ن معاجز الإمام زينِ العابدين عليه السّلام
الولاية التكوينيّة
• روى أحمد بن محمّد بن عيّاش في كتاب ( مقتضب الأثر ) بإسنادٍ من طريق العامّة وإسنادٍ آخر من طريق الشيعة هذا الخبر.. وقد رواه أيضاً الشيخ الكليني عن محمّد ابن إبراهيم قال: أخبرنا موسى بن محمّد بن إسماعيل بن عبيدالله بن العبّاس بن عليّ ابن أبي طالب عليه السّلام قال: حدّثني جعفر بن زيد بن موسى الكاظم عليه السّلام، عن أبيه عن آبائه عليهم السّلام قالوا:
جاءت أُمُّ أسلم يوماً إلى النبيّ صلّى الله عليه وآله وهو في منزل أمّ سلمة، فسألتها عن رسول الله صلّى الله عليه وآله، فقالت: خرج في بعض الحوائج، والساعةَ يجيء. فانتظرَتْه عند أمّ سلمة.. حتّى جاء صلّى الله عليه وآله، فقالت أمّ أسلم: بأبي أنت وأمّي يا رسول الله، إنّي قد قرأتُ الكتبَ وعلمتُ كلَّ نبيٍّ ووصيّ، فموسى كان له وصيٌّ في حياته ووصيّ بعد موته، وكذلك عيسى.. فمَن وصيُّك يا رسول الله ؟
فقال لها: يا أمَّ أسلم، وصيّي في حياتي وبعد مماتي واحد.
ثمّ قال لها: يا أمّ أسلم، مَن فعَلَ فعلي هذا فهو وصيّي.
ثمّ ضرب بيده إلى حصاةٍ من الأرض، ففركها بإصبعه فجعلها شبه الدقيق، ثمّ عجَنَها، ثمّ طبعها بخاتمه، ثمّ قال: مَن فعَلَ فعلي هذا فهو وصيّي في حياتي وبعد مماتي.
قالت: فخرجتُ مِن عنده فأتيتُ أمير المؤمنين، فقلت: بأبي أنت وأُمّي، أنت وصيُّ رسول الله ؟ قال: نعم يا أمَّ أسلم. ثمّ ضرب بيده إلى حصاةٍ ففركها فجعلها كهيئة الدقيق، ثمّ عجنها وختمها بخاتمه، ثمّ قال: يا أمَّ أسلم، مَن فعل فعلي هذا فهو وصيّي.
فأتيتُ الحسنَ وهو غلام، فقلت له: يا سيّدي، أنت وصيُّ أبيك ؟ فقال: نعم يا أمَّ أسلم. وضرب بيده وأخذ الحصاة، ففعل بها كفعلهما، فخرجتُ مِن عنده فأتيت الحسينَ عليه السّلام، وإنّي أستصغره لسِنّه، فقلت له: بأبي أنت وأُمّي، أنت وصيُّ أخيك ؟ فقال: نعم يا أُمَّ أسلم، ائتيني بحصاة. ثمّ فعل كفعلهم.
فعُمِّرتْ أمُّ أسلم حتّى لَحِقتْ بعليّ بن الحسين عليهما السّلام بعد قتل الحسين عليه السّلام في منصرفه، فسألته: أنت وصيُّ أبيك ؟
فقال: نعم. ثمّ فعل كفعلهم صلوات الله عليهم أجمعين. ( الكافي للكليني 3:1 / ح 15. إثبات الهداة بالنصوص والمعجزات للحرّ العاملي 24:3 / ح 52 من الفصل 21 ـ الباب السابع عشر، معجزات عليّ بن الحسين عليهما السّلام. مناقب آل أبي طالب لابن شهرآشوب 136:4 ).
• وعن جابر بن يزيد الجعفيّ، عن الإمام أبي جعفر الباقر عليه السّلام قال:
دخلَتْ حبّابة الوالبيّة ذات يومٍ على عليّ بن الحسين عليه السّلام وهي تبكي، فقال لها: ما يُبكيكِ ؟ قالت: جعلني الله فداك يا ابنَ رسول الله، أهل الكوفة يقولون: لو كان عليّ ابن الحسين إمامَ حقٍّ مِن الله، كما تقولين، لَدعا اللهَ أن يُذهِبَ هذا الذي في وجهكِ!
فقال لها: يا حبّابة أُدني منّي. فدنَتْ منه، فمسح يده على وجهها ( إمّا من وراء حجاب أو عن بُعد ) ثلاثَ مرّات، ثمّ تكلّم بكلامٍ خفيّ ثمّ قال: يا حبّابةُ قُومي وادخُلي إلى النساء وسَلِيهنّ وانظري في المرآة.. هل تَرَين بوجهك شيئاً ؟!
قالت: فدخلتُ على النساء فسلّمت عليهنّ، ثمّ نظرتُ في المرآة.. فكأنّ الله لم يخلقْ في وجهي شيئاً ممّا كان. وكان بوجهها برص. ( دلائل الإمامة لأبي جعفر محمّد بن جرير الطبري الإمامي 93. مناقب آل أبي طالب لابن شهرآشوب 132:4 ـ وفيه: ثمّ قال عليه السّلام: يا حبّابة، ما على ملّة إبراهيم غيرنا وغير شيعتنا، وسائر الناس منها بُراء ).
• وعن سفيان بن وكيع، عن أبيه وكيع، عن الأعمش قال: قال إبراهيم بن الأسود اليمنيّ: رأيتُ عليَّ بن الحسين عليه السّلام وقد أُوتيَ بطفلٍ مكفوف، فمسح عينيه فاستوى بصره. وجاؤوا إليه بأبكم، فكلّمه وأجابه، فجاؤوا إليه بمُقعَدٍ فمسحه وسعى ومشى. ( دلائل الإمامة للطبري 85 ).
• وقال أبو نُعَيم الإصفهاني ـ وهو من علماء أهل السنّة المعروفين ـ: حدّثتُ عن أحمد بن محمّد بن الحجّاج بن رشيد قال: حدّثنا عبدالله بن محمّد بن عمرو البلوي قال: حدّثنا يحيى بن زيد بن الحسن قال: حدّثني سالم بن فرّوخ مولى الجعفريّين، عن ابن الشهاب الزُّهريّ قال:
شهدتُ عليَّ بن الحسين يومَ حمَلَه عبدُالملك بن مروان من المدينة إلى الشام فأثقله حديداً، ووكّل به حفّاظاً في عدّة وجمع، فاستأذنتُهم في التسليم عليه والتوديع له.. فأذِنوا لي، فدخلتُ عليه وهو في قبّة والأقياد في رِجلَيه والغلّ في يديه، فبكيتُ وقلت: وددتُ أنّي مكانَك وأنت سالم. فقال: يا زهريّ، أتظنّ أنّ هذا ممّا ترى علَيّ وفي عنقي يكرّبني! أما لو شئتُ ما كان؛ فإنّه وإن بلغ منك وبأمثالك لَيُذكّرني عذابَ الله.
ثمّ أخرج يديه من الغلّ ورِجلَيه من القيد، ثمّ قال: يا زهري، لاجُزت معهم على ذا منزلتينِ من المدينة.
قال الزهري: فما لَبِثْنا إلاّ أربع ليالٍ حتّى قَدِم الموكَّلون به يطلبونه بالمدينة فما وجدوه، فكنتُ فيمن سألهم عنه، فقال لي بعضُهم: إنّا لَنراه متبوعاً، إنّه لنازلٌ ونحن حوله لا ننام نرصده، إذْ أصبَحْنا فما وجدنا بين محمله إلاّ حديدة.
قال الزهري: فقَدِمتُ بعد ذلك على عبدالملك بن مروان، فسألني عن عليّ بن الحسين فأخبرتُه، فقال لي: إنّه قد جاءني في يوم فقَدَه الأعوان فدخل علَيّ فقال: ما أنا وأنت! فقلت: أقِمْ عندي، فقال: لا أُحبّ. ثمّ خرج.. فواللهِ لقد امتلأ ثوبي منه خِيفة. قال الزهري: فقلت: يا أمير المؤمنين، ليس عليُّ بن الحسين حيث تظنّ؛ إنّه مشغولٌ بنفسه. فقال: حبّذا شُغْل مِثْلِه، فنِعمَ ما شُغل به.
قال الراوي: وكان الزهري إذا ذكر عليَّ بن الحسين يبكي ويقول: زينُ العابدين! ( حلية الأولياء لأبي نُعَيم الإصفهاني 135:3 ـ طبعة مطبعة السعادة بمصر. المختار في مناقب الأخيار للجَزَري 26 ـ نسخة المكتبة الظاهريّة بدمشق. مطالب السؤول لمحمّد بن طلحة الشافعي 43:2. كفاية الطالب للكنجي الشافعي 299 ـ طبعة الغري. ينابيع المودّة للشيخ سليمان القندوزي الحنفي 378 ـ طبعة اسلامبول. وسيلة النجاة 330 ـ طبعة لكهنو. إسعاف الراغبين لابن الصبّان المالكي بهامش نور الأبصار للشبلنجي الشافعي 240 ـ المطبعة العثمانية بمصر. جامع كرامات الأولياء للنبهاني 310:2 ـ طبعة الحلبي بمصر. الصواعق المحرقة لابن حجر 119 ـ طبعة حلب. إثبات الهداة للحرّ العاملي 19:3 / ح 38.. رواه عن عليّ بن عيسى الإربليّ في كتاب ( كشف الغمّة 76:2 ) نقلاً عن كتاب ابن طلحة. مناقب آل أبي طالب لابن شهرآشوب 132:4. تذكرة خواصّ الأمّة لسبط ابن الجوزي الحنفي 324. الثاقب في المناقب لابن حمزة 353 / ح 393 ).
العلم الخاصّ والإخبار بالمُغَيّبات
• روى الشيخ المفيد بسنده أنّ الإمام أبا عبدالله الصادق عليه السّلام قال:
لمّا وَليَ عبدُالملك بن مروان فاستقامت له الأشياء، كتب إلى الحجّاج كتاباً وخَطّه بيده، كتب فيه: بسم الله الرحمن الرحيم، مِن عبدالملك بن مروان إلى الحجّاج بن يوسف. أمّا بعد، فجنّبْني دماءَ بني عبدالمطّلب؛ فإنّي رأيتُ آل أبي سفيان لمّا ولغوا فيها لم يلبثوا بعدها إلاّ قليلاً، والسلام.
وكتب الكتابَ سِرّاً لم يُعلِم به أحداً، وبعث به مع البريد.. وورد خبر ذلك من ساعته على عليّ بن الحسين عليهما السلام وأُخبِر أنّ عبدالملك قد زِيدَ في مُلكهِ بُرهةً مِن دهره؛ لكفّه عن بني هاشم، وأُمِر أن يكتب إلى عبدالملك ويُخبرَه بأنّ رسول الله أتاه في منامه فأخبره بذلك، فكتب عليّ بن الحسين عليهما السّلام بذلك إلى عبدالملك بن مروان. ( الاختصاص للشيخ المفيد 314 ـ 315. الخرائج والجرائح لقطب الدين الراوندي 256:1 / ح 2 ـ وفيه: رُويَ أنّ الحجّاج بن يوسف كتب إلى عبدالملك بن مروان: إنْ أردتَ أن تَثْبت في مُلْكك، فاقتلْ عليَّ بن الحسين. فكتب عبدالملك إليه: أمّا بعد، فجنّبْني دماءَ بني هاشم واحقنْها؛ فإني رأيتُ آلَ أبي سفيان لمّا أُوِلعوا فيها لم يلبثوا أن أزال اللهُ المُلْكَ عنهم. وبعثَ بالكتاب سرّاً إلى الحجّاج.
فكتب عليّ بن الحسين عليهما السّلام إلى عبدالملك في الساعة التي أنفذ فيها الكتاب: علمتُ ما كتبتَ في حقن دماء بني هاشم، وقد شكر اللهُ لك ذلك وثبّت ملكك وزاد في عمرك. وبعث به مع غلامٍ له بتاريخ تلك الساعة التي أنفذ عبدالملك فيها كتابه إلى الحجّاج، فلمّا قدم الغلام وسلّم إليه الكتاب.. نظر عبدالملك في تاريخ الكتاب فوجَدَه موافقاً لتاريخ كتابه، فلم يشكَّ في صدق زين العابدين عليه السّلام، ففرح بذلك وبعث إليه بوقر دنانير وسأله أن يبسط إليه بجميع حوائجهِ وحوائج أهل بيته ومَواليه..
وروى هذا الخبر بصِيغٍ قريبة: ابنُ الصبَّاغ المالكيّ في الفصول المهمّة في معرفة الأئمّة 185 ـ طبعة الغري، وابن حمزة في الثاقب في المناقب 361 / ح 300، والحضيني في الهداية الكبرى 47، والصفّار القمّي في بصائر الدرجات 396/ح4، والإربلي في كشف الغمّة 112:2، والحرّ العامليّ في إثبات الهداة 15:3 ـ 16/ح27 ـ عن الخرائج والجرائح، وعن الفصول المهمّة في معرفة الأئمّة لابن الصبّاغ المالكيّ ).
• وعن أحمد بن محمّد، عن الحسين بن سعيد، عن القاسم بن محمّد، عن سليمان بن دينار، عن عبدالله بن عطاء التميميّ قال: كنتُ مع عليّ بن الحسين عليهما السّلام في المسجد، فمرّ عمر بن عبدالعزيز عليه شِراكا فضّة، وكان من أحسن الناس ( أي شكلاً ) وهو شاب، فنظر إليه عليّ بن الحسين عليهما السّلام فقال: يا عبدالله بن عطاء، أترى هذا المُتْرَف ؟! إنّه لن يموتَ حتّى يليَ الناس ( أي يكون عليهم والياً )، قال: قلت: هذا الفاسق ؟! قال: نعم، فلا يلبث فيهم إلاّ يسيراً حتّى يموت، فإذا مات لعَنَه أهلُ السماء واستغفر له أهلُ الأرض!
( بصائر الدرجات للصفّار القمّي 170/ح1. دلائل الإمامة للطبري الإمامي 88. إثبات الهداة للحرّ العاملي 12:3 / ح 18 ).
• وحدّث عليّ بن أحمد بن محمّد بن عمران الدقّاق قال: حدّثنا عليّ بن الحسين القاضي العلويّ العباسي قال: حدّثنا الحسن بن عليّ الناصر قال: حدّثني أحمد بن رشد عن عمّه أبي معمَّر سعيد بن خيثم، عن أخيه معمَّر قال: كنتُ جالساً عند الصادق جعفر بن محمّد عليهما السّلام فجاء زيد بن عليّ بن الحسين عليهما السّلام فأخذ بعضادتَي الباب، فقال له الصادق عليه السّلام: يا عمّ، أُعيذك بالله أن تكون المصلوبَ بالكُناسة!.. ثمّ قال: حدّثني أبي ( أي الباقر ) عن جدّي ( أي السجّاد ) عليهم السّلام أنّه يخرج مِن وُلْده رجلٌ يُقال له « زيد »، يُقتَل بالكوفة ويُصلَب بالكناسة، يُخرَج من قبره حين ينشأ، يُفتَح لروحه أبواب السماء، يبتهج به أهل السماوات، يُجعَل روحُه في حوصلة طيرٍ أخضر يسرح في الجنّة حيث يشاء. ( أمالي الصدوق 42 / ح 11. عيون أخبار الرضا عليه السّلام للشيخ الصدوق 250:1 / ح 4. إثبات الهداة للحرّ العاملي 9:3 / ح 10 و 22:3 ـ 23 / ح 47.. وفيه: روى السيّد عبدالكريم بن أحمد بن طاووس في كتابه (فرحة الغري ) عن صفيّ الدين محمّد بن سعد الموسوي قال: رأيت في بعض الكتب الحديثية القديمة عن أحمد بن محمّد بن سعيد، عن حسن بن عبدالرحمان الأزديّ، عن حسين بن علي الأزدي عن أبيه، عن الوليد بن عبدالرحمان، عن أبي حمزة الثمالي قال: كنتُ أزور عليَّ بن الحسين عليه السّلام كلَّ سنة مرّة في وقت الحجّ، فأتيته سنةً مِن ذلك وإذا على فَخِذه صبيّ، فقعدتُ إليه، وجاء الصبيّ فوقع على عتبة الباب فانشجّ، فوثب إليه عليُّ بن الحسين عليه السّلام مهرولاً.. فجعل ينشّف دمه ويقول له: يا بُنيّ، أُعيذك بالله أن تكون المصلوبَ بالكُناسة! قلت: بأبي أنت وأُمّي، أيُّ كُناسة ؟ قال: كناسة الكوفة قل: جُعِلنا فداك، ويكون ذلك ؟! قال: إي والذي بعث محمّداً بالحقّ إن عشتَ بعدي لَترينّ هذا الغلامَ في ناحيةٍ من نواحي الكوفة: مقتولاً مدفوناً منبوشاً مسلوباً مصلوباً في الكناسة! ثمّ يُنزَل فيُحرَق ويُدَقّ ويُذرّى في البرّ! فقل: جُعِلتُ فداك، ما اسم هذا الغلام ؟ قال: هذا ابني « زيد » ).
• وروى الراوندي: إنّ عليّ بن الحسين عليهما السّلام حجّ في السنة التي حجّ فيها هشام بن عبدالملك ( وهو حاكم ) فاستجهر الناسُ منه ( أي من الإمام عليه السّلام ) وتشوّفوا له وقالوا لهشام: مَن هو ؟!
فقال هشام: لا أعرفه؛ لئلاّ يُرغَبَ فيه. فقال الفرزدق ـ وكان حاضراً ـ: أنا أعرف:
هذا الـذي تعرفُ البطحاءُ وَطْأتَه والبيتُ يعـرفه والحِلُّ والحَـرَمُ
هذا ابـنُ خيرِ عبـادِ اللهِ كلِّـهِمُ هذا التـقيُّ النقيُّ الطاهـرُ العَلَمُ
هذا الـذي أحمدُ المختارُ والـدُه صلّى عليه إلـهي ما جرى القلمُ
لو يعلم الركنُ مَن قـد جاء يلثمُه لخـرَّ يلثمُ منه مـا وطى القَـدَمُ
هـذا ابنُ سيّدة الـنسوانِ فـاطمةٍ وابنُ الـوصيّ الذي في سيفهِ نِقَمُ
إذا رأتْـه قـريشٌ قـال قـائلُها: إلى مكـارمِ هذا ينتـهي الكـرمُ
وليس قولُك: مَن هذا ؟ بضـائرِه العُرْبُ تعرف مَن أنكرتَ والعجمُ
وأنشد القصيدة إلى آخِرها، فأخذه هشام وحبسه، ومحا اسمَه من الديوان ( ديوان العطاء )، فبعث إليه عليُّ بن الحسين عليهما السّلام بِصِلة، فردّها الفرزدق وقال: ما قلتُ ذلك إلاّ دِيانةً. فبعث بها إليه أيضاً وقال: قد شكر اللهُ لك ذلك.
فلمّا طال الحبسُ على الفرزدق، وكان هشام يتوعّده بالقتل، شكا ذلك إلى الإمام عليّ ابن الحسين عليهما السّلام، فدعا له فخلّصه الله، فجاء إليه وقال: يا ابنَ رسول الله، إنّه محا اسمي من الديوان! فقال له: كم كان عطاؤك ؟ قال: كذا، فأعطاه لأربعين سنةً وقال عليه السّلام له: لو علمتُ أنّك تحتاج إلى أكثر مِن هذا لأعطيتُك.
فمات الفرزدق لمّا انتهت الأربعون سنة. ( الخرائج والجرائح لقطب الدين الراوندي 267:1 / ح 10. مناقب آل طالب لابن شهرآشوب 169:4 ـ 172. إحقاق الحقّ وإزهاق الباطل لنور الله القاضي التستري 136:12 ـ 149 نقله عن عدّة كتب من مصادر أهل السنّة، كما في: كفاية الطالب للكنجي الشافعي 451 ـ 453، والأغاني لأبي الفرج الإصبهاني 326:15 ـ 327 و 376:21 ـ 378، وحلية الأولياء لأبي نُعَيم الإصفهاني 139:3 ـ مختصراً، والفصول المهمّة لابن الصبّاغ المالكي 207، وديوان الفرزدق 511. كذا روى ذلك الحرّ العاملي في إثبات الهداة 17:3 / ح 31 ).
• وفي ( تفسير الإمام العسكري عليه السّلام ) أنّ أصحاب الإمام عليّ بن الحسين عليه السّلام قالوا له: يا ابن رسول الله، إنّ أمير المؤمنين عليه السّلام ذكر مِن أمر المختار ولم يقلْ متى يكون قتلُه لمَن يقتل. فقال عليه السّلام: صدق أمير المؤمنين، أوَ لا أُخبركم متى يكون ؟ قالوا: بلى، قال: يومَ كذا إلى ثلاث سنين مِن قولي هذا، وسيُوتى برأس عبيدالله بن زياد وشمر بن ذي الجوشن في يوم كذا وكذا وسنأكل وهما بين أيدينا ننظر إليهما.
قال: فلمّا كان في اليوم الذي أخبرهم أنّه يكون فيه القتلُ من المختار لأصحاب بني أُميّة، كان عليّ بن الحسين عليهما السّلام مع أصحابه على مائدةٍ إذ قال: معاشرَ إخواننا؛ طِيبوا نَفْساً وكُلُوا؛ فإنّكم تأكلون، وظَلَمةُ بني أُميّة يُحصَدون! قالوا: أين ؟! قال عليه السّلام: في موضع كذا، يقتلهم المختار وسيُوتى بالرأسَين يوم كذا وكذا.
فلمّا كان في ذلك اليوم أُتيَ بالرأسين.. ( تفسير الإمام العسكريّ عليه السّلام 547 / ح 327 ـ وعنه: إثبات الهداة للشيخ الحرّ العاملي 21:3 ـ 22 / ح 45، وبحار الأنوار للشيخ المجلسي 339:45 / ح 6، وعوالم العلوم والمعارف للشيخ عبدالله البحراني 655:17 / ح 2 ).
• وروى الشيخ الصدوق بسندٍ ينتهي إلى سفيان بن عُيَينة عن الزُّهري أنّه قال: كنتُ عند عليّ بن الحسين فجاءه رجلٌ من أصحابه، فقال عليّ بن الحسين: ما خبرُك أيُّها الرجل ؟ قال: يا ابن رسول الله إنّي أصحبتُ وعلَيّ أربعُمائةِ دينار دَين لا قضاءَ عندي لها، ولي عيالٌ ثقال ليس لي ما أعود عليهم به!
قال الزهري: فبكى عليّ بن الحسين عليهما السّلام بكاءً شديداً، فقلت له: ما يبكيك يا ابن رسول الله ؟ فقال: هل يُعَدّ البكاء إلاّ للمصائب والمحن الكبار ؟! قالوا: كذلك يا ابن رسول الله، قال: فأيّ محنةٍ ومصيبةٍ أعظمُ على حُرٍّ مؤمنٍ من أن يرى بأخيه المؤمن خلّةً فلا يمكنه سدُّها، ويشاهده على فاقةٍ فلا يُطيق رفعَها؟!
قال الزهري: فتفرّقوا عن مجلسهم ذلك، فقال بعض المنافقين وهو يطعن على عليّ ابن الحسين: عجباً لهؤلاء! يدّعون مَرّةً أنّ السماء والأرض وكلَّ شيءٍ يُطيعهم، وأنّ الله لا يردُّهم عن شيءٍ من طلباتهم، ثمّ يعترفون أُخرى بالعجز عن إصلاح حالِ خواصِّ إخوانهم!
فاتّصل ذلك بالرجل صاحبِ القصّة، فجاء عليَّ بن الحسين فقال له: يا ابن رسول الله، بلَغَني عن فلانٍ كذا وكذا، وكان ذلك أغلَظَ علَيّ مِن محنتي. فقال عليّ بن الحسين: فقد أذِنَ اللهُ في فَرَجِك.. ( ثم نادى: ) يا فلانة، احملي سحوري وفطوري. فحملت قرصين، فقال عليّ بن الحسين للرجل: خُذْهما، فليس عندنا غيرهما؛ فإنّ الله يكشف عنك بهما ويُنيلك خيراً واسعاً منهما.
فأخذهما الرجل ودخل السوق.. لا يدري ما يصنع بهما! يتفكّر في ثِقْل دَينه وسوءِ حال عياله ويوسوس إليه الشيطانُ أين موقع هاتينِ من حاجتك ؟! فمرّ بسمّاك قد بارتْ عليه سمكة قد أراحت ( أي ظهرت رائحتها ) فقال: سمكتك هذه بائرة عليك، وإحدى قرصتَيّ هاتين بائرة علَيّ، فهل لك أن تُعطيني سمكتك البائرة وتأخذ قرصتي هذه البائرة ؟ فقال: نعم. فأعطاه السمكة، وأخذ القرصة.
ثمّ مرّ برجلٍ معه ملح قليل مزهودٍ فيه، فقال له: هل لك أن تُعطيني ملحك هذا المزهودَ فيه بقرصتي هذه المزهودِ فيها ؟ قال: نعم. ففعل.. فجاء الرجل بالسمكة والملح، فقال: أُصلح هذه بهذا. فلمّا شقَّ بطنَ السمكة وجد فيها لؤلؤتَينِ فاخرتين، فحَمِد اللهَ عليهما، فبينما هو في سرور ذلك إذ قُرِع بابُه، فخرج ينظر مَن بالباب، فإذا صاحبُ السمكة وصاحب الملح قد جاءا، يقول كلُّ واحدٍ منهما له: يا عبدَالله! جَهِدنا أن نأكل نحن أو واحد من عيالنا هذا القرص فلم تعملْ فيه أسناننا، وما نظنّك إلاّ وقد تناهيتَ عن سوء الحال، ومَرَنتَ على الشقاء، وقد رددنا إليك هذا الخبز وحلّلنا لك ما أخذتَه منّا. فأخذ القرصين منهما.
فلمّا استقرّ بعد انصرافهما عنه.. قُرِع بابه، فإذا رسولُ عليِّ بن الحسين، فدخل فقال: إنّه عليه السّلام يقول لك: إنّ الله قد أتاك بالفَرَج، فاردُدْ إلينا طعامنا؛ فإنّه لا يأكله غيرنا.
وباع الرجل اللؤلؤتين بمالٍ عظيم قضى منه دَينَه، وحَسُن بعد ذلك حاله. فقال بعض المنافقين: ما أشدَّ هذا التفاوت! بينا عليّ بن الحسين لا يَقْدر أن يسدّ منه فاقةً إذْ أغناه هذا الغَناءَ العظيم! كيف يكون هذا، وكيف يعجز عن سدّ الفاقة مَن يَقْدر على هذا الغِنى العظيم ؟! فقال عليّ بن الحسين عليهما السّلام: هكذا قالت قريش للنبيّ صلّى الله عليه وآله: كيف يمضي إلى بيت المَقْدس ويشاهد ما فيه من آثار الأنبياء من مكة.. ويرجع إليها في ليلةٍ واحدة مَن لا يَقْدر أن يبلغ من مكّة إلى المدينة إلاّ في اثني عشر يوماً ؟!
وذلك حين هاجر منها.
ثمّ قال عليّ بن الحسين ( والحديث ما زال للزهريّ وهو من محدّثي السنّة ): جَهِلوا ـ واللهِ ـ أمرَ الله وأمرَ أوليائه معه، إنّ المراتب الرفيعة لا تُنال إلاّ بالتسليم لله جلّ ثناؤه، وتركِ الاقتراحِ عليه، والرضى بما يُدبّرهم به، وإنّ أولياء الله صبروا على المحن والمكاره صبراً لم يُساوِهِم فيه غيرهم، فجازاهمُ الله عن ذلك بأن أوجبَ لهم نُجْحَ جميع طلباتهم، لكنهم مع ذلك لا يُريدون منه إلاّ ما يريده لهم. ( أمالي الصدوق 367 / ح 3. مناقب آل طالب لابن شهرآشوب 146:4. روضة الواعظين للفتّال النيسابوري 196 ـ باختلافٍ يسير. إثبات الهداة للحرّ العاملي 10:3 / ح 13.. رواه عن ( أمالي الصدوق )، وقال في آخره: رواه قطب الدين الراونديّ في ( الخرائج والجرائح ) مرسَلاً ).
• وعن أبي بصير قال: سمعتُ أبا جعفر ( الباقر ) عليه السّلام يقول:
كان أبو خالد الكابلي يخدم محمّدَ بن الحنفيّة دهراً، وما كان يشكّ في أنّه إمام، حتّى أتاه ذات يومٍ فقال له: جُعِلتُ فداك، إنّ لي حُرمةً ومودّةً وانقطاعاً، فأسألك بحرمة رسول الله صلّى الله عليه وآله وأمير المؤمنين عليه السّلام إلاّ أخبرتَني: أنت الإمامُ الذي فرَضَ الله طاعتَه على خَلْقه ؟ فقال: الإمام عليُّ بن الحسين علَيّ وعليك وعلى كلّ مسلم.
فأقبلَ أبو خالد لمّا أن سمع ما قاله محمّد بن الحنفيّة.. استأذن عليه فأُخبِر أنّ أبا خالد بالباب، فأذِنَ له، فجاء إلى عليّ بن الحسين عليهما السّلام، فلمّا دخل عليه دنا منه، قال: مرحباً يا كنكر، ما كنتَ لنا بزائر، ما بدا لك فينا ؟!
فخرّ أبو خالد ساجداً شاكراً لله، فأسمع منه تعالى ممّا سمع من عليّ بن الحسين عليهما السّلام، فقال: الحمد لله الذي لم يُمتْني حتّى عَرَفتُ إمامي. فقال له عليّ عليه السّلام: وكيف عَرَفتَ إمامك يا أبا خالد ؟! قال: إنّك دَعَوتَني باسميَ الذي سَمّتْني أُمّي التي وَلَدتْني، وقد كنتُ في عمياء من أمري، ولقد خدمتُ محمّدَ بن الحنفيّة عُمراً من عمري ولا أشكّ إلاّ وإنّه إمام، حتّى إذا كان قريباً سألتُه بحرمةِ الله وبحرمة رسوله وبحرمة أمير المؤمنين صلوات الله عليهما وآلهما، فأرْشَدَني إليك وقال: هو الإمام علَيّ وعليك وعلى خَلقْ الله كلِّهم، ثمّ أذِنْتَ لي فجئتُ فدنوتُ منك، وسمّيتَني باسميَ الذي سمّتني ( أُمّي )، فعلمتُ أنك الإمام الذي فرَضَ اللهُ طاعتَه علَيّ وعلى كلّ مسلم.
( رجال الكشّي ـ اختيار معرفة الرجال ـ للشيخ الطوسي 120/ الرقم 192. الخرائج والجرائح للراوندي قطب الدين 261:1 / ح 6. الثاقب في المناقب لابن حمزة 360/ ح 299.. وفيه: عن أبي الجارود، عن أبي جعفر صلوات الله عليه قال: لمّا دخل كنكر الكابليّ على عليّ بن الحسين صلوات الله عليهما، فقال له: يا وردان. فقال كنكر: ليس اسمي وردان. فقال له عليّ بن الحسين عليهما السّلام: بل تكذب، يوم ولدتك أمُّك سمّتك وردان، فجاء أبوك فسمّاك كنكر. فقال: أشهدُ أن لا إله إلاّ الله وحده لا شريك له، وأشهد أنّ محمّداً عبدُه ورسوله، وأنّك وصيُّه مِن بعده، وأشهد أنّ أُمّي حدّثتني بهذا الحديث بعدما عَقِلتُ. وكذا رواه الحضيني في الهداية الكبرى 46.. وفيه: قال عليه السّلام: وما معنى كنكر ؟ قال: يا مولاي، إنّك أعلم به. قال: إنّك كنتَ ثقيلاً في بطنها وأنت حَمْل، فكانت تقول بلغةٍ كانت تريدك: يا ثقيلَ الحَمْل! مناقب آل أبي طالب لابن شهرآشوب 147:4.. وفيه عن أبي خالد الكابلي قال: قال لي عليّ بن الحسين: يا كنكر، ولا واللهِ ما عرفني بهذا الاسم إلاّ أبي وأُمّي. ورُوي هذا الخبر أيضاً في: إعلام الورى بأعلام الهدى للطبرسي 486:1، وإثبات الهداة للحرّ العاملي 27:3 / ح 65 ـ عن صاحب كتاب مناقب فاطمة وولْدها ).
• وروى عمرو بن شمر عن جابر الجعفيّ، عن أبي جعفر الباقر عليه السّلام قال:
بينا عليّ بن الحسين عليهما السّلام جالس مع أصحابه، إذ أقبلَتْ ظبيةٌ من الصحراء.. حتّى قامت وضربت بذَنَبها وحمحمت، فقال بعض القوم: يا ابنَ رسول الله، ما تقول الظبية ؟ قال: تقول إنّ فلان ابن فلان القرشيّ أخذ خَشْفَها ( أي ولَدَها المولود قريباً ) بالأمس ولم تُرضعْه منذ أمس.
فوقع في قلب الرجل من ذلك شكّ. قال: فأرسل ( أي الإمام عليه السّلام ) على القرشي وقال له: هذه الظبية تشكوك وتزعم أنّك أخذتَ خَشْفها أمس في وقتها كذا وكذا، وأنّه لم يَرضَعْ منذ أمس شيئاً، وقد سألَتْني أن أسألك أن تبعث به إليها أن تُرضعه وتردَّه إليك. قال ( أي القرشي ): والذي بعث محمّداً بالرسالة، لقد صدقتَ. فقال له: أرسِلْ إليَّ الخشف. فلمّا رأته حمحمت، فضربت بذَنَبها، ورضع منها.
فقال له: بحقّي عليك يا فلان إلاّ وهْبْتَه لي.
فوهبه لعليّ بن الحسين عليهما السّلام، ووهبه عليّ بن الحسين لها، فحمحمتْ وضربت بذَنَبِها، وانطلقت مع الخشف. فقالوا: يا ابن رسول الله، ما قالت ؟ قال: دعتِ الله وجزّتْكم خيراً. ( دلائل الإمامة للطبري الإمامي 86. الاختصاص للشيخ المفيد 299. الهداية الكبرى للحضيني 45 ـ 46. بصائر الدرجات للصفّار القمّي 352/ح14.. رواه عن حمران بن أعيَن، وفي آخره قال عليه السّلام: إنّها تقول: ردّ الله عليكم كلَّ غائب، وغفر لعليّ بن الحسين كما ردّ إليّ وَلَدي. الخرائج والجرائح لقطب الدين الراوندي 259:1 ـ 260. كشف الغمّة للإربلي 109:2. مناقب آل أبي طالب لابن شهرآشوب 283:3. إثبات الهداة للحرّ العاملي 13:3 / ح 19، 21 و 20 / ح 41 ـ عن بصائر الدرجات، وكشف الغمّة ).
• وروى أبو نُعَيم الإصفهانيّ ـ وهو من علماء السنّة ـ قال: حدّثنا محمّد بن أحمد الغطريفي، حدّثنا محمّد بن أحمد بن إسحاق بن خُزَيمة، حدّثنا سعيد بن عبيدالله بن الحكم قال: حدّثنا عبدالرحمان بن واقد، حدّثنا يحيى بن ثعلبة الأنصاري، حدّثنا أبو حمزة الثمالي قال: كنتُ عند عليّ بن الحسين فإذا عصافيرُ يَطِرْن حوله يصرخن، فقال: يا أبا حمزة، هل تدري ما يقول هؤلاء العصافير ؟ فقلت لا. قال: إنّها تقدّس ربَّها عزّوجلّ وتسأله قُوتَ يومها. ( حلية الأولياء لأبي نعيم الإصفهاني 140:3 ـ طبعة مطبعة السعادة بمصر. الاختصاص للشيخ المفيد 192.. وفيه: يُسبّحن ربَّهُنّ، ويطلبن رزقَهُنّ. دلائل الإمامة للطبري الإمامي 88. مناقب آل أبي طالب لابن شهرآشوب 132:4 ـ 133.. وفيه: يا أبا حمزة، عُلِّمنا منطق الطير، وأُوتينا مِن كلّ شيءٍ سبباً. حياة الحيوان للدميري 119:2. الهداية الكبرى للحضيني 217. بصائر الدرجات للصفّار القمّي 341/ح1، وفي ص 343 / ح 9.. قال: يا أبا حمزة، أتدري ما يقُلْن ؟! يتحدّثن أنّ لهنّ وقتاً يسألن فيه قُوتَهنّ. يا أبا حمزة، لا تنامَنّ قبل طلوع الشمس؛ فإنّي أكرهها لك، إنّ الله يقسّم في ذلك الوقت أرزاق العباد، وعلى أيدينا يُجريها ).
• وروى الشيخ الحرّ العاملي قال: روى محمّد بن إبراهيم النعماني في كتاب ( الغَيبة ) قال: أخبرنا عليّ بن أحمد، عن عبيدالله بن موسى، عن عليّ بن إبراهيم بن هاشم، عن علي بن إسماعيل، عن حمّاد بن عيسى، عن إبراهيم بن عمر اليماني، عن أبي الطُّفَيل، عن أبي جعفر ( الباقر ) عليه السّلام، عن أبيه عليّ بن الحسين عليهما السّلام في حديثٍ قال:
أمَا إنّ في صُلْبه ( يعني ابنَ عبّاس ) وديعةً ذُرِيت لنارِ جهنّم، سيُخرجون أقواماً مِن دِين الله أفواجاً، وستُصبغ الأرض بدماء فراخٍ مِن فراخ آل محمّد عليهم السّلام، تنهض تلك الفراخ في غير وقت، وتطلب غيرَ مُدرَك، ويرابط الذين آمنوا ويصبرون يصابرون حتّى يحكم اللهُ وهو خير الحاكمين. ( إثبات الهداة بالنصوص والمعجزات للحرّ العاملي 18:3 ـ 19 / ح 37، في معجزات عليّ بن الحسين عليهما السّلام ).
• وفي ( صحيفة الرضا عليه السّلام ) رواية أبي عليّ الطبرسي، بإسناده عن الرضا عن آبائه عليهم السّلام: قال عليّ بن الحسين عليه السّلام:
كأنّي بالقصور وقد شُيّدتْ فوق قبر الحسين عليه السّلام، وكأنّي بالأسواق وقد حفّت حول قبره.. فلا تذهب الأيّام والليالي حتّى يُسارَ إليه مِن الآفاق، وذلك عند انقطاع مُلْك بني مروان. ( إثبات الهداة بالنصوص والمعجزات للحرّ العاملي 14:3 / ح 25، في معجزات عليّ بن الحسين عليهما السّلام ).
• وعن أيّوب بن نوح، عن محمّد بن إسماعيل بن بزيع، عن سعدان بن مسلم، عن أبي عمران، عن رجلٍ من الأصحاب، عن أبي عبدالله ( الصادق ) عليه السّلام قال في حديثٍ له أنّ الإمام عليّ بن الحسين عليه السّلام قال لابنه محمّد ( الباقر ) عليه السّلام:
يا بُنيّ، هذه الليلةُ التي وُعِدتُ بها.
فأوصى بناقته أن يُحضَرَ لها حضار وأن يُقام لها علف، فجُعلتْ لها ذلك، فتُوفّي فيها صلوات الله عليه، فلمّا دُفن لم تلبث أن خرجتْ حتّى أتت القبر فضربت بجِرانِها القبر، ورغت وهملت عيناها، فأتى محمّد بن عليّ صلوات الله عليهما، فقيل له: إنّ الناقة قد خرجتَ إلى القبر. فأتاها فقال: صَهْ قُومي، الآنَ قومي، بارك اللهُ فيكِ. فسارت حتّى دخلت موضعَها، فلم تلبث أن خرجتَ حتّى أتت القبر.. فضربت بجرانها ورغت وهملت عيناها، فأتاها.
ورُوي أنّه حجّ عليها أربعين حجّة،.. وإنّه كان يخرج عليها إلى مكّة فيعلّق السوط بالرَّحْل، فما يقرعها قرعةً حتّى يدخل المدينة.
( بصائر الدرجات للصفّار القمّي 482/ح7، و 483/ح11. دلائل الإمامة للطبري الإمامي 90 ـ مختصراً. كشف الغمّة للإربلي 110:2. الكافي للشيخ الكليني 259:1/ح3، و 468:1/ح4. الخرائج والجرائح لقطب الدين الراوندي 773:2 / ح 95 ـ باختلاف. الهداية الكبرى للحضيني 47.. وفيه: فقال: يا بُنيّ، في هذه الليلة وُعِدت لُحوقي بجدّي رسول الله صلّى الله عليه وآله وجدّي أمير المؤمنين عليه السّلام وجدّتي فاطمة وعمّي الحسن وأبي الحسين صلوات الله عليهم أجمعين، فإذا تُوفّيتُ وواريتَني، فخُذْ ناقتي واجعل حظاراً وأقِمْ لها علفاً؛ فإنّها تخرج إلى قبري تضرب بجرانِها الأرضَ حول قبري، وترغو.. فأقِمْها ورُدَّها إلى موضعها؛ فإنّها تُطيعك وترجع إلى موضعها، ثمّ تعاود الخروج فتفعل مثل ما فعلَتْ أوّلاً، فأرفقْ بها ورُدَّها ردّاً رفيقاً؛ فإنّها تنفق ( أي تموت ) بعد ثلاثة أيّام ).
استجابة دعائه
• روى علماء أهل السنّة، منهم: ابن الأثير في المختار من مناقب الأخيار 27، والمبرّد في الفاضل 105، والكنجي الشافعي في كفاية الطالب 302، وابن الصبّاغ المالكي في الفصول المهمّة 183، والشبلنجي الشافعيّ في نور الأبصار 88، وسبط ابن الجوزي في تذكرة خواصّ الأمّة 297، وابن عساكر في مختصر تاريخ دمشق 235:17، والذهبي في سِيَر أعلام النبلاء 393:4.. وغيرهم. وكذا علماء الشيعة، ومنهم: الشيخ المفيد حيث قال في الإرشاد 256: أخبرني أبو محمّد الحسن بن محمّد، عن جدّه، عن سلمة بن شبيب، عن عبيد الله بن محمّد التيميّ قال: سمعتُ شيخاً من عبدالقيس يقول: قال طاووس ( اليمانيّ ): دخلتُ الحِجْر ( حجر إسماعيل ) في الليل.. فإذا عليُّ بن الحسين عليهما السّلام قد دخل، فقام يصلّي.. فصلّى ما شاء الله ثمّ سجد. فقلت: رجلٌ صالح مِن أهل بيت الخير، لأضغينّ إلى دعائه، فسمعتُه يقول في سجوده:
عبدُك بِفِنائِك، مسكينُك بِفِنائِك، فقيرك بفِنائك، سائلك بفِنائك.
قال طاووس: فما دعوتُ بهنّ في كَرْبٍ إلاّ فُرِّج عنّي.
( وروى هذ الخبرَ أيضاً: الطبرسيُّ في إعلام الورى بأعلام الهدى 489:1، والفتّال النيسابوريّ في روضة الواعظين 198، والإربليّ في كشف الغمّة 201:1 ).
• وروى أبو منصور أحمد بن عليّ بن أبي طالب الطبرسيّ عن ثابت البَنانيّ قال:
كنتُ حاجّاً وجماعةٌ من عُبّاد البصرة، مثل: أيّوب السجستاني وصالح المري وعتبة الغلام وحبيب الفارسي ومالك بن دينار.. فلمّا أن دخَلْنا مكّة رأينا الماء ضيّقاً وقد اشتدّ بالناس العطش؛ لقلّة الغيث، ففزع إلينا أهل مكّة والحُجّاج يسألونا أن نستسقيَ لهم، فأتينا الكعبة وطُفْنا بها، ثمّ سأَلْنا اللهَ خاضعين متضرّعين بها، فمُنِعْنا الإجابة!
فبينا نحن كذلك.. إذ نحن بفتىً قد أقبل وقد أكربَتْه أحزانه، وأقلَقَقْه أشجانه، فطاف بالكعبة أشواطاً ثمّ أقبل علينا فقال: يا مالك بن دينار، ويا ثابت البناني، ويا أيّوب السجستاني، ويا صالح المري، ويا عتبة الغلام، ويا حبيب الفارسي، ويا سعد ويا عمر، وصالح الأعمى، ويا رابعة ويا سعدانة، ويا جعفر بن سليمان! فقلنا: لبّيك وسعديك يا فتى، فقال:
أمَا فيكم أحدٌ يحبّه الرحمان؟!
فقلنا: يا فتى، علينا الدعاء وعليه الإجابة.
فقال: ابعدوا عن الكعبة، فلو كان فيكم أحدٌ يُحبّه الرحمان لأجابه.
ثمّ أتى الكعبة فخرّ ساجداً.. فسمعتُه يقول في سجوده: سيّدي بحبّي لي إلاّ سقيتَهمُ الغيث. قال ( أي ثابت البناني ): فما استتتمّ الكلام حتّى أتاهمُ الغيث كأفواهِ القِرَب! فقلت: يا فتى، مِن أين علمتَ أنّه يحبّك ؟
قال: لو لم يُحبَّني لم يستَزُرْني، فلمّا استزارني علمتُ أنّه يحبّني، فسألته بحبّه لي فأجابني.
ثمّ ذهب عنّا وأنشأ يقول:
مَن عَرَف الـربَّ فلم تُغْنهِ معـرفةُ الربِّ فذاك الشقيْ
ما ضرَّ في الطاعةِ ما نالَه فـي طاعة الله وماذا لَقِيْ
ما يصنعُ العبدُ بغير التُّقى والعِـزُّ كلُّ العِـزِّ للمتّقيْ
فقلت: يا أهلَ مكةَ مَن هذا الفتى ؟! قالوا: عليُّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب عليهم السّلام. ( الاحتجاج لأبي منصور أحمد بن عليّ الطبرسي 47:2 / ح 2 ـ وعنه: بحار الأنوار للشيخ المجلسي 50:46 / ح 1، وإثبات الهداة للحرّ العاملي 14:3 / ح 22، ومدينة المعاجز للسيّد هاشم البحراني 316:4 ـ 317 / ح 85، وعوالم العلوم للشيخ عبدالله البحراني 81:18 ـ 82 / ح 1 ).
• وروى قطب الدين الراونديّ عن الإمام الباقر عليه السّلام أنّه قال:
كان عبدالملك بن مروان يطوف، وعليّ بن الحسين صلوات الله عليهما يطوف بين يديه ولا يلتفت إليه.. ولم يكن عبدالملك يعرفه بوجهه.
فقال: مَن هذا الذي يطوف بين أيدينا ولا يلتفت إلينا ؟!
فقيل: هذا علي بن الحسين.
فجلس مكانه وقال: رُدّوه إليّ. فردّوه، فقال له: يا عليَّ بن الحسين، إنّي لستُ قاتلَ أبيك، فما يمنعك من المصير إليّ ؟ فقال عليه السّلام: إنّ قاتل أبي أفسَدَ بما فعَلَه دنياه عليه، وأفسَدَ أبي عليه آخرتَه، فإنْ أحببتَ أن تكون كَهُو.. فكن! فقال: كلاّ، ولكنْ صِرْ إلينا لتنال مِن دنيانا.
فجلس زينُ العابدين وبسط رداءه فقال: اللّهمّ أرِهِ حُرمةَ أوليائك عندك. فإذا رداؤه مملوءٌ دُرَراً يكاد شعاعُها يخطف الأبصار! فقال عليه السّلام له: مَن يكون هذه حرمتُه عند ربّه، يحتاج إلى دنياك ؟!
ثمّ قال: اللّهمّ خُذْها؛ فما لي فيها حاجة. ( الخرائج والجرائح لقطب الدين الراوندي 255:1 / ح 1. الثاقب في المناقب لابن حمزة 365/ح1. الصراط المستقيم إلى مستحقّي التقديم للنباطي البياضي 180:2 / ح 1. وأخرجه المجلسيّ في بحار الأنوار 120:46 / ح 11، والحرّ العاملي في إثبات الهداة 15:3 / 26 ـ عن الخرائج ).
• وروى سعد بن عبدالله قال: حدّثنا محمّد بن الحسين بن أبي الخطّاب، عن عليّ بن عبدالله الحنّاط، عن عمر بن حفص، عن عمرو بن شمر، عن جابر بن يزيد الجُعفيّ، عن أبي جعفر الباقر عليه السّلام قال:
قال عليُّ بن الحسين عليهما السّلام: موتُ الفُجْأة تخفيف عن المؤمن، وأسفٌ على الكافر؛ فإنّ المؤمن لَيعرف غاسله وحامله، فإن كان له عند ربّه خيرٌ ناشَدَ حمَلَتَه بتعجيله، وإن كان غيرَ ذلك ناشدهم أن يقصروا به.
فقال ضَمْرةُ بن سَمُرة: يا عليّ، لو كان كما تقول لَقفَز من السرير! وضحك وأضحك، فقال عليُّ بن الحسين عليهما السّلام: اللّهمّ إنْ كان ضمرة بن سمرة ضَحِك وأضحك مِن حديث رسول الله صلّى الله عليه وآله فَخُذْه أخْذَ آسف.
فعاش بعد ذلك أربعين يوماً ومات فُجْأةً، فأتىعليَّ بن الحسين عليهما السّلام مولىً لضَمْرة فقال: أصلحك الله، إنّ ضَمْرة عاش بعد ذلك الكلام الذي كان بينك وبينه أربعين يوماً ومات فجأة، وإنّي أُقسم بالله لسمعتُ صوتَه وأنا أعرفه كما كنتُ أعرفه في الدنيا، وهو يقول: الويلُ لضَمْرةَ بنِ سَمُرة! تخلّى عنه كلُّ حميم، وحلّ بدار الجحيم، وبها مبيتُه والمَقيل!
فقال عليُّ بن الحسين عليهما السّلام: اللهُ أكبر! هذا جزاءُ كلِّ مَن ضَحِك وأضحك مِن حديث رسول الله صلّى الله عليه وآله. ( مختصر البصائر لسعد بن عبدالله 91. إثبات الهداة للحرّ العاملي 8:3 ـ 9 / ح 8 ـ وفيه أنّ ضمرة قال: ويلك يا ضمرة بن مَعبَد! خذلك كلُّ خليل، وصار مصيرك إلى الجحيم، فيها مصيرك ومبيتُك والمقيل. فقال عليّ بن الحسين عليه السّلام: أسأل اللهَ العافية، هذا جزاء مَن يهزأ من حديث رسول الله صلّى الله عليه وآله! وبحار الأنوار للشيخ المجلسي 27:46/ ح 14 ـ عن الخرائج والجرائح ص 228 من النسخة القديمة ).
• وروى الشيخ الطوسيّ في أماليه قال: أخبرنا محمّد بن محمّد المفيد قال:
أخبرني المظفّر بن محمّد البلخيّ قال: حدّثنا أبو علي محمّد بن همام الإسكافي قال: حدّثنا عبدالله بن جعفر الحِمْيري قال: حدّثني داود بن عمر النهدي، عن الحسن بن محبوب، عن عبدالله بن يونس، عن المنهال بن عمرو قال:
دخلتُ على عليّ بن الحسين في منصرفي مِن مكّة، فقال لي:
يا منهال، ما صنَعَ حرملةُ بن كاهل الأسدي ؟!
قلت: تركتُه حيّاً بالكوفة.
فرفع يديه جميعاً ثمّ قال عليه السّلام: اللّهمّ أذِقْه حرَّ الحديد، اللّهمّ أذِقْه حرَّ الحديد، اللّهمّ أذِقْه حرَّ النار!
قال المنهال: فقدمتُ الكوفة وقد ظهر المختار بن أبي عبيدة الثقفيّ، وكان لي صديقاً، فكنتُ في منزلي أيّاماً حتّى انقطع الناس عنّي، وركبتُ إليه فلقيتُه خارجاً من داره، فقال: يا منهال، ألم تأتِنا في ولايتنا هذه، ولم تُهنّئنا بها ولم تشركنا فيها ؟! فأعلمتُه أنّي كنت بمكّةَ وأني قد جئتك الآن، وسايرتُه ونحن نتحدّث.. حتّى أتى الكنّاس فوقف ( المختار ) وقوفاً كأنّه ينتظر شيئاً، وقد كان أُخبِر بمكان حرملة بن كاهلة فوجّه في طلبه، فلم يلبث أن جاء القوم يركضون وقوم يشتدّون، حتّى قالوا أيُّها الأمير، البشارة! قد أُخِذ حرملة بن كاهلة.
قال المنهال: فما لبثنا أن جيء به، فلمّا نظر إليه المختار قال لحرملة:
الحمد لله الذي مكّنني منك. ثمّ قال: الجزّار الجزّار. فأُتي بجزّارٍ فقال له: اقطعْ يدَيه، فقُطِعتا، ثمّ قال له: اقطعْ رِجلَيه، فقُطِعتا، ثمّ قال المختار: النارَ النار. فأُوتيَ بنارٍ وقصب فأُلقي على حرملة، فاشتعل فيه النار!
قال المنهال: فقلت: سبحانَ الله!
فقال لي المختار: يا منهال، إنّ التسبيح لَحسَن، ففيمَ سبّحت ؟
فقلت: أيُّها الأمير، دخلتُ في سفرتي هذه منصرفي من مكّة على عليّ بن الحسين عليهما السّلام، فقال لي: يا منهال، ما فعلَ حرملةُ بن كاهل الأسديّ ؟! فقلت: تركته حيّاً بالكوفة. فرفع يديه جميعاً فقال: اللهمّ أذِقْه حرَّ الحديد، اللهمّ أذقْه حرَّ الحديد، اللّهمّ أذِقْه حرَّ النار! فقال لي المختار: أسمِعتَ عليَّ بن الحسين يقول هذا ؟!
فقلت: واللهِ لقد سمعتُه يقول هذا.
قال المنهال: فنزل عن دابّته وصلّى ركعتين فأطال السجود، ثمّ قام فركب وقد احترق حرملة، وركبتُ معه وسِرنا فحاذيتُ داري، فقلت: أيّها الأمير، إن رأيتَ أن تُشرّفَني وتكرّمني وتنزل عندي،..
فقال: يا منهال، تُعْلِمُني أنّ عليّ بن الحسين دعا بأربع دعوات فأجابه على يدَيّ، ثمّ تأمرني أن آكل ؟! هذا يومُ صومٍ شكراً لله عزّوجلّ ما فعَلْتُه بتوفيقه، وحرملةُ هو الذي حمَلَ رأس الحسين عليه السّلام. ( أمالي الطوسي 243:1 ـ 245. مناقب آل أبي طالب لابن شهرآشوب 133:4 ـ مختصراً. بحار الأنوار للشيخ المجلسي 332:45 / ح 1، و 52:46 / ح 2. كشف الغمّة للإربليّ 112:2. إثبات الهداة بالنصوص والمعجزات للحرّ العامليّ 12:3 / ح 16 ).
• وكذا روى الشيخ الصدوق أنّ المختار خرج إلى الكوفة، وبعث برأس عبيدالله بن زياد ورأس حُصَين بن نمير وشرحبيل بن ذي الكلاع، مع عبدالرحمان بن أبي عمير الثقفيّ وعبدالله بن شدّاد الجشمي والسائب بن مالك الأشعري، إلى محمّد بن الحنفيّة بمكّة، وعليّ بن الحسين عليهما السّلام يومئذٍ بمكّة، وكتب إليهم معهم:
أمّا بعد، فإنّي بعثتُ أنصارك وشيعتك إلى عدوّك يطلبونه بدم أخيك المظلوم الشهيد، فخرجوا محتسبين مُحْنِقين آسفين، فلَقَوهم دون « نصيبين » ( بلدة على جادة القوافل من الموصل إلى الشام )، فقتلهم ربُّ العالمين، والحمد لله ربّ العالمين الذي طلب لكم الثأر، وأدرك لكم رؤوس أعدائكم، فقتلهم في كلّ فجّ، وغرّقهم في كلّ بحر، فشفى بذلك صدورَ قومٍ مؤمنين، وأذهب غيظَ قلوبهم.
وقَدِموا بالكتاب والرؤوس عليه ( أي على محمّد بن الحنفيّة )، فبعث برأس ابن زياد لعنه الله إلى عليّ بن الحسين عليهما السّلام، فأُدخل عليه وهو يتغدّى، فقال عليّ بن الحسين عليهما السّلام: أُدخلتُ على ابن زياد وهو يتغدّى ورأسُ أبي بين يديه، فقلت: اللّهمّ لا تُمتْني حتّى تُرِيَني رأسَ ابن زيادٍ وأنا أتغدّى، فالحمدُ لله الذي أجاب دعوتي.
ثمّ أمر فرُمي به، فحُمِل إلى ابن الزبير فوضعه على قصبة فحرّكتها الريح فسقط، فخرجت حيّةٌ من تحت الستار فأخذت بأنفه...
وكان المختار قد سُئل ( أي طُلِب منه ) أمانُ عمر بن سعد، فآمنه على أن لا يخرج من الكوفة، فإن خرج منها فدمُه هدر. قال: فأتى عمرَ بن سعد رجلٌ فقال: إنّي سمعتُ المختار يحلف ليقتلنّ رجلاً، واللهِ ما أحسَبُه غيرَك! فخرج عمر حتّى أتى الحمّام ( حمّام سعد )، فقيل له: أترى هذا يخفى حقّاً على المختار ؟! فرجع ليلاً فدخل داره، فلمّا كان الغد جاء حفص بن عمر بن سعد فقال للمختار: يقول أبو حفص: أين لنا بالذي كان بيننا وبينك ؟ فقال المختار: اجلس. فدعا أبا عمرة، فجاء رجلٌ قصير يتخشخش في الحديد فسارَّه، ودعا برجلين فقال لهما: إذهبا معه. فذهب، فواللهِ ما بلغ دار عمر بن سعد حتّى جاء برأسه.
فقال المختار لحفص: أتعرف هذا ؟
قال: إنا لله وإنّا إليه راجعون، نعم.
قال المختار: يا أبا عَمرة، ألْحِقْه به.
فقتله، فقال المختار رحمه الله: عُمَر بالحسين، وحفص بعليّ بن الحسين ( أي الأكبر ).. ولا سَواء!
وبعث المختارُ مُعاذَ بن هاني الكندي وأبا عمرة كيسان إلى دار خولي بن يزيد الأصبحيّ ـ وهو الذي حمل رأس الحسين عليه السّلام إلى ابن زياد لعنه الله ـ فأتَوا داره فاستخفى في المخرج ( بيت الخلاء )، فدخلوا عليه فوجدوه وقد أكبّ على نفسه قَوْصرة ( حصير التمر )، فأخذوه وخرجوا يريدون المختار، فتلقّاهم ( المختارُ ) في ركبٍ فردّوه إلى داره، وقتله عنده وأحرقه.
وطلب المختارُ شمرَ بن ذي الجوشن فهرب إلى البادية، فسعى به ( المختار ) إلى أبي عَمرة، فخرج إليه مع نفرٍ من أصحابه فقاتلهم قتالاً شديداً، فأثخنَتْه الجراحة، فأخذه أبو عمرة أسيراً وبعث به إلى المختار فضرب عنقه... ولم يزل المختار يتتبّع قتَلَةَ الحسين عليه السّلام وأهلهِ، حتّى قتل منهم خَلْقاً كثيراً، وهرب الباقون، فهدم دورهم، وقَتلتِ العبيدُ مَواليهم الذين قتلوا الحسينَ عليه السّلام وأتوا المختار فأعتقهم. ( أمالي الطوسي 245:1 ـ 250.. وعنه: إثبات الهداة للحرّ العاملي 12:3 / ح 18، وبحار الأنوار للشيخ المجلسي 333:45 ـ 338 / ح 2 ).
• وكتب ابن شهرآشوب المازندرانيّ السَّروي: كان زينُ العابدين ( عليّ بن الحسين عليه السّلام ) يدعو كلَّ يوم أن يُريَه اللهُ قاتلَ أبيه مقتولاً، فلمّا قتلَ المختارُ قتَلَةَ الحسين عليه السّلام بعث برأسَي عبيدالله بن زياد وعمر بن سعد مع رسوله مِن قِبلهِ إلى زين العابدين، وقال المختار لرسوله: إنّه ( أي الإمام ) يصلّي من الليل.. وإذا أصبح وصلّى الغداة هجع، ثمّ يقوم فيستاك ويُؤتى بغَدائه، فإذا أتيتَ بابَه فاسأل عنه، فإذا قيل لك: إنّ المائدة بين يديه فاستأذنْ عليه، وضَعِ الرأسَينِ على مائدته وقلْ له: المختار يقرأ عليك السلام ويقول لك: يا ابن رسول الله، قد بلّغك اللهُ ثأرك.
ففعل رسولُ المختار ذلك، فلمّا رأى زين العابدين الرأسَينِ على مائدته خرّ ساجداً وقال: الحمد لله الذي أجاب دعوتي، وبلّغني ثأري مِن قَتَلةِ أبي. ودعا للمختار وجزّاه خيراً. ( مناقب آل أبي طالب لابن شهرآشوب 285:3 ).
كرامات باهرة
• روى قطب الدين الراوندي: أنّ الحجّاج بن يوسف لمّا خرّب الكعبة؛ بسبب مقاتلة عبدالله بن الزبير، ثمّ عمّروها، فلمّا أُعيد البيت وأرادوا أن ينصبوا الحجر الأسود.. فكلّما نصبه عالمٌ من علمائهم أو قاضٍ من قضاتهم أو زاهدٌ من زهّادهم، تزلزل ووقع واضطرب، ولا يستقرّ الحَجرُ في مكانه!
فجاء الإمام عليُّ بن الحسين عليه السّلام وأخذه من أيديهم، وسمّى اللهَ ثمّ نصبه فاستقرّ في مكانه، وكبّر الناس.
ولقد أُلِهم الفرزدق في قوله:
يكـاد يُمسِكُه عِرفـانَ راحتهِ ركنُ الحطيم إذا ما جاء يستلمُ
( الخرائج والجرائح لقطب الدين الراوندي 268:1 / ح 11. مستدرك الوسائل للميرزا حسين النوري 327:9 / ح 8. بحار الأنوار للشيخ المجلسي 32:46 / ح 25. إثبات الهداة للحرّ العاملي 17:3 / ح 32 ).
• وقال حمّاد بن حبيب الكوفي العطّار:
انقطعتُ عن القافلة عند « زُبالة » ( منزل بين مكّة والكوفة )، فلمّا أجنّني الليل أويتُ إلى شجرةٍ عالية، فلمّا اختلط الظلام إذا أنا بشابٍّ قد أقبل، عليه أطمارٌ بِيض، يفوح منه رائحة المسك، فأخفيتُ نفسي ما استطعت، فتهيّأ للصلاة، ثمّ وثب قائماً وهو يقول:
يا مَن حاز كلَّ شيءٍ ملكوتاً، وقهر كلَّ شيءٍ جبروتاً، أولجْ قلبي فرحَ الإقبال عليك، وألحِقْني بميدان المطيعين لك.
ثمّ دخل في الصلاة.. فلمّا رأيته وقد هدأتْ أعضاؤه وسكنت حركاته، قمتُ إلى الموضع الذي تهيّأ فيه للصلاة، فإذا أنا بِعينٍ تنبع، فتهيّأت للصلاة ثمّ قمت خلفه، فإذا بمحرابٍ كأنّه مُثّل في ذلك الوقت، فرأيته كلّما مرّ بالآية التي فيها الوعد والوعيد يردّدها بانتحابٍ وحنين، فلمّا أن تقشّع الظلام وثب قائماً وهو يقول:
يا مَن قصَدَه الضالّون فأصابوه مُرشِداً، وأمَّه الخائفون فوجدوه مَعْقِلاً، ولجأ إليه العائذون فوجدوه مَؤئلاً، متى راحةُ مَن نصَبَ لغيرك بدَنَه، ومتى فرحُ مَن قصد سواك بِنيّته ؟! إلهي قد تقشّع الظلامُ ولم أقضِ مِن حياض مناجاتِك صدراً، صلِّ على محمّدٍ وآله، وافعلْ بي أَولى الأمرَينِ بك يا أرحم الراحمين.
فخِفتُ أن يفوتني شخصه، وأن يَخفى علَيّ أمرُه، فتعلّقتُ به فقلت: بالذي أسقط عنك تملال التعب، ومنَحَك شدّةَ لذيذ الرَّهَب، إلاّ ما لحَقْتَني منك جَناحَ رحمة وكنفَ رقّة؛ فإنّي ضال. فقال: لو صدق توكُّلك ما كنتَ ضالاًّ، ولكن اتّبعْني وآقفُ أثَري.
فلمّا أن صار تحت الشجرة أخذ بيدي، وتَخيّلَ لي أنّ الأرض تميد مِن تحت قدمَيّ.. فلمّا انفجر عمود الصبح قال لي: أبشِرْ؛ فهذه مكّة. فسمعتُ الضجّة، ورأيت الحجّة.
فقلت له: بالذي ترجوه يومَ الآزفة يومَ الفاقة، مَن أنت ؟
فقال: أمّا إذا أقسمتَ فأنا عليُّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب. ( مناقب آل أبي طالب لابن شهرآشوب 42:4. فتح الأبواب لابن طاووس 245 ـ 248. الخرائج والجرائح لقطب الدين الراوندي 265:1 / ح 9. بحار الأنوار للشيخ المجلسي 77:46 ـ 78/ ح 73 و 74 ).
• وروى عبدالرزّاق بن مُعمَّر، عن الزُّهري، عن سعيد بن المسيِّب، وعبدالرزّاق عن معمّر، عن عليّ بن زيد قال: قلت لسعيد بن المسيّب: إنّك أخبرتَني أنّ عليّ بن الحسين النفسُ الزكيّة، وأنّك لا تعرف له نظيراً! قال: كذلك، وما هو مجهولٌ ما أقول فيه، واللهِ ما رُئِيَ مِثْلُه!
قال عليّ بن زيد: فقلتُ له: واللهِ إنّ هذه الحجةُ الوكيدة عليك يا سعيد، فلِمَ لم تُصلِّ على جَنازتهِ ؟ فاعتنذر بما حاصله: أنّ عليَّ بن الحسين صلّى ركعتين يوماً، وسبّح تسبيحاً لم يبقَ حوله شجرٌ ولا مَدَرٌ إلاّ سبّح بتسبيحه، ففزعتُ وأصحابي من ذلك، ثمّ ذكرتُ فعلَ ذلك في مسجد النبيّ صلّى الله عليه وآله على خلاءٍ من الناس فضلاً، ولمّا مات وشهد جنازتَه البَرُّ والفاجر، وأثنى عليه الصالح والطالح، ورأيتُ المسجد خالياً، فوثبتُ لأصلّي، فجاء تكبير من السماء.. فأجابه تكبير من الأرض، ففَزِعتُ وسقطتُ على وجهي، فلم أُدرك الركعتينِ ولا الصلاةَ على عليّ بن الحسين، إنّ هذا لَهُوَ الخسرانُ المبين!
ثمّ بكى سعيد وقال: ما أردتُ إلاّ الخير، ليتني كنتُ صليتُ عليه. ( رجال الكشّي أو اختيار معرفة الرجال للشيخ الطوسي / الأرقام:116،117،118/ح186،187،188. مناقب آل أبي طالب لابن شهرآشوب 134:4.. وفي آخره قال عليه السّلام: هذا التسبيح الأعظم. الثاقب في المناقب لابن حمزة 356/ح295. بحار الأنوار للشيخ المجلسي 37:46 / ح 33. إثبات الهداة للحرّ العاملي 23:3 / ح 48 ).
• وجاء في بعض كتب أهل السنة هذه الكرامة، بهذا السند:
حدّثنا محمّد بن محمّد قال: حدّثنا عبدالله بن جعفر الرازيّ قال: حدّثنا عليّ بن رجاء القادسيّ قال: حدّثنا عمرو بن خالد عن أبي حمزة الثماليّ قال:
أتيتُ بابَ عليّ بن الحسين فكرهتُ أن أضرب، فقعدتُ حتّى خرج، فسلّمتُ عليه ودعوتُ له، فردّ علَيّ السلامَ ودعا لي.. ثمّ انتهى إلى حائط له ( أي بستان ) فقال:
يا أبا حمزة، ترى هذا الحائط ؟!
قلت: بلى يا ابن رسول الله.
قال: فإنّي اتّكأتُ عليه يوماً وأنا حزين.. فإذا رجلٌ حسَنُ الوجه حسن الثياب ينظر في تجاه وجهي، ثمّ قال: يا عليّ بن الحسين، مالي أراك كئيباً حزيناً! أعلى الدنيا فهو رزقٌ يأكل منها البَرُّ والفاجر، فقلت: ما عليها أحزن؛ لأنّه كما تقول، فقال: أعلى الآخرة، هو وعدٌ صادق، يحكم فيها مَلِكٌ قاهر، قلت: ما على هذا أحزن؛ لأنّه كما تقول، فقال: وما حزنُك يا عليّ بن الحسين ؟ قلت: ما أتخوّف مِن فتنةِ ابن الزبير، فقال لي: يا عليّ، هل رأيتَ أحداً سأل اللهَ فلم يُعطِه ؟! قلت: لا، ثمّ قال: فخافَ اللهَ فلم يُكفِه ؟! قلت: لا.
ثمّ غاب عنّي، فقيل لي: يا عليّ، هذا الخضر عليه السّلام ناجاك. ( حلية الأولياء لأبي نُعَيم الإصفهاني 134:3 ـ طبعة مطبعة السعادة بمصر. الفصول المهمّة في معرفة الأئمّة لابن الصبّاغ المالكي 185 ـ طبعة الغري. نور الأبصار للشبلنجي الشافعي 192 ـ الطبعة العثمانيّة بمصر. مطالب السَّؤول في مناقب آل الرسول لمحمّد بن طلحة الشافعي 78 ـ طبعة طهران. كفاية الطالب للكنجي الشافعي 301 ـ طبعة الغري. الإتحاف بحبّ الأشراف للشبراوي الشافعي 49 ـ طبعة مصر. الكافي للشيخ الكليني 63:2 / ح 2. الخرائج والجرائح لقطب الدين الراوندي 269:1 / ح 13. التوحيد للشيخ الصدوق 373 / ح 17. الإرشاد للشيخ المفيد 258 ).
• وعن عبدالله بن الفضل الهاشمي، عن الصادق جعفر بن محمّد عن أبيه عن جدّه عن أبيه عليهم الصلاة والسلام: قال رسول الله صلّى الله عليه وآله: إذا كان يومُ القيامة نادى منادٍ:
أين زَينُ العابدين ؟ فكأنّي أنظر إلى ولديّ عليِّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب يخطو بين الصفوف. ( أمالي الصدوق 272 / ح 12 ـ وعنه: بحار الأنوار للشيخ المجلسي 3:46 / ح 2، وعوالم العلوم للشيخ عبدالله البحراني 16:18 / ح 2 ).
• وبسندٍ طويل.. عن أبي عبدالله الصادق عليه السّلام قال:
ينادي منادٍ يومَ القيامة: أين زينُ العابدين ؟ فكأنّي أنظر إلى عليّ بن الحسين عليهما السّلام يخطو بين الصفوف. ( علل الشرائع للشيخ الصدوق 230 / ح 2 ـ وعنه: بحار الأنوار 3:46 / ح 3 ، وعوالم العلوم للشيخ عبدالله البحراني 17:18 / ح 3 ).
• وروى الشيخ الصدوق قائلاً: حدّثنا عبدالله بن النضر بن سمعان التميمي الخرقاني قال: حدّثنا أبو القاسم جعفر بن محمّد المكيّ قال: حدّثنا أبو الحسن عبدالله بن محمّد ابن عمر الأطروش الحرّاني قال: حدّثنا صالح بن زياد أبو سعيد الشونيّ قال: حدّثنا أبو عثمان عبدالله بن ميمون السكّري قال: حدّثنا عبدالله بن معن الأزدي قال: حدّثنا عمران بن سليم قال:
كان الزُّهريُّ إذا حدّث عن عليّ بن الحسين قال: حدّثني زينُ العابدين عليُّ بن الحسين. فقال له سفيان بن عُيَينة: ولِمَ تقول زين العابدين ؟! قال: لأنّي سمعتُ سعيدَ ابن المسيِّب يحدّث عن ابن عبّاس أنّ رسول الله صلّى الله عليه وآله قال: إذا كان يومُ القيامة ينادي منادٍ: أين زينُ العابدين ؟ فكأنّي أنظر إلى ولدي عليِّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب يخطو بين الصفوف. ( علل الشرائع للشيخ الصدوق 299 / ح 1 ـ وعنه: بحار الأنوار 2:46 / ح 1، وعوالم العلوم للشيخ عبدالله البحراني 16:18 / ح 1 ).
نقلاً من موقع شبكة الإمام الرضا عليه السلام
source : alhassanain