عربي
Friday 26th of April 2024
0
نفر 0

الاختلاف في القراءات

الاختلاف في القراءات

إن الأحرف السبعة هي وجوه الاختلاف في القراءات. قال بعضهم: إني تدّبرت وجوه الاختلاف في القراءة فوجدتها سبعا.
فمنها: ما تتغير حركته و لا يزول معناه و لا صورته مثل: هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ بضم أطهر و فتحه.
و منها: ما تتغيير صورته و يتغير معناه بالإعراب مثل: رَبَّنا باعِدْ بَيْنَ أَسْفارِنا بصيغة الأمر و الماضي.
و منها: ما تبقى صورته و يتغير معناه باختلاف الحروف مثل: «كالعهن المنفوش و «كالصوف المنفوش».
و منها: ما تتغير صورته و معناه مثل: «و طلح منضود» و «طلع منضود».
و منها: بالتقديم و التأخير مثل: «و جاءت سكرة الموت بالحق»، و «جاءت سكرة الحق بالموت».
و منها: بالزيادة و النقصان: «تسع و تسعون نعجة أنثى». و «أما الغلام فكان كافرا و كان أبواه مؤمنين». «فإن اللّه من بعد إكراههن لهن غفور رحيم».
و يردّه:
1- ان ذلك قول لا دليل عليه، و لا سيما ان المخاطبين في تلك الروايات لم يكونوا يعرفون من ذلك شيئا.
2- ان من وجوه الاختلاف المذكورة ما يتغير فيه المعنى و ما لا يتغير، و من الواضح أن تغير المعنى و عدمه لا يوجب الانقسام إلى وجهين، لأن حال اللفظ      

     

             البيان في تفسير القرآن، ص: 188


 و القراءة لا تختلف بذلك، و نسبة الإختلاف إلى اللفظ في ذلك من قبيل وصف الشي‌ء بحال متعلقه. و لذلك يكون الاختلاف في «طلح منضود. و كالعهن المنفوش» قسما واحدا.
3- ان من وجوه الاختلاف المذكور بقاء الصورة للفّظ، و عدم بقائها، و من الواضح أيضا أن ذلك لا يكون سببا للانقسام، لأن بقاء الصورة إنما هو في المكتوب لا في المقروء، و القرآن اسم للمقروء لا للمكتوب و المنزل من السماء إنما كان لفظا لا كتابة. و على هذا يكون الاختلاف في «و طلح. و ننشزها» وجها واحدا لا وجهين.
4- ان صريح الروايات المتقدمة أن القرآن نزل في ابتداء الأمر على حرف واحد.
و من البين أن المراد بهذا الحرف الواحد ليس هو أحد الاختلافات المذكورة، فكيف يمكن أن يراد بالسبعة مجموعها!.
5- ان كثيرا من القرآن موضع اتفاق بين القراء، و ليس موردا للاختلاف، فإذا أضفنا موضع الاتفاق إلى موارد الإختلاف بلغ ثمانية. و معنى هذا أن القرآن نزل على ثمانية أحرف.
6- أن مورد الروايات المتقدمة هو اختلاف القراء في الكلمات، و قد ذكر ذلك في قصة عمر و غيرها. و على ما تقدم فهذا الإختلاف حرف واحد من السبعة، و لا يحتاج رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم في رفع خصومتهم إلى الاعتذار بأن القرآن نزل على الأحرف السبعة، و هل يمكن أن يحمل نزول جبريل بحرف، ثم بحرفين، ثم بثلاثة. ثم بسبعة على هذه الاختلافات؟! و قد أنصف الجزائري في قوله: «و الأقوال في هذه المسألة كثيرة، و غالبها بعيد عن الصواب». و كأن القائلين بذلك ذهلوا عن مورد  

                      البيان في تفسير القرآن، ص: 189


 حديث انزل القرآن على سبعة أحرف، فقالوا ما قالوا «1».
7- اختلاف القراءات بمعنى آخر:
ان الأحرف السبعة هي وجوه الإختلاف في القراءة، و لكن بنحو آخر غير ما تقدم. و هذا القول اختاره الزرقاني، و حكاه عن أبي الفضل الرازي في اللوائح.
فقال: الكلام لا يخرج عن سبعة أحرف في الإختلاف الأول: اختلاف الأسماء من إفراد، و تثنية، و جمع، و تذكير، و تأنيث. الثاني: اختلاف تصريف الأفعال من ماض، و مضارع، و أمر. الثالث: اختلاف الوجوه في الأعراب. الرابع: الاختلاف بالنقص و الزيادة. الخامس: الاختلاف بالتقديم و التأخير. السادس: الاختلاف بالإبدال.
السابع: اختلاف اللغات «اللهجات» كالفتح، و الامالة، و الترقيق، و التفخيم، و الإظهار، و الإدغام، و نحو ذلك.
و يرد عليه:
ما أوردناه على الوجه السادس في الإشكال الأول و الرابع و الخامس منه، و يردّه أيضا: أن الاختلاف في الأسماء يشترك مع الاختلاف في الأفعال في كونهما اختلافا في الهيئة، فلا معنى لجعله قسما آخر مقابلا له. و لو راعينا الخصوصيات في هذا التقسيم لوجب علينا أن نعد كل واحد من الإختلاف في التثنية، و الجمع، و التذكير، و التأنيث، و الماضي، و المضارع، و الأمر قسما مستقلا. و يضاف إلى ذلك أن الإختلاف في الإدغام، و الإظهار، و الروم، و الإشمام، و التخفيف و التسهيل في اللفظ الواحد لا يخرجه عن كونه لفظا واحدا. و قد صرح بذلك ابن قتيبة على ما حكاه الزرقاني‌
__________________________________________________
 (1) التبيان: ص 59.



                        البيان في تفسير القرآن، ص: 190


عنه «1».
و الصحيح أن وجوه الإختلاف في القراءة ترجع إلى ستة أقسام:
الأول: الإختلاف في هيئة الكلمة دون مادتها، كالإختلاف في لفظة «باعد» بين صيغة الماضي و الأمر، و في كلمة «أمانتهم» بين الجمع و الافراد.
الثاني: الاختلاف في مادة الكلمة دون هيئتها، كالإختلاف في لفظة «ننشرها» بين الراء و الزاي.
الثالث: الاختلاف في المادة و الهيئة كالاختلاف في «العهن و الصوف».
الرابع: الاختلاف في هيئة الجملة بالإعراب، كالاختلاف «و أرجلكم» بين النصب و الجر.
الخامس: الاختلاف بالتقديم و التأخير، و قد تقدم مثال ذلك.
السادس: الاختلاف بالزيادة و النقيصة، و قد تقدم مثاله أيضا.
8- الكثرة في الآحاد:
ان لفظ السبعة يراد منه الكثرة في الآحاد، كما يراد من لفظ السبعين و السبعمائة الكثرة في العشرات أو المئات. و نسب هذا القول إلى القاضي عيّاض و من تبعه.
و يرده:
ان هذا خلاف ظاهر الروايات، بل خلاف صريح بعضها. على أن هذا لا يعدّ قولا مستقلا عن الوجوه الاخرى، لأنه لم يعين معنى الحروف فيه، فلا بد و ان يراد من الحروف أحد المعاني المذكورة في الوجوه المتقدمة، و يرد عليه ما يرد من‌
__________________________________________________
 (1) مناهل العرفان: ص 154.


                        البيان في تفسير القرآن للخویی ره، ص: 191


الاشكال على تلك الوجوه.

9- سبع قراءات:
و من تلك الوجوه ان الأحرف السبعة «موضوعة البحث» هي سبع قراءات.
و يردّه:
ان هذه القراءات السبع إن أريد بها السبع المشهورة، فقد أوضحنا للقارى‌ء بطلان هذا الاحتمال في البحث عن تواتر القراءات- و قد تقدم ذلك- في باب «نظرة في القراءات».
و ان أريد بها قراءات سبع على إطلاقها، فمن الواضح أن عدد القراءات أكثر من ذلك بكثير، و لا يمكن أن يوجه ذلك بأن غاية ما ينتهي اليه اختلاف القراءات أكثر من ذلك بكثير، الواحدة هي السبع، لأنه إن أريد أن الغالب في كلمات القرآن أن تقرأ على سبعة وجوه فهذا باطل، لأن الكلمات التي تقرأ على سبعة وجوه قليلة جدا. و إن أريد أن ذلك موجود في بعض الكلمات و على سبيل الإيجاب الجزئي فمن الواضح أن في كلمات القرآن ما يقرأ بأكثر من ذلك فقد قرأت كلمة «و عبد الطاغوت» باثنين و عشرين وجها، و في كلمة «أفّ» أكثر من ثلاثين وجها. و يضاف إلى ما تقدم ان هذا القول لا ينطبق على مورد الروايات، و مثله أكثر الأقوال في المسألة.



                        البيان في تفسير القرآن للخویی ره، ص: 191



source : دارالعرفان
0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخر المقالات

الظلم ممارسةً وتَحَمُّلاً ودولةً لها أركان
القضية الفلسطينية في كلمات الإمام الخميني ( قدس ...
لا توفيق مع الغشّ
تحرير المدينة المنورة والحجاز
من شهد واقعة الطف
آداب المعلّم والمتعلّم في درسهما
الألفاظ الدخيلة والمولَّدة
الحجّ في نهج البلاغة -4
مكانة الشهيد
المجالس والبعد السياسي

 
user comment