عربي
Wednesday 24th of July 2024
0
نفر 0

ما حدث للاستاذ انصاریان في مدينة نيشابور

في العشرة الثانية من شهر ذي الحجة وبمناسبة حلول عيد الولاية، دعيت للتبليغ من قبل أحد الأصدقاء الذي ذاع صيته في حبّه للامام المنتظر بين المؤمنين في مدينة نيشابور بحيث كان اذا سمع اسمه (عجّل اللَّه فرجه) أو ذكر الانبياء والأئمّة عليهم السلام عنده، تتقاطر دموعه مثل هطول مطر الربيع. بعد انقضاء ليالٍ من ليالي التبليغ المنورة، زارني أحد أصدقائي من رجال الدين- وهو يقطن في مدينة مشهد- فطلبت منه أن يبقى‌ معي إلى‌ آخر ليلة من مكوثي في مدينة نيشابور.
وكنت آنذاك منشغلًا بتفسير الصحيفة السجادية للامام علي بن الحسين زين العابدين عليه السلام؛ في عصر يوم من تلك الايام اقترح صديقي رجل الدين أن نتمشّى‌ في شارع يسمى‌ ب «كمربندي» للترويح عن النفس؛ استجبت لطلبه، فوضعت القلم جانباً وذهبنا معاً حتى دخلنا
______________________________
(1)- يونس (10): 57.
نظام العشره فى المنظور الاسلامى، ص: 48
الشارع الذي كان قريباً من محل اقامتي.
لم يمض وقت طويل على‌ سيرنا حتى‌ وقفت سيارة من طراز حديث إلى‌ جانبنا فطلب السائق منا بكلمات مفعمة بالمحبة أن نركب السيارة إلى‌ حيث ما نريد! أشار صديقي بعينه ويده أن أرفض طلبه وان امتنع من الركوب في سيارته لأننا لم نتعرف على‌ صاحبها ولم يتضح لنا ما يريده من ذلك، ركبت السيارة وطلبت من صديقي رجل الدين أن يرافقني مع انتباهي لوضع الشاب الذي كان شاباً عصرياً متناغماً مع ما عليه الغربيون، فكانت ملابسه زاهية الألوان، قصيرة الكُم، ذائباً في الثقافة الغربية وباختصار: كان مريضاً يحتاج إلى‌ طبيب مشفق وجليس مؤثر وصاحب حنون وصديق خيِّر.
ركب صديقي السيارة في رهبة وقلق من دون أدنى‌ رغبة وذلك في الوقت الذي كان جند الاسلام الأكارم في جبهتي الجنوب والغرب يتصدون للأعداء الكفرة وحماتهم، في حين كان المنافقون الذين عميت بصيرتهم يوجهون فوهة بنادقهم في الداخل باتجاه الناس فيثكلون العوائل بفقد أحبّتها!
سألني السائق:
- إلى‌ أين تريدون كي أوصلكم؟
قلت:
- إلى‌ ما تحب!- ارتاح إلى‌ جوابي-.
سألني:
نظام العشره فى المنظور الاسلامى، ص: 49
- أنت من أي‌بلد؟
قلت:
- من طهران.
قال:- ماذا تصنع في هذه المدينة؟
قلت:
- جئت لالقاك وازورك- ارتاح لهذا التعامل خصوصاً من قبل رجل دين، الأمر الذي لم يحدث له أبداً وبطبيعة الحال لم يكن معروفاً لديه من قبل، فسرّ كثيراً وفي نفس الوقت اندهش من ذلك-.
قال لي:
- وضعي المالي لا بأس به ولي بيت ذو طابقين أعيش فيه لوحدي اعزباً فيعجبني أن تحلُّوا عليَّ ضيوفاً للحظات.
قبلت دعوته الا ان صديقي رجل الدين الذي كان يساوره القلق من الأوضاع المتردية للبلاد، طلب مني بالاشارة وبالضغط على‌ يدي أن أغض الطرف من الذهاب إلى‌ بيته الا أنّي اعتماداً على ألطاف الباري- عزّوجلّ- ونصرته وهو مصدر الرحمة، ووفقاً لوجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، عقدت العزم للذهاب إلى‌ بيته.
وصلنا البيت فارشدنا إلى‌ غرفة الضيافة التي كانت جدرانها الأربعة ملأى‌ بالصور المستهجنة واللوحات الخلاعيَّة ومختلف صور الممثلات الغربيات العاريات للنصف! إنّ صديقي رجل الدين الذي كان يتصف بالورع والتقوى‌ قال محتجاً:
نظام العشره فى المنظور الاسلامى، ص: 50
- أي‌جهنم هذا الذي دخلناه؟ ليس أمامنا في هذه الغرفة الا أن نحدق بأعيننا إلى‌ الأرض أو نغمضها!؟
قلت له:
- اصبر واستقم، لعل سفرنا في مشية اللَّه إلى‌ هذه المدينة كانت لأجل التعرف على‌ هذا الشاب ومجالسته لسويعات ومصادقته حتى‌ ينجوا من مستنقع الفساد بارادة اللَّه، الرحيم بكافة عباده الذي جعل باب التوبة مفتوحاً على المذنبين قاطبة كما في هذا الدعاء:
«أَنْتَ الَّذِى فَتَحْتَ لِعِبادِكَ بَاباً إِلى‌ عَفْوِكَ سَمَّيْتَهُ التَّوْبَةَ، فَقُلْتَ: [
تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحاً] «1»
، فَمَا عُذْرُ مَنْ أَغْفَلَ دُخُولَ الْبابِ بَعْدَ فَتْحِهِ» «2»
. بعيد لحظات دخل الشاب صالة الضيافة فقال بجدّ وثبات:
في ثلّاجتي خمر أجنبي مصفّى‌ وعندي ترياك افغاني خالص، إلى‌ أن تأكلوا الفاكهة وتشربوا الشاي، اختاروا أحدهما كي اعدَّه لكم! قال كلامه هذا من دون أن يلحظ ملبسنا الذي هو ملبس رسول اللَّه صلى الله عليه و آله فقالها في غفلة تامة من وضعنا ودونما خجل وحياء ظنّاً منه بأنَّنا نعيش مثله حالة الاستهتار والفلتان الاخلاقي.
كان حقيقة يتخيل انّه باقتراحه هذا يستضيف أصداقه الجدد بأفضل ما يمكن وإن كانوا رجل دين.
قد بقي من الوقت الشرعي ساعة من الزمن، قلت له: لي في أول الليل‌
______________________________
(1)- تحريم (66): 8.
(2)- فقرة من مناجات الخمس عشر- مفاتيح الجنان: 218.
نظام العشره فى المنظور الاسلامى، ص: 51
موعد مع صديقٍ عزيز جداً ورفيق كريم وصاحب شفيق يكره المشروبات الكحولية والمواد الأفيونية فلو اشتمّ منّي رائحة الخمر أو الأفيون أخشى‌ أن يفارقني إلى الأبد في حين ان فراقه لا يطاق وخسارة فقداه لا تجبر!
فأرجوا من أجل صديقي هذا أن تعذرني عمّا أنت بصدده! ففي عطف تام قبل وتقرر ان يستضيفنا بالشاي والفاكهة فقط.
صديقي رجل الدين أشار عليَّ بيده وعينه أن لا نأكل فاكهته وأن لا نشرب شايه! فقلت له هامساً: ندفع خمس ما نأكله ونشربه حتى‌ لا يبقى‌ محلًا للشبهة؟!
عند ما كان يدنو المغرب قال لي الشاب: موعدك مع صديقك في أية نقطة من المدينة؟ قلت: في جنب جامع مدينة نيشابور، قال: أنا أوصلكم إلى‌ موضع اللقاء.
عند ما توقف في جانب المسجد ونزل معنا تسائل: هل جاء صديقك أم لا؟
قلت: إن محبوبي هو اللَّه الذي لي موعد معه وقت الأذان من خلال الصلاة وهذا هو وقت لقائي وقد أتيت!
ارتبك الشاب وطأطأ رأسه وانتابه الخجل فقلت له:
نعم هو محبوبي الذي يكره الخمر والأفيون والعلاقات الجنسية المحرّمة بشدة وأنا لا أرغب لنفسي أن ألوثها بهذه الأشياء لتؤدي إلى‌ قطع صلته بي.
نظام العشره فى المنظور الاسلامى، ص: 52
قال الشاب: أنا في ذلك البيت لا أبيت ليلة قط من دون شرب الخمر وتعاطي المخدرات والاصغاء إلى‌ أنواع الأشرطة ومشاهدة مختلف الأفلام الماجنة! ولكن بتعاملك هذا قررت من هذه اللحظة أن أترك جميع هذه الأشياء ولكن أطلب منك أن تقضي غداً وقتك معي!
وافقت على‌ اقتراحه وضربنا الساعة العاشرة من اليوم الآتي موعداً للّقاء في جنب المسجد الجامع.
جاء على‌ الموعد في الساعة العاشرة فحملنا أنا وصديقي إلى‌ مزارات المدينة ومن جملتها المزار المسمى‌ ب «قدمگاه» وطلب مني أن يرافقني ليلًا، ومن حسن الصدف تزامن اقتراحه مع ليلة الجمعة حيث تقرر أن ألقي خطبة وقد كانت الدعوة عامة للحضور إلى‌ جلسة قراءة دعاء كميل، الشاب ما كان يدري بأني أخطب في المدينة.
أعطيته عنوان المجلس، قدم قبل البدء بقراءة دعاء كميل، من شدة الزحام لم يبق ممر للدخول في المجلس، أشرت إليه فقدم نحوي، أجلسته إلى‌ جانبي باتجاه القبلة، جميع المصابيح قد أطفئت فقرأت دعاء كميل في ظلام دامس.
سادت المجلس موجة من البكاء والحرقة وانقلبت الأحوال وعم الضجيج، وبعد انتهاء الدعاء رأيت عيني الشاب كأنّهما قدحي دم من شدة البكاء وذرف الدموع، قلت له: إنّ اللَّه قد كفّر ذنوبك جمعاء؛ ابدء حياة نقية طاهرة؛ ثم ودّعته وفي تلك الليلة خرجت من نيشابور.
خلال ثلاث سنين غابت أخباره عنّي الى‌ أن سافرت إلى‌ مدينة مشهد
نظام العشره فى المنظور الاسلامى، ص: 53
المقدسة، فالتقيت بصديقي رجل الدين، فقال لي مخبراً: في احدى‌ الليالي كنت في الحرم الطاهر للامام علي بن موسى الرضا عليه السلام واذا بذلك الشاب، استفسر عنك فقلت له: انّه يقيم في طهران، ذكر تلك الليالي المفعمة بالروحانية فقال: تبت توبة صادقة وانتقلت من نيشابور إلى‌ مشهد لكي أعيش فيها، وفي هذه المدينة المقدسة و بشفاعة الامام الرضا عليه السلام رزقت زوجة مؤمنة كان لها أثر طيب في ارشادي وتوعيتي.
أجل، ساعة من مجالسة طيبة وصحبة لائقة وصداقة سليمة وعشرة ايمانية ينتقل بها شي‌ء من الحقائق الربانية والمعارف الالهية إلى‌ ضال طريقه، تؤدي إلى‌ مثل هذه النتائج الايجابية.
إذن، مصادقة الفسقة الفجرة الضالين لو أثرت سلباً على الانسان وجعلت الانسان يدور في فلكهم ويحوم في دائرة خلقهم وطباعهم، فهذه الصداقة من وجهة نظر الاسلام محرمة ولكن اذا ما كان الانسان في وقاية ايمانية، فمصادقة هؤلاء لأجل ارشادهم وجعلهم في صراط الباري السوي فهو لازم بل بناء على‌ وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فهو واجب ديني مؤكّد.


source : من اثار الاستاذ انصاریان حفظه الله
0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخر المقالات

قبول الخلافة
تأملات وعبر من حياة يوسف (ع) - ج 2
أقوال علماء السنة في المذهب الشيعي
الثورة الحسينية اسبابها ومخططاتها القسم الاول
الكمالات المحمدية تصنيف مبتكر في الإعجاز الخلقي
صور التقية في كتب العامة
غزوة بدر تكسر شوكة الكفر والشرك
ما المقصود بليلة الهرير؟
يوم عاشوراء في اللغة والتاريخ والحديث
الشيعة في ألبانيا

 
user comment