عربي
Saturday 18th of May 2024
0
نفر 0

الامام أميرالمؤمنين ع ومجالسة الأنبياء

 الامام أميرالمؤمنين ع ومجالسة الأنبياء

إن الامام أميرالمؤمنين عليه السلام الذي كان يحضى‌ بعقل كامل ودراية جامعة وبصيرة فريدة وذكاء متفوق، كان من لحظة وروده في خيمة الحياة، مصاحباً ومجالساً ومناجياً وصديقاً لنبي الاسلام صلى الله عليه و آله في الظاهر وللأنبياء الآخرين في الباطن بل اختار اخاً أعز من نفسه باختياره لرسول اللَّه، وبانتقال جميع قيمهم إلى‌ وجوده الطاهر ففاقهم بعد أن فاقهم نبي الاسلام صلى الله عليه و آله. يمكن البرهنة بسهولة على‌ منزلة الامام العالمية وعلى تفوقه على‌ جميع الأنبياء عليهم السلام بعد النبي الأكرم من خلال الآيات القرآنية وعلى‌ وجه الخصوص آية المباهلة وكذلك الروايات الوفيرة التي تناقلها الشيعة وأهل السنة، وأنّه لمعروف بان الامام قال: «كُنْتُ مَعَ الْانْبِيَاءِ سِرّاً وَمَعَ مُحَمَّدٍ جَهْراً»؟ وفي رسالته المفعّمة بالعاطفة الملأى‌ بالموعظة والنصيحة التي كتبها

__________________________________________________ (1)- الآية 26 من سورة يس.

نظام العشره فى المنظور الاسلامى، ص: 111

لابنه الامام الحسن عليه السلام- وهي التي يجب على‌ كل أب أن يُعلّمها لابناءه ويربيهم بحسب مضامينها- صرّح بأنّه من طرق الباطن ومن خلال الاسفار العقلية عاش مع الماضين حتى صار كأنّه أحدهم فقال: «أَى بُنَىَّ إنّى وَإنْ لَمْ أكُنْ عُمِّرْتُ عُمُرَ مَنْ كَانَ قَبْلى، فَقَدْ نَظَرْتُ فِى أعمَالِهِم، وَفَكَّرْتُ فِى أخبَارِهِم، وَسِرْتُ فِى آثَارِهِم حتّى عُدْتُ كَأحَدِهِم، بَلْ كَأنّى بِمَا انْتَهى‌ إلىَّ مِنْ أُمُورِهِم قَدْ عُمِّرْتُ مَعَ أوَّلِهِمْ إلى‌ آخِرِهِم... «1» نعم، إنّه في عالم الباطن ومن طريق عقله وقلبه ومن خلال الآيات القرآنية والارشادات النبوية اتصل بالصالحين من الماضين وبالأنبياء بشكل خاص اتصالًا روحياً إلى‌ أن غدى‌ واحداً منهم كما قال عليه السلام. في هذا الجانب فالننعم النظر في الرأي الرباني والملكوتي للرسول الأعظم صلى الله عليه و آله وتقييمه الرزين للامام أميرالمؤمنين حتى نعرف ماذا تصنع روحانية الجليس بالانسان والى أي‌مرتبة ودرجة ترتقى به. يقال كان الرسول الأكرم جالساً بين جماعة من أصحابه واذا بأميرالمؤمنين علي عليه السلام يقبل على‌ رسول اللَّه فعندها قال صلى الله عليه و آله: «مَنْ أرادَ أنْ يَنْظُرَ إلى‌ آدَمَ فى خُلْقِهِ، وَإلى‌ نُوحٍ فى حِكْمَتِهِ، وَإلى‌ إبراهِيمَ فى حِلْمِهِ فَلْيَنْظُرْ إلى‌ عَلىّ بْنَ أبى طالب عليه السلام» «2» . وقال صلى الله عليه و آله أيضاً: «مَنْ أرادَ أنْ يَنْظُر إلى‌ آدَمَ فى عِلْمِهِ، وَإلى‌ نُوحٍ فى فَهْمِهِ، وَإلى‌ يَحيىَ بْنِ‌

__________________________________________________ (1)- نهج البلاغة: 393، نامه 31؛ بحار الأنوار: 47/ 221، باب 8، حديث 2. (2)- الأمالى، شيخ مفيد: 14، حديث 3؛ بحار الأنوار: 39/ 36، باب 73، حديث 4.

نظام العشره فى المنظور الاسلامى، ص: 112

زَكَريّا فى زُهْدِهِ وَإلى‌ مُوسَى بْنِ عِمْرانَ فى بَطْشِهِ، فَلْيَنْظُرْ إلى‌ عَلىّ بْنَ أبى طالب عليه السلام» «1» . قال الشاعر الفارسي وحشي بافقي «2»: من خلال اتصال الروح بالروح باب من المعرفته مفتوح‌ حينما يفتح باب ذينيك القلبين يكون دائماً رسول في الطريق‌ اينما كان باب من الحجر والطين يمكن قلعه إلّاباب القلب‌ الحسين عليه السلام مظهر أوصاف الأنبياء عليهم السلام‌ إن الامام الحسين عليه السلام الذي كان يرى‌ الأنبياء ويرى‌ قيمهم الوجودية تبعاً في مرآة القرآن وفي افق وجود نبي الاسلام صلى الله عليه و آله وفي صفحة بصيرته الوضاءة ورؤيته التامة، قد عشقهم في الأعماق وقد كان مرافقاً ومناجياً لهم في عالم الباطن فتطبع بطبائعهم حتى‌ غدا وارثاً لهم. عند ما نقول أن الحسين وارث الأنبياء، لا نعني بأنه ورثهم موروثاً مادياً، بل نعني بأن ذلك الانسان الذي كان موضع تجلي الحقيقة الصرفة، قد ورث جميع قيمهم الربانية والروحانية.

 

__________________________________________________ (1)- روضة الواعظين: 1/ 128، شواهد التنزيل: 1/ 103، حديث 117؛ كشف الغمة: 1/ 113؛ بحار الأنوار: 39/ 38، باب 73، حديث 10. (2)- فهو يقول: ز راه نسبت هر روح با روح درى از آشنايى هست مفتوح‌ ميان آن دو دل كاين در بود باز بود در راه دائم قاصد راز بود هر جا درى از خشت و از گل در آوردن توان الا در دل

‌ نظام العشره فى المنظور الاسلامى، ص: 113

إن الأنبياء وإن كان كل منهم منشغلًا بعمل دنياويٍ لتمشية شؤون حياتهم المعاشية، لكنهم في تكاليفهم المادية- في المأكل والملبس والمسكن- كانوا يتمثلون القناعة على‌ أحسن وجهها فيحترفون الزهد وكانوا ينفقون الزائد من دَخْلهم في سبيل اللَّه أيام حياتهم حتى‌ لا يبقى‌ بعد موتهم شيئاً من حطام الدنيا إرثاً الا النزر اليسير. اغلى‌ وأجل ميراث تركه الأنبياء من بعدهم هي القيم الالهية- الانسانية، والثقافة الخلاقة- النظيفة وعليه أنّ كل إنسان بكشفه عن لياقته وجدارته ومن خلال حسبه ونسبه المعنويان، يصلح لأن يكون وارثاً لهؤلاء الأبرار، ولقد كان السهم الأكبر بين أسهم الوراثة للحسين عليه السلام. إن الحسين عليه السلام ورث من آدم، مقام الخلافة ومقام العلم بالأسماء وكذلك مقام الهداية والكرامة، وورث من نوح عليه السلام مقام التبليغ والصبر والاستقامة والشفقة والمحبة لعباد اللَّه، ومن ابراهيم عليه السلام مقام الخلة والدعاء والتسليم والإمامة، ومن موسى‌ مقام الأناة والنضال المحتدم ضد الطغاة، ومن عيسى‌ مقام الروحانية والباطنية، ومن نبي الاسلام صلى الله عليه و آله جميع القيم الالهية كما أنّه ورث من آدم جميع الحقائق؛ وبالتحديد من خلال هذه الوراثة والصحبة الباطنية يُخاطب عليه السلام في «زيارة وارث» بالخطاب التالي: «أَشْهَدُ أَنَّكَ الْإِمامُ الْبَرُّ التَّقِىُّ الرَّضِىُّ الزَّكِىُّ الْهادِى الْمَهْدِىُّ» «1»

 

.__________________________________________________ (1)- تهذيب الأحكام: 6/ 113، حديث 17؛ مفاتيح الجنان، زيارت وارث. نظام العشره فى المنظور الاسلامى، ص: 114

مجالسة القرآن‌ نظام العشره فى المنظور الاسلامى، ص: 117

0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخر المقالات

شهادته عليه السلام
آداب رسول الله ( صلى الله علیه و آله ) فی الماکل ...
هل كان لبيوت المدينة أبواب
معالم الحجّ في مدرسة أهل البيت(عليهم السلام
ولادة الإمام السجاد ( عليه السلام )
معنويات الصلاة
الملل والنحل
في مدح الخمول و الاعتزال
زيارة الإمام علي بن موسى الرضا عليه السلام
الفرق بین الرسول و النبی و المُحدِّث

 
user comment