إن فكرة ظهور المنقذ العظيم الذي سينشر العدل و الرخاء بظهوره في آخر الزمان ، و يقضي على الظلم و الاضطهاد في أرجاء العالم ، و يحقق العدل و المساواة في دولته ، هي فكرة آمن بها أهل الأديان الثلاثة ، و اعتنقها معظم الشعوب .
فقد آمن اليهود بها ، كما آمن النصارى بعودة عيسى ( عليه السلام ) ، و إلى جانب هذا نجد التصريح من عباقرة الغرب و فلاسفته ، بأن العالم في انتظار المصلح العظيم الذي سيأخذ بزمام الأمور ، و يوحِّد الجميع تحت راية واحدة و شعار واحد .
فمن أولئك العباقرة هو الفيلسوف الإنجليزي ( برتراند راسل ) ، حيث يقول : ( إن العالم في انتظار مصلح يوحِّد العالم تحت علم واحد و شعار واحد ) .
و منهم العالم (آينشتاين ) ، حيث يقول : ( إن اليوم الذي يَسُود العالم كله الصلح و الصفاء ، و يكون الناس مُتَحَابِّينَ مُتَآخِينَ ليس ببعيد) .
و الأكثر من هذا كله هو ما جاء به الفيلسوف الإنجليزي ( برناردشو ) ، حيث بشَّر بمجيء المصلح في كتابه ( الإنسان و السوبر مان ) .
أما عن المسلمين ، فَهُم على اختلاف مذاهبهم و فِرَقِهِم يعتقدون بظهور الإمام المهدي ( عليه السلام ) في آخر الزمان على طِبق ما بشَّر به النبي الأكرم محمد ( صلى الله عليه وآله ) .
و لا يختص هذا الاعتقاد بمذهب دون آخر ، و لا فِرقة دون أخرى . و ما أكثر المصرِّحين من علماء العامَّة ابتداءً من القرن الثالث الهجري و إلى اليوم بأن فكرة الظهور محلُّ اتفاقهم ، وبل و من عقيدتهم أجمع .
و يقول ابن خلدون في تاريخه معبِّراً عن عقيدة المسلمين بظهور الإمام المهدي ( عليه السلام ) : ( إعلم أن المشهور بين الكافة من أهل الإسلام على ممرِّ الأعصار أنه لابد في آخر الزمان من ظهور رجل من أهل البيت ( عليهم السلام ) ، يؤيد الدين ، و يُظهر العدل ، و يتبعه المسلمون ، وي ستولي على الممالك الإسلامية ، وي ُسمَّى بـ ( المهدي ) ) .
وقد وافقه على ذلك الأستاذ أحمد أمين الأزهري المصري – على الرغم مما عُرف عنهما من تطرُّف إزاء هذه العقيدة – إذ قال في كتابه ( المهدي و المهدوية ) معبِّراً عن رأي العامَّة بها : ( فأما أهل السُّنة فقد آمنوا بها أيضاً ) .
ثم ذكر نصَّ ما ذكره ابن خلدون ، ثم قال : ( و قد أحصى ابن حجر الأحاديث المروية في المهدي ( عليه السلام ) ، فوجدها نحو الخمسين ) .
فإذن لا فرق بين الشيعة و العامَّة من حيث الإيمان بظهور المنقذ ، ما دام العامَّة قد وجدوا خمسين حديثاً من طرقهم ، و عدُّوا المهدي ( عليه السلام ) من أشراط الساعة ، و أنهم ألَّفوا في الردِّ أو القول بالتواتر كتباً و رسائل .
بل لا فرق بين جميع المسلمين و بين غيرهم من أهل الأديان و الشعوب الأخرى من حيث الإيمان بأصل الفكرة ، و إن اختلفوا في مصداقها .
و قد اتفق المسلمون على أن اسمه ( مُحَمَّد ) كاسم النبي الأكرم ( صلى الله عليه وآله ) ، ولقبه عندهم هو ( المهدي ) .
كما أن اعتقاد أهل الكتاب بظهور المنقذ في آخر الزمان ، لا يبعد أن يكون من تبشير أديانهم بمهدي أهل البيت ( عليهم السلام ) كتبشيرها بنبوَّة نبيِّنا الأكرم محمد ( صلى الله عليه وآله ) ، إلا أنهم أخفوا ذلك عِناداً و تكبُّراً ، إلا من آمن منهم بالله و اتَّقى .
و يدل على ذلك وجود ما يشير في أسفار التوراة كـ ( سفر أرميا ) ، و إليكم نصُّه :
( إصعدي أيتها الخيل و هيِّجي المركبات ، و لتخرج الأبطال : كوش و قوط القابضان المجنّ ، و اللوديُّون القابضون القوس ، فهذا اليوم للسيد ربِّ الجنود ، يوم نقمة للانتقام من مبغضيه ، فيأكل السيف و يشبع .. لأن للسيد رب الجنود ذبيحة في أرض الشمال عند نهر الفرات ) .
وقد تتبَّع أهل الكتاب أخبار الإمام المهدي ( عليه السلام ) كما تتبَّعوا أخبار جدِّه المصطفى ( صلى الله عليه وآله ) . فدلَّت أخبار ( سفر الرؤيا ) إلى امرأة يخرج من صُلبها إثنا عشر رجلاً ، ثم أشار إلى امرأة أخرى [ أي التي تلد الرجل الأخير الذي هو من صُلب جدته ] .
فقال السفر : ( إن هذه المرأة الأخيرة ستحيط بها المخاطر ) . ورَمَزَ للمخاطر باسم ( التنين ) ، و قال : ( و التنين وقف أما المرأة العتيدة حتى تلد ليبتلع ولدها ثم ولدت ) . [ سفر الرؤيا : 12 : 3 ] . أي أن السلطة كانت تريد قتل هذا الغلام ، ولكن بعد ولادة الطفل . و يقول ( باركلي ) في تفسيره : ( عندما هجمت عليها المخاطر اختطف الله ولده و حفظه ) . والنص هو : ( و اختطف الله ولدها ) . [ سفر الرؤيا 12 : 5 ] . أي أن الله غيَّب هذا الطفل كما يقول ( باركلي ) .
و ذكر السفر أن غيبة الغلام ستكون ألفاً و مئتين و ستين يوماً ، و هي مدَّة لها رموزها عند أهل الكتاب . هذا و إن لم يصحُّ لمسلم الاحتجاج به ، لِمَا مُنيت به كتب العهدين من تحريف و تبديل . إلا أنه يدل بوضوح على معرفة أهل الكتاب بالإمام المهدي ( عليه السلام ) ، ثم اختلافهم فيما بعد في تشخيصه ، إذ ليس كل ما جاء به الإسلام قد تفرَّد به عن الأديان السابقة . فكثير من الأمور الكلِّية التي جاء بها الإسلام كانت في الشرائع السابقة قبله .
فقال الشاطبي المالكي في كتابه ( الموافقات ) : ( و كثير من الآيات أُخبر فيها بأحكام كلِّية كانت في الشرائع المتقدمة و هي في شريعتنا ، و لا فرق بينهما ) .
و إذا تقرَّر هذا فلا يضرُّ اعتقاد المسلم بصحة ما بشَّر به النبي ( صلى الله عليه وآله ) من ظهور رجل من أهل بيته ( عليهم السلام ) في آخر الزمان ، بأن يكون هذا المعتقد موجوداً عند أهل الكتاب من اليهود و النصارى ، أو عند غيرهم ممَّن سبق الإسلام .
و لا يخرج هذا المعتقد عن إطاره الإسلامي ، بعد أن بشَّر به النبي ( صلى الله عليه وآله ) ، و بعد الإيمان بأنه ( صلى الله عليه وآله ) : ( وَ مَا يَنطِقُ عَنِ الهَوَى * إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوْحَى ) ، ( النجم : 3 – 4 ) .
و أما عن اعتقادات الشعوب المختلفة بأصل هذه الفكرة ، كما مرَّ فيمكن تفسيرها على أساس أن فكرة ظهور المنقذ لا تتعارض مع فطرة الإنسان ، و طموحاته و تطلُّعاته . ولو فكَّر الإنسان قليلاً في اشتراك معظم الشعوب بأصل الفكرة لأدرك أن وراء هذا الكون حكمة بالغة في التدبير . و يستمدُّ عندئذٍ من خلالها قوَّته في الصمود إزاء ما يرى من انحراف و ظلم و طغيان ، و لا يُترك فريسة يأسه دون أن يُزوَّد بخيوط الأمل و الرجاء بأن العدل لابد له أن يسود .
وأما عن اختلاف أهل الأديان السابقة و الشعوب في تشخيص اسم المنقذ المنتظر ، فلا علاقة له في إنكار ما بشَّر به النبي ( صلى الله عليه وآله ) . وليس هناك ما يدعو إلى بيان فساد تشخيصهم لاسم المنقذ ، ما دام الإسلام قد تصدَّى بنفسه لهذه المهمَّة ، فبيَّن اسمه ، حسبه ، و نسبه ، و أوصافه ، و سيرته ، و علامات ظهوره ، و طريقة حُكمه ، حتى تواترت بذلك الأخبار ، و استفاضت بكثرة رواتها من طرق الشيعة و العامَّة أيضاً ، كما صرَّح بذلك أعلامهم وحُفَّاظهم و فقهاؤهم و محدِّثوهم .
وقد رُوي من تلك الأخبار عن النبي ( صلى الله عليه وآله ) ما يزيد على خمسين صحابياً . و أما عن اختلاف المسلمين فيما بينهم من حيث تشخيص اسم ( المهدي ) كما هو معلوم بين الشيعة و العامَّة .فليس فيه أدنى حجة للمستشرقين و أذنابهم ، بل هو من الأدلة القاطعة عليه ، و ذلك لأنه من قبيل الاختلاف في تفاصيل شيء متحقق الوجود . فإنه كاختلافهم في القرآن الكريم بين القول بِقِدَمِهِ و حُدُوثِهِ من الله تعالى ، مع اتفاقهم على تَكفِير مُنكره . و قِسْ عليه سائر اختلافاتهم الأخرى في تفاصيل بعض العقائد دون أصولها .
source : rasekhoon