الإمام الحسين في ظلال السنة
الطائفة الثالثة
وتواثرت الأخبار التي أثرت عن النبي (صلى الله عليه وآله): في فضل ريحانته الإمام الحسين (عليه السلام) وهي تحدد معالم شخصيته، كما تحمل جانباً كبيراً من إهتمام الرسول (صلى الله عليه وآله) به، وفيما يلي بعضها:
1- روى جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): (من أراد أن ينظر إلى سيد شباب أهل الجنة فلينظر إلى الحسين ابن علي..) (47).
2- روى أبو هريرة قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله وهو حامل الحسين بن علي، وهو يقول: (اللهم أني أحبه فاحبه) (48).
3- روى يعلى بن مرة قال: خرجنا مع النبي (صلى الله عليه وآله) إلى طعام دعونا له، فاذا حسين يلعب بالسكة فتقدم النبي (صلى الله عليه وآله) وبسط يديه فجعل الغلام يفر هاهنا، وهاهنا ويضاحكه النبي (صلى الله عليه وآله) حتى أخذه فجعل احدى يديه تحت ذقنه والأخرى في فأس رأسه(49) فقبله وقال: (حسين مني وأنا من حسين، أحب الله من أحب حسيناً، حسين سبط من الأسباط..) (50).
ودلل النبي (صلى الله عليه وآله) بهذا الحديث الشريف على مدى الصلة العميقة التي بينه وبين وليده، وأكبر الظن أنه (صلى الله عليه وآله) لم يعن بقوله: (حسين مني) الرابطة النسبية التي بينه وبينه، وإنما عنى أمراً آخر هو أدق وأعمق فالحسين منه لأنه يحمل روحه وهديه، ويحمل اتجاهاته العظيمة الهادفة إلى إصلاح الإنسان ورفع مستواه، وتطوير وسائل حياته على أساس الإيمان بالله الذي يحمل جميع مفاهيم الخير والسلام في الأرض، كما عنى صلى الله عليه وآله بقوله: (وأنا من حسين) أن ما يبذله السبط العظيم من التضحية والفداء في سبيل الدين، وما تؤديه تضحيته من الفعاليات الهائلة في تجديد رسالة الإسلام، وجعلها نابضة بالحياة على مر الأجيال الصاعدة فكان النبي (صلى الله عليه وآله) بذلك حقاً من الإمام الحسين فهو المجدد لدينه، والمنقذ له من شر تلك الطغمة الحاكمة التي جهدت على محو الإسلام من خريطة هذا الكون، واعادة مفاهيم الجاهلية وخرافاتها على مسرح الحياة، وقد نسف الإمام بنهضته أحلام الأمويين، وأعاد للإسلام نضارته وحياته، ورفع رايته عالية خفاقة في جميع الأجيال.
كما دلل (صلى الله عليه وآله) على عظمة حفيده بأن أضفى عليه كلمة السبط، وأراد بها أنه أمة من الأمم قائم بذاته، ومستقل بنفسه، فهو أمة من الأمم في الخير وأمة من الشرف في جميع الأجيال والآباد.
5- روى الصحابي العظيم سلمان الفارسي قال: دخلت على النبي (صلى الله عليه وآله) فاذا الحسين بن علي على فخذه، وهو يلثم فاه، ويقول: (أنت سيد ابن سيد، أنت إمام ابن إمام أخو إمام، وأبو الأئمة وأنت حجة الله، وابن حجته، وأبو حجج تسعة من صلبك، تاسعهم قائمهم) (51).
6- روى أبو العباس قال: كنت عند النبي (صلى الله عليه وآله) وعلى فخذه الأيسر ابنه ابراهيم، وعلى فخذه الأيمن الحسين بن علي، والنبي تارة يقبل هذا وأخرى يقبل هذا، إذ هبط عليه جبرائيل بوحي من رب العالمين، فلما سرى عنه قال: أتاني جبرائيل من ربي فقال لي: يا محمد إن ربك يقرؤك السلام، ويقول لك: لست أجمعهما لك، فافد أحدهما بصاحبه، فنظر النبى إلى إبراهيم فبكى، ثم قال: إن إبراهيم متى مات لم يحزن عليه غيري، وأم الحسين فاطمة وأبوه علي ابن عمي لحمي ودمي، ومتى مات حزنت ابنتي، وحزن أبن عمي، وحزنت أنا عليه، وأنا أوثر حزني على حزنهما، يا جبرائيل يقبض إبراهيم، فديت الحسين بإبراهيم، وقبض إبراهيم بعد ثلاث، فكان النبي (صلى الله عليه وآله) إذا رأى الحسين مقبلا قبله، وضمه إلى صدره، ورشف ثناياه، وقال: فديت من فديته بابني إبراهيم) (52).
8- روى ابن عباس قال: كان النبي (صلى الله عليه وآله) حامل الحسين على عاتقه، فقال له رجل:
(نعم المركب ركبت يا غلام!!).
فأجابه الرسول (صلى الله عليه وآله):
(ونعم الراكب هو..) (53).
9- روى يزيد بن أبي زياد قال: خرج النبي (صلى الله عليه وآله) من بيت عائشة فمر على بيت فاطمة فسمع حسيناً يبكي، فالتاع (صلى الله عليه وآله) من ذلك فقال لفاطمة:
(الم تعلمي أن بكاءه يؤذيني..) (54).
10- روى عبد الله بن شداد عن أبيه قال: سجد رسول الله (صلى الله عليه وآله) سجدة أطالها، حتى ظننا أنه قد حدث أمر، أو أنه يوحى إليه، فسألناه عن ذلك، فقال:
(كل ذلك لم يكن، ولكن ابني ارتحلني فكرهت أن أعجله حتى يقضي حاجته...) (55).
هذه بعض الأخبار التي أثرت عن النبي (صلى الله عليه وآله) في ريحانته وهي أوسمة شرف ومجد قلده بها، اشعاراً منه بأن ظله، وحقيقته ستمثل في هذا الطفل، وسيكون صورة فذة لانسانيته العليا، وأسراره العظمى.
_______________________________________
47- تاريخ ابن عساكر ج 13 ص 50، من مخطوطات مكتبة الإمام أمير المؤمنين، سير أعلام النبلاء ج 3 ص 190.
48- مستدرك الحاكم ج 3 ص 177، وفي نور الأبصار ص 129 لفظ الحديث (اللهم إني أحبه وأحب كل من يحبه).
49- وفي رواية (فوضع احدى يديه تحت قفاه، والأخرى تحت ذقنه فوضع فاه على فيه وهو يقول حسين منى.. الخ).
50- سنن ابن ماجة ج 1 ص 51، مسند أحمد بن حنبل ج 4 ص 172، أسد الغابة ج 2 ص 19، تهذيب الكمال ص 71، تيسير الوصول ج 3 ص 276 مستدرك الحاكم ج 3 ص 177، أنساب الأشراف ج 1 ق1.
51- المراجعات ص 228.
52- تاريخ بغداد ج 2 ص 204.
53- التاج الجامع للاصول ج 3 ص 218.
54- مجمع الزوائد ج 9 ص 201، سير أعلام النبلاء ج 3 ص 191، المعجم الكبير للطبراني، ذخائر العقبى ص 143.
55- تهذيب التهذيب ج 2 ص 346، تيسير الوصول إلى جامع الأصول ج 3 ص 285، سنن النسائي.
source : abna