في رحاب شهر الصيام
1/ شهر الله :
روي عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) أنه قال : إن رسول الله (صلى الله عليه وآله) خطبنا ذات يوم فقال : أيها الناس انه قد أقبل إليكم شهر الله بالبركة والرحمة والمغفرة. شهر هو عند الله أفضل الشهور، وأيامه أفضل الأيام، ولياليه أفضل الليالي، وساعاته أفضل الساعات. هو شهر دعيتم فيه إلى ضيافة الله، وجعلتم فيه من أهل كرامة ألله. أنفاسكم فيه تسبيح، ونومكم فيه عبادة، وعملكم فيه مقبول، ودعاؤكم فيه مستجاب. فاسألوا الله ربكم بنيّات صادقة، وقلوب طاهرة أن يوفقكم لصيامه وتلاوة كتابه. فان الشقي من حرم غفران الله في هذا الشهر العظيم. واذكروا بجوعكم وعطشكم فيه جوع يوم القيامة وعطشه، وتصدّقوا على فقرائكم ومساكينكم، ووقّروا كباركم، وارحموا صغاركم، وصلوا أرحامكم، واحفظوا ألسنتكم، وغضّوا عمّا لايحل النظر إليه أبصاركم، وعما لايحلّ الاستماع إليه أسماعكم، وتحنّنوا على أيتام الناس يتحنّن على أيتامكم، وتوبوا الى الله من ذنوبكم، وارفعوا إليه أيديكم بالدعاء في أوقات صلاتكم، فانها أفضل الساعات، ينظر الله عز وجل فيها بالرحمة الى عباده؛ يجيبهم إذا ناجوه، ويلبيهم إذا نادوه، ويعطيهم إذا سألوه، ويستجيب لهم إذا دعوه.
أيها الناس إن انفسكم مرهونة بأعمالكم ففكوها باستغفاركم، وظهوركم ثقيلة من أوزاركم فخفّفوا عنها بطول سجودكم، واعلموا ان الله أقسم بعزته أن لايعذّب المصلّين والسّاجدين، وأن لا يروعهم بالنار يوم يقوم الناس لرب العالمين.
أيها الناس من فطر منكم صائماً مؤمناً في هذا الشهر كان له بذلك عند الله عتق نسمة ومغفرة لما مضى من ذنوبه. قيل : يا رسول الله فليس كلنا نقدر على ذلك. فقال (صلى الله عليه وآله) : اتقوا النار ولو بشق تمرة، اتقوا النار ولو بشربة من ماء .
أيها الناس من حسن منكم في هذا الشهر خلقه كان له جوازاً على الصراط يوم تزل فيه الأقدام، ومن خفّف في هذا الشهر عمّا ملكت يمينه خفّف الله عليه حسابه، ومن كفّ فيه شرّه كفّ الله عنه غضبه يوم يلقاه، ومن أكرم فيه يتيماً أكرمه الله يوم يلقاه، ومن وصل فيه رحمه وصله الله برحمته يوم يلقاه، ومن قطع فيه رحمه قطع الله عنه رحمته يوم يلقاه، ومن تطوّع فيه بصلاة كتب الله له براءة من النار، ومن أدّى فيه فرضاً كان له ثواب من أدّى سبعين فريضة فيما سواه من الشهور، ومن أكثر فيه من الصلاة عليَّ ثقل الله ميزانـه يوم تخف الموازيـن، ومن تلا فيه آيـة من القرآن كان له مثل أجر من ختم القرآن في غيره من الشهور.
أيها الناس إن ابواب الجنان في هذا الشهر مفتّحة، فاسألوا ربكم ان لا يغلقها عنكم، وأبواب النيران مغلقة فاسألوا ربكم ان لا يفتحها عليكم، والشياطين مغلولة فاسألوا ربكم ان لا يسلطها عليكم.
قال أمير المؤمنين (عليه السلام) : فقمت فقلت : يا رسول الله ما أفضل الأعمال في هذا الشهر ؟ فقال : يا أبا الحسن أفضل الأعمال في هذا الشهر الورع عن محارم الله.([29])
2/ إذا أهل هلال شهر رمضان :
روي عن أبي جعفر (عليه السلام)، انه قال : كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) إذا أهلّ هلال شهر رمضان استقبل القبلة ورفع يديه، فقال : اللهم أهلّه علينا بالأمن والايمان والسلامة والإسلام والعافية المجلّلة والرزق الواسع ودفع الأسقام. اللهم ارزقنا صيامه وقيامه وتلاوة القرآن فيه، اللهم سلّمه لنا وتسلّمه منّا وسلّمنا فيه. ([30])
3/ غـرة الشهـور :
عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال : إنّ عدة الشهور عند الله اثنى عشر شهراً في كتاب الله يوم خلق السماوات والأرض. فغرّة الشهور شهر الله عزَّ ذكره، وهو شهر رمضان. وقلب شهر رمضان، ليلة القدر. ونزل القرآن في أوّل ليلة من شهر رمضان، فاستقبل الشهر بالقرآن. ([31])
4/ حرمة شهر رمضان :
عن أبي بصير قال : دخلنا على أبي عبد الله (عليه السلام) فقلت له: ما تقول في الصلاة في شهر رمضان ؟ فقال : لشهر رمضان حرمةٌ وحقٌ لا يشبهه شيء من الشهور، صلِّ ما استطعت في شهر رمضان تطوُّعاً بالليل والنهار، فان استطعت ان تصلي في كل يوم وليلة ألف ركعة (فافعل). إنَّ علياً (عليه السلام) في آخر عمره، كان يصلّي في كل يوم وليلة ألف ركعة. ([32])
5/ الصوم جُنّة :
عن زرارة، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: بُني الإسلام على خمسة أشياء؛ على الصلاة، والزكاة، والحج، والصوم، والولاية. وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): الصوم جُنّة من النار. ([33])
6/ زكـاة الأبـدان :
عن أبي عبد الله، عن آبائه (عليهم السلام)؛ أن النبي (صلى الله عليه وآله) قال لأصحابه : ألا أخبركم بشيء إن أنتم فعلتموه تباعد الشيطان منكم كما تباعد المشرق من المغرب ؟ قالوا : بلى. قال : الصوم يسوِّد وجهه، والصدقة تكسر ظهره، والحبُّ في الله والموازرة على العمل الصالـح يقطع دابره، والاستغفــار يقطع وتينــه. ولكل شيء زكاة، وزكاة الأبدان الصيام. ([34])
7/ الصوم لي :
عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال : إن الله تبارك وتعالى يقول : الصوم لي، وأنا أجزي عليه. ([35])
8/ واستعينوا بالصبر :
عن أبي عبد اللـه ( عليه السلام ) فـي قـول اللــه عـز وجل : « واستعينوا بالصبر » قال : الصبر الصيام. وقال : إذا نزلت بالرجل النازلة والشديـدة، فليصم. فإن الله عز وجل يقول : «واستعينوا بالصبر » يعني الصيام. ([36])
9/ الصائم في عبادة :
عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال : قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : الصائم في عبادة، وإن كان على فراشه، مالم يغتب مسلماً. ([37])
10/ للصائم فرحتان :
عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنه قال : للصائم فرحتان ؛ فرحة عند إفطاره، وفرحة عند لقاء ربّه. ([38])
11/ عتقاء الله من النار :
عـن محمد ابن مروان قال : سمعت أبا عبد الله (عليه السلام)
يقول : ان لله عز وجل في كل ليلة من شهر رمضان عتقاء وطلقاء من النار، إلاّ من أفطر على مسكر. فإذا كان في آخر ليلة منه، أعتق فيها مثل ما أعتق في جميعه. ([39])
12/ فيه تقسم الارزاق :
عن اسحاق بن عمار عن المسمعي أنه سمع أبا عبد الله (عليه
السلام) يوصي ولده إذا دخل شهر رمضان : فاجهدوا أنفسكم؛ فان فيه تقسم الارزاق وتكتب الآجال، وفيه يكتب وفد الله الذيـن يفدون إليه، وفيه ليلـةٌ العمل فيها خير من العمل في ألف شهر.
13/ الشهر المرزوق :
عن علي بن أبي حمزة الثمالي قال : كنت عند أبي عبد الله (عليه السلام) فقال له أبو بصير : في حديث.. فقال لي : يا أبا محمد، وفد الحاج يكتب في ليلة القدر، والمنايا والبلايا والارزاق وما يكون الى مثلها في قابل. فاطلبها في ليلة احدى وعشرين وثلاث وعشرين، وصلِّ في كل واحدة منهما مائة ركعة، وأحيهما إن استطعت الى النور، واغتسل فيهما. قال : قلت : فان لم اقدر على ذلك وأنا قائم ؟ قال : فصلِّ وأنت جالسٌ. قلت : فان لم أستطع. قال : فعلى فراشك. لا عليك أن تكتحل أوّل الليل بشيء من النوم، إنّ ابواب السماء تفتح في رمضان وتصفّد الشياطين وتقبل أعمال المؤمنين. نعم الشهر رمضان، كان يسمى على عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله) المرزوق. ([40])
14/ فليصم سمعك وبصرك :
قــال أبو عبـد الله (عليه السلام) : إذا صمت، فليصـم سمعك
وبصرك من الحرام والقبيح، ودع المراء وأذى الخادم، وليكـن عليــك وقار الصيام، ولا تجعل يوم صومك كيوم فطرك. ([41])
15/ ما أطيب ريحك وروحك :
قال أبو عبد الله (عليه السلام) : من صام لله عز وجل يوماً في شدَّة الحرِّ فأصابه ظمأ، وكّل الله به ألف ملك يمسحون وجهه ويبشّرونه، حتّى إذا أفطر قال الله عز وجل له : ما أطيب ريحك وروحك. ملائكتي اشهدوا أنّي قد غفرت له. ([42])
16/ من لم يغفر له في شهر رمضان :
عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال : من لم يغفر له في شهر رمضان، لم يغفر له إلى قابل، إلاّ ان يشهد عرفة. ([43])
17/ سيد الشهور :
عن أبي جعفر (عليه السلام) قال : قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) لمّا حضر شهر رمضان، وذلك في ثلاث بقين من شعبان قال لبلال : ناد في الناس. فجمع الناس، ثم صعد المنبر؛ فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال : أيها الناس إنّ هذا الشهر قد خصّكم الله به وحضركم وهو سيّد الشهور، ليلة فيه خير من ألف شهر، تغلق فيه أبواب النار وتفتح فيه أبواب الجنان، فمن أدركه ولم يغفر له فأبعده الله، ومن أدرك والديه ولم يغفر له فأبعده الله، ومن ذكرت عنده فلم يصلِّ عليَّ فلم يغفر الله له فأبعده الله. ([44])
18/ التفرغ للعبادة :
قـال أبو عبد الله (عليه السلام) : كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) إذا دخل العشر الأواخر شدَّ المئزر، واجتنب النساء، وأحيى الليل، وتفرَّغ للعبادة. ([45])
source : sibtayn