الخمس من الضرائب الإسلامیة الثابتة بالقرآن والسنة والإجماع. إلاّ أن هناک اختلافا فی موارده بین الفقهاء. وهناک اختلاف کلی فی أحد موارده بین الإمامیة والمذاهب الأخرى وهو خمس المکاسب، إذ ذهبت الإمامیة إلى ثبوته إجمالا، ورفضه فقهاء أهل السنة.
ولسنا هنا بصدد إثبات هذا القسم الأخیر، إلاّ أننا نذکر هنا بعض الآراء فی تکییفه:
فقد یقال: إنه کان ثابتاً من أول الأمر.
کما قد یقال: إنه تمّ جعله بشکل ثابت من قبلهم((علیهم السلام)) بناءً على أن لهم حق التشریع فی المجال المالی، على الأقل.
وربما یقال: إنّ الأئمة أخذوا هذا الخمس باعتبار اختلاط أموال الناس بحقهم، فهو بذلک یشکّل تطبیقاً لتخمیس المال الحلال المختلط بالحرام.
کما قد یقال: بأنّ إیجابه کان من باب ولایة الحاکم الشرعی، خصوصا بعد أن رأى الأئمة((علیهم السلام)) أن الأموال والحقوق المخصوصة لهم قد زویت عنهم إلى موارد اُخرى.
ولسنا هنا بصدد ترجیح أیّ قول من هذه الأقوال وإنما المهم لدینا فی هذه المرحلة هو معرفة المتولی على الخمس، فمن هو؟
إنّ الظاهر من مجموع النصوص الواردة فی شأن مطلق الخمس، وتلک الواردة فی خصوص أرباح المکاسب: أنه ضریبة مالیة یجب دفعها إلى ولیّ الأمر والحاکم الشرعی. بل إنّ الأمر فی هذا القسم أوضح منه فی الاُمور الاُخرى، باعتبار احتمال الاستحقاق المباشر للأصناف الثلاثة من بنی هاشم; بمقتضى الآیة الشریفة، وإن کان الراجح فیها أیضا أن الخمس یعود إلى الإمام کله، وهو یعمل على صرفه فی المصالح العامة بمقتضى سهم الإمام، وفی إصلاح أحوال الفقراء من بنی هاشم حتى یستغنوا، وحینئذ یصرف الباقی فی المصالح العامة أیضاً.
هذا ما یبدو من مجمل النصوص، فلنستعرض جملة منها:
1 ـ جاء فی بعض الروایات تسمیة الخمس بأنه: «وجه الإمارة»(1).
وهو یدلُّ بوضوح على أنه جزء من بیت المال الواقع تحت إشراف أمیر المؤمنین والولی الشرعی لهم.
2 ـ النصوص التی تنسب الخمس لله تعالى من قبیل: «الوصیّة بالخمس لأن الله عزوجل قد رضی لنفسه الخمس»(2).
«والله لقد یسّر الله على المؤمنین أرزاقهم بخمسة دراهم جعلوا لربهم واحداً وأکلوا أربعةً أحلاّء»(3)
«الخمس لله والرسول وهو لنا»(4) .
بل یمکن أن یقال: إنّ تقدیم ما حقّه التأخیر فی الآیة وإدخال اللام على لفظ الجلالة والرسول وذی القربى دون الآخرین فیه ظهور فی الملکیة; إلاّ أن یُقال: إن السیاق یسوق تأثیر اللام إلى باقی الأقسام.
3 ـ النصوص التی تنسب الخمس لهم((علیهم السلام)) من قبیل:
«الخمس لله والرسول وهو لنا»(5).
«ما کان لله فهو لرسوله وما کان لرسوله فهو لنا»(6).
«لی منه الخمس مما یفضل من مؤونته»(7).
وسئل الإمام عن تقسیم الخمس فأجاب: «ذلک إلى الإمام».
وجاء هذا التعبیر فی تقسیم الخمس: «فإن فضل عنهم شیء فهو للوالی، فإن عجز أو نقص عن استغنائهم کان على الوالی أن ینفق من عنده بقدر ما یستغنون به»(8).
وعندما قدم أحد أصحاب الإمام((علیهم السلام)) بمال الخمس قال له: «أما إنّه کلّه لنا وقد قبلت ما جئت به»(9).
وجاء فی الروایة أیضاً «إن الخمس عوننا على دیننا وعلى عیالنا وعلى موالینا»(10).
«على کل امرئ غنم أو اکتسب الخمس مما أصاب لفاطمة((علیها السلام)) ولمن یلی أمرها من بعدها من ذریتها الحجج على الناس، فذاک لهم خاصة یضعونه حیث شاؤوا»(11).
«کل شیء قوتل علیه على شهادة أن لا إله إلاّ الله وأن محمداً رسول الله((صلى الله علیه وآله وسلم)) فإن لنا خمسه، ولا یحل لأحد أن یشتری من الخمس شیئاً حتى یصل إلینا حقُنا»(12).
«خذ مال الناصب حیثما وجدته وادفع إلینا الخمس»(13).
وقد سُئل((علیه السلام)): «ما حق الامام فی أموال الناس؟ فقال: «الفیء، والأنفال، والخمس»(14).
وقد جاء التعبیر عن الإمام((علیه السلام)) بأنه صاحب الخمس(15).
4 ـ وأخبار التحلیل بنفسها تدل على عودة الخمس إلى الإمام، ثم إنّه((علیه السلام)) یبیحها لشیعته، وذلک ـ کما هو ظاهر ـ بالنسبة إلى الأموال التی تنتقل إلى الفرد الشیعی وفیها حق من حقوق الإمام کالخمس، لا بالنسبة لأموال الشیعی نفسه التی یعمل فیها فیُستحق علیه الخمس.
ولکنها على أیّ حال واضحة فی نسبة الخمس إلى الإمام((علیه السلام)) وأن له الولایة علیه، وبالتالی یدخل ضمن الأموال العامة التی یتمّ توزیعها وهدایتها لتحقیق التوازن العام، غایة الأمر أنّ جزءاً معیّناً منه یصرف تکریماً لبنی هاشم لیتم الارتفاع بمستواهم إلى حدّ الغنى. وهو نفس ما یتم عمله بالنسبة للآخرین، حیث یعطَوْن من الزکاة حتى یستغنوا، فتتحقق نظریة الإسلام فی التعادل الاقتصادی الذی لا یرضى للفرد فی مستوى معیشته أن ینزل عن حد الغنى، ولا أن یرتفع إلى مستوى الإسراف ـ على تفصیل یُذکر فی محلّه ـ .
ملاحظة مهمة:
وینبغی أن نرکّز هنا على أن الحدیث هو عن رجوع الخمس إلى منصب الإمامة لا شخص الإمام، وأن الحدیث النظری یرکّز على منصب القیادة الإسلامیة والإمارة وولایة الأمر.
إذ الحدیث عن حق الإمام الشامل للفیء والأنفال والخمس، فهو حدیث عن أموال الدولة وملکیتها العامة، ولذلک تنتقل بشکل طبیعی من إمام إلى آخر ولا تدخل فی ترکته الشخصیة بلا ریب.
وقد روى الصدوق بإسناده عن أبی علی بن راشد قال: قلت لأبی الحسن الثالث((علیه السلام)): إنا نُؤتى بالشیء فیقال: هذا کان لأبی جعفر((علیه السلام)) عندنا. فکیف نصنع؟ فقال: «ما کان لأبی((علیه السلام)) بسبب الإمامة فهو لی، وما کان غیر ذلک فهو میراث على کتاب الله وسنّة نبیه»(16).
المصدر : من کتاب نظرات حول الشیعة والمرجعیة للشیخ محمد علی التسخیری
1- وسائل الشیعة 6: 341، الحدیث12.
2- وسائل الشیعة 6: 361.
3- وسائل الشیعة 6: 338.
4- وسائل الشیعة 6: 361.
5- وسائل الشیعة 6: 361.
6- وسائل الشیعة 6: 338.
7- وسائل الشیعة 6: 338.
8- وسائل الشیعة 6: 64 .
9- وسائل الشیعة 6: 368.
10- وسائل الشیعة 6: 375.
11- وسائل الشیعة 6: 351.
12- وسائل الشیعة 6: 339.
13- وسائل الشیعة 6: 340.
14- وسائل الشیعة 6: 373.
15- وسائل الشیعة 6: 354.
16- وسائل الشیعة 6:
source : rasekhoon