إن قضية تأثير العِشرة حقيقة ان لم يقدم الاسلام على تبيينها لما كانت واضحة جلية للجمع خصوصاً عند ما يحصل انشداد بالغ للمعاشر وتكون المحبة متبادلة. إن الاسلام تكفل بايضاح ابعاد القضية برمتها بحيث لم يدع شيئاً الاوبينّه وهو دليل على عظمة هذه القضية ومكانتها في حياة الانسان.
إن الانسان- شاء أم أبی - يتأثر من طريق العِشرة ولا يسعه مقاومة تبعاتها ولولا ذلك لما ظهرت جميع هذه الاثار السلبية والايجابية تحت خيمة الحياة.
وبما ان طبيعة الانسان تتفاعل بقوة مع ما حولها- كما أسلفنا- فان القرآن الكريم قد نهى عن مجالسة الظالمين ومن لم يتأدب بالآداب الالهية فهو يقول: بعد أن تتذكر الحقائق وتطّلع على الآيات الربانية وتبزغ شمس الهداية من أفق وجودك تأخذ بيدك إلى الصراط السوي؛ لا تعاشر المتعدين على حدود اللَّه:
[... فَلا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ] «1».
إن تكيُّف الطبع الانساني بدرجة من السرعة والشدة بحيث يقول القرآن الكريم في هذا الشأن:
[... إِذا سَمِعْتُمْ آياتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِها وَ يُسْتَهْزَأُ بِها فَلا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى
______________________________
(1)- الأنعام (6): 68.
نظام العشرة فى المنظور الاسلامى، ص: 41
يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذاً مِثْلُهُمْ...] «1».
إن العناصر التي تكوِّن وجودنا هي نفس العناصر التي تكون هذا العالم فكما ان العناصر الطليقة تتأثر وتؤثر فنحن الذين نتركب من هذه العناصر فنتأثر ونؤثر أيضاً فيحكمنا هذا القانون إلى الأبد.
نحن نؤثّر في جميع القضايا التي ترتبط بنا كما ونتأثر أيضاً في كثير من القضايا الاخرى، ففي الوقت الذي نحن نؤثر ونتأثر جسدياً، فقطعاً يكون التأثير من ناحية النفس الانسانية التي تتصف باللطف والرقة، ابلغ وأشد.
عليك أن تدقق في النظرات المتنوعة للفرد على الآخرين فستجد ان لكل نظرة، اثر خاص على الروح والنفس والقلب؛ فان النظرة الغاضبة لها أثر، والنظرة الاعتيادية لها أثر آخر، والنظرة الودّية تثير الفرح في النفس، والنظرة باعجاب لها أثرها الخاص، والنظرة الاستفسارية تترك أثراً خصيصاً بها. إن الأصوات المتنوعة والأساليب والطباع المختلفة أيضاً تترك آثاراً شتى على الانسان.
إنَّ مَثَلَ قضية العِشرة كمثل اتصال قلبين أحدهما بالآخر واتصال روحين بفعل اواصر المحبة فانها تبلغ الغاية في التأثير.
فان الذي يجب أحداً ويرغب في صحبته وصداقته سواءاً أكان ايجابياً أم سلبياً، يحاول أن يُجاريه في كافة الشؤون والأطوار حتى يكسب رضاه لبناء وشيجة امتن.
وبعبارة، أنّ الانسان الذي يرتبط قلبياً بآخر فيؤسس علاقة صداقة به،
______________________________
(1)- النساء (4): 140.
نظام العشرة فى المنظور الاسلامى، ص: 42
بعد فترة من الزمن، يصبح الوجود الثاني لذاك الشخص بحيث عند ما يرى الآخرون خُلقه وسلوكه- سواء في الأمور الظاهرية أو الجهات الاخلاقية، العملية- يتذكرون صاحبه وصديقه فيقولون: كأنَّ هذا ذاك!
في هذا الخصوص واثناء التكوين، ليس من الضرروي استحضار الوجود الطبيعي للمحبوب، أحياناً الانسان من خلال المطالعة أو السمع من الآخرين، يطلع على الأوصاف الايجابية والسلوك الانساني له، فيصبح قلبه محط ظهور حبه؛ وبسبب هذا الحب يتجه نحو التنشئة والتأثر بالمحبوب بحيث يغدو على قدر متسع وجوده، الوجود الثاني له.
نظام العشرة فى المنظور الاسلامى للعلامة انصاریان ، ص: 42
source : دارالعرفان