قام الرسل بابلاغ رسالات اللّه سبحانه إلى الناس، دون أن یبغوا أجراً منهم، بل کان عملهم خالصاً لوجهه سبحانه، لاَنّ إبلاغ رسالاته کانت فریضة إلهیة على عواتقهم، فکیف یطلبون الاَجر للعمل العبادی الذی لا یبعثهم إلیه إلاّ طاعة أمره وطلب رضاه،ولذلک کان شعارهم دوماً، قولهم (وَما أسأَلکم علیهِ منْ أَجْر إِن أَجْری إِلاّعلى اللّه ربّ العالَمین) . (1)
فقد ذکر سبحانه على لسان الاَنبیاء تلک الآیة فی سورة الشعراء، ونقلها عن عدید من أنبیائه، نظراء:
نوح ، هود ، صالح ، لوط ، شعیب . علیهم السلام
وقد جاء هذا الشعار فی سور أُخرى نقلها القرآن الکریم عن رسله وأنبیائه، فقدکانوا یخاطبون أُمَمهم بقولهم:
(قُلْ لا أَسْأَلُکُمْ عَلَیْهِ أَجْراً إِنْ أَجْری إِلاّ على اللّه) .(2)
(یا قَوم لا أَسْأَلُکُمْ عَلَیْهِ أَجْراً إِلاّ الّذی فطرنی) .(3)
فإذا کان هذا موقف الاَنبیاء من أُمّتهم، فکیف یصح للنبی الخاتم صلی الله علیه وسلم أن یطلب الاَجر؟! بل هو أولى بأن یکون عمله خالصاً للّه، لاَنّه خاتم الرسل وأفضلهم، وقد کان یرفع ذلک الشعار أیام بعثته، بأمر منه سبحانه و یتلو قوله تعالى: (قُلْلا أَسْأَلُکُمْ عَلَیْهِ أَجْراً إِنْ هُوَإِلاّذِکرى لِلْعالَمین)(4)
هذه هی حقیقة قرآنیة لا یمکن إنکارها، ومع ذلک نرى انّه سبحانه یأمره فی آیة أُخرى بأن یطلب منهم مودة القربى أجراً للرسالة.
ویقول: (قُل لا أَسْأَلُکُمْ عَلَیْهِ أَجْراً إِلاّالمَودَّةَ فِی القُربى) .(5)
فکیف یمکن الجمع بین هذه الآیة، وما تقدم من الآیة الخاصة بالنبی (صلى الله علیه وآله وسلم) والآیات الراجعة إلى سائر الاَنبیاء، فانّهم (علیهم السلام) کانوا على نهج واحد؟.
هذا هو السوَال المطروح فی هذا المقام. والاِجابة علیه یتوقَّف على نقل ما ورد حول الموضوع فی القرآن الکریم،فالآیات التی وردت حول أجر النبی (صلى الله علیه وآله وسلم) على أصناف أربعة:
الاَوّل: أمره سبحانه بأن یخاطبهم بأنّه لا یطلب منهم أجراً، قال سبحانه: (قُلْلا أَسْأَلُکُمْ عَلَیْهِ أَجْراً إِنْ هُوَإِلاّذِکرى لِلْعالَمین) .(6)
الثانی: ما یشعر بأنّه طلب منهم أجراً یرجع نفعه إلیهم دون النبی (صلى الله علیه وآله وسلم): فیقول سبحانه: (قُلْ ما سَأَلْتُکُمْ مِنْ أَجْرٍ فَهُوَ لَکُمْ إِنْأَجْرِیَ إِلاّعلى اللّهِ وهُوَ على کُلِّ شَیْءٍ شَهید) .(7)
الثالث: ما یُعرّف أجره، بقوله: (قُلْ ما أَسْأَلُکُمْ عَلَیْهِمِنْ أَجْرٍ إِلاّمَنْ شاء أَنْ یَتَّخِذَ إِلى رَبِّه سَبیلاً .(8) فکان اتخاذ السبیل إلى اللّه هو أجر الرسالة.
الرابع: ما یجعل مودة القربى أجراً للرسالة، ویقول: (قُلْ لا أَسْأَلُکُمْ عَلَیْهِ أَجْراً إِلاّالمَوَدَّةَ فِی القُربى) .
انّ لفظة الاَجر یطلق على الاَجر الدنیوی والاَخروی غیر انّ المنفی فی تلک الآیات بقرینة نفی طلبه عن الناس هو الاَجر الدنیوی على الاِطلاق، ولذلک لم ینقل التاریخ أبداً أن یطلب نبی ص لدعوته شیئاً بل نقل خلافه.
هذه هی قریش وفی طلیعتهم أبو الولید تقدَّمت إلى النبی (صلى الله علیه وآله وسلم) ، وقال: یابن أخی إن کنت إنّما ترید بما جئت به من هذا الاَمر، مالاً، جمعنا لک من أموالنا حتى تکون أکثرنا مالاً، وإن کنت ترید به شرفاً سوَّدناک علینا، حتى لا نقطع أمراً دونک، وإن کنت ترید به ملکاً ملّکناک علینا، وإن کان هذا الذی یأتیک رئیّا تراه لا تستطیع ردّه عن نفسک، طلبنا لک الطبَّ، وبذلنا فیه أموالنا حتى نُبرئک منه، فانّه ربما غلب التابع على الرجل حتى یداوى منه، أو کما قال له حتى إذا فرغ عتبة، ورسول اللّه (صلى الله علیه وآله وسلم) یستمع منه، قال: أقد فرغت یا أبا الولید؟ قال: نعم، قال: فاسمع منی قال: أفعل، فقال: (بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمنِالرَّحیم* حم* تَنْزَیلٌ مِنَ الرَّحْمنِ الرَّحیم* کِتابٌ فُصِّلَتْ آیاتُهُ قُرآناًعَرَبِیاً لِقَومٍ یَعْلَمُونَ* بَشیراً وَنَذِیراً فَأعْرَضَ أَکْثَرُهُمْ فَهُمْ لا یَسْمَعُون* وَقالُوا قُلُوبُنا فی أَکِنَّةٍ مَمّا تَدْعُونا إِلَیْه) .(9)
ثمّ مضى رسول اللّه (صلى الله علیه وآله وسلم) فیها یقروَها علیه. فلماّ سمعها منه عتبة، أنصت لها، وألقى یدیه خلف ظهره معتمداً علیها یسمع منه، ثمّ انتهى رسول اللّه (صلى الله علیه وآله وسلم) إلى السجدة منها، فسجد ثمّ قال: قد سمعت یا أبا الولید ما سمعت، فأنت وذاک.(10)
هذا النصّ وغیره یعرب عن أنّ مدار الاِثبات والنفی هو الاَجر الدنیوی بعامة صوره، وهذا أمر منفی جداً لا یلیق لنبی أن یطلبه من الناس.
قال الشیخ المفید: إنّ أجر النبی (صلى الله علیه وآله وسلم) فی التقرُّب إلى اللّه تعالى هو الثواب الدائم، وهومستحق على اللّه تعالى فی عدله وجوده وکرمه، ولیس المستحق على الاَعمال یتعلَّق بالعباد، لاَنّ العمل یجب أن یکون للّه تعالى خالصاً، وما کان للّه فالاَجر فیه على اللّه تعالى دون غیره.(11)
إنّ مودة ذی القربى وإن تجلت بصورة الاَجر حیث استثنیت من نفی الاَجر، لکنّه أجر صوری ولیس أجراً واقعیاً، فالاَجر الواقعی عبارة عمّا إذا عاد نفعه إلى النبی (صلى الله علیه وآله وسلم)، ولکنّه فی المقام یرجع إلى المحب قبل رجوعه إلى النبی صلى الله علیه وآله وسلم ، وذلک لاَنّ مودة ذی القربى تجرّ المحب إلى أن ینهج سبیلهم فی الحیاة،
ویجعلهم أُسوة فی دینه ودنیاه، ومن الواضح انّ الحبّ بهذا المعنى ینتهی لصالح المحب. قال الصادق (علیه السلام): «ما أحب اللّه عزّ و جلّ من عصاه» ثمّ تمثَّل، فقال:
تعصی الاِله وأنت تظهر حبه هذا محال فی الفعـال بدیـع
لو کان حبک صادقاً لاَطعتـه انّ المحبّ لمن یحب مطیـع (12)
وسیوافیک انّ المراد من ذوی القربى لیس کلّ من ینتمی إلى النبی (صلى الله علیه وآله وسلم) بنسب أو سبب، بل طبقة خاصة من أهل بیته الذین عرفهم بأنّهم أحد الثقلین فی قوله: «إنّی تارک فیکم الثقلین: کتاب اللّه، وعترتی أهل بیتی، وانّهما لن یفترقا حتى یردا علیّ الحوض».(13)
فإذا کان المراد من ذوی القربى هوَلاء الذین أنیط بهم أمر الهدایة والسعادة فحبُّهم ومودَّتهم یرفع الاِنسان من حضیض العصیان والتمرد إلى عزّ الطاعة.
إنّ طلب المودة من الناس أشبه بقول طبیب لمریضه بعد ما فحصه وکتب وصفة: لا أُرید منک أجراً إلاّ العمل بهذه الوصفة، فانّ عمل المریض بوصفة الطبیب و إن خرجت بهذه العبارة بصورة الاَجر، ولکنّه لیس أجراً واقعیاً یعود نفعه إلى الطبیب بل یعود نفعه إلى نفس المریض الذی طلب منه الاَجر.
وعلى ذلک فلابدّ من حمل الاستثناء على الاستثناء المنقطع، کأن یقول: قل لا أسألکم علیه أجراً، وإنّما أسألکم مودة ذی القربى، ولیس الاستثناء المنقطع
أمراً غریباً فی القرآن بل له نظائر مثل قوله: (لا یسمعون فیها لَغْواً إِلاّسَلاماً) .(14)
وعلى ذلک جرى شیخ الشیعة المفید فی تفسیر الآیة، حیث طرح السوَال، و قال:
فإن قال قائل: فما معنى قوله: (قُلْ لا أَسألکم علیهِ أَجْراً إِلاّالمَودَّة فِی القُربى) أو لیس هذا یفید انّه قد سألهم مودة القربى لاَجره على الاَداء؟.
قیل له: لیس الاَمر على ما ظننت لما قدمنا من حجّة العقل والقرآن، والاستثناء فی هذا المکان لیس هو من الجملة لکنّه استثناء منقطع، ومعناه قل لا أسألکم علیه أجراً لکنّی ألزمکم المودة فی القربى و اسألکموها، فیکون قوله: (قُلْ لا أسْألکُمْ علیهِ أَجراً) کلاماً تاماً، قد استوفى معناه، ویکون قوله: (إِلاّالمودة فی القُربى) کلاماً مبتدأً، فائدته لکن المودة فی القربى سألتکموها، وهذا کقوله: (فَسَجَد المَلائِکة کُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ إِلاّإِبْلِیس) .(15) والمعنى فیه لکن إبلیس، ولیس باستثناء من جملة.(16)
وعلى ضوء ذلک یظهر معنى قوله سبحانه: (ما سَأَلْتُکُمْ مِنْ أَجْرٍ فَهُوَ لَکُمْ) .(17)
وقد تبَّین انّ حبّ الاَولیاء والصالحین لصالح المحب قبل أن یکون لصالحهم.
کما تبَّین معنى قوله سبحانه فی شأن ذلک الاَجر: (ما أَسأَلکُمْ علیه مِنْ أَجْر إِلاّ مَنْ شاءَ أَنْ یَتَّخِذَ إِلى رَبِّهِ سَبیلاً) .(18)
وقد جاء الجمع بین مفاد الآیات الثلاث فی دعاء الندبة الذی یشهد علو مضامینه على صدقه، حیث جاء فیه:
«ثمّ جعلت أجر محمّد صلی الله عیه واله وسلم مودّتهم فی کتابک، فقلت (لا اسألکم علیه أجراً إلاّالمودة فی القربى) ، وقلت: ما سألتکم من أجر فهو لکم، وقلت: (ما أسألکم علیه من أجر إلاّمن شاء أن یتّخذ إلى ربّه سبیلاً) ، فکانوا هم السبیل إلیک، والمسلک إلى رضوانک».
دلَّت الآیة الکریمة على أنّ النبی (صلى الله علیه وآله وسلم) فرض مودة ذی القربى، على المسلمین ولکن یبقى هناک سوَال وهو انّ الآیة تحتمل وجهین:
أ: أن یکون المراد مودة ذوی القربى من أقرباء النبی وأهل بیته.
ب: أن یکون المراد ودّ کلّ مسلم أقربائه وعشیرته ومن یمُّت إلیه بصلة، ولیس فی الآیة ما یدل على المعنى الاَوّل.
أقول: إنّ ذی القربى کما علمت بمعنى صاحب القرابة والوشیجة النسبیة، ویتعَّین مورده بتعینُّ المنسوب إلیه، وهو یختلف حسب اختلاف موارد الاستعمال، ویستعان فی تعیینه بالقرائن الموجودة فی الکلام، وهی:
الاَشخاص المذکورون فی الآیة أو ما دلَّ علیه سیاق الکلام.
فتارة یراد منه الاَقرباء دون شخص خاص، مثل قوله سبحانه: (ما کانَ لِلنَّبی وَالّذِینَ آمَنُوا مَعَهُ أَنْ یَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِکینَ وَلَو کانُوا ذوی قُربى) .(19)
وقوله سبحانه: (فَإِذا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ کانَ ذا قُربى) .(20)
فانّ ذکر النبی والذین آمنوا معه آیة على أنّ المراد قریب کلّ إنسان إلیهما، کما أنّ جملة (فإذا قلتم فاعدلوا) آیة أنّ المراد کل إنسان قریب إلیه.
وأمّا قوله سبحانه: (قُلْ لا أَسأَلُکُمْ عَلَیْهِ أَجْراً إِلاّ المَوَدَةَ فِی القُربى) فالفعل المتقدّم علیه یعنى (لا أسألکم) آیة انّ المراد أقرباء السائل، مثل قوله سبحانه: (ما أَفاءَ اللّهُ عَلى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِالقُرى فَلِلّهِ وَالرَّسُولِ وَلِذِی القُربى) .(21)
فانّ لفظة (على رَسُولِهِ) آیة أنّ المراد أقرباء الرسول.وعلى ذلک فلابدّ من الرجوع إلى القرائن الحافَّة بالآیة وتعیین المراد منه، و بذلک ظهر أنّالمراد هو أقرباء الرسول.
یقول الاِمام أمیر الموَمنین (علیه السلام) ناقداً انتخاب الخلیفة الاَوّل فی السقیفة لاَجل انتمائه إلى النبی (صلى الله علیه وآله وسلم) بالقرابة:
وإن کنت بالقربى حججت خصیمهم فغیـرک أولـى بالنبـی و أقـرب (22)
سؤال : الاِنسان مفطور على حب الجمیل وکراهة القبیح فیکون الودّأمراً خارجاً عن الاختیار، فکیف یقع فی دائرة السوَال ویطلبه النبی (صلى الله علیه وآله وسلم) من الموَمنین مع أنّه کذلک.
والجواب: انّ الحبّ لو کان أمراً خارجاً عن الاختیار فلا یتعلَّق به الاَمر، کما لا یتعلَّق به النهی، مع انّه سبحانه ینهى عن ود من حادَّ اللّه ورسوله، ویقول: (لا تَجد قَوماً یُوَمِنُونَ بِاللّهِ وَالیَومِ الآخِرِ یُوادّونَ من حادّ اللّهَ وَ رَسُولَهُ) .(23)
وحاصل الکلام: أنّ دعوة الناس إلى الحبّ تقوم على إحدى دعامتین:
الاَولى: الاشادة بفضائل المحبوب وکمالاته التی توجد فی نفس السامع حبّاً وولعاً إلیه.
الثانیة: الاِیصاء بالحب والدعوة إلى الودّ، فانّه یعطف نظر السامع إلى الموصى له، فکلَّما توطَّدت الاَواصر بنیهما وانکشفت آفاق جدیدة من شخصیته ازداد الحبّ والود له. وعلى کلّتقدیر فالنبی (صلى الله علیه وآله وسلم) هو المحبوب التام لعامة المسلمین، فحبُّه لا ینفک عن حبّ من أوصى بحبِّه وأمر بودّه.
وخیر ما نختم به هذا البحث حدیث مروی عن النبی (صلى الله علیه وآله وسلم) نقله صاحب الکشاف حیث قال، قال رسول اللّه (صلى الله علیه وآله وسلم): «من مات على حبّ آل محمّد مات شهیداً، ألا و من مات على حبّ آل محمّد مات مغفوراً له، ألا ومن مات على حبّ آل محمّد مات تائباً، ألا و من مات على حبّ آل محمّد مات موَمناً مستکمل الاِیمان، ألا ومن مات على حبّ آل محمّد بشرَّه ملک الموت بالجنة ثمّ منکر ونکیر، ألا و من مات على حبّ آل محمد یُزفُّ إلى الجنة کما تزفُّ العروس إلى بیت زوجها، ألا و من مات على حبّ آل محمّد فتح اللّه له فی قبره بابین إلى الجنّة، ألا ومن مات على حبّ آل محمّد جعل اللّه قبره مزار ملائکة الرحمة، ألا و من مات على حبّ آل محمّد مات على السنّة والجماعة، ألا و من مات على بغض آل محمّد جاء یوم القیامة مکتوباً بین عینیه آیساً من رحمة اللّه، ألا و من مات على بغض آل محمّد مات کافراً، ألا و من مات على بغض آل محمّد لم یشم رائحة الجنة».(24)
وروى أیضاً: انّه لما نزلت هذه الآیة، قیل: یا رسول اللّه من قرابتک هوَلاء الذین وجبت علینا مودتهم؟
فقال صلی الله علیه وآله وسلم: «علی و فاطمة وأبناهما».(25)
إنّ من حقوق أهل البیت (علیهم السلام) هی الصلوات علیهم عند الصلاة على النبی (صلى الله علیه وآله وسلم) قال سبحانه: (إِنَّ اللّهَ وَمَلائکَتَهُ یُصَلُّونَ عَلى النَّبِیّ یا أَیُّهَاالّذِینَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَیْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِیماً) .(26)
ظاهر الآیة هو تخصیص الصلاة على النبی (صلى الله علیه وآله وسلم) لکن فهمت الصحابة انّ المراد هو الصلاة علیه وعلى أهل بیته، وقد تضافرت الروایات على ضمّ الآل إلى النبی (صلى الله علیه وآله وسلم) عند التسلیم والصلاة علیه، وقد جاء ذلک فی الصحاح والمسانید، نقتصر منها على ما یلی:
1. أخرج البخاری عن عبد الرحمن بن أبی لیلى، قال: لقینی کعب بن عجرة، قال: ألا أُهدی لک هدیة سمعتها من النبی (صلى الله علیه وآله وسلم)، فقلت: بلى، فأهدها لی، فقال: سألنا رسول اللّه (صلى الله علیه وآله وسلم)، فقلنا: یا رسول اللّه، کیف الصلاة علیکم أهل البیت، فانّ اللّه قد علّمنا کیف نسلم، قال:
«قولوا: اللّهمّ صلّ على محمّد وعلى آل محمّد، کما صلّیت على إبراهیم وعلى آل إبراهیم إنّک حمید مجید، اللّهمّ بارک على محمّد وعلى آل محمّد، کما بارکت على إبراهیم وعلى آل إبراهیم إنّک حَمیدٌ مجید».(27)
وأخرجه أیضاً فی کتاب التفسیر عند تفسیر سورة الاَحزاب.(28)
کما أخرجه مسلم فی باب الصلاة على النبی من کتاب الصلاة.(29)
2.أخرج البخاری أیضاً، عن أبی سعید الخدری، قال: قلنا یا رسول اللّه، هذا التسلیم فکیف نصلّی علیک؟ قال: «قولوا: اللّهمّ صلّ على محمّد عبدک ورسولک، کما صلّیت على آل إبراهیم، وبارک على محمّد وعلى آل محمّد، کما بارکت على إبراهیم».(30)
3. أخرج البخاری، عن ابن أبی حازم عن یزید، قال: «کما صلیت على إبراهیم، وبارک على محمّد و آل محمّد، کما بارکت على إبراهیم وآل إبراهیم».(31)
4. أخرج مسلم، عن أبی مسعود الاَنصاری، قال: أتانا رسول اللّه (صلى الله علیه وآله وسلم) و نحن فی مجلس سعد بن عبادة، فقال له بشیر بن سعد: أمرنا اللّه تعالى أن نصِّلی علیک، یا رسول اللّه: فکیف نصلی علیک؟
قال: فسکت رسول اللّه (صلى الله علیه وآله وسلم) حتى تمنینا انّه لم یسأله.
ثمّ قال رسول اللّه (صلى الله علیه وآله وسلم): «قولوا: اللّهمّ صلّ على محمّد وعلى آل محمّد، کما صلیت على آل إبراهیم،وبارک على محمّد وعلى آل محمّد کما بارکت على آل إبراهیم فی العالمین انّک حمید مجید، والسلام کما قد علمتم».(32)
ویروى: لا تصلوا علیّ الصلاة البتراء، فقالوا: وما الصلاة البتراء؟ قال: تقولون: اللّهمّ صلّ على محمّد وتمسکون بل قولوا: اللّهم صلّ على محمّد وعلى آل محمد. ثمّ نقل عن الاِمام الشافعی قوله:
یا أهل بیت رسول اللّه حبکم فرض من اللّه فی القرآن أنزله
کفاکم من عظیم القدر إنّکـم من لم یصلِّ علیکم لا صلاة له
فقال: فیحتمل لا صلاة له صحیحة فیکون موافقاً لقوله بوجوب الصلاة على الآل، ویحتمل لا صلاة کاملة فیوافق أظهر قولیه.(33)
وأما حکم الصلاة على آل البیت فی التشهد، فقال أکثر أصحاب الشافعی: انّه سنّة.
وقال التربجی: من أصحابه هی واجبة، ولکن الشعر المنقول عنه یدل على وجوبه عنده، ویوَیده روایة جابر الجعفی ـ الذی کان من أصحاب الاِمامین الباقر والصادق (علیهما السلام)، وفی طبقة الفقهاء ، عن أبی جعفر عن أبی مسعود الاَنصاری، قال: قال رسول اللّه (صلى الله علیه وآله وسلم): «من صلّى صلاة لم یصل فیها علیّ ولا أهل بیتی لم تقبل منه».(34)
وهذا التعظیم لم یوجد فی حقّ غیر الآل، فکلّ ذلک یدل على أنّ حبّ آل محمّد واجب، وقال الشافعی:
یا راکباً قف بالمحصَّب من منى واهتف بساکن خیفها والناهض
سحراً إذا فاض الحجیج إلى منى فیضاً کما نظم الـفرات الفائض
إن کان رفضاً حـبُّ آل محمـّد فلیشهد الثقـلان أنّی رافضـی (35)
وقال النیسابوری فی تفسیره عند قوله تعالى: (قُل لا أَسْأَلُکُمْ عَلَیْهِ أَجْراً إِلاّ المَوَدَّة فِی القُربى) کفى شرفاً لآل رسول اللّه (صلى الله علیه وآله وسلم) وفخراً ختم التشهد بذکرهم والصلاة علیهم فی کالّصلاة.(36)
وروى محب الدین الطبری فی الذخائر عن جابر بن عبد اللّه الاَنصاری(رض) عنه انّه کان یقول: لو صلّیت صلاة لم أُصلِّ فیها على محمّد وعلى آل محمّد ما رأیت أنّها تقبل.(37)
وقال المحقّق الشیخ حسن بن علیّ السقاف: تجب الصلاة على آل النبی ص فی التشهد الاَخیر على الصحیح المختار، لاَنّ أقصر صیغة وردت عن سیدنا رسول اللّه (صلى الله علیه وآله وسلم) ثبت فیها ذکر الصلاة على الآل، ولم ترد صیغة خالیة منه فی صیغ تعلیم الصلاة، فقد تقدّم حدیث سیدنا زید بن خارجة، انّ رسول اللّه (صلى الله علیه وآله وسلم) قال:
«صلّوا علیّ واجتهدوا فی الدعاء، وقولوا:اللّهمّ صلّ على محمّد وآل محمّد».(38)
وفی الختام نذکر ما ذکره الرازی، انّه قال: أهل بیته ساووه فی خمسة أشیاء: فی الصلاة علیه و علیهم فی التشهد، وفی السلام، والطهارة، وفی تحریم الصدقة، وفی المحبّة.(39)
المصادر :
1- الشعراء109 ، 127، 145، 164، 180.
2- هود:29.
3- هود: 51.
4- الاَنعام: 90.
5- الشورى: 23.
6- الاَنعام: 90.
7- سبأ: 47.
8- الفرقان: 57.
9- فصّلت: 1 ـ 5.
10- السیرة النبویة:1|293ـ 294.
11- تصحیح الاعتقاد: 68.
12- سفینة البحار: مادة حبَّب.
13- أخرجه الحاکم فی مستدرکه:3|148، وقال: هذا حدیث صحیح الاسناد على شرط الشیخین. ولم یخرجاه، وأخرجه الذهبی فی تلخیص المستدرک معترفاً بصحته على شرط الشیخین قلت: هذا حدیث متواتر وقد ألَّف غیر واحد من المحقّقین رسائل حوله.
14- مریم: 62.
15- الحجر: 30 ـ 31.
16- تصحیح الاعتقاد:68.
17- سبأ: 47.
18- الفرقان: 57.
19- التوبة: 113.
20- الاَنعام: 152.
21- الحشر: 7.
22- شرح ابن أبی الحدید:18|416.
23- المجادلة: 22.
24- الکشاف:3|82، تفسیر سورة الشورى، ط عام 1367.
25- الکشاف:3|81.
26- الاَحزاب: 56.
27- صحیح البخاری: 4|146 ضمن باب «یزفُّون النَسَلان فی المشی» من کتاب بدء الخلق.
28- صحیح البخاری: 6|151 تفسیر سورة الاَحزاب.
29- صحیح مسلم: 2|16.
30- صحیح البخاری: 6|151، تفسیر سورة الاَحزاب.
31- المصدر السابق.
32- صحیح مسلم: 2|46، باب الصلاة على النبی (صلى الله علیه وآله وسلم) بعد التشهد من کتاب الصلاة.
33- الصواعق المحرقة: 146، ط عام 1385هـ.
34- سنن الدارقطنی:1|355.
35- تفسیر الفخر الرازی:27|166،تفسیر سورة الشورى.
36- تفسیر النیسابوری: تفسیر سورة الشورى.
37- ذخائر العقبى:19، ذکر الحث على الصلاة علیهم.
38- صحیح صفة صلاة النبی: 214.
39- الغدیر: 2|303، ط طهران نقله عن تفسیر الرزای: 7|391 ولم نعثر علیه فی الطبعتین.
source : rasekhoon