عربي
Saturday 27th of July 2024
0
نفر 0

الشهيد الفاتح، من الخصائص الحسينية

شهادة هي عين الفتح، ومصرع هو عين الانتصار والغلبة. شهيد فاتح معاً، لم تكن هذه الصفة والخاصية لأحد من أنبياء الله عليه السلام، ولا لأحد من أوليائه، ذلك لأن التاريخ العام لم يحدثنا أن أحداً من رجال دين الله قتل فكانت شهادته عين الفتح لأهدافه، والغايات التي يجاهد في سبيلها. ومع أن الأنبياء الشهداء كثر إلا أن القرآن الكريم لم يحدثنا عن أن أحداً منهم كانت شهادته عين الفتح لبقاء دين الله تعالى وانتشاره. نعم كان هناك أنبياء فاتحون، وأولياء فاتحون، وكان هناك أنبياء شهداء، وأولياء شهداء، ولكنـنا نتأمل في
الشهيد الفاتح، من الخصائص الحسينية

شهادة هي عين الفتح، ومصرع هو عين الانتصار والغلبة. شهيد فاتح معاً، لم تكن هذه الصفة والخاصية لأحد من أنبياء الله عليه السلام، ولا لأحد من أوليائه، ذلك لأن التاريخ العام لم يحدثنا أن أحداً من رجال دين الله قتل فكانت شهادته عين الفتح لأهدافه، والغايات التي يجاهد في سبيلها.
ومع أن الأنبياء الشهداء كثر إلا أن القرآن الكريم لم يحدثنا عن أن أحداً منهم كانت شهادته عين الفتح لبقاء دين الله تعالى وانتشاره.
نعم كان هناك أنبياء فاتحون، وأولياء فاتحون، وكان هناك أنبياء شهداء، وأولياء شهداء، ولكنـنا نتأمل في صفة ( الشهيد الفاتح).
فلو كانت هذه الصفة لأحد من الأنبياء أو الأولياء قبل نبينا الأكرم محمد صلى الله عليه وآله ، لكان لقصته موضوع متميز في التاريخ القرآني، ولحظي ذكره بعناية فائقة في هذا التاريخ الإلهي، كما حظي بذلك إبراهيم وموسى ويوسف عليه السلام مثلاً، ذلك لأن التاريخ القرآني الذي اهتم بالمقاطع والمنعطفات واللقطات التاريخية ذات العبرة والعظة التربوية، والذي سجل لنا حتى اللقطة التاريخية لحديث نملة لما في حديثها من درس وعبر، لم يكن ليعرض صفحاً عن ذكر صفة (شهيد فاتح) على ما في هذه الصفة من عبرة تربوية وتاريخية عظمى.
وعندما نقرأ الحركة الإصلاحية المحمدية لسيد البشر محمد المصطفى صلى الله عليه وآله نجدها تـتضمن أكثر من انتصار، وأكثر من فتح، إلا أنه لم يوسم أحد من الشهداء بكونهم فاتحين، حتى شهداء بدر، لأن بدراً قد تضمنت غلبة ونصراً، ولم تكن فـتحاً، ولذا لم يسمها القرآن الكريم فتحاً.
مضافاً إلى أن التحولات الحاسمة التي حصلت بعد معركة بدر الخالدة لصالح الإسلام، لم تكن لشهادة شهداء بدر الأبرار رضوان الله عليه، بل كان ذلك لوجود النبي صلى الله عليه وآله ولسيف أمير المؤمنين علي عليه السلام والسيوف الصادقة الأخرى التي كانت مع هذا السيف الفريد في أهم مواقع الإسلام المصيرية.
نعم الأمر الذي لا ينكر هو أنه كان لدماء شهداء بدر الزاكية، وللشهداء الآخرين، أثر وتمهيد للفتح فيما بعد، لكن هذا غير ما نحن بصدد الحديث عنه، إذ أن حديثنا ينصب حول شهادة هي عين الفتح.
وهذا التاريخ الذي نقل لنا حياة المسلمين بعد رسول الله صلى الله عليه وآله حتى سنة ستين للهجرة، لا نراه يحدثنا عن شهادة هي عين الفتح.
ولما دخلت سنة إحدى وستين من الهجرة النبوية، تحققت تلك الخصوصية التي كانت مكنونة في مطاوي الزمان لصاحبها الإمام أبي عبد الله الحسين عليه السلام ذلك الوتر في الخالدين، ثم امتنعت عن سواه إلى قيام الساعة.
فالشهادة التي هي عين الفتح، والمصرع الذي هو عين الانتصار والغلبة. والشهيد الفاتح معاً، إنما هو بطل الإسلام الأبي الشهيد الإمام أبي عبد الله الحسين عليه السلام.
وقد عرفت أنها لم تكن لأحد من قبل الحسين عليه السلام، وأما أنها لا تكون لأحد من بعده، فذلك لأن عاشوراء قد كشفت عن وحدة وجودية، لا انفكاك لها بين الإسلام المحمدي الخالص، وبين الحسين عليه السلام، فصارت الدعوة إلى هذا الإسلام هي عين الدعوة إلى الحسين عليه السلام، وبالعكس، وصارت مواجهة هذا الإسلام ومعاداته هي عين مواجهة الحسين عليه السلام ومعاداته، وبالعكس، وصار بقاء هذا الإسلام بعد كربلاء ببقاء عاشوراء الحسين عليه السلام، حتى لقد قيل، وما أصدقه من قول: الإسلام محمدي الوجود حسيني البقاء.
فالممـيزات الفريدة للدور الحسيني، جعلت الإمام أبا عبد الله الحسين عليه السلام من خلال عاشوراء عنوان بقاء الإسلام والحفاظ عليه نقياً كما هو.
لقد امتد النهج الحسيني بعد عاشوراء، فهيمن على كل مساحة الزمان والمكان في انبعاث كل قيام إسلامي حق إلى قيام الساعة، لقد غدا الإمام الحسين عليه السلام قدوة كل مسلم ثائر للحق وبالحق، وغدت كل نهضة إسلامية حقة تجد نفسها امتداداً لنهضة الحسين عليه السلام، حتى نهضة الإمام المنـتظر المهدي عجل الله فرجه تجد نفسها امتداداً لنهضة الحسين عليه السلام، وتؤكد هذا الامتداد بشعار: يا لثارات الحسين.
وغذا كل طاغية من أعداء الإسلام بعد عاشوراء يجد نفسه في مواجهة الحسين عليه السلام، فهو يذعر من ذكر الحسين عليه السلام، بل ويخاف من قبر الحسين عليه السلام، وقد كان ولا يزال هذا القبر المقدس يتعرض في الماضي والحاضر، لأشرس الهجمات ومحاولات الطمس من قبل الطغاة، فلا يزداد إلا علواً وشموخاً.
الأنصار شهداء فاتحون:
وقد أشار أمير المؤمنين عليه السلام إلى هذه الخصوصية الحسينية عند وصفه منـزلة شهداء كربلاء عليه السلام، فقال: ومصارع عشاق شهداء، لا يسبقهم من كان قبلهم، ولا يلحقهم من بعدهم.
ونستفيد التفرد الناشيء من الخصوصية المدعاة من قوله عليه السلام: لا يسبقهم من كان قبلهم، وقوله عليه السلام: لا يلحقهم من بعدهم.
ثم إن هذا المعنى الذي استفدناه من كلمة أمير المؤمنين عليه السلام، قد يصور لبعض فيقول: أن أنصار أبي عبد الله عليه السلام من أهل بيته وصحبه الكرام عليه السلام الذين استشهدوا بين يديه، شهداء فاتحون أيضاً، فلا ينفرد الحسين عليه السلام على هذا بهذه الخصوصية والميزة.
وهذا المعنى المتصور وإن كنا لا نمانع فيه، ونقبله، إلا أننا نركز على نقطة، وهي أن هذه الصفة التي اكتسبها هؤلاء بحيث صاروا أنصاراً شهداء فاتحين، إنما حصلت إليهم لا عن استقلالية منهم بذلك، بل تبعاً لصاحب هذا الاختصاص أصالة، إذ لو لم يكن الإمام الحسين عليه السلام صاحب كربلاء، لما كان شهداء الطف وأبطال عاشوراء الآخرون، على ما هم عليه من هذه المرتبة في السمو والشرف، ولما كانت كربلاء التي نعرف، ولا عاشوراء التي تأخذ بمجامع قلوب المؤمنين خاصة وأحرار العالم عامة.
قداسة عاشوراء من قداسة الحسين:
إن قداسة الحسين عليه السلام وهو المثل الأعلى في ضمير ووجدان الأمة، هي التي أسبغت على عاشوراء كل هذه القداسة، وهذه الرمزية في الزمان، بحيث صار (كل يوم عاشوراء) وهي التي نشرت كربلاء على كل الأرض عنواناً لميدان انتصار دم الحق على سيف الباطل، فكانت( كل أرض كربلاء)، ولولاه عليه السلام لكانت واقعة الطف بكل ما غصت به من فجائع أليمة، مأساة يذكرها الذاكر، فيأسف لها كما يأسف لكثير من وقائع التاريخ الأليمة الأخرى المقيدة بحدود الزمان والمكان.
إن واقعة كربلاء بعظمتها الفريدة من كل جهة، وبكل أبطالها وبطولاتها، إنما استمدت خصائصها من الخصائص المنحصرة بصانع ملحمتها الإمام أبي عبد الله الحسين عليه السلام، فكانت الحدث التاريخي الذي لا يرقى إليه أي حدث تاريخي آخر في مستوى تأثيره.
آفاق الفتح الحسيني:
ولقد أشار الإمام الحسين عليه السلام إلى كونه فاتحاً في رسالته التي أرسلها إلى أخيه محمد بن الحنفية، ومن قبله من بني هاشم:
بسم الله الرحمن الرحيم، من الحسين بن علي إلى محمد بن علي، ومن قبله من بني هاشم: أما بعد: فإن من لحق بي استشهد، ومن لم يلحق بي لم يدرك الفتح، والسلام.
وهذا المعنى أيضاً أكده الإمام السجاد عليه السلام حين رجوعه إلى المدينة، وقد سأله إبراهيم بن طلحة بن عبيد الله: من الغالب؟...
فقال السجاد عليه السلام: إذا دخل وقت الصلاة فأذن وأقم تعرف الغالب.
الفتح الحسيني:
ما هو الفتح الذي عناه الإمام الحسين عليه السلام برسالته الموجهة لبني هاشم، وأشار له زين العابدين بالآذان؟...
إنه الفتح الذي لم يحرزه غيره من قادة العالم، وأبطال التاريخ، فقد انـتصرت مبادئه، وانـتصرت قيمه، وتألقت الدنيا بتضحيته، وأصبح اسمه رمزاً للحق والعدل، وأصبحت شخصيته العظيمة ليست ملكاً لأمة دون أمة، ولا لطائفة دون أخرى، وإنما هي ملك للإنسانية الفذة في كل زمان ومكان، فأي فتح أعظم من هذا الفتح، وأي نصر أسمى من هذا النصر.
في عصر الظهور:
ويتجسد الفتح الحسيني في عاشوراء، المشار إليه في كلام الإمام أبي عبد الله الحسين عليه السلام، من خلال الوحدة الصميمية بين قيام الإمام الحسين عليه السلام وقيام الإمام المهدي المنـتظر عجل الله فرجه ، وبين الفتح الحسيني والفتح العالمي.
حيث أن النهضة العالمية للإمام الحجة عجل الله فرجه تمثل الفصل الأخير من قيام عاشوراء، كما يظهر ذلك للمتأمل في الروايات التي تـتناول العلاقة بين هذين القيامين العظيمين، وكأن قيام الإمام الحسين عليه السلام في مجموع أحداثه يتألف من ثلاثة فصول:
الأول: ما قد تحقق وتم، من خلال وقوع فاجعة عاشوراء، وعودة الركب الحسيني إلى المدينة المنورة بقيادة الإمام زين العابدين عليه السلام.
الثاني: يمتد في الفترة ما بعد ذلك إلى قيام الإمام المنـتظر المهدي عجل الله فرجه ، وهو فصل الحفاظ على الإسلام وبقائه.
الثالث: يتحقق بقيام الإمام المهدي عليه السلام ثائراً للحسين عليه السلام ومظهراً لهذا الدين على الدين كله.
فمن يتأمل هذه النصوص يرى بوضوح أن قيام الإمام الحجة(روحي لتراب مقدمه الفداء) امتداد حقيقي لقيام الإمام الحسين عليه السلام، وأن عاشوراء سنة إحدى وستين للهجرة، كانت المعركة الأولى من معارك الإمام الحسين عليه السلام، وإن كان قد استشهد فيها، وأن الفترة ما بين عاشوراء وبين الظهور فترة مليئة بمواجهات ومعارك عديدة، أخذ الإمام الحسين عليه السلام فيها بخناق جميع الطواغيت في تلك الفترة، لا بخناق يزيد فقط.
ويشهد العالم الفصل الأخير من قيام الإمام الحسين عليه السلام بقيادة ابنه الإمام المهدي عجل الله فرجه، الذي يقتل ذراري قتلة الإمام الحسين عليه السلام في كل فترة ما بين عاشوراء والظهور، لرضاهم بفعال آبائهم، وأن الحلقة الأخيرة من حلقات الفتح الحسيني في عاشوراء، تكون بالفتح العالمي.


source : irib
0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخر المقالات

اجعلوا انفسكم ميزاناً بينكم وبين غيركم‏
بكاء الأئمة على الحسين (عليه السلام)
في زيارة ائمّة سرّ من رأى (عليهم السلام) وأعمال ...
مولود الكعبة
الإمام الحسين في ظلال السنة(الطائفة الثانية)
ما هو اسم الحسين عليه السلام
طَلبُ الناصرمن الجيش المعادي
دلالة آية المباهلة على إمامة عليّ (عليه السلام)
المهدي المنتظر في القرآن الكريم
محبة علي (عليه السَّلام) وآله

 
user comment