عربي
Sunday 19th of May 2024
0
نفر 0

في اليقين

 في اليقين

قال الله تعالى وَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَ ما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَ بِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ فمدح الموقنين بالآخرة يعني المطمئنين بما وعد الله فيها من ثواب و توعد من عقاب كأنهم قد شاهدوا ذلك
 كما روي أن سعد بن معاذ دخل على رسول الله ص فقال كيف أصبحت يا سعد فقال بخير يا رسول الله أصبحت بالله مؤمنا فقال يا سعد إن لكل قول حقيقة فما مصداق ما تقول فقال يا رسول الله ما أصبحت فظننت أني أمسي و لا أمسيت فظننت أني أصبح و لا مددت خطوة فظننت أني أتبعها بأخرى و كأني بكل أمة جائية و بكل أمة تدعى إلى كتابها معها كتابها و نبيها أمامها تدعى إلى حسابها و كأني بأهل الجنة و هم يتنعمون و بأهل النار و هم معذبون فقال له رسول الله ص يا سعد عرفت فالزم
فلما صح يقينه كالمشاهدة أمره باللزوم و اليقين و هو مطالعة أحوال الآخرة على سبيل المشاهدة
 كما قال أمير المؤمنين ع لو كشف الغطاء ما

                         إرشادالقلوب ج : 1 ص : 125
ازددت يقينا
فدل على أنه يشاهد الآخرة مع الغيب عنها
 و قال ع ما من أحد منكم إلا قد عاين الجنة و النار
إن كنتم تصدقون بالقرآن صدق لأن اليقين بالقرآن يقين بكل ما تضمنه من وعد و وعيد و هو أيضا في قلب العارف كالعلم البديهي الذي لا يندفع و لأجل هذا منعنا من أن المؤمن يكفر بعد المعرفة و الإيمان فإن عارض أحد بقوله إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا قلنا آمنوا بألسنتهم دون قلوبهم كما قال الله تعالى قالَتِ الْأَعْرابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَ لكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنا وَ لَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمانُ فِي قُلُوبِكُمْ فالإسلام نطق باللسان و اعتقاد بالقلب فلما علم سبحانه أنهم لم يعتقدوا ما نطقوا به حقا نفى عنهم أنهم مؤمنون فأول مقامات الإيمان المعرفة ثم اليقين ثم التصديق ثم الإخلاص ثم شهادة بذلك كله و الإيمان اسم لهذه الأمور كلها فأولها النظر بالفكر في الأدلة و نتيجة المعرفة فإذا حصلت المعرفة لزم التصديق و إذا حصل التصديق و المعرفة لوجد اليقين فإذا صح اليقين أخالت أنوار السعادة في قلب بتصديق ما وعد به من رزق في الدنيا و ثواب في الآخرة و خشعت الجوارح من مخافة ما توعد به من العقاب و قامت بالعمل و الزجر عن المحارم و حاسب العقل النفس على التقصير في الذكر و التنبيه على الفكر فأصبح صاحب هذا الحال نطقه ذكرا و صمته فكرا و نظره اعتبارا و اليقين يدعو إلى قصر الأمل و قصر الأمل يدعو إلى الزهد و الزهد ينتج النطق بالحكمة لخلو البال من هموم الدنيا
 لقوله ع من زهد في الدنيا استراح قلبه و بدنه و من رغب فيها تعب قلبه و بدنه فلا يبقى له نظر إلا إلى الله و لا رجوع إلا إليه
كما مدح الله سبحانه إبراهيم ع بقوله إِنَّ إِبْراهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُنِيبٌ يعني رجاع إلى الله لا نظر له للدنيا و على قدر يقين العبد يكون إخلاصه و تقواه و هذه الأحوال الصحيحة توجب لصاحبها حالا يراها بين اليقظة و النوم و يحصل باليقين ارتفاع معارضات الوساوس النفسانية لأنه رؤية العيان بحقائق الإيمان و هو أيضا ارتفاع الريب بمشاهدة الغيب و هو سكون النفس دون جولان الموارد و متى استكمل القلب بحقائق اليقين صار البلاء عنده نعمة و الرخاء مصيبة حتى أنه يستعذب البلاء و يستوحش لمطالعة العافية

                         إرشادالقلوب ج : 1 ص : 126

0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخر المقالات

عداء الوهابيّة للإمام علي عليه‌السلام
زيارة الأربعين وأول من زار الإمام الحسين عليه ...
شعراء يصوغون التأريخ قوافياً
الإخلاص ثمرة الحب
علي الأكبر شبيه الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم)
حقيقة العبادة ومقوِّماتها
اهل البیت فی کلام الرسول
نعمة الحياء
من معاجز أمير المؤمنين عليه السّلام
سيرة الإمام علي بن موسى الرضا عليه السلام

 
user comment