قال اللّه تعالى: ﴿یَا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا إِذَا قِیلَ لَکُمْ تَفَسَّحُوا فِی الْمَجَالِسِ فَافْسَحُوا یَفْسَحِ اللَّهُ لَکُمْ﴾(1).
لکل شیء فی الإسلام مستحبات وآداب ینبغی الالتفات إلیها والالتزام بها، وللمجلس آدابه أیضاً التی لو التزم بها الإنسان لعرف الخیر فی الدنیا قبل الآخرة.
ونشیر هنا إلى بعض هذه الآداب:
1- أین تجلس؟
هناک العدید من الروایات التی تتحدث عن المکان الذی ینبغی أن یجلس فیه الإنسان وتحددها ضمن أطر ثلاثة:
أ- المکان الذی دعیت إلیه
فعن رسول الله صلى الله علیه وآله وسلم:
(إذا أخذ القوم مجالسهم فإن دعا رجل أخاه وأوسع له فی مجلسه فلیأته فإنما هی کرامة أکرمه بها أخوه...)(2).
فإذا أوسع لک أی شخص فی المجلس ودعاک للجلوس بجانبه فهذه کرامة لک أکرمک بها هذا الإنسان وعلیک أن تمتثل لهذا الطلب وتقبل هذه الکرامة. فلیس من الأدب أن یعتنی بک أحدهم فتقابل عنایته بعدم الاهتمام واللامبالاة.
ب- المکان الأوسع
ففی تتمة الروایة عن رسول الله صلى الله علیه وآله وسلم:
(... وإن لم یوسع له أحد فلینظر أوسع مکان یجده فیجلس).
ففی الحالات العادیة التی لا یوسع لک أحدهم و یدعوک إلى جانبه علیک أن تختار أوسع مکان تجده فی المجلس حتى لا یکون جلوسک فیه تضییقاً أو أذیة لأحد من الجالسین.
ج- ما انتهى بک المجلس
فعن رسول الله صلى الله علیه وآله وسلم:
(إذا أتى أحدکم مجلسا فلیجلس حیث ما انتهى به مجلسه)(3).
وفی هذا تعلیم منه صلى الله علیه وآله وسلم لنا أن لا نسعى لمواقع الرئاسة ولا للمناصب و الوجاهة والظهور، بل حثا منه على أن نشعر أنفسنا بالتواضع وأننا کالآخرین ولسنا ارفع منهم جاها بل التفاضل بالتقوى فقط..
﴿... إِنَّ أَکْرَمَکُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاکُمْ...﴾(4).
د- لا تسرع إلى صدر المجلس
قد یتساءل البعض لما التشدد فی هذا الأمر؟ فإذا کان المکان فارغا فلیجلس الشخص حیثما یرید... ولکن الأمر لیس لأجل المکان الفارغ أو عدمه بل هذا دفعا عن المؤمن کی لا یتعرض للمقت أو الإهانة، لأن أصحاب المجالس قد یخصصون مجلسا خاصا لأحد ما قد یکون عزیزا علیهم ولا یرضون بجلوس آخر مکانه فیطلبون منه التنحی وقد یعتبرها الشخص إهانة له فیلزم للمؤمن أن لا یسرع لصدر المجلس الذی قد یکون مخصصا لشخص آخر غیره.
وقد ذکر هذا المعنى على لسان الإمام علی علیه السلام حینما قال:
(لا تسرعن إلى أرفع موضع فی المجلس فإن الموضع الذی ترفع إلیه خیر من الموضع الذی تحط عنه)(5).
هـ- لمن صدر المجالس؟
خصصت الروایات صدر المجالس بأناس محددین، ولصدر المجلس علاقة بموقعهم الریادی فی المجتمع کالعالم والناصح والمحدث.
فعن الإمام علی علیه السلام:
(لا یجلس فی صدر المجلس إلا رجل فیه ثلاث خصال: یجیب إذا سئل، وینطق إذا عجز القوم، ویشیر بالرأی الذی فیه صلاح أهله فمن لم یکن فیه شیء منهن فجلس فهو أحمق)(6).
لأنه إن جلس وظنوه عالما فسیسألونه ویستهزؤون به لجلوسه مجلس العلماء...
2- عدم مضایقة الجالسین
وهو ما یسمى بالفحش فی المجلس ومثاله أن یجلس شخص ما موسعا ما بین قدمیه بحیث یأخذ مکان شخصین بدل شخص واحد ولا سیما مع ضیق المکان، ولربما لا یعترض الجالسون علیه ولکنهم بلا شک سیمتعضون منه ومن أخلاقه وقد حذرنا الرسول الأکرم صلى الله علیه وآله وسلم من هذا التصرف الشائن.
فقد روی عنه صلى الله علیه وآله وسلم:
(لا تفحش فی مجلسک لکی یحذروک بسوء خلقک ولا تناج مع رجل وأنت مع آخر)(7).
وهذا التصرف عادة ما ینشأ من الأنانیة وحب الذات وعدم الالتفات لحقوق الآخرین، فینبغی للمؤمن أن یؤدب نفسه على الالتفات لراحة إخوانه المؤمنین.
3- إفساح المجال
وإذا ضاق المکان وجاء من یرید المشارکة فی المجلس، فینبغی افساح المجال له لیتمکن من الجلوس.
قال تعالى فی کتابه العزیز:
﴿یَا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا إِذَا قِیلَ لَکُمْ تَفَسَّحُوا فِی الْمَجَالِسِ فَافْسَحُوا یَفْسَحِ اللَّهُ لَکُمْ وَإِذَا قِیلَ انشُزُوا فَانشُزُوا...﴾(8).
4- التزحزح
والتزحزح من اللیاقات العرفیة المشهورة والمعروفة وهو دال على الاحترام والتوقیر للآخر وقد کان التزحزح من خلق رسولنا الأکرم صلى الله علیه وآله وسلم فقد روی أنه دخل على رسول الله شخص وهو فی المسجد جالساً لوحده فتزحزح له الرسول. فقال له: فی المکان سعة یا رسول الله.
فقال صلى الله علیه وآله وسلم:
(إن حق المسلم على المسلم إذا رآه یرید الجلوس إلیه أن یتزحزح له)(9).
5- عدم مد الرجلین
ومد الرجلین من الأمور الدالة بحسب العرف على احتقار الآخر وعدم احترامه وهی بالتالی منافیة للأخلاق.
وقد روى الإمام علی علیه السلام فی أوصاف رسول الله صلى الله علیه وآله وسلم:
(وما رؤی مقدما رجله بین یدی جلیس له قط)(10).
فعلینا التأسی بأوصافه تلک وأخلاقه الحمیدة.
6- التبسم فی وجه الآخرین
قد یتصور بعض البعیدین عن الروایات والمفاهیم الإسلامیة الصحیحة أن من صفات المؤمن أن یکون عبوس الوجه شارد الفکر لا یُقبِل على الآخر إلا بالدعوة له وغیر ذلک من الصفات... إلا أن الواقع وما ذکرته الروایات من صفات المؤمن عکس ذلک تماماً، فالروایات تؤکد أن المؤمن یلاقی الآخرین بوجه بشوش مبتسم.
فعن إسحاق بن عمار قال: قال الصادق علیه السلام:
(یا إسحاق: صانع المنافق بلسانک واخلص ودک للمؤمن، فإن جالسک یهودی فأحسن مجالسته)(11).
وروی عن رسول اللَّه صلى الله علیه وآله وسلم:
(ثلاث یضفین ود المرء لأخیه المسلم یلقاه بالبشر إذا لقیه، ویوسع له فی المجلس إذا جلس إلیه، ویدعوه بأحب الأسماء إلیه)(12).
7- الصمت
بمعنى عدم الاستعجال فی الحدیث والانجرار وراء اللسان.
فعن علی أمیر المؤمنین علیه السلام: (لا تحدث الناس بکل ما تسمع فکفى بذلک خرقاً)(13).
فینبغی أن یکون اللسان تابعاً للعقل لا العکس، وإلا فالصمت أفضل، کما تشیر الکثیر من الروایات.
فعن أمیر المؤمنین علیه السلام أنه قال: (صمت یکسوک الکرامة خیر من قول یکسبک الندامة)(14).
ولا یعنی ذلک أن یبقى الإنسان فی کل المجالس صامتا بل المراد أن یتکلم بما ینفع إذا اقتضت طبیعة المجلس الکلام.
ومن ثمار الصمت أن الإنسان الصامت عن ما لا یعنیه یورثه الله الحکمة.
فعن الإمام الرضا علیه السلام: (إن الصمت باب من أبواب الحکمة، إن الصمت یکسب المحبة، إنه دلیل على کل خیر)(15).
8- عدم مقاطعة المتکلمین
إن مقاطعة المتکلمین من العادات السیئة المنافیة للآداب والتی کثیراً ما یسهو الإنسان فیقع فیها، ولا سیما فی مجالس الحوار والنقاش، حیث یکون أحد الجالسین متکلماً فیقطع کلامه ویأتی آخر لقطع کلام الثانی وهکذا إلى أن یصبح المجلس مجلساً للهرج والمرج لا تفهم من أحدهم کلمة، ناسین قول سید الکائنات صلى الله علیه وآله وسلم:
(من عرض لأخیه المسلم المتکلم فی حدیثه فکأنما خدش وجهه)(16).
9- عدم التناجی بالسر
ومن أدب المجالس عدم التناجی، وهو أن یهمس أحد الجالسین فی أذن الآخر بحدیث خاص به دون الجالسین، فإن ذلک مما یؤذیهم فإذا کان هناک ثلاثة، فلا یتناج منهم اثنان دون الثالث فإن ذلک مما یؤذیه ویسیء إلیه وقد نهت عن ذلک الروایات الواردة عن أهل البیت علیهم السلام.
فعن أبی عبد الله الصادق علیه السلام:
(إذا کان القوم ثلاثة فلا یتناجى فیهم اثنان دون صاحبهما، فإن فی ذلک ما یحزنه ویؤذیه)(17).
حفظ السر
عن النبی الأکرم صلى الله علیه وآله وسلم:
(المجالس بالأمانة، وإفشاء سر أخیک خیانة فاجتنب ذلک)(18).
إن میل الإنسان نحو المباهاة وإظهار المعرفة وامتلاک الأسرار قد یدفعه لإفشاء کل أمر یعرفه والتحدیث فیه وإشاعته سواء کان مهماً أو وضیعاً خطیراً أو ضئیلاً... فیصبح کثیر الکلام لا یمکن ائتمانه على سر أو حدیث أو مجلس...
فی هذه الروایة یؤکد النبی الأکرم صلى الله علیه وآله وسلم على خطورة إفشاء الأسرار وإذاعة کل ما یحصل فی المجالس، فقد یذکر المؤمن بعض الأمور فی مجلس ولا یحب ذکرها فی مجلس آخر..
لذلک فإن ما تسمعه فی مجلس ما، یتحول إلى أمانة أنت مسؤول عنها وینبغی علیک مراعاتها وعدم جعلها مادة للحدیث والتسلیة أینما کان، وکثیراً ما یسر لک أخوک المؤمن بأخباره وآرائه، ویظهر لک ما لا یظهره لغیرک لثقته بک، فعلیک أن تثبت أنک أهل لهذه الثقة من خلال حفظ هذه الأمانة وعدم إشاعتها بین الناس.
ومن أسوأ ألوان خیانة المجالس ما إذا کان الإنسان حریصاً على تتبع العیوب والأسرار وإفشائها بقصد الإیذاء والتشهیر والخیانة.
فعلى المؤمن
أولاً: أن یکون حریصاً على عدم نبش الأسرار واکتشافها والترفع عن استخدام تلک الوسائل الوضیعة التی لا تلیق بمقام المؤمن.
ثانیاً: أن یکون أمیناً فی المجالس وتذکر أمامه أسرار لا یستحسن کشفها، وعلیه ألا یظهرها ولو لم یطلب منه ذلک...
أی نوع من المعلومات یجب سترها وعدم إشاعتها؟
فی البدایة علینا أن نعتاد على قلة الکلام، ونروض النفس على ذلک فلا ننقل ما نسمعه حتى لو لم یکن فیه ضرر، والأفضل أن نکتفی بنقل الأمور الحسنة والإیجابیة والمفیدة التی یجیز لنا صاحبها بنقلها ولا یتأذى من ذلک. فقد ورد عن أبی عبد الله الصادق علیه السلام قال:
(المجالس بالأمانة، ولیس لأحد أن یحدّث بحدیث یکتمه صاحبه إلا بإذنه إلا أن یکون ثقة أو ذکراً له بخیر)(19).
هل نستر على هؤلاء؟
هناک بعض الأمور الخطیرة جداً والتی لا یرضى الله تعالى بوقوعها بشکل من الأشکال فمثل هذه الأمور لا یمکن للإنسان أن یتستر علیها ویعتبر أمانة للمجلس، خصوصاً إذا کان التستر فیه تشجیع لهؤلاء ومساعدة على استمرارهم فی أعمالهم وضراراً على الناس، فمثل هذه المجالس التی ترتکب فیها مثل هذه الأمور الکبیرة لا حرمة لها.
وقد روی عن رسول اللَّه صلى الله علیه وآله وسلم:
(المجالس بالأمانة إلا ثلاثة مجالس، مجلس سفک فیه دم حرام أو مجلس استحل فیه فرج حرام، أو مجلس یستحل فیه مال حرام بغیر حقه)(20).
لکن سقوط حرمة هذه المجالس لا یعنی جعلها على کل لسان، فعلینا أن نکتفی بإخبار المعنیین الذین توجد فائدة فی إخبارهم لجهة ردع الفاعلین واستنقاذ الحقوق ومنع التکرار.
المصادر :
1- المجادلة:11.
2- میزان الحکمة، ح 2365.
3- میزان الحکمة، ح 2363.
4- میزان الحکمة، ح 2372.
5- الحجرات:13.
6- میزان الحکمة، ح 2371.
7- المجادلة:11.
8- میزان الحکمة، ح 2370.
9- میزان الحکمة، ح 2368.
10- بحار الأنوار، ج 13، ص 236.
11- حلیة المتقین، ص 570.
12- المصدر السابق.
13- میزان الحکمة، ج8، ص443.
14- حلیة المتقین ص447.
15- الکافی، ج2، ص113.
16- الکافی، ج2، ص660.
17- الوسائل، أبواب أحکام العشرة.
18- میزان الحکمة، ح 2382.
19- الکافی،ج2، ص660.
20- وسائل الشیعة، ج8، ص471.
source : rasekhoon