرضوا عليه قال: أبقوا لي عقيلاً وخذوا من شئتم. فأخذ كل من العباس وحمزة عمّا النبيِّ وهاله بنت عبد المطلب عمته، واحداً من أبناء أبي طالب، وبقي علي عليه السلام فإذا بالنبي يستدعيه ليكون له صاحباً، فيغمره البشر، ويأوي إليه كما يأوي الفصيل إلى أُمه. إن عليّاً الذي فتح عينيه- أول ما فتحهما- على ملامح النبي صلى الله عليه وآله، وظل مغموراً ببركاته أيام صغره. إن عليّاً الذي رأى في محمد صلى الله عليه وآله الحب والحنان، وكل خصال الخير والجمال، لابد أن يأوي إليه ويسارع إلى قبول كفالته له، ويفيض فرحاً بذلك وابتهاجاً, أخذ علي يتبع كفيله وحبيبه النبيَّ محمداً صلى الله عليه وآله ويطمئن إليه بكل قلبه، ويقلده في كل عمل! وذهب النبي صلى الله عليه وآله يغدق على ابن عمِّه كل ما أفاءت إليه رحمة الله، من آداب حِسان وخُلق كريم!
.. ولم يزل عليٌّ يرى النبي صلى الله عليه وآله دائم التفكير يقلّب وجهه في السماء يلتمس من ربه نوراً.
في تلك الأيام التي كان يتعبد النبي في غار حراء، كان علي يتدبر في عبادته، ويفكر فيها فيفهم معنى العبادة ومغزاها، ويؤمن بمن يعبده ويهتدي إليه بفطرته النقية التي لم يتسرب إليها الشك أبداً!
إن عليّاً عليه السلام أوتي من النبوغ والذكاء ما يؤهله لكل ما كان النبي صلى الله عليه وآله مؤهلاً له. ومن الخطأ أن نحدد أول وقت آمن فيه، فلقد كان مؤمناً بفطرته ولا يصح لنا ان نقرن إيمانه بزمان دون زمان- هكذا عبر النبي- ذات مرة إذ سأله رجل من المسلمين عن أول وقت آمن فيه الإمام علي فقال: إنه لم يكن كافراً حتى يؤمن، كما أنه نفسه بيّن ذلك حين أكد أنه لم يكن مسبوقاً بالشرك.
وعندما هبط الوحي على قلب محمد صلى الله عليه وآله وجاء النبيُّ إلى الإمام يخبره، ينفتح قلبه على أمر موعود، وحقيقة منتظرة، ذلك اليوم كان عمر الإمام عشر سنوات، ولم يكن يعرف إنسانٌ طيب يمتاز عليه من الآخرين، بل كانت فيه كل معاني الفضيلة والسمو، صدقه، أمانته، بره بالخلق، إحسانه، صلته للرحم وغير ذلك.. أجل لم يكن هناك من يمتاز عليه غير محمد بن عبد الله صلى الله عليه وآله البر الكريم، فكيف لايصدقه وكيف لا يتبعه.
وذات يوم دعاه النبي إلى الصلاة، فقام عليه السلام يتعلم قواعدها ويتوجّه إلى المسجد الأقصى حيث القبلة الأولى للمسلمين.. فيصلى بصلاة النبي، وتصلى وراءهما خديجة زوجة الرسول. فهؤلاء ثلاثة ليس لهم الآن نظير على الأرض، يبتهلون إلى الله بركعات، يرتلون من آي الذكر الحكيم، ما يزيدهم هدى، ويملأ شعورهم إيماناً واطمئناناً.
لقد تشكلت الآن أول خلية حيّة، بين ملايين الخلايا الميتة في المجتمع البشري. وإنها تسعى لكي تزيد نفسها حجما وقوة، وتبعث الحياة- بإذن الله- إلى سائر الخلايا.
ومن هذا العقد من حياة علي عليه السلام يبتدئ عهده مع الجهاد والتضحية، لقد انتقل من بيت كفيله إلى بيت والده من سنتين، بيد أنه لايزال يقضي غالب أوقاته في بيت خديجة قريباً من الرسول صلى الله عليه وآله ليرفع له كل يوم علماً في المعارف والآداب، فيتَّبعه.
وظل الإسلام يتخذ من هذه الأنفس المباركة- أنفس محمد وعلي وخديجة- أولى قواعده وأزكاها.. حتى اجتمع إليه رجال ونساء يتحدون بالإسلام ضد الوضع الفاسد.
وظل دعاة الإسلام يبذلون في سبيل الدعوة طاقاتهم ودمائهم، حتى نمت شجرة الإسلام، وجاء الوحي يأمر النبي بأن يصدع بما يؤمر وينذر عشيرته الأقربين وإظهارها للناس أجمعين.
فأمر النبي عليّاً عليه السلام أن يهيئ طعاماً ويدعوبني هاشم إلى بيته. واجتمعوا إليه يقودهم أبوطالب سيدهم ووالي أمورهم.
فلما طعموا ورأوا أن قصعة الثريد، التي أكلوا منها لم ينقص منها شيء وعجبوا، وجاء النبي يكلمهم بشأن الدعوة راح عمه أبولهب، يبعث كلماته الساخرة!!
إن أبا لهب كان من ألد أعداء الإسلام، مع أنه كان من أقرب الناس رحماً بالنبي صلى الله عليه وآله ولم ينزل في القرآن آية تذكر فرداً من معاصري النبي بالسوء غير ما نزل في حق أبي لهب، وفي سورة كاملة تُبتدأ بقول شديد:
{ تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ }(المسد/1)
وقد كان أول المستهزئين بالرسول، ذلك النهار، حيث قال بين فتيان بني هاشم الذين كانوا زهاء أربعين رجلاً، قال: لشد ما سحركم صاحبكم، أي ما أعجبه رجلاً قد سحركم. فتفرق القوم ولم يكلمهم الرسول صلى الله عليه وآله.
فلما كان من غد استضافهم علي عليه السلام مرة أخرى فجاؤوا وأكلوا وشربوا، وقبل أن يتكلم أبولهب، ابتدأهم الرسول قائلاً:
" يا بني عبد المطلب! إني-والله- ما أعلم شابّاً في العرب جاء قومه بأفضل ممَّا جئتكم به. إنِّي قَد جئتكم بخير الدنيا والآخرة. وقد أمرني الله تبارك وتعالى أن أدعوكم، فأيكم يؤازرني على أمري، على أن يكون أخي ووصيي وخليفتي فيكم؟".
فأحجم القوم جميعاً، إلاّ علياً، وكان ذلك اليوم- كما يصف نفسه- أحدثهم سنّاً، وأرمضهم عيناً وأعظمهم بطناً، وأحمشهم ساقاً فقال:
" أنا يا نبي الله أكون وزيرك عليه".
فأخذ برقبته ثم قال: " فاسمعوا له وأطيعوا"
فقام القوم يضحكون ويقولون لأبي طالب: قد أمرك أن تسمع لعليِّ وتطيع.
وظلت هذه الدعوة تتراوح بين علي عليه السلام وخديجة عليه السلام ثلاث سنوات، وكان النبي يصلى بهم في خفاء، ويؤدي بهم مناسك الحج على سنّة الإسلام، حنيفاً بها عما كان يأتيه أهل الجاهلية.
فلقد أُثر عن عبد الله بن مسعود قوله: إن أول شيء علمته من أمر رسول الله صلى الله عليه وآله قدمت مكة في عمومة لي، فارشدونا إلى العباس بن عبد المطلب، فانتهينا إليه وهوجالس, فجلسنا إليه فبينما نحن عنده، إذ أقبل رجل من باب الصفا تعلوه حمرة، وله وفرة جعدة إلى أنصاف أذنيه، أقنى الأنف، برّاق الثنايا، أدعج العينين كث اللحية رقيق المسربة شثن الكفَّين حسن الوجه، معه مراهق ومحتلم تقفوه امرأة قد سترت محاسنها، حتى قصدوا نحوالحجر، فاستلمه ثم استلمه الغلام، ثم استلمته المرأة، ثم طاف بالبيت سبعاً، والغلام والمرأة يطوفان معه. فقلنا: يا أبا الفضل! إن هذا الدِّين لم نكن نعرفه فيكم. أوَ شيءٌ حدث؟ قال: هذا ابن أخي محمد بن عبد الله والغلام علي بن أبي طالب، والمرأة امرأته خديجة بنت خويلد، ما على وجه الأرض أحد يعبد الله تعالى بهذا الدِّين إلاّ هؤلاء الثلاثة.
وقال عفيف الكندي: كنت امرءاً تاجراً، فقدمت الحج فأتيت العباس بن عبد المطلب، لابتاع منه بعض التجارة،- وكان امرءاً تاجراً- فوالله إني لعنده بمنى إذ خرج من خباء قريب منه فنظر إلى الشمس، فلما رآها قد مالت، قام يصلى (قال) ثم خرجت امرأة من الخباء الذي خرج ذلك الرجل منه فقامت خلفه فصلَّت، ثم خرج غلام هيِّن راهق الْحُلم من ذلك الخباء فقام معه فصلَّى (قال) فقلت للعباس مَن هذا يا عباس؟ قال: هذا محمد بن عبد الله بن عبد المطلب ابن أخي (قال): فقلت: مَن هذه المرأة؟. قال: امرأته خديجة بنت خويلد (قال) فقلت: من هذا الفتى؟ قال: علي بن أبي طالب ابن عمه (قال) فقلت له: ما هذا الذي يصنع؟ قال: يصلِّي، وهويزعم أنه نبي ولم يتَّبعه على أمره إلاّ امرأته وابن عمه هذا الفتى، وهويزعم أنه ستفتح عليه كنوز كسرى وقيصر.
ومضت على الدعوة مدة، وعليُّ يستقيم على الصراط السوي، ويقاوم الضغوط، ويصوغ الوحي شخصيته الفذة. ثم التف حول الدعوة رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر ربهم. فلما أمرهم النبي بالهجرة إلى الحبشة وأمَّر عليهم جعفراً أخا عليٍّ عليهما السلام، قامت قيامة قريش الذين رأوا من مناوئهم- العظيم- القوة وحسن التدبير، فأخذوا يدرسون خطة أخرى أشد وأقسى مما سبق، وذلك بفرض حصار إجتماعي على بني هاشم زاعمين أنهم شذُّوا عن النظام الإجتماعي السائد.
فدبروا أمر الصحيفة الملعونة، حيث أَجمعوا على أن لايخالط النبيَّ صلى الله عليه وآله ومن دار في أفقه من الهاشميين، وعلى رأسهم سيدهم أبوطالب، ولا يعاملهم أحدٌ أبداً.. فجمع أبوطالب أهله في شِعْبٍ له، وذبَّ عنهم بما كان لديه من طاقة وسلطان.
وتلك كانت فرصة سانحة للإمام عليّ عليه السلام أن ينهل من نبع النبي الفيّاض، كل مكرمة وفضيلة ومعرفة، كما استطاع أيضاً أن يمارس جهاده الشاق طيلة ثلاث سنوات. ولعل هذا كان أول ميادين الجهاد التي خاضها ابن أبي طالب عليه السلام ولكن كان له من قبله جهاد آخر، إلاّ أنه ليس في هذا المستوى، وذلك أن النبي صلى الله عليه وآله كان يمر بطرقات مكة فيرشقه أبناء مكة بالحجارة والحصى، بأمرٍ من أوليائهم، ولم يكن عليه الصلاة والسلام يعبأ بذلك، بيد أن علياً عليه السلام كان يصاحبه ويدافع عنه صلى الله عليه وآله.


source : abna
0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخر المقالات

تهذيب الشهوة
ما هي حقيقة الموت؟
فوائد و أضرار طلع النخل
أبعاد الحضارة وماذا أعطي الاسلام للبشرية
الإمام الحسن المجتبى ( عليه السلام ) رجل الثورة ...
بكاء النبي (ص) على الحسين بسند صحيح
اخلاقيات الاعلام: معوقات و فرص
نعم.. أفتى شلتوت بجواز التعبد على المذهب الجعفري
خطبة شعبان وفضائل شهر رمضان
آداب اجتماعية

 
user comment