ولادته:
ولد علي الأكبر (عليه السلام) في الحادي عشر من شعبان عام 33 هـ ، أبوه الإمام الحسين بن علي بن أبي طالب (عليهما السلام) ، وأمه ليلى بنت أبي مرة بن عروة بن مسعود الثقفي , وأمها ميمونة بنت أبي سفيان بن حرب بن أمية.
صفاته:
إنّ من مكارم الأخلاق أن يتحلى المرء بالصفات الحميدة ويتخلى من العادات الذميمة وهذه الأخلاق سواء كانت حميدة أو ذميمة يكتسبها المرء وراثيّا ، وبيئيّاً ، مجتمعا ومحيطا . وشرائع السماء التي بعثها الله سبحانه وتعالى لخلقه عن طريق رسله وأنبيائه كلّها تدعو إلى مكارم الأخلاق ، لا سيّما رسالة سيد الأنبياء ورسله محمد المصطفى ( صلى الله عليه وآله وسلم ) حيث قال : (( إنّما بعثت لأتمّم مكارم الأخلاق )) وصدع برسالته (صلى الله عليه وآله وسلم) لا يريد منهم جزاء ولا شكورا ، يريد أن يجعل حياة البشرية كلها حياة هانئة رغيدة خالدة ، لا تبيدها الحقب والأعوام لأن رسالته خاتمة الرسالات ، وشهيدنا الغالي (علي الأكبر). هو ربيب ذلك البيت الطاهر الذي هو خلاصة الوجود من طيب الأرومة ومكارم الأخلاق ، من حلم ، وعلم ، وشجاعة ، وكرم ، وتواضع ، وبلاغة . وما إلى ذلك من المكارم التي ورثها عن آبائه ، وترعرع في بيت النبوة.
رَوى الحديث عن جَدِّه علي بن أبي طالب (عليه السلام) وهو صغير السن , فهذا دليل على تعلّقه بالعلم والكمال من الصغر.
شبيه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم):
كان أشبه الناس بجدّه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بشهادة أبيه الإمام الحسين (عليه السلام) حينما استأذن أباه لمجاهدة الكفار المعاندين ، قائلا : (( اللهم كن أنت الشهيد عليهم . فقد برز إليهم غلام أشبه الخلق برسولك (صلى الله عليه وآله وسلم))) .
وقال السيد ابن طاووس في كتابه اللهوف ، في دعاء الإمام الحسين (عليه السلام) لما برز علي الأكبر إلى القوم قائلا : (( اللهم اشهد أنه برز إليه أشبه الناس خلقاً ، وخلقاً ، ومنطقاً ، برسولك وكنا إذا اشتقنا إلى نبيّك نظرنا إليه )) . علي الأكبر كان مرآةُ الجمال النبوي ومثال كماله الأسمى. حتى قال فيه حسّان بن ثابت:
وأحسن منك لم تر قَطّ عيني * وأجمل منك لم تلد النساء
خلقت مبرءا من كل عيب * كأنك خلقت كما تشاء
وإنّ الآثار تدل على تلكم الأخلاق الكريمة التي مدحها سبحانه وتعالى : ( وَإِنّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ ) تشبه بها شهيدنا الغالي (علي الأكبر) . وليس ببعيد من فضل الباري جلّ ذكره أن يوجد ذاتاً كاملة منزهة عن كل عيب ، ومبرأة عن أيّ شين ، وأنّ شهادة أبيه سيد الشهداء وهو الإمام المعصوم بحق ولده الأكبر دليلٌ على مصداقيّة شخصيته الكريمة .
لقد كان علي الأكبر (عليه السلام) أبان شبابه عليه سيماء العظمة وسمّو الذات ، وظاهر الشجاعة والكرم وأنّ الواصف له مهما بالغ في وصفه لم يبلغ ما يتحلّى به من مكارم الأخلاق ولا غَرو فهو غُصنٌ من أغصان الدَوحة الهاشميّة وفرع من الشجرة العلويّة (1).
شجاعته:
في حديث لعقبة بن سمعان قال : لما كان السحر من الليلة التي بات الحسين (عليه السلام) فيها بقصر بني مقاتل أمرنا بالاستسقاء ثم ارتحلنا ، فبينا هو يسير إذ خفق الإمام الحسين (عليه السلام) برأسه خفقة وانتبه وهو يسترجع ويقول : ( إِنّا للّهِِ وإِنّا إِلَيهِ رَاجِعُونَ ) , ( اَلْحَمْدُ للّهِِ رَبّ الْعالَمِينَ ) كرّر ذلك ثلاثا . فأقبل إليه ابنه علي الأكبر (عليه السلام) وكان على فرس له ، وقال له جعلت فداك ممَ استرجعت وحمدت الله ؟ فقال الحسين (عليه السلام) . . . خفقت برأسي خفقة فعن لي فارس يقول : (( القوم يسيرون والمنايا تسري إليهم ، فعلمت أنها أنفسنا نعيت إلينا )) . قال علي الأكبر (عليه السلام) :
يا أبت ألسنا على الحق ؟ فقال الحسين (عليه السلام) :(( بلى والذي إليه مرجع العباد )) . فقال علي الأكبر (عليه السلام) : إذاً لا نبالي أن نموت محقين .
فقال الحسين (عليه السلام) :(( جزاك الله من ولد خير ما جزى ، ولداً عن والده )) (2) .
منزلته من أبيه (عليهما السلام):
لما وصل الإمام الحسين (عليه السلام) وأهل بيته وأصحابه أرض كربلاء القريبة من نهر الفرات الجاري ، منع عمر بن سعد الإمام الحسين (عليه السلام)وأصحابه من ورود الماء والانتهال من غيره ـ جعل على الشريعة أربعة آلاف من عسكره بإمرة الحجاج الزبيدي (عليه اللعنة) ـ ولما أضر العطش بالحسين (عليه السلام) سيد شباب أهل الجنة وأهل بيته وأصحابه في اليوم الثامن من محرم الحرام سنة 61 هـ , أخرج الإمام (عليه السلام) ولده علي الأكبر (عليه السلام) للاستقاء ، وخرج معه ثلاثين فارسا وعشرين راجلا يحملون القرب لحمل الماء ، وبعد جهاد شديد ملكوا المشرعة وملأوا أسقيتهم وعادوا إلى المخيم سالمين بالماء ، ليرووا ظماء الأطفال والعيال والأصحاب .
وما عسى أن تنفع هذه الكمية القليلة من الماء وهم زهاء المائتين مع خيولهم ودوابهم ، فسرعان ما نفذ الماء وعاد الظماء إليهم .
أنّ الإمام الحسين (عليه السلام) لما اجتمع ليلة عاشوراء بابن سعد ، ولم يحضر أحداً إلّا أخوه العباس وابنه علي الأكبر (عليهما السلام) .
ولما خطب الحسين (عليه السلام) يوم عاشوراء ، وسمع بكاء عياله قال لأخيه العباس وابنه عليا الأكبر(عليهما السلام) :(( سكتاهن فلعمري ليكثر بكاؤهن )) (3) .
مدح الشعراء له:
قال أبو الفرج في المقاتل إنّ هذه الأبيات قيلت في علي بن الحسين الأكبر (عليه السلام) :
لم تر عين نظرت مثله * من محتف يمشي ومن ناعل
يغلي بنئ اللحم حتى إذا * انضج لم يغل على الآكل
كان إذا شبت له ناره * يوقدها بالشرف الكامل
كيما يراها بائس مرمل * أو فرد حي ليس بالأهل
أعني ابن ليلى ذا السدى والندى * أعني ابن بنت الحسب الفاضل
لا يؤثر الدنيا على دينه * ولا يبيع الحق بالباطل
شهادته:
روى أبو الفرج في مقاتل الطالبيين : إنّ أول قتيل قتل من ولد أبي طالب مع الحسين (عليه السلام) ابنه علي الأكبر ، وقال لما لم يبق مع الحسين (عليه السلام) إلا أهل بيته وخاصته تقدم ابنه علي بن الحسين (عليهما السلام) وقال غيره: انه كان على فرس له يدعى ذا الجناح , وفي اللهوف : فاستأذن أباه في القتال فاذن له ثم نظر إليه نظرة آيس منه وأرخى عينيه فبكى وقال: وفي رواية ثم رفع سبابتيه نحو السماء وقال: وفي المقاتل واللهوف ثم قال: (( اللهم كن أنت الشهيد عليهم فقد برز إليهم غلام أشبه الناس خلقا وخلقا ومنطقا برسولك (صلى الله عليه وآله وسلم))) , وفي المقاتل : (( غلام أشبه الخلق برسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)), وفي رواية :(( وكنا إذا اشتقنا إلى نبيك نظرنا إلى وجهه )) . ثم تلا : ( إِنّ اللّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ * ذُرّيّةً بَعْضُهَا مِن بَعْضٍ وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ) (4).
قال المفيد فحمل على الناس وهو يقول :
أنا علي بن الحسين بن علي * نحن وبيت الله أولي بالنبي
تالله لا يحكم فينا ابن الدعي * اضرب بالسيف أحامي عن أبي
ضرب غلام هاشمي قرشي
قال أبو الفرج : فجعل يشد عليهم ثم يرجع إلى أبيه فيقول يا أباه العطش فيقول له الحسين (عليه السلام) : (( اصبر حبيبي فإنك لا تمسي حتى يسقيك رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بكأسه )) . وفي اللهوف ثم رجع إلى أبيه وقال : يا أبت العطش قد قتلني وثقل الحديد قد أجهدني فهل إلى شربة من الماء سبيل , فبكى الحسين (عليه السلام) وقال: (( وا غوثاه يا بني قاتل قليلا فما أسرع ما تلقى جدك محمدا فيسيقك بكأسه الأوفى )) . قال المفيد: ففعل ذلك مرارا وأهل الكوفة يتقون قتله فبصر به مرة بن منقذ العبدي فقال :عليَّ آثام العرب إن مر بي يفعل مثلما فعل إن لم اثكله أباه .
وفي رواية أبي الفرج إن لم اثكله أمه فمر يشد على الناس كما فعل في الأول فاعترضه مرة بن منقذ وطعنه فصرع واحتواه القوم فقطعوه بأسيافهم .
وفي رواية ثانية لأبي الفرج حتى رمي بسهم فوقع في حلقه فخرقه واقبل ينقلب في دمه ثم نادى: ( يا أبتاه عليك السلام هذا جدي رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقرئك السلام ويقول عجل القدوم إلينا وشهق شهقة فارق الدنيا) .
قال المفيد: فجاء الحسين (عليه السلام) حتى وقف عليه قال أبو مخنف عن سليمان بن أبي راشد عن حميد بن مسلم قال سماع أذني يومئذ الحسين ( عليه السلام) وهو يقول: (( قتل الله قوما قتلوك يا بني ما أجرأهم على الله وعلى انتهاك حرمة الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم))) .
قال المفيد: وانهملت عيناه بالدموع ثم قال: (( على الدنيا بعدك العفا )) (5).
مدفنه:
دفن الشهيد علي الأكبر (عليه السلام) عند رجلي والده الإمام الحسين (عليه السلام) في كربلاء المقدسة.
ــــــــــــــــ
(1) شهداء أهل البيت (عليهم السلام) قمر بني هاشم / الحاج حسين الشاكري / ص 118.
(2) تاريخ الطبري 3 / 376.
(3) شهداء أهل البيت (عليهم السلام)) قمر بني هاشم / الحاج حسين الشاكري/ ص 116.
(4) سورة آل عمران / 33 ـ 34 .
(5) أعيان الشيعة / السيد محسن الأمين / ج 8 / ص207.