في اليوم العاشر من الربيع الثاني من عام 232 للهجرة وفي مدينة الرسول استقبل بيت الإمام الهادي (عليه السلام)ثاني أبنائه من امرأة فاضلة ، صالحة كانت تسمى حديث أو سلسل .
وبقي في المدينة الى عام 243 ، حيث انتقل - فيما يبدو - مع والده الكريم إلى عاصمة الخلافة العباسية ، سر من رأى ، واستوطن معه في منطقة تُسمى بالعسكر ، ولُقب على أساسها بالعسكري .
كما كان يلقب أيضاً بـ : الصامت ، الهادي ، الرفيق ، الزكي ، النقي ، وكانت تعكس هذه الألقاب الخصال الحميدة التي تجلت في حياته ، للناس وكانت كنيته أبا محمد ، والعامة من الناس ، كانوا يلقبونه هو وأباه وجده بابن الرضا (عليه السلام) .(1)
صفاته وكراماته :
يصفه بعض معاصريه : انَّه (عليه السلام)كان : أسمر، أعين، حسن القامة ، جميل الوجه، جيّد البدن ، حديث السن ، له هيبة وجلال.
وقد وصف جلاله وعظمة شأنه وزير البلاط العباسي في عصر المعتمد أحمد بن عبيد الله بن خاقان مع انه كان يحقد على العلويين ويحاول الوقيعة بهم ، وصفه كما جاء في رواية الكليني فقال :
ما رأيت ولا عرفت ، بسر من رأى ، من العلوية مثل الحسن بن علي بن محمد بن الرضا ، ولا سمعت بمثله ، في هديه وسكوته وعفافه ونبله وكرمه عند أهل بيته والسلطان ، وجميع بني هاشم وتقديمهم إياه على ذوي السن منهم والحظ ، وكذلك القواد والوزراء والكتّاب وعوام الناس ، وما سألت عنه أحداً من بني هاشم والقواد والكتّاب والقضاة والفقهاء وسائر الناس إلاّ وجدته عندهم في غاية الاجلال والاعظام ، والمحل الرفيع والقول الجميل والتقديم له على أهل بيته ومشائخه وغيرهم ولم أر له ولياً ولا عدواً إلاّ ويحسن القول فيه والثناء عليه (2) .
ووصفه الشاكري الذي لازم خدمته فقال : كان أستاذي صالحاً من بين العلويين ، لم أر قط مثله قال : وكان يركب إلى دار الخلافة بسر من رأى في كل اثنين وخميس قال : وكان يوم النوبة يحضر من الناس شيء عظيم . ويغص الشارعُ بالدواب والبغال والحمير والضجة ، فلا يكون لأحد موضع يمشي ولا يدخل بينهم . قال فإذا جاء أستاذي سكنت الضجة ، وهدأ صهيل الخيل ، ونهاق الحمير . وتفرقت البهائم حتى يصير الطريق واسعاً لا يحتاج ان يتوقى من الدواب نحفه ليزحمها ثم يدخل فيجلس في مرتبته التي جعلت له فإذا أراد الخروج وصاح البوابون : هاتوا دابة أبي محمد ، سكن صياح الناس وصهيل الخيل ، وتفرقت الدواب ، حتى يركب ويمضي .
وأضاف في صفة الإمام ، كان يجلس في المحراب ويسجد فأنام وانتبه وأنام ، وهو ساجد ، وكان قليل الأكل ، كان يحضره التين والعنب والخوخ وما شاكله فيأكل منه الواحدة واثنين ويقول شل هذا يا محمد إلى صبيانك ، فأقول هذا كله ، فيقول : خذه ، ما رأيت قط أسدى منه.
وعندما سجنه طاغية بني العباسي ، وقال بعض العباسيين للذي وكل بسجنه ( صالح بن وصيف ) : ضيّق عليه ولا توسع فقال له صالح : ما أصنع به ؟ وقد وكلت به رجلين شرّ من قدرت عليه ؛ فقد صارا من العبادة و الصلاة إلى أمر عظيم . ثم أمر باحضار الموكلين . فقال لهما : ويحكما ما شأنكما في أمر هذا الرجل ، فقالا له : ما نقول في رجل يصوم نهاره ويقوم ليله كله ، ولا يتكلم ولا يتشاغل بغير العبادة فإذا نظر إلينا ارتعدت فرائصنا . وداخلنا مالا نملكه من أنفسنا.
وقد كان الجميع يعرفون قدره ومدى كرامته على ربه حتى ان المعتمد العباسي حينما بويع بالخلافة في تلك الظروف المضطربة التي لم يكن يلبث الخليفة سنة أو بعض سنة جاء إلى الإمام العسكري (عليه السلام)وطلب منه الدعاء له بالبقاء عشرين سنة ( وكان عنده تلك المدة طويلة جداً بالقياس إلى من سبقه ) فقال (عليه السلام)مدّ الله في عمرك فاجيب وتوفي بعد عشرين عاماً .
هذه واحدة من كرامات الإمام (عليه السلام)وقد حفلت كتب الحديث بكراماته التي تفيض عن حدود هذا الكتاب المختصر وإنما نسوق بعضها لنزداد معرفة بحقه ، وبأن أئمة الهدى نور واحد من ذرية طيبة بعضها من بعض اصطفاها الله لبلاغ رسالاته واتمام حجته ، واكمال نعمه علينا ..
تعالوا نستمع معاً إلى الرواة كيف قصوا علينا تلك الكرامات :
1- قال أبو هاشم ( أحد الرواة ) سأل محمد بن صالح أبا محمد عن قوله تعالى : { لِلَّهِ الأَمْرُ مِن قَبْلُ وَمِنْ بَعْد } فقال (عليه السلام)- له الأمر من قبل ان يأمر به وله الأمر من بعد ان يأمر به مما يشاء ، فقلت في نفسي ، هذا قول الله : { أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالاَمْرُ تَبَارَكَ الله رَبُّ الْعَالَمِينَ } فأقبل علي فقال :هو كما أسررت في نفسك { أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالاَمْرُ تَبَارَكَ الله رَبُّ الْعَالَمِينَ } قلت : أشهد انك حجة الله وابن حجته في خلقه .
2- قال احد الرواة ( علي بن زيد ) صحبت ابا محمد ، من دار العامة الى منزله ، فلما صار الى الدار واردت الانصراف قال : امهل فدخل ثم اذن لي فدخلت فأعطاني مائتي دينار وقال : اصرفي في ثمن جارية فان جاريتك فلانة قد ماتت وانت خرجت من المنزل وعهدي بها انشط بما كانت ، فمضيت فإذا الغلام قال : ماتت جاريتك فلانة الساعة . قلت ما حالها ؟ قيل شربت ماء فشرقت فماتت .
3 - وروي أبو هشام الجعفري وقال : شكوت إلى أبي محمد ( الإمام العسكري عليه السلام) ضيق الحبس وشدة القيد ، فكتب إليّ : أنت تصلي الظهر في منزلك ، فاخرجت عن السجن وقت الظهر فصليت في منزلي .
4 - وروى عن أبي حمزة نصير الخادم قال : سمعت أبا محمد (عليه السلام)غير مرة يكلم غلمانه وغيرهم بلغاتهم وفيهم روم وترك وصقالبة ، فتعجبت من ذلك وقلت هذا ولد بالمدينة ولم يظهر لأحد حتى قضى أبو الحسن ( أي والده الإمام الهادي عليه السلام ) ولا رآه أحد فكيف هذا ؟ أحدث بهذا نفسي ، فأقبل عليّ وقال : ان الله بين حجته من بين سائر خلقه وأعطاه معرفة كل شيء فهو يعرف اللغات والأنساب والحوادث ، ولولا ذلك لم يكن بين الحجة والمحجوج فرق .
5- وسُلِّم الإمام إلى بعض أعوان الظلمة واسمه نحرير فقالت له امرأته : اتق الله ، فانك لا تدري من في منزلك ، وذكرت عبادته وصلاحه ، واني أخاف عليك منه ؟ فقال : لأرمينّه بين السباع ثم استأذن في ذلك ( من طغاته ) فأذن له ، ( وكانت هذه طريقة من طرق الاعدام في ذلك الزمان ) . فرمى به إليها ، ولم يشكوّا في أكلها له ، فنظروا إلى الموضع ليعرفوا الحال ، فوجدوه قائماً يصلي ، وهي حوله ، فأمر باخراجه .
6 - وروي عن الهمداني قال : كتبت إلى أبي محمد (عليه السلام)أسأله التبرك بان يدعو ان أرزق ولداً من بنت عم لي ، فوقّع : رزقك الله ذكراناً فولد لي أربعة .
7 - وروى العبدي قال : خلفت ابني بالبصرة عليلاً وكتبت إلى أبي محمد أسأله الدعاء لابني فكتب إلي : رحم الله ابنك ان كان مؤمناً قال الراوي : فورد علي كتاب من البصرة ان ابني مات في ذلك اليوم الذي كتب إليّ أبو محمد بموته ، وكان ابني شك في الامامة للاختلاف الذي جرى بين الشيعة .
8 - وروى بعضهم : ان رجلاً من موالي أبي محمد العسكري (عليه السلام)دخل عليه يوماً وكان حكاك الفصوص فقال : يا ابن رسول الله : ان الخليفة دفع إليّ فيروزجاً أكبر ما يكون ، وقال انقش عليه كذا وكذا ، فلما وضعت عليه الحديد صار نصفين وفيه هلاكي ، فادع الله لي ، فقال : لا خوف عليك إن شاء الله . قال : فخرجت إلى بيتي ، فلما كان من الغد دعاني الخليفة وقال لي : ان حظّيتين اختصمتا في ذلك الفص ، ولم ترضيا الا ان تجعل ذلك نصفين بينهما فاجعله ..وانصرفت وأخذت ( الفص ) وقد صار قطعتين فأخذتهما ورجعت بهما إلى دار الخلافة فرضيتا بذلك ، وأحسن الخليفة إليَّ بسبب ذلك ، فحمدت الله .
9 - وروى بعضهم : عن محمد بن علي قال : ضاق بنا الأمر قال لي أبي : إمض بنا حتى نصير إلى هذا الرجل - يعني أبا محمد - فانه قد وصف عنه سماحتهُ .
فقلت : تعرفه ؟ فقال لي ما أعرفه ولا رأيته قط ، قال : فقصدناه ، فقال أبي - وهو في طريقه - ما أحوجنا إلى ان يأمر لنا بخمس مائة درهم : مائتي درهم للكسوة ، ومائتي درهم للدقيق ومائة درهم للنفقة ، ( وقال محمد ابنه ) وقلت في نفسي ليته أمر لي بثلاث مائة درهم ، مائة اشتريت بها حماراً ، ومائة للنفقة ومائة للكسوة ، وأخرج إلى الجبل ( أطراف قزوين ) .
فلما وافينا الباب خرج إلينا غلام وقال : يدخل علي بن إبراهيم ، وابنه محمد ، فلما دخلنا عليه وسلمنا قال لأبي : يا علي ما خلفك عنا إلى هذا الوقت ؟ قال : يا سيدي استحييت ان ألقاك على هذه الحال .
فلما خرجنا من عنده جاءنا غلامه فناول أبي ، صرةّ وقال : هذه خمس مائة ، مائتان للكسوة ، ومائتان للدقيق ، ومائة للنفقة ، وأعطاني صرة . وقال هذه ثلاثة مائة درهم فاجعل مائة في ثمن حمار ، ومائة للكسوة ومائة للنفقة ، ولا تخرج إلى الجبل وصر إلى سورا ( أطراف بغداد ) .
10 - وجاء في رواية مأثورة عن علي بن الحسن بن سابور انه قال : قحط الناس بـ ( سر من رأى ) في زمن الحسن الأخير ( الامام العسكري عليه السلام) .. فأمر الخليفة الحاجب وأهل المملكة ان يخرجوا إلى الاستسقاء فخرجوا ثلاثة أيام متوالية إلى المصلى يدعون فما سُقوا .فخرج ( حبر النصارى ) الجاثليق في اليوم الرابع ، ومعه النصارى والرهبان ، وكان فيهم راهب ، فلما مدّ يده هطلت السماء بالمطر فشك أكثر الناس وتعجبوا وصبوا إلى دين النصرانية .
فأنفذ الخليفة إلى الحسن ( الإمام العسكري ) وكان محبوساً فاستخرجه من محبسته وقال : إلحق أمة جدك فقد هلكت ، فقال : اني خارج في الغد ومزيل الشك إن شاء الله تعالى .
فخرج الجاثليق في اليوم الثالثوالرهبان معه وخرج الحسن في نفر من أصحابه فلما بصر بالراهب وقد مدّ يده أمر بعض ممالكيه ان يقبض على يده اليمنى ويأذذخذ ما بين أصبعيه ففعل ، وأخذ من بين سبابيته عظماً أسود . فاخذ الحسن بيده ثم قال : استسق الآن ، فاستسقى وكان السماء متغيماً فتقشعت وطلعت الشمس بيضاء .
فقال الخليفة : ما هذا العظم يا أبا محمد قال (عليه السلام): هذا رجل مرّ بقبر نبي من الأنبياء ، فوقع إلى يده هذا العظم ، وما كشف من عظم نبي إلاّ وهطلت السماء بالمطر .
11 - وروى أبو يوسف الشاعر القصير - شاعر المتوكل - قال : ولد لي غلام وكنت مضيقاً فكتبت رقاعاً إلى جماعة استرفدهم ، فرجعت بالخيبة قال قلت : أجيء فأطوف حول الدار طوفة وصرت إلى الباب فخرج أبو حمزة ومعه صرة سوداء فيها أربع مائة درهم فقال : يقول لك سيدي انفق هذه على المولود بارك الله فيك.
12 - قال أبو هاشم : كتب إليه بعض مواليه يسأله ان يعلمه دعاء فكتب إليه ان ادع بهذا الدعاء " يا أسمع السامعين ، ويا أبصر المبصرين ، ويا عزّ الناظرين ، يا أسرع الحاسبين ، ويا أرحم الراحمين ، ويا أحكم الحاكمين ، صل على محمد وآل محمد ، واوسع لي في رزقي ومدّ في عمري . وامنن عليّ برحمتك واجعلني ممن تنتصر به لدينك ولا تستبدل بي غيري " .
قال أبو هاشم : فقلت في نفسي ، اللهم اجعلني في حزبك وفي زمرتك ، فاقبل عليّ أبو محمد فقال : أنت في حزبه وفي زمرته : إذا كنت بالله مؤمناً ولرسوله مصدقاً ، ولأوليائه عارفاً ، ولهم تابعاً ، فابشر ثم أبشر (3) .
تلك كانت نبذة منتقاة من كرامات الإمام (عليه السلام).. وهناك الكثير الكثير مما لا تسعه هذه الأوراق . واكثر منها بكثير مما لم تنقله الرواة ..
وهي الدلالة الشاهدة التي جعلت الناس يؤمنون بانه الوصي حقاً لرسول الله ، والإمام المعصوم من ذريته . وقد تحدثنا في كتب سبقت عن أئمة الهدى . جانباً من حكمة ظهور هذه الكرامات على أيديهم الطاهرة .
الإمام شاهد عصره
ان دور الأئمة (عليه السلام)امتداد لدور الأنبياء . ورسالتهم هي تلك الرسالة الخالدة التي بشرت بها كتب السماء .. من الدعوة إلى الله .. والترغيب في ثوابه والترهيب من شديد عقابه !! وسوق الناس إلى اتباع رضوانه وتزكية نفوسهم ـ الرذائل . وتطهيرها بالحب والايمان والخلق الفاضل . ثم تعليمهم شرائع دينهم ..
وكان من أبرز مسؤوليات الأنبياء (عليه السلام)" قيادة المجتمع المؤمن بما لهذه المسؤولية من علاقة بتطبيق أصول القيم الإلهية على مفردات الحياة اليومية .. وبتمثيل تلك الأصول ضمن مواقف وفاعليات وأنشطة . حتى يصبح النبي والإمام من بعده ثم الصديقون قدوات وحججاً على الخلق وليقطعوا عنهم حبل المعاذير والتبريرات . ويشحذوا وليشحنوا عزائمهم بومضات من الإرادة ، ومن هنا لا ينبغي ان نحدد دور الإمام في الحقل السياسي بالمعنى الضيق للكلمة بالرغم من ان ا لسياسة تمثل تقاطع سائر الحقول أو ليست الثقافة ذات تأثير على السياسة ؟ أو ليس الإقتصاد والتربية والأنظمة الإجتماعية هي العوامل التي تصنع السياسة .
ومن هنا يجب ان نفرق بين معنيين للسياسة .. المعنى الخاص الذي يعني إدارة القوى الإجتماعية ذات التأثير في عالم الحكم .. والتي يقوم بها السلاطين والرؤساء السياسيون .. وهذه هي السياسة المباشرة ( المعنى الضيّق للكلمة ) .
والمعنى العام والذي يعني صنع القوى الفاعلة في المجتمع والتي تؤثر بالتالي في عالم الحكم . وهي السياسة غير المباشرة ، والتي يقوم بها - عادة - المصلحون وأصحاب المبادئ التغييرية ( وهذه السياسة بالمعنى العام ) .ولا ريب ان الأنبياء وأوصياءهم كانوا يقودون عملية التغيير ، وثورة الاصلاح بكل أبعادها الثقافية ( نشر الدعوة ) والتربوية ( تزكية النفوس ) والإجتماعية ( تكوين التجمع الايماني وتنظيم علاقاته ) كما كانوا يتعاطون أحياناً السياسة بالمعنى الخاص حيث يديرون البلاد بصورة منفردة أو يشتركون في الإدارة مع سائر القوى ..
كذلك قام النبي الأعظم (صلی الله عليه وآله وسلم)باصلاح المجتمع في مكة ، وبنى هناك التجمع الايماني ، ونظم علاقاتهم ثم شكَّل حكومته منهم في المدينة المنورة .
وخلال سني خلافته الظاهرية تعاطى الإمام علي (عليه السلام)السياسة المباشرة . بينما قام بدور اصلاحي قبلئذ عند حكومة الخلفاء من قبله وفي ذات الوقت ساهم معهم بصورة أو باخرى في السياسة المباشرة .
والأئمة الأطهار (عليه السلام)كانوا يقومون بالاصلاح بكل ما أوتوا من قدرة ويصنعون قوة سياسية فاعلة في المجتمع . وذلك عبر قيادتهم المباشرة للمؤمنين الاصفياء من شيعتهم .
حتى انتهى الأمر إلى الإمام العسكري (عليه السلام)إذ قام خلال سني امامته بإدارة الشيعة الذين أصبح وزنهم السياسي متعاظماً في عهد الإمام الكاظم واعترف بهم كقوة سياسية في العهود التي تلت ولاية العهد من قبل الإمام الرضا (عليه السلام)، وحتى غيبة الإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه ..
كيف كان يدير الإمام الشيعة ؟ وكيف تكونت عبر الآفاق شبكة الوكلاء الذين كانوا يمثلونه ؟ وكيف كانت تجري المراسلة بينهم وبينه ؟
تلك الحقائق لم يبحثها التاريخ الذي اقتصر - مع الأسف - على وصف الملوك وغزواتهم وحروبهم وحتى ليالي مجونهم . بينما أهمل حياة الشعوب والتيارات التي كانت تجري في المجتمع .إلاّ ان الأحاديث التي سجلت الكثير من تفاصيل حياة الأئمة (عليه السلام)، تعتبر مادة موثوقة نستطيع ان نستلهم منها بعض الحقائق .. إلاّ انها تبقى لا تعكس وحدها كل الصورة التي نتشوق إليها لمعرفة حياة الإمام (عليه السلام)التي اتسمت كحياة غيره من الأئمة بطابع السرية المطلقة ليس فقط خوفاً من الطغاة وانما أيضاً كاجراء احتياطي للمستقبل والمتغيرات التي تحكمه وكمنهج في تربية الناس على الحقائق الكبرى التي لا يحتمل قلب أغلب الناس ثقلها ..
وتتسارع دورة الحضارة في أي أمة من البشر إلى نهايتها المأساوية ؛ إلاّ إذا قام فيها مصلحون ودفعوا سفينة الحياة بعيداً عن عواصف الهلاك ، وأعاصير الفتن .. ولعل الآية القرآنية تشير إلى هذه الحقيقة إذ يقول ربنا سبحانه :{ فَلَوْلاَ كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِن قَبْلِكُمْ اُولُواْ بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِي الأَرْضِ إِلاَّ قَلِيلاً مِمَّنْ أَنْجَيْنَا مِنْهُمْ وَاتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَآ اُتْرِفُوا فِيهِ وَكَانُوا مُجْرِمِينَ } (هود/116)
ثم يقول :{ وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ } (هود/117)
فما دامت حركة الإصلاح قائمة في الأمة . تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر . وتقاوم باستمرار بؤر الفساد ( الطغاة ، والمترفين ، والاشياع الجهلة ) فان العذاب يتأخر عنها لانها تصبح قوة تردع الأمة عن الانزلاق إلى الهاوية .
ولقد كانت حضارة الأمة الإسلامية في عصر الإمام العسكري قد تكاثرت فيها عوامل الأنهيار ولولا دفاع الإمام وشيعته عن قيم الحق والعدل ، وجهادهم العظيم ضد الترف والبغي والجهل .. ربما كانت الحضارة تتلاشى بصورة كلية .
لقد أوغل الخلفاء وحاشيتهم الفاسدة في الإرهاب والقمع ، وسرقة أموال الأمة . والاسراف في صرفها على لهوهم أو شراء ضمائر الشعراء والتافهين ..
أما ارهابهم وقمعهم للأحرار والمصلحين ، فقد كانت تلك قاعدة الحكم عندهم . مثلاً عندما انتفضت الشام ضد الحكم العباسي في عهد المتوكل بعث إليهم بجيش قوامه ثلاثة آلاف راجل وسبعة آلاف فارس . فدخلوا الشام وأباحوا دمشق ثلاثة أيام .
وقد كان من أساليب الخلفاء يومئذ في الاعدام القاء المتهم أمام السباع لتأكله . أو القاءهم في تنور ليحترقوا أو ضربهم حتى الموت ، أو ما أشبه من الأساليب الوحشية . وقد انعكس الإرهاب حتى أصبح أسلوباً في فض صراعاتهم الداخلية ، حيث نجد الإنقلابات ، والإغتيالات أصبحت لغة التفاهم بين أبناء الأسرة الحاكمة ..
فهذا المتوكل الطاغية المرهوب يسلط الله عليه ابنه المنتصر . فيتحالف مع بعض قواد جيشه الأتراك. فيثبون عليه ليلاً ، ويقتلونه هو ووزيره الطاغية فتح بن خاقان ، وهما غارقان في اللهو والفجور حتى يقول الشاعر بحقه :
هكذا لتكن منايا الكرام بين ناي ومزهر ومدام***بين كأسين أورثاه جميعا كأس لذاته وكأس الحمام
وبعد المتوكل لم يدم نظام ولده وقاتله المنتصر حيث قيل ان الأتراك الذين ساعدوه في اغتيال والده خشوا الفتك بهم فدسوا إليه السمّ عبر طبيبه المعروف بـ ( ابن طيغور ) الذي رشوه بثلاثين ألف دينارففصده بريشة مسمومة ، فمات من ساعته .(4)
وقد أثرت هذه الطريقة الشاذة التي اتبعها السلاطين في إدارة البلاد باسم الخلافة الإسلامية أثرت تأثيراً سلبياً على الثقافة الدينية للأمة ! فاستغل المتأثرون بالفلسفة اليونانية هذا الوضع امثال الکندي، وحاولوا تشكيك الناس بحقائق دينهم ، فلما انتهى الخبر إلى الإمام العسكري طلب بعض تلامذة الكندي وقال له : اما فيكم رجل رشيد يردع استاذكم الكندي عما أخذ فيه من تشاغله بالقرآن ؟
فلما سأله الرجل عن كيفية ذلك قال له الإمام (عليه السلام): " أتؤدي إليه ما ألقيه إليك " ؟
قال : نعم قال :
" صر إليه ، وتلطف في مؤانسته ، ومعونته على ما هو بسبيله فإذا وقعت الأنسة فقل : قد حضرتني مسألة أسألك عنها ، فانك تستدعي ذلك منك ، فقل له .. ان أتاك هذا المتكلم بهذا القرآن ، هل يجوز ان يكون مراده بما تكلم منه غير المعاني التي قد ظننتها انك ذهبت إليها، فانه سيقول لك انه من الجائز لانه رجل يفهم إذا سمع ؛ فإذا أوجب ذلك فقل له : فما يدريك لعله أراد غير هذا الذي ذهبت أنت إليه ، فيكون واضعاً لغير معانيه " .
فذهب الرجل إليه . وصنع مثلما أمره الإمام فوقع الكلام في قلبه موقعه لانه - كما أشار الإمام - كان رجلاً ذكياً فهماً . وعرف ان الإحتمال - مجرد الإحتمال - يبطل الإستدلال - كما يقول الفلاسفة - وان هذا الكلام لو انتشر في تلامذته لم يصدقه أحد في كتابه فيكون قد حكم على نفسه بالسفه إذا هو أصر في تأليف الكتاب فارتدع عنه ولكنه سأل من الرجل وقال له :أقسمت عليك الا ما أخبرتني من أين لك هذا ؟ قال الرجل : أنه شيء عرض بقلبي فأوردته عليك قال الكندي : كلا ما مثلك من يهتدي إلى هذا : قال الرجل : أمرني به الامام أبو محمد .. فقال الكندي : وما كان ليخرج مثل هذا إلاّ من ذلك البيت .. وعمد إلى كتابه فأتلفه (5) .
وهكذا أنقذ الإمام دين جده المصطفى (عليه السلام)من كتاب شبهة وضلالة - ولعل - هذا التلميذ كان من شيعة الإمام الذي تسلل إلى جهاز الكندي . إذ من المناسب جداً استخدام هذه الأساليب من قبل القيادات الرسالية لمقاومة التيارات المنحرفة !
وكم من المبادرات الشجاعة قامت بها القيادة الرسالية لصد هجمات الأعداء الفكرية وظلت في طي الكتمان لطبيعتها السرية - مثل هذه المبادرة - أو لضياع المصادر والمراجع التاريخية .
شهادته الاليمة
كان يوم الثامن من ربيع الأول ، لعام 260 هجرية يوماً كئيباً في مدينة سامراء حيث انتشر نبأ استشهاد الإمام العسكري في عنفوان شبابه.
عطلت الأسواق وهرع الناس إلى دار الإمام يبكون وشبَّه المؤرخون ذلك اليوم الحزين بيوم القيامة ، لماذا ؟ لان الجماهير المحرومة التي كانت تكتم حبها واحترامها للإمام العظيم خشية بطش النظام .. أطلقت اليوم العنان لعواطفها الجياشة .
كم سفكت دماءهم ، وهتكت حرماتهم ولم ترع حقوقهم وقرابتهم من رسول الله (صلی الله عليه وآله وسلم).
حقاً كم هي عظيمة محنة أولياء الله على مر العصور .. وكم هو عظم مقامهم عند ربهم وأجرهم !
وهذا الإمام العظيم الذي يرحل عن دنياهم ، ولم يتجاوز عمره السادسة والعشرين . كم كابد من ألوان المحن ، منذ عهد المتوكل الطاغوت التافه الذي ناصب أهل بيت الرسالة - العداء - . هل مات حتف أنفه . أم دسَّ إليه السم ؟
لقد كان السم من أشهر وسائل الإغتيال عند السلاطين في ذلك العهد . وكانت خشيتهم من أمثال الإمام من القيادات الدينية المحبوبة تدفعهم إلى تصفيتهم بمثل هذه الطريقة .
ويزيدنا دلالة على ذلك طريقة تعامل النظام مع الإمام في مرضه حيث أوعز الخليفة إلى خمسة من ثقاته بملازمة الإمام في مرضه ، وجمع له بعض الأطباء ليرافقوه ليل نهار .
لماذا ؟ يبدو ان هناك سببين لمثل هذا التصرف الغريب :
أولاً : محاولة التنصل عن مسؤولية اغتيال الإمام ، أمام الجماهير . وحسب المثل المعروف عن السياسيين : أقتله وابك تحت جنازته .
ثانياً : كان معروفاً عند كل الناس وبالذات عند الساسة ، ان أئمة أهل البيت يحظون باحترام أوسع الجماهير وان الشيعة يعتقدون بان الإمامة تنتقل فيهم كابراً عن كابر . وها هو الإمام الحادي عشر يكاد يرحل عنهم إذاً لابد ان يكون هناك وصي له فمن هو هذا الوصي ؟ كان الخلفاء العباسيون يحاولون دائماً معرفة الوصي عند شهادة واحد من الأئمة . وكان الأئمة يخفون أوصيائهم عند الخوف عليهم حتى يزول الخطر .
ومن جهة اخرى كانت أحاديث المهدي المنتظر سلام الله عليه قد ملأت الخافقين وكان العلماء يعرفون انه الوصي الثاني عشر . ومن غير المعقول الا يعرف سلاطين بني العباس شيئاً من تلك الأحاديث . لذلك تراهم يبحثون عن المنتظر بكل وسيلة لعلهم يقدرون على اطفاء نوره الإلهي .. ولكن هيهات .
من هنا اتخذ المعتمد العباسي تدابير استثنائية عندما ثقل حال الإمام وأشرف على الرحيل .
اما بعد وفاته فقد أمر بتفتيش داره ، ومراقبة جواريه ، ولم يكن يعرف ان الله بالغ أمره وان الإمام المنتظر قد ولد قبل أكثر من خمس سنوات وانه قد أخفي عن عيون النظام . وان صفوة الشيعة قد بايعوه .
وهكذا رحل الإمام بسم المعتمد وبعد وفاته وغسله وتكفينه صلى عليه من طرف السلطة أبو عيسى ابن المتوكل نيابة عن الخليفة وبعد الفراغ كشف وجه الإمام وعرض على الهاشميين والعلويين - بالذات - وكبار المسؤولين ، والقضاة والأطباء وقال هذا الحسن بن ( علي ) بن محمد بن الرضا مات حتف أنفه على فراشه ، وحضره من خدم أمير المؤمنين وثقاته فلان وفلان ، ومن القضاة فلان وفلان ، ومن المتطَّببين فلان وفلان ، ثم غطى وجهه الشريف (6) .
وهذا الاجراء جاء لنفي تورط السلطة في قتل الإمام . مما يدل على أنها كانت متهمة من قبل الناس بذلك .
هكذا رحل الإمام . وخلف وراءه مسيرة وضاءة ليهتدي بنورها الأجيال .. ودفن في مقامه الشريف في مدينة سامراء عند قبر والده حيث لا يزال المسلمون يتوافدون للسلام عليه .
فسلام الله عليه يوم ولد ويوم استشهد ويوم يبعث حياً ..
وسلام الله على شيعته واتباعه إلى يوم القيامة .
الوصية الأخيرة :
كانت شمس الإمامة تميل إلى المغيب - حيث قدّر الله ان تشع هذه الشمس من وراء حجاب الغيبة الصغرى ثم الكبرى . لذلك قام الإمام الحسن العسكري سلام الله عليه بدورين هامين :
أولاً : التأكيد على بصيرة الغيبة وأخذ البيعة لولي الله الأعظم الإمام المنتظر عجل الله فرجه .
ثانياً : ترسيخ قواعد المرجعية الدينية .
البيعة للمنتظر :
تظافرت الأحاديث حول الإمام الحجة المنتظر سلام الله عليه ، التي صدرت عن النبي وعن أئمة الهدى جميعاً .. الا ان تأكيد الإمام العسكري (عليه السلام)على هذا الأمر كان ذا أثر أبلغ لأنه قد حدد شخص الإمام لخواص أصحابه وهناك روايات عديدة في ذلك نكتفي بذكر واحدة منها .
روى الثقة أحمد بن إسحاق بن سعيد الأشعري ، قال : دخلت على أبي محمِّد الحسن بن عليّ (عليه السلام)، وأنا أريد ان أسأله عن الخلف من بعده ، فقال لي مبتدئاً :
" يا احمد بن إسحاق إنَّ الله تبارك وتعالى لم يخل الأرض منذ خلق آدم ، ولا يخليها إلى ان تقوم الساعة من حجة الله على خلقه ، به يرفع البلاء عن أهل الأرض ، وبه ينزل الغيث ، وبه يخرج بركات الأرض " .
فقلت له : يابن رسول الله ! فمن الإمام والخليفة بعدك ؟
فنهض مسرعاً فدخل البيت ، ثم خرج وعلى عاتقه غلام كأنَّ وجهه القمر ليلة البدر من أبناء ثلاث سنين فقال :" يا أحمد لولا كرامتك على الله - عزّ وجلّ - وعلى حججه ما عرضت عليك ابني هذا إنِّه سمّي باسم رسول الله وكنيته الذي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً : يا أحمد مثله في هذه الأمة مثل الخضر ، ومثل ذي القرنين ، والله ليغيبنّ غيبةً لا ينجو من الهلكة فيها إلاّ من ثبّته الله على القول بإمامته ، ورفقه فيها للدعاء بتعجيل فرجه " .
المرجعية الرشيدة :
وكان لابد لهذه الإمامة التي كانت امتداد للرسالة الإلهية ، كيان إجتماعي على الأرض وهم الشيعة المخلصون ، وكان لابد لهؤلاء من نظام إجتماعي راسخ قادر على مواجهة التحديات ، وقد تمثل في القيادة المرجعية ، التي تعني تمحور الطائفة حول العلماء بالله الأمناء على حلاله وحرامه . لذلك ترَّسخ في عهد الإمام العسكري نظام المرجعية حيث تعاظم دور علماء الشيعة باعتبارهم وكلاء ونواب وسفراء عن الإمام المعصوم (عليه السلام)وانتشرت روايات عن الإمام العسكري في دور علماء الدين منها تلك الرواية المعروفة التي نقلت عن الإمام العسكري عن جده الإمام الصادق (عليه السلام). والتي جاء فيها :
" من كان من الفقهاء صائناً لنفسه حافظاً لدينه مخالفاً لهواه مطيعاً لأمر مولاه فللعوام ان يقلدوه " .
وهكذا طفق العلماء المهتدون بضياء أهل البيت (عليه السلام)بالتصدي لشؤون الطائفة في عصر الإمام (عليه السلام). وكانوا يراسلون الإمام فيما تأتيهم من مسائل غامضة فيأتيهم الجواب المختوم بتوقيعه مما سمي عندهم بالتواقيع ، وقد اشتهرت جملة منها عن الإمام العسكري (عليه السلام).
وفيما يلي نذكر أسماء طائفة من أصحاب الإمام والرواة عنه والذين كان بعضهم في مركز قيادة الطائفة حسبما يتبين من التاريخ .
1 - إبراهيم بن أبي حفص الذي قال عنه النجاشي : انه شيخ من أصحاب أبي محمد العسكري (عليه السلام)وأضاف في تعريفه : ثقة وجه له كتاب الردّ على الغالية وأبي الخطاب ..ويبدو من كلمته أنه وجه وانه كان شخصية معروفة عند أبناء الطائفة أو عند الناس جميعاً .
2 - أحمد بن إدريس القمي قال عنه النجاشي : كان ثقة فقيهاً في أصحابنا كثير الحديث صحيح الرواية ..
3 - أحمد بن إسحاق الأشعري - كان وافد القميين وكان من خواص الإمام العسكري (عليه السلام).
وقد روى كتباً عن أهل البيت (عليه السلام)وقال عنه الشيخ ، انه ممن رأى الإمام صاحب الزمان (عليه السلام) .
4 - الحسن بن شكيب المروزي كان عالماً متكلماً ومصنفاً للكتب وكان يسكن سمرقند وقد عدهُ الشيخ الطوسي في أصحاب الإمام العسكري (عليه السلام) .
5 - الحسن بن موسى الخشاب ، الذي يقول عنه النجاشي : انه من وجوه أصحابنا ، مشهور ، كثير العلم والحديث ، له مصنفات منها : كتاب " الرد على الواقفة " وكتاب " النوادر " .
6 - حفص بن عمرو العمري الذي عدّه الشيخ من أصحاب الإمام أبي محمد (عليه السلام)وقد خرج من الإمام بشأنه توقيع جاء فيه :
" فلا تخرجن من البلد حتى تلقى العمري ، رضي الله عنه برضائي عنه فتسلم عليه ، وتعرفه ويعرفك ،
فانه الطاهر الأمين ، العفيف القريب منا وإلينا ، فكل ما يحمله إلينا من شيء من النواحي فإليه يصير آخر أمره ، ليوصل ذلك إلينا ".
وهذا التوقيع يدل على منهجية الإمام (عليه السلام)في تكريس القيادات الصالحة في الطائفة ، لتكون المرجع ، لشؤونها في عصرهم ، وليصير سنة حسنة في العصور التالية .
7 - حمدان بن سليمان : أبو سعيد النيشابوري ، عده الشيخ من أصحاب الإمام العسكري وكان ثقة من وجوه الشيعة .
8 - سعد بن عبد الله القمي حيث عاصر الإمام العسكري (عليه السلام)بالرغم من ان الشيخ الطوسي قال عنه: لم أعلم انه قد روى عنه ، وقال النجاشي عنه : انه شيخ هذه الطائفة وفقيهها وحجتها وقد صنّف كتباً كثيرة ، وسافر في طلب الحديث . وسمعه من أئمته من مختلف المذاهب.
9 - السيد عبد العظيم الحسني الذي ينتهي نسبه إلى الإمام المجتبى (عليه السلام). وكان عالماً فقيهاً زاهداً، معارضاً للسلطات الطاغية ، وكان الأئمة يأمرون شيعتهم بالرجوع إليه . فقد روى أبو حماد الرازي وقال : دخلت على علي بن محمد ( الإمام الهادي عليه السلام ) بسر من رأى ، فسألته عن أشياء من الحلال والحرام فأجابني فيها ، ولما ودعته قال لي :
" يا حماد إذا أشكل عليك شيء من أمر دينك بناحيتك ، فسل عنه عبد العظيم بن عبد الله الحسني واقرأه مني السلام " .
وقد اشتهر بين الشيعة في منطقة ( الري ) بالرغم من اختفاءه وسرية أعماله حتى إذا مات ، دفن في بستان هناك ، وأصبح قبره مزاراً للطائفة حتى اليوم .
10 - عبد الله بن جعفر الحميري الذي كان شيخ القميين ووجههم وقد ألف كتباً كثيرة في حقول شتى وقد قدم الكوفة زهاء عام التسعين بعد المائتين فسمع أهلها منه حديثاً كثيراً .
11 - علي بن جعفر الهماني الذي كان - حسب البرقي - فاضلاً مرضياً من وكلاء الإمامين الهادي والعسكري (عليه السلام)، وقد روى الكشي فيه حديثاً طريفاً . جاء فيه : انه حبس في عهد المتوكل العباسي لصلته بالإمام الهادي فلما طال حبسه وعد أحد أمراء العباسيين ( واسمه عبد الله بن خاقان ) بثلاثة آلاف دينار ليكلم المتوكل فيه فلما كلمه قال : يا عبد الله لو شككت فيك لقلت انك رافضي وأضاف : هذا وكيل فلان (يعني الإمام الهادي عليه السلام) وأنا عازم على قتله فلما بلغ الهماني هذا الخبر كتب إلى أبي الحسن (عليه السلام)" يا سيدي الله الله فيَّ فقد - والله - خفت ان أرتاب ، فوقع في رقعة :
اما إذا بلغ بك الأمر ما أرى فسأقصد الله فيك .
وكان هذا في ليلة الجمعة فأصبح المتوكل محموماً فازدادت عليه حتى صرخ عليه يوم الأثنين . فأمر بتخلية كل محبوس عرض عليه إسمه حتى ذكر له علي بن جعفر ( الهماني ) فقال لعبد الله ( بن الخاقان ) لِمَ لَمْ تعرض علي أمره ؟ فقال : لا أعود إلى ذكره أبداً قال : خل سبيله الساعة وسله ان يجعلني في حل فخلى سبيله وصار إلى مكة بأمر أبي الحسن (عليه السلام)فجاور بها .
وقد وقع خلاف بين علي بن جعفر وبين شخص كان ينافسه في زعامة الشيعة إسمه فارس . فكتب بعضهم إلى الإمام العسكري يسأله عنهما فجاء الكتاب بتوثيق علي بن جعفر وكان ضمن الكتاب :
قد عظّم الله قدر علي بن جعفر . متعنا الله تعالى به وأضاف ، فأقصد علي بن جعفر بحوائجك . واخشوا فارساً وامتنعوا في ادخاله في شيء من أموركم .
ومن هذا التوقيع يتبين كيف كان الأئمة (عليه السلام)يديرون شؤون الطائفة من خلال وكلائهم ، ويكرسون المرجعية الدينية في اوساطهم.
12 - محمد بن الحسن الصفار الذي كان وجهاً من وجوه الشيعة في قم وكان ثقة عظيم القدر وقد ألف عشرات الكتب حفظ فيها أحاديث أهل البيت (عليه السلام)في مختلف الحقول . وقد كانت له مراسلات مع الإمام العسكري (عليه السلام).
13 - الفضل بن شاذان الذي كان من أكثر الشيعة انتاجاً ، وقالوا ان بعض مؤلفاته قد حظيت برضا الإمام العسكري (عليه السلام)وانه كتب فيه : هذا صحيح ينبغي ان يعمل به . وقالوا : ان الإمام (عليه السلام)نظر في بعض مؤلفاته وقال :
" اغبط أهل خراسان بمكان الفضل بن شاذان وكونه بين أظهرهم " .
14 - عثمان بن سعيد العمري الذي كان من أعمدة النظام المرجعي في عهد الإمام العسكري (عليه السلام)وقد أشار الأئمة بمقامه . وكان عظيم الشأن عند الطائفة وقد كان الإمام الهادي (عليه السلام)يرجع الطائفة إليه . حسبما جاء في رواية أحمد بن إسحاق القمي قال :
دخلت على أبي الحسن علي بن محمد صلوات الله عليه في يوم من الأيام فقلت يا سيدي أين أغيب وأشهد ، ولا يتهيأ لي للوصول إليك إذا شهدت في كل وقت فقول من نقبل ، وامر من نمتثل ؟ فقال لي صلوات الله عليه :
" هذا أبو عمرو الثقة الأمين ، ما قاله لكم فعني يقوله . وما أداه إليكم فعني يؤديه " .
فلما مضى أبو الحسن (عليه السلام)، وصلت إلى أبي محمد ابنه الحسن العسكري (عليه السلام)ذات يوم ، فقلت مثل قولي لأبيه ، فقال لي :
" هذا أبو عمرو الثقة الأمين ، ثقة الماضي وثقتي في المحيا والممات ، فما قاله لكم فعني يقوله ن وما أدى إليكم فعني يؤديه " .
وبعد الإمام العسكري تولى عثمان بن سعيد مقام النيابه عن سيدنا ومولانا الإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه مده خمسين سنة حيث كان جسراً بين الطائفة وبين الإمام الغائب (عليه السلام).
15 - علي بن بلال الذي كان من وجوه الشيعة في الواسط ( فيما يبدو ) وقد اعتمده الأئمة (عليه السلام)في رسائلهم . وقد جاء في بعض الرسائل الواردة إليه من الإمام العسكري (عليه السلام): " وقد أعلم انك شيخ ناحيتك ، فاحببت أفرادك واكرامك بالكتاب بذلك " .
وجاء في رسالة منه موجهة إلى إسحاق ( احد أصحابه ) :
" يا إسحاق أقرأ كتابنا على البلالي رضي الله عنه فانه الثقة المأمون العارف بما يجب عليه " .
16 - العمري ، نجل عثمان بن سعيد الذي كان - كما والده - من أعمدة النظام المرجعي الذي أقامه أئمة الهدى (عليه السلام)في الطائفة حيث جعلوه معتمداً من قبلهم في شؤون الشيعة وقد سأل أحمد بن إسحاق الإمام العسكري ، وقال : من أعامل ، أو عمَّن آخذ ؟ وقول من أقبل ؟ فقال (عليه السلام): " العمري - عثمان بن سعيد ، وابنه - يعني محمد - ثقتان فما أديا إليك فعني يؤديان " .
وورد التوقيع من لدن الإمام الحجة المنتظر (عليه السلام)عند وفاة والده جاء فيه :
" أجزل الله لك الثواب ، وأحسن إليك العزاء ، رزيت ورزينا ، وأوحشك فراقه وأوحشنا ، فسرّه الله في منقلبه ، كان من كمال سعادته ، ان رزقه الله ولداً مثلك يخلفه من بعده ويقوم مقامه بامره ويترحم عليه ".(7)
هؤلاء هم بعض وكلاء الإمام ونوابه والذين بهم ترسخت أعمدة النظام المرجعي في الأمة . ذلك النظام الذي يعتبر منهجاً في التحرك السياسي ، وسبيلاً قويماً للدعوة إلى الله ، وتنظيماً رسالياً للمجتمع . كما انه يصلح ان يكون نظاماً سياسياً للأمة إذا عاد الحكم إلى أهله .
وينبعث النظام المرجعي ، كما نظام الإمامة من صميم الدين ، إذ انه تنظيم بعيد عن الطائفية والعشائرية . كما هو بعيد عن الروح الحزبية والفئوية . ولا تزال الطائفة الشيعية تعيش في ظل هذا التنظيم الرسالي منذ عهد الأئمة الأطهار (عليه السلام)وتتمتع بكفائته العالية ، بالرغم من ان تخلف الأمة قد سبَّب قدراً من التوقف فيه ، وعدم التسارع إلى التطور في بعض جوانبه .. .
ولان عهد الإمام العسكري قد تميَّز بتكريس هذه القيادة للطائفة ، ولان هذه القيادة لا تزال حتى اليوم تتصدى لشؤون الطائفة الدنيوية والأخروية ، فمن المناسب أن نتحدث قليلاً عن واقع المرجعية وأبعادها بكلمات :
أولاً : لأن المرجعية نظام إلهي وتكمن قوة تنفيذ أوامرها من فطرة الإنسان ، ووجدانه وروح التقوى في ذاته . فان هذا النظام يكون منسجماً مع سائر الأحكام الشرعية التي تنفذ هي الأخرى بروح التقوى .
ان السياسة في الإسلام - كما المجتمع والشؤون الشخصية - محراب عبادة . ومعراج المؤمن إلى الله . فمن أجل الله يطيع المؤمن ولي أمره وفي سبيل الله ينبعث إلى القتال ضد أعداءه وابتغاءً لمرضاة الله ينضوي تحت راية الحركة الدينية وتنفيذ أوامرها . واتباعاً لأمر الله تراه يخالف الطاغوت .. ويتمرد ضد سلطة ظالمة ، ويبني كياناً سياسياً بديلاً . .
أن الله سبحانه قد أتم حجته البالغة على عباده بهذه المرجعية الرشيدة ولكنه لم يكرههم عليها ، كما لم يكرههم على سائر المبادىء والأحكام . والناس يسعدون بقدر قربهم من هذا النموذج الأسمى . اما إذا ابتعدوا عنه فقد تمت الحجة عليهم !
كلمات من نور
كلمات النبي وأهل بيته تجليات تنعكس من أنفسهم الزاكية بعد ان تشرق عليها شمس القرآن الكريم . فهي نور من نور الله ، وهدى من هدى الله . تطمئن إليه النفوس المضطربة .. وتستروح على شواطئها الآمنة ، سفن المساكين بعد رحلة مضنية في أمواج الشك والتردد ؛ وفيما يلي نقرأ معاً كلمات النور التي خلّدها التاريخ من أقوال الإمام (عليه السلام).
1 - في وصيته الرشيدة إلى شيعته يحدد الإمام العسكري (عليه السلام)المنهج الذي ينبغي عليهم ان يتبعوه في تلك الظروف الصعبة .
يقول الإمام :" أوصيكم بتقوى الله ، والورع في دينكم ، والإجتهاد لله وصدق الحديث ، وأداء الأمانة إلى من ائتمنكم من برّ أو فاجر ، وطول السجود ، وحسن الجوار ، فبهذا جاء محمد (صلی الله عليه وآله وسلم)صلّوا في عشائرهم واشهدوا جنائزهم وعودوا مرضاهم وأدّوا حقوقهم فان الرجل منكم إذا ورع في دينه وصدق في حديثه وأدّى الأمانة وحسن خلقه مع الناس قيل : هذا شيعي فيسرّني ذلك . اتقوا الله وكونوا زيناً ولا تكونوا شيناً ، جرّوا إلينا كل مودة ، وادفعوا عنا كل قبيح ، فانه ما قيل من حسن فنحن أهله ، وما قيل من سوء فما نحن كذلك . لنا حق في كتاب الله ، وقرابة من رسول الله ، وتطهير من الله لا يدعيه أحد غيرنا إلاّ كذّاب . اكثروا ذكر الله وذكر الموت وتلاوة القرآن والصلاة على النبي (صلی الله عليه وآله وسلم)فان الصلاة على رسول الله عشر حسنات . احفظوا ما وصيّتكم به ، واستودعكم الله ، وأقرأ عليكم السلام " (8) .
2 - ايمان الناس بالقيادة الشاهدة ، عليهم الحاضرة بينهم ، أشدّ صعوبةً على انفسهم ، من ايمانهم بمن مضى من بينهم ، لانهم إذا آمنوا بالإمام الشاهد الحاضر ، تطلب منهم اتباعه وطاعته والتسليم لأمره وما أصعب الطاعة ، والتسليم ، وبالذات إذا اختلفت الرؤى وتناقضت المصالح ، ومن هنا كثرت حالات الوقف عند كثير من أبناء الطائفة كلما مضى إمام ، وقام إمام مقامه ، وكثير ما كان الوقف من قبل الوكلاء الذين تجمعت عندهم أموال الحقوق ، ولعب بأهوائهم ريح الرئاسة وشهوة السلطة .وقد لحق الإمام العسكري الكثير من الأذى بسبب هؤلاء ، وربما أكثر من الماضين من أئمة الهدى ،كما يظهر من حديث روي عنه يقول فيه :
" ما مُنيَ أحد من آبائي بمثل ما منيت به من شك هذه العصابة فيَّ " .
ولعل مرد هذا الشك ، كان الشك في استمرار الامامة ، لذلك قال الإمام في رد هذا الشك :
" فان كان هذا الأمر أمراً اعتقدتموه ودنتم به إلى وقت ( يبدو انه كان يعني أمر الامامة ) ثم ينقطع ، فللشك موضع ، وان كان متصلاً ما اتصلت أمور الله ، فما معنى هذا الشك " .
وفي كتاب كريم يرسله الإمام إلى واحد من أصحابه الثقاة ، والذي كانت بينه وبين الإمام مراسلات كثيرة ، واسمه إسحاق بن إسماعيل النيسابوري ، نقرأ احتجاج الإمام على الأمامة ، ومدى أهميتها ، تعالوا نتأمل في هذه الرسالة .
" سترنا الله وإياك بستره وتولاّك في جميع أمورك بصنعه ، فهمت كتابك برحمك الله ونحن بحمد الله ونعمته ، أهل بيت نرق ّعلى أوليائنا ونسرُّ بتتابع احسان الله إليهم وفضله لديهم ، ونعتدّ بكل نعمة ينعمها الله تبارك وتعالى عليهم ، فأتم الله عليك يا إسحاق وعلى من كان مثلك - ممن قد رحمه الله وبصّره بصيرتك - نعمته . وقدر تمام نعمته ، دخول الجنة . وليس من نعمة ، وان جل أمرها وعظم خطرها ، الا والحمد لله تقدّست أسماؤه عليها ، مؤدٍ شكرها ، وأنا أقول : الحمد لله أفضل ما حمده حامد إلى أبد الأبد بما منّ الله عليك من رحمته ونجّاك من الهلكة ، وسهّل سبيلك على العقبة . وأيم الله انها لعقبة كؤود ، شديد أمرها ، صعب مسلكها ، عظيم بلاؤها ، قديم في الزّبر الأولى ذكرها . ولقد كانت منكم في أيام الماضي (عليه السلام)إلى ان مضى لسبيله وفي أيامي هذه ، أمور كنتم فيها عندي غير محمودي الرأي ولا مسدّدي التوفيق .
فاعلم يقيناً يا إسحاق انه من خرج من هذه الدنيا أعمى فهو في الآخرة أعمى وأضل سبيلاً .
.يا إسحاق ليس تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور ، وذلك قول الله في محكم كتابه حكاية عن الظالم إذ يقول : { رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنتُ بَصِيراً قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ ءَايَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنسَى } . وأي آية أعظم من حجة الله على خلقه وأمينه في بلاده وشهيده على عباده من بعد من سلف من آبائه الأولين النبيين وآبائه الآخرين الوصيين ( عليهم أجمعين السلام ورحمة الله وبركاته ) . فأين يتاه بكم وأين تذهبون كالأنعام على وجوهكم ، عن الحق تصدفون ، وبالباطل تؤمنون ، وبنعمة الله تكفرون ، أو تكونون ممن يؤمن ببعض الكتاب ، ويكفر ببعض فما جزاء من يفعل ذلك منكم ومن غيركم إلاّ خزي في الحياة الدنيا وطول عذاب في الآخرة الباقية ، وذلك والله الخزي العظيم . ان الله بمنّه ورحمته لما فرض عليكم الفرائض لم يفرض ذلك عليكم لحاجة منه إليكم بل رحمة منه - لا إله إلاّ هو - عليكم ليميز الخبيث من الطيب وليبتلي ما في صدوركم وليمحّص ما في قلوبكم ، لتسابقوا إلى رحمة الله ولتتفاضل منازلكم في جنته ، ففرض عليكم الحج والعمرة وإقام الصلاة وايتاء الزكاة والصوم والولاية وجعل لكم باباً تستفتحون به أبواب الفرائض مفتاحاً إلى سبيله ، لولا محمد (صلی الله عليه وآله وسلم)والأوصياء من ولده لكنتم حيارى كالبهائم لا تعرفون فرضاً من الفرائض وهل تدخل مدينة الا من بابها ، فلما منَّ عليكم باقامة الأولياء بعد نبيكم ، قال الله في كتابه : { الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِيناً } ففرض عليكم لأوليائه حقوقاً أمركم بأدائها ليحلّ لكم ما وراء ظهوركم من أزواجكم وأموالكم ومأكلكم ومشاربكم ، قال : { لآ أَسْاَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى } واعلموا انّ من يبخل فأنما يبخل عن نفسه ،والله الغني وأنتم الفقراء ، لا إله إلاّ هو . ولقد طالت المخاطبة فيما هو لكم وعليكم " .
قد صعدنا ذرى الحقائق :
3 - لم يفتخر الأئمة (عليه السلام)بمنصب دنيوي ، أو ثروة وشهرة . انما كان فخرهم بحب الله ، والإنتساب إلى رسوله .. وبالعلم والتقوى . وفيما يلي رائعة منسوبة إلى الإمام العسكري وجدوها بخطه الكريم على ظهر كتاب جاء فيها :
" قد صعدنا ذرى الحقائق باقدام النبوة والولاية ، ونوّرنا السبع الطرائق بأعلام الفتوة ، فنحن ليوث الوغى ، وغيوث الندى ، وفينا السيف والقلم في العاجل ، ولواء الحمد والعلم في لآجل ، وأسباطنا خلفاء الدين ، وحلفاء اليقين ، ومصابيح الأمم ، ومفاتيح الكرم ، فالكليم اُلبس حلّة الاصطفاء لما عهدنا منه الوفاء ، وروح القدس في جنان الصاقورة ، ذاق من حدائقنا الباكورة ، وشيعتنا الفئة الناجية ، والفرقة الزّاكية ، صاروا لنا ردءاً وصوناً ، وعلى الظلمة إلباً وعوناً ، وسينفجر لهم ينابيع الحيوان بعد لظى النيران ".
حكم للحياة :
خير الدروس تلك التي يستفيد منها الإنسان في حياته وقد أفاض أئمة الهدى المزيد من التعاليم الحياتية لو استوعبناها ، لكنا أسعد الناس في الدنيا وأقربهم إلى رضوان الله في الآخرة . وفيما يلي نتأمل بعض كلمات الإمام العسكري (عليه السلام)في هذا الحقل الهام :
" ادفع المسألة ما وجدت التحمل يمكنك ، فان لكل يوم رزقاً جديداً . واعلم ان الإلحاح في المطالب يسلب البهاء ويورث التعب والعناء ، فاصبر حتى يفتح الله لك باباً يسهل الدخول فيه فما أقرب الصنيع من الملهوف ، والأمن من الهارب المخوف ، فربما كانت الغِير نوع من أدب الله ، والحظوظ مراتب ، فلا تعجل على ثمرة لم تدرك ، وانما تنالها في أوانها ، واعلم ان المدبر لك أعلم بالوقت الذي يصلح حالك فيه ، فثق بخيرته في جميع أمورك يصلح حالك ، ولا تعجل بحوائجك قبل وقتها ، فيضيق قلبك وصدرك ويغشاك القنوط ، واعلم ان للسخاء مقداراً ، فان زاد عليه فهو سرف ، وان للحزم مقداراً فان زاد عليه فهو تهور ، واحذر كل ذكي ساكن الطرف ، ولو عقل أهل الدنيا خربت " .
" خير اخوانك من نسي ذنبك وذكر احسانك إليه " .
" أضعف الأعداء كيداً من أظهر عداوته " .
" حسن الصورة جمال ظاهر ، وحسن العقل جمال باطن " .
" اولى الناس بالمحبة منهم من أمّلوه " .
" من آنس بالله استوحش الناس ، وعلامة الانس بالله الوحشة من الناس " .
" جعلت الخبائث في بيت والكذب مفاتيحها " .
" إذا نشطت القلوب فأودعوها ، وإذا نفرت فودّعوها " .
" اللحاق بمن ترجو خير من المقام مع من لا تأمن شره " .
" الجهل خصم ، والحلم حكم ، ولم يعرف راحة القلوب من لم يجرّعه الحلم غصص الصبر والغيظ " .
" من ركب ظهر الباطل نزل به دار الندامة " .
" المقادير الغالبة لا تدفع بالمغالبة ، والأرزاق المكتوبة لا تنال بالشره ، ولا تدفع بالامساك عنها " .
" نائل الكريم يحببّك إليه ويقربك منه ، ونائل اللئيم يباعدك منه ويبغضك إليه " .
" من كان الورع سجيته ، والكرم طبيعته ، والحلم خلّته كثر صديقه ، والثناء عليه ، وانتصر من أعدائه بحسن الثناء عليه " .
" السَّهر ألذّ للمنام والجوع أزيد في طيب الطعام " . ( رغّب به عليه السلام على صوم النهار وقيام الليل) ".
" المؤمن بركة على المؤمن وحجة على الكافر " .
" قلب الأحمق في فمه وفم الحكيم في قلبه " .
" لا يشغلك رزق مضمون عن عمل مفروض " .
" من تعدّى في طهوره كان كناقضه " .
" ما ترك الحقَ عزيزٌ إلاّ ذلّ ولا أخذ به ذليل إلاّ عزّ " .
" صديق الجاهل تعب " .
" خصلتان ليس فوقهما شيء : الايمان بالله ونفع الاخوان " .
" جرأة الولد على والده في صغره تدعو إلى العقوق في كبره " .
" ليس من الأدب اظهار الفرح عند المحزون " .
" خير من الحياة ما إذا فقدته بغضت الحياة ، وشر من الموت ما إذا نزل بك أحببت الموت " .
" رياضة الجاهل وردّ المعتاد عن عادته كالمعجز " .
" التواضع نعمة لا يحسد عليها " .
" لا تكرم الرجل بما يشقّ عليه " .
" من وعظ أخاه سرّاً فقد زانه . ومن وعظه علانية فقد شانه " .
" ما من بلية إلاّ ولله فيها نعمة تحيط بها " .
" ما اقبح بالمؤمن ان تكون له رغبة تذلّه " (9) .
مواعظ إلهية :
5 - وقال (عليه السلام):
" أورع الناس من وقف عند الشبهة ، أعبد الناس من أقام على الفرائض ،أزهد الناس من ترك الحرام ، أشد الناس اجتهاداً من ترك الذنوب " .
" انكم في آجال منقوصة وأيام معدودة ، والموت ياتي بغتة ، من يزرع خيراً يحصد غبطة ، ومن يزرع شراً يحصد ندامة ، لكل زارع ما زرع ، لا يسبق بطيء بحظه ، ولا يدرك حريص ما لم يقدّر له ، من أعطى خيراً فالله أعطاه ، ومن وقي شراً فالله وقاه " .
وجاء في رسالته الكريمة إلى الفقيه المشهور بابن بابويه جاء فيها :
" اما بعد أوصيك يا شيخي ، ومعتمدي ، وفقيهي - أبا الحسن علي بن الحسين القمي ، وفقك الله لمرضاته وجعل من صلبك أولاداً صالحين برحمته .
وقد حذفنا من المصدر كلمة ( وقال ) التي تكررت عند كل كلمة .بتقوى الله ، واقام الصلاة ، وايتاء الزكاة ، فانه لا تقبل الصلاة من مانعي الزكاة .
وأوصيك بمغفرة الذنب ، وكظم الغيظ ، وصلة الرحم ، ومواساة الاخوان ، والسعي في حوائجهم في العسر واليسر ، والحلم عن الجهل ، والتفقه في الدين ، والترتيب في الأمور والتعهد للقرآن ، وحسن الخلق والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر قال الله عزّ وجلّ { لاَ خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِن نَجْوَاهُمْ إِلاَّ مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاَحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَآءَ مَرْضَاتِ الله فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً } (النساء/114) واجتناب الفواحش كلها . وعليك بصلاة الليل - ثلاث مرات - ومن استخف بصلاة الليل فليس منا .
فاعمل بوصيتي ، وأمر شيعتي حتى يحملوا عليه ، وعليك بانتظار الفرج ، فان النبي (صلی الله عليه وآله وسلم)قال : " أفضل أعمال أمتي انتظار الفرج " . ولا يزال شيعتنا في حزن حتى يظهر ولدي الذي بشر به النبي (صلی الله عليه وآله وسلم)انه يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً .
فاصبر يا شيخي ، وأمر جميع شيعتي بالصبر ، { إِنَّ الاَرْضَ لِلّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَآءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ } (الاعراف/128)
والسلام عليك وعلى جميع شيعتنا ورحمة الله وبركاته وحسبنا الله ونعم الوكيل نعم المولى ونعم النصير (10) .
الدعاء : برنامج التحدي :
6 - وكانت الأدعية المأثورة عن أهل بيت الوحي (عليه السلام)، تعتبر دائماً برنامج التحدي ضد كل الوان الفساد الثقافي والإجتماعي والسياسي .. أو ليس الدعاء يقرب القلب من الرب ، ويعرج بروح المؤمن إلى آفاق معرفة الله . والإنسان كلما ازداد معرفة بالله ، ازداد ايمانا به وازداد - بالتالي - التزاماً بالشرائع الإسلامية ، والتي من أبرز مصاديقها الثورة ضد الطغاة والإستقامة والصبر في مواجهتهم . وعدم التسليم لوسائل التطويع عندهم من الترغيب والترهيب والتضليل . وكانت كلمات الدعاء عند أهل البيت والتي توارثوها عن رسول الله (صلی الله عليه وآله وسلم)كأغنى كنز وأثمن ركاز ، كانت دائرة معارف إلهية فيها آيات الحكمة ومناهج التربية وبصائر في السياسة ، ورؤى في الثقافة . .
والدعاء الذي علمه الإمام الحسن العسكري للقميين ، والذي انتشر بينهم كمنشور سياسي ، ووثيقة جهادية ، وبرنامج حركي ، ونهج رسالي في تلك المرحلة الحساسة . هذا الدعاء يعتبر اليوم من كنوز معارف أهل البيت ، ويجدر بنا ان نتعاهده ليل نهار حتى نزداد معرفة ويقيناً وصلابةً وهدى ..
دعنا نرتل كلمات هذا الدعاء معاً ونتأمل فيها :
" الحمد لله شكراً لنعمائه ، واستدعاءً لمزيده ، واستجلاباً لرزقه ، واستخلاصاً له ، وبه دون غيره ، وعياذاً من كفرانه والالحاد في عظمته وكبريائه ، حمد من يعلم ان ما به من نعمائه فمن عند ربه ، وما مسه من عقوبته فبسوء جناية يده ، وصلى الله على محمد عبده ورسوله ، وخيرته من خلقه ، وذريعة المؤمنين إلى رحمته ، وآله الطاهرين ، ولاة أمره .
اللهم : انك ندبت إلى فضلك ، وأمرت بدعائك ، وضمنت الأجابة لعبادك ، ولم تخيب من فزع إليك برغبته ، وقصد إليك بحاجته ، ولم ترجع بداً طالبة صفرا من عطائك ، ولا خائبة من نحل هباتك ، وأي راحل رحل إليك فلم يجدك قريباً ، ووافد وفد عليك فاقطعته عوائق الرد جودك . بل أي محتف ، لم يمهه فيض جودك ، وأي مستنبط لمزيدك دون استماحه سجال عطيتك .اللهم : وقد قصدت إليك برغبتي ، وقرعت باب فضلك يد مسألتي ، وناجاك بخشوع الاستكانة قلبي ، ووجدتك خير شفيع لي إليك ، وقد علمت ما يحدث من طلبتي قبل ان يخطر بفكري ، أو يقع في خلدي ، فصل اللهم دعائي إياك باجابتي ، واشفع مسألتي بنجح طلبتي .
اللهم : وقد شملنا زيغ الفتن ، وستولت علينا غشوة الحيرة ، وقارعنا الذل والصغار ، وحكم علينا غير المأمونين في دينك ، وابتز أمورنا معادن الأبن ممن عطل حكمك ، وسعي في اتلاف عبادك ، وافساد بلادك ، اللهم وقد عاد فيئنا دولة بعد القسمة ، وأمارتنا غلبة بعد المشورة ، وعدنا ميراثاً بعد الاختيار للأمة ، فاشتريت الملاهي والمعارف بسهم اليتيم والأرملة ، وحكم في ايثار المؤمنين أهل الذمة ، وولي القيام بأمورهم فاسق كل قبيلة ، فلا ذائد يذودهم عن هلكة ، ولا راع ينظر إليهم بعين الرحمة ، ولا ذو شفعة يشبع الكبد الحري من مسغبة ، فهم أولوا ضرع بدار مضيعة ، وأسراء مسكنة ، وخلفاء كآبة وذلة.
اللهم : وقد استحصد زرع الباطل ، وبلغ نهايته واستحكم عوده ، واستجمع طريده وخذرف وليده وبسق فرعه ، وضرب بجرانه .
اللهم : فاتح له من الحق حاصده ، تصدع قائمه ، وتهشم سوقه وتحب سنامه ، وتجدع مراغمه ليستخفي الباطل بقبح صورته ، ويظهر الحق بحسن حليته .
اللهم : ولا تدع للجور دعامة إلاّ قصمتها ، ولا جنة إلاّ هتكتها ، ولا كلمة مجتمعة إلاّ فرقتها ، ولا سرية ثقل الا خففتها ، ولا قائمة علو إلاّ حططتها ، ولا رافعة علم إلاّ نكستها ، ولا خضراً إلاّ أبرتها .
اللهم : فكور شمسه ، وحط نوره واطمس ذكره وارم بالحق رأسه ، وفض جيوشه ، وأرعب قلوب أهله .
اللهم : ولا تدع منه بقية إلاّ أفنيت ، ولا بنية إلا سويت ، ولا حلقة إلاّ قصمت ، ولا سلاحاً إلاّ أكللت ، ولا حداً ولا كراعاً إلاّ اجتحت ولا حاملة علم إلاّ نكست .
اللهم : وأرنا أنصاره عباديد بعد الألفة ، وشتى بعد اجتماع الكلمة ، ومقنعي الرؤوس بعد الظهور على الأمة .
واسفر لنا عن نهار العدل ، وأرناه سرمداً لا ظلمة فيه ، ونوراً لا شوب معه ، واهطل علينا ناشئته ، وانزل علينا بركته وادل له ممن ناواه وانصره على من عاداه .
اللهم : واظهر الحق ، واصبح به في غسق الظلم ، وبهم الحيرة .
اللهم : واحيي به القلوب الميتة ، واجمع به الأهواء المتفرقة والاراء المختلفة ، وأقم به الحدود المعطلة . والأحكام المهملة ، واشبع به الخماص الساغية ، وأرح به الأبدان اللأغبة المتعبة ، كما الهجتنا بذكره ، واخطرت ببالنا دعاءك ، ووفقتنا للدعاء إليه ، وحياشة أهل الغفلة عنه ، وأسكنت في قلوبنا محبته ، والطمع فيه ، وحسن الظن به لإقامة مراسيمه .
اللهم : فآت لنا منه على أحسن يقين ، يا محقق الظنون الحسنة ، ويا مصدق الآمال المبطئة ، اللهم واكذب المثالين عليك فيه ، واخلف به ظنون القانطين من رحمتك والآيسين منه .
اللهم : اجعلنا سبباً من أسبابه ، وعلماً من أعلامه ومعقلاً من معاقله ، وانصر وجوهنا بتحليته ، وأكرمنا بنصرته ، واجعل نيتنا خيراً تظهرنا لنا به ، ولا تشمت بنا حاسدي النعم ، والمتربصين بنا حلول الندم، ونزول المثل ، فقد ترى يا رب براءة خلو ساحتنا ، وخلو ذرعنا من الاضمار لهم على أحنة ، والتمني لهم وقوع جائحة وماتنازل من تحصينهم بالعافية ، وما اخبالنا من اتهاز الفرصة ، وطلب الوثوب بنا عند الغفلة.
اللهم : وقد عرفتنا من أنفسنا ، وبصرتنا من عيوبنا خلالاً نخشى ان تقعد بنا عن اشتهار اجابتك ، وأنت المتفضل على غير المستحقين ، والمبتدئ بالاحسان على السائلين ، فأت لنا من أمرنا على حسب كرمك وجودك وفضلك ، وامتنانك انك تفعل ما تشاء ، وتحكم ما تريد انا إليك راغبون ، ومن جميع ذنوبنا تائبون ..
اللهم : والداعي إليك ، والقائم بالقسط من عبادك ، الفقير إلى رحمتك ، المحتاج إلى معونتك على طاعتك ، إذ ابتدأته بنعمتك وألبسته أثواب كرامتك ، وألقيت عليه محبة طاعتك ، وثبت وطأته في القلوب من محبتك ، ووفقته للقيام بما أغمض فيه أهل زمانه من أمرك ، وجعلته مفزعاً لمظلوم عبادك ، وناصراً لمن لا يجد غيرك ، ومجدداً لما عطل من أحكام كتابك ، ومشيداً لما دثر من أعلام دينك ، وسنن نبيك عليه وآله سلامك ، وصلواتك ، ورحمتك ، وبركاتك ، فاجعله اللهم في حصانة من بأس المعتدين ، وأشرق به القلوب المختلفة من بغاة الدين وبلغ به أفضل ما بلغت به القائمين بقسطك من اتباع النبيين ، اللهم وأذلل به من لم تسهم له في الرجوع إلى محبتك ، ومن نصب له ، العداوة ، وارم بحجرك الدافع من أراد التأليب على دينك بإذلاله وتشتيت أمره ، واغضب لمن لا ترة له ، ولا طائلة ، وعادي الأقربين والأبعدين منا عليه ، لا مناً منه عليك .
اللهم : فكما نصب نفسه غرضاً فيك للأبعدين ، وجاد ببذل مهجته لك في الذب عن المؤمنين ، ورد شر بغاة المرتدين المريبين حتى أخفى ما كان جهر به من المعاصي ، وأبدى ما كان نبذه العلماء وراء ظهورهم مما أخذت ميثاقهم على ان يبينوه للناس ولا يكتموه ، ودعا إلى افرادك بالطاعة ، والا يجعل لك شريكاً من خلقك يعلو أمره على أمرك ، مع ما يتجرعه فيك من مرارات الغيظ الجارحة بحواسي القلوب ، وما يعتوره من الغموم ، ويفزع عليه من احداث الخطوب ، ويشرق به من الغصص التي لا تبتلعها الحلوق ، ولا تحنو عليها الضلوع ، من نظرة إلى أمر من أمرك ، ولا تناله يده بتغييره ، ورده إلى محبتك، فاشدد اللهم أزره بنصرك ، وأطل باعه في ما قصر عنه ، من أطراد الراتعين في حماك ، وزده في قوته بسطة من تأييدك ، ولا توحشنا من أنسه ، ولا تخترمه دون أمله من الصلاح الفاشي في أهل ملته ، والعدل الظاهر في أمته . . .اللهم : وشرف بما استقبل به من القيام بامرك ليرى موقف الحساب مقامه ، وسر نبيك محمد صلواتك عليه وآله برؤيته ومن تبعه على دعوته ، واجزل على ما رأيته قائماً به من أمرك ثوابه ، وابن قرب دنوه منك في حياته ، وارحم استكانتنا واستخذاءنا لمن كنا نقمعه به إذا فقدتنا وجهه ، وبسط أيدي من كنا نبسط أيدينا عليه لنرده عن معصيته ، وافترقنا بعد الإلفة والإجتماع تحت ظل كنفك ، وتلهفنا عند الغوث محل ما اقعدتنا عنه من نصرته ، واجعله اللهم في أمن مما يشفق عليه منه ، ورد عنه من سهام المكائد ما يوجهه أهل الشنآن إليه وإلى شركائه في أمره ، ومعاونيه على طاعة ربه الذين جعلتهم سلاحه وحصنه ، ومفزعه وأنسه ، الذين سلوا عن الأهل والأولاد ، وجفوا الوطن ، وعطلوا الوتير من المهاد ، ورفضوا تجارتهم ، واضسرّوا بمعايشهم وفقدوا في أنديتهم بغير غيبة عن مصيرهم ، وخالطوا البعيد ممن عاضدهم على أمرهم ، وقلوا القريب ممن صدّ عن وجهتهم فائتلفوا بعد التدابر والتقاطع في دهرهم ، وقطعوا الأسباب المتصلة بعاجل حطام الدنيا ، فاجعلهم اللهم في أمن من حرزك وظل كنفك ، ورد عنهم بأس من قصد إليهم بالعداوة من عبادك ، واجزل لهم على دعوتهم من كفايتك ومعونتك وأمدهم بتأييدك ونصرك ، وازهق بحقهم باطل من اراد إطفاء نورك ، اللهم واملأ بهم كل أفق من الآفاق وقطر من الأقطار قسطاً وعدلاً ، ومرحمة وفضلاً ، واشكرهم على حسب كرمك وجودك ، وما مننت به على القائمين بالقسط من عبادك ، وادخرت لهم من ثوابك ما يرفع لهم به الدرجات . إنك تفعل ما تشاء وتحكم ما تريد ... " .
اللهم : وشرف بما استقبل به من القيام بامرك ليرى موقف الحساب مقامه ، وسر نبيك محمد صلواتك عليه وآله برؤيته ومن تبعه على دعوته ، واجزل على ما رأيته قائماً به من أمرك ثوابه ، وابن قرب دنوه منك في حياته ، وارحم استكانتنا واستخذاءنا لمن كنا نقمعه به إذا فقدتنا وجهه ، وبسط أيدي من كنا نبسط أيدينا عليه لنرده عن معصيته ، وافترقنا بعد الإلفة والإجتماع تحت ظل كنفك ، وتلهفنا عند الغوث محل ما اقعدتنا عنه من نصرته ، واجعله اللهم في أمن مما يشفق عليه منه ، ورد عنه من سهام المكائد ما يوجهه أهل الشنآن إليه وإلى شركائه في أمره ، ومعاونيه على طاعة ربه الذين جعلتهم سلاحه وحصنه ، ومفزعه وأنسه ، الذين سلوا عن الأهل والأولاد ، وجفوا الوطن ، وعطلوا الوتير من المهاد ، ورفضوا تجارتهم ، واضسرّوا بمعايشهم وفقدوا في أنديتهم بغير غيبة عن مصيرهم ، وخالطوا البعيد ممن عاضدهم على أمرهم ، وقلوا القريب ممن صدّ عن وجهتهم فائتلفوا بعد التدابر والتقاطع في دهرهم ، وقطعوا الأسباب المتصلة بعاجل حطام الدنيا ، فاجعلهم اللهم في أمن من حرزك وظل كنفك ، ورد عنهم بأس من قصد إليهم بالعداوة من عبادك ، واجزل لهم على دعوتهم من كفايتك ومعونتك وأمدهم بتأييدك ونصرك ، وازهق بحقهم باطل من اراد إطفاء نورك ، اللهم واملأ بهم كل أفق من الآفاق وقطر من الأقطار قسطاً وعدلاً ، ومرحمة وفضلاً ، واشكرهم على حسب كرمك وجودك ، وما مننت به على القائمين بالقسط من عبادك ، وادخرت لهم من ثوابك ما يرفع لهم به الدرجات . إنك تفعل ما تشاء وتحكم ما تريد ... " (11) .
المصادر :
1- بحار الأنوار : ج 50 ، ص 236
2- سيرة الأئمة الاثنى عشر : ص 490 -482
3- بحار الأنوار : ج 50 ، ص 253 الی 309
4- حياة الإمام العسكري : ص 217 وص242 – 246
5- المصدر : ص 220 - 221 نقلاً عن المناقب : ج 4 ، ص 424
6- الإرشاد : ص 383
7- حياة الإمام الحسن العسكري لمؤلفه الأستاذ باقر شريف القرشي : ص 131 الی ص 168
8- حياة الإمام الحسن العسكري لمؤلفه الأستاذ باقر شريف القرشي : ص 372
9- بحار الأنوار : ج 75 ، ص 372 الی ص 379
10- حياة الإمام الحسن العسكري : ص 80 - 81
11- مهج الدعوات : ص 63 - 67
source : rasekhoon