أوقافه وصدقاته
تصدّق الإمام (عليه السلام) ببعض أراضيه على أولاده وسجّل ذلك في وثيقة، والزم أبناءه بتنفيذ مضامينها، والعمل على وقفها، وهذا نصها:
بسم الله الرحمن الرحيم، هذا ما تصدّق به موسى بن جعفر بأرضه مكان كذا وكذا ـ وقد عيّن ذلك ـ كلها: نخلها وأرضها وماؤها وأرجاؤها وحقوقها وشربها من الماء وكل حق هو لها في مرفع(المكان المرتفع.) أو مطهر(المطهر: المصعد.) أو عيص(العيص: الشجر الكثير) أو مرفق أو ساحة أو مسيل أو عامر أو غامر(الغامر: الخراب.) تصدّق بجميع حقه من ذلك على ولده من صلبه الرجال والنساء يقسم واليها ما أخرج الله عزّ وجلّ من غلتها بعد الذي يكفيها من عمارتها ومرافقها وبعد ثلاثين عذقاً يقسم في مساكين أهل القرية، بين ولد موسى بن جعفر للذكر مثل حظ الأنثيين، فإن تزوجت امرأة من ولد موسى بن جعفر فلا حقّ لها في هذه الصدقة حتى ترجع إليها بغير زوج، فإن رجعت كان لها مثل حظ التي لم تتزوج من بنات موسى، ومن توفي من ولد موسى وله ولد فولده على سهم أبيهم للذكر مثل حظ الأنثيين على مثل ما شرط موسى بين ولده من صلبه. ومن توفي من ولد موسى ولم يترك ولداً رد حقه على أهل الصدقة وليس لولد بناتي في صدقتي هذه حق إلا أن يكون آباؤهم من ولدي، وليس لأحد في صدقتي حق مع ولدي وولد ولدي وأعقابهم ما بقي منهم أحد، فإن انقرضوا ولم يبق منهم أحد فصدقتي على ولد أبي من أمي ما بقي منهم أحد، ما شرطت بين ولدي وعقبى، فإن انقرض ولد أبي من أمي وأولادهم فصدقتي على ولد أبي وأعقابهم ما بقي منهم أحد فإن لم يبق منهم أحد فصدقتي على الأولى فالأولى حتى يرث الله الذي يرثها وهو خير الوارثين.
تصدّق الإمام موسى بن جعفر بصدقته هذه وهو صحيح، صدقة حبيساً بتاً لا مثنوية فيها(لا مثنوية فيها: أي لا استثناء.)، ولا رداً أبداً ابتغاء وجه الله تعالى والدار الآخرة ولا يحلّ لمؤمن يؤمن بالله واليوم الآخر أن يبيعها أو يبتاعها أو ينحلها أو يغير شيئاً ممّا وضعتها عليه حتى يرث الله الأرض ومن عليها وجعل صدقته هذه إلى علي وإبراهيم فإن انقرض أحدهما دخل القاسم مع الباقي في مكانه، فإن انقرض أحدهما دخل إسماعيل مع الباقي منهما، فإن انقرض أحدهما دخل العباس مع الباقي منهما، فإن انقرض أحدهما فالأكبر من ولدي يقوم مقامه فإن لم يبق من ولدي إلا واحد فهو الذي يقوم به...)(1).
هذا الموقف الذري هو بعض ميراثه وخيراته، وقد خص به أبناءه وذريته لأجل أن تقوم تلك الغلة بشؤونهم وتغنيهم عما في أيدي الناس.
ترفع الإمام من المطالبة بإطلاق سراحه
مكث الإمام (عليه السلام) زمناً طويلاً في سجن هارون، فطلب منه جماعته من شيعته الخاصة أن يتصل مع بعض الشخصيات المقرّبة عند هارون ليتوسطوا في إطلاق سراحه، فترفّع وامتنع عن ذلك وقال لهم: (حدّثني أبي عن آبائه أن الله جل وعلا أوصى إلى داود أنه ما اعتصم عبد من عبادي بأحد من خلقي دوني وعرفت ذلك منه إلا قطعت عنه أسباب السماء، وأسخت الأرض من تحته)(2).
تدل هذه البادرة من الإمام المعصوم (عليه السلام) على مدى إيمانه بالله سبحانه وتعالى، وانقطاعه إليه، ورضائه بقضائه، وترفّعه من سؤال أي أحد من المخلوقين. لقد تذكر (عليه السلام) قول جدّه الرسول الأكرم عندما قال(اللهم أكفنا ذل السؤال) وقوله (صلّى الله عليه وآله): (اليد العليا خير من اليد السفلى) وما حدث مع الإمام (عليه السلام) عكس ما طلب منه لقد أرسل كتاباً إلى هارون وهو في السجن يعبر فيه عن سخطه.
كتابه لهارون
أرسل الإمام (عليه السلام) وهو في السجن رسالة لهارون الطاغية أعرب فيها عن سخطه البالغ عليه، قال فيها:
(إنه لن ينقضي عني يوم من البلاء حتى ينقضي عنك يوم من الرخاء، حتى نفنى جميعاً إلى يوم ليس له انقضاء وهناك يخسر المبطلون)(3).
في هذه الحياة تحمّل الإمام (عليه السلام) الآلام المبرحة والجزع الدائم من السجن لكنه سوف ينتظر اليوم العظيم الذي سيحاكم فيه خصمه الطاغية عند الله، يوم يخسر فيه المبطلون والظالمون.
إغراء وفتنة
أرسل هارون إلى الإمام في سجنه جارية بارعة في الجمال، بيد أحد خواصه لتتولى خدمته، علّ الإمام يفتتن بحسنها في اعتقاد هارون.
فلما وصلت إليه قال (عليه السلام) لمبعوث هارون:
(قل لهارون: بل أنتم بهديتكم تفرحون(4)، لا حاجة لي في هذه ولا في أمثالها) فرجع الخادم ومعه الجارية وأبلغ هارون قول الإمام فغضب غضباً شديداً وقال للخادم: ارجع إليه وقل له: ليس برضاك حبسناك، ولا برضاك أخدمناك، واترك الجارية عنده وانصرف).
رجع رسول هارون وترك الجارية الحسناء عند الإمام، وأبلغه بمقالته ثم أنفذ هارون خادماً إلى السجن ليراقب ويتفحص حال الجارية. فلما انتهى إليها رآها ساجدة لا ترفع راسها وهي تقول: (قدّوس، قدّوس) فمضى الخادم مسرعاً وأخبر هارون بحالها فقال: سحرها والله موسى بن جعفر عليّ بها!!).
فجيء بها إليه، وهي ترتعد خوفاً فشخصت ببصرها نحو السماء وهي تذكر الله وتمجّده، فقال لها هارون: ما شأنك؟
قالت: شأني الشأن البديع، إني كنت عنده واقفة، وهو قائم يصلّي ليله ونهاره، فلما انصرف من صلاته قلت له:
هل لكَ حاجة أعطيكها؟ فقال (عليه السلام): وما حاجتي إليكِ؟
قلت: إني أدخلت عليك لحوائجك. قال الإمام (عليه السلام):
فما بال هؤلاء ـ وأشار بيده إلى جهة ـ فالتفت، فإذا روضة مزهرة لا أبلغ آخرها من أولها بنظري، ولا أولها من آخرها، فيها مجالس مفروشة بالوشي والديباج، وعليها وصائف ووصايف لم أرَ مثل وجوههم حسناً، ولا مثل لباسهم لباساً، عليها الحرير الأخضر، والأكاليل والدرّ والياقوت وفي أيديهم الأباريق والمناديل، ومن كل الطعام فخررت ساجدة حتى أقامني هذا الخادم فرأيت نفسي حيث كنت، فقال لها هارون والحقد يتطاير من عينيه لأن مؤامرته باءت بالفشل فقال: يا خبيثة لعلّك سجدت فنمتِ فرأيتِ هذا في منامك.
فقالت: لا والله يا سيدي، رأيت هذا قبل سجودي، فسجدت من أجل ذلك.
فالتفت هارون إلى خادمه، وأمره باعتقال الجارية، ليخفى الحادث تماماً، لئلا يسمعه الناس. فأخذها الخادم، واعتقلها عنده، فأقبلت على العبادة والصلاة، فإذا سئلت عن ذلك قالت: هكذا رأيت العبد الصالح، وقالت إني لما عاينت من الأمر نادتني الجواري يا فلانة، إبعدي عن العبد الصالح حتى ندخل عليه فنحن له دونك، وبقيت عاكفة على العبادة حتى لحقت بالرفيق الأعلى(5).
تبارك الله بهذا الإمام العظيم الذي يغيّر أسماء الأشياء من قبيح إلى جميل ومن سيء إلى حسن ومن شرير إلى صالح ومن كافر إلى مؤمن، كل ذلك بعمق إيمانه ولطف محبته وسمو أخلاقه وغزارة علمه فكانت له تلك الكرامات بين الناس جميعاً. فحارسه انقلب إلى صديق والجارية الخليعة انقلبت إلى مؤمنة صالحة.
لكن هارون الطاغية، هارون اللئيم، هارون العنيد ألم يشاهد أنواع هذه الكرامات للإمام (عليه السلام)؟ فلماذا لم يؤمن بها؟ ولماذا زاغ قلبه؟ ولما استولت على نفسه دكنة قاتمة أنسته ذكر الله واليوم الآخر؟ كل ذلك حب الجاه والسلطان، حب المال والدنيا الفانية!!
محاولة اغتيال فاشلة
تحدث الناس في مناقب الإمام (عليه السلام) وانتشرت فضائله بين الجموع وأصبح أحدوثة العصر بعلمه وحلمه، وصبره وبلواه، ضاق صدر هارون من ذلك وعقد العزم على اغتيال الإمام المظلوم ثانية فدعا برطب فأكل منه ثم أخذ إناءً ووضع فيه عشرين رطبة، وأخذ سلكاً فعركه في السم وأدخله في سم الخيّاط. وأخذ رطبة من ذلك الرطب فوضع فيها ذلك السلك وأخرجه منها حتى تكللت بالسم، ووضعها مع ذلك الرطب وقال لخادمه: احمله إلى موسى بن جعفر، وقل له:
إن أمير المؤمنين أكل من ذلك الرطب، وهو يقسم عليك بحقه لما أكلته عن آخره، فإني اخترتها لك بيدي، ولا تتركه يبقي منها شيئاً ولا يطعم منها أحداً. فحمل الخادم الرطب وجاء به إلى الإمام، وأبلغه برسالة هارون. فأمره (عليه السلام) أن يأتيه بخلال، فجاء به إليه، وقام بإزائه فأخذ الإمام يأكل من الرطب، وكانت لهارون كلبة عزيزة عنده، فجذبت نفسها وخرجت تجرّ سلاسلها الذهبية حتى حاذت الإمام (عليه السلام) فبادر بالخلال إلى الرطبة المسمومة ورمى بها إلى الكلبة فأكلتها فلم تلبث إن ضربت بنفسها الأرض وماتت للحال، وأكمل الإمام في أكل باقي الرطب. والخادم ينظر إليه مشدوهاً، حمل الإناء إلى هارون فلما رآه بادره قائلاً: قد أكل الرطب عن آخره؟ ـ نعم يا أمير المؤمنين.
ـ كيف رأيته؟
ـ ما أنكرت منه شيئاً، ثم قصّ عليه حديث الكلبة وطريقة موتها فقام هارون بنفسه ليشرف عليها، لأنها عزيزة على قلبه كثيراً، فرآها اهترأت أمعاؤها وتقطعت من السم فوقف مذهولاً وقد سرت الرعدة بأوصاله والشرر ينزف من عينيه وقال:
(ما ربحنا من موسى إلا أن أطعمنا جيد الرطب وضيعنا سمنا وقتلنا كلبتنا ما في موسى حيلة)(6).
لقد فشل في مشروعه الخسيس ولم تنجح محاولته في اغتيال الإمام (عليه السلام) والله سبحانه وتعالى قد أنقذه منه وصرف عنه السوء. ولا ندري من أين تعلم طريقة الاغتيال بالسم؟ فيجوز أنه اطلع على تاريخ معاوية بن أبي سفيان واستعماله السم في اغتيال الأئمة (عليهم السلام) وهو القائل: (إن لله جنوداً من عسل)
وساطة فاشلة عن نفس علوية أبية
لقد احتار هارون في أمره فكل وسيلة سلكها للقضاء على الإمام (عليه السلام) تبوء بالفشل، فاستدعى وزيره يحيى بن خالد بعد أن انتشرت معاجز الإمام ومناقبه وتحدث الناس عن مناقبه وكراماته، فقال له:
(يا أبا علي أما ترى ما نحن فيه من هذه العجائب؟ ألا تدبر في أمر هذا الرجل تدبيراً يريحنا من غمه).
فأشار عليه يحيى بالصواب وأرشده إلى الخير فقال له:
(الذي أراه لك يا أمير المؤمنين أن تمنّ عليه وتصل رحمه فقد والله أفسد علينا قلوب شيعته).
فاستجاب هارون لنصيحة وزيره وقال له: انطلق إليه وانزع عنه الحديد وأبلغه عني السلام وقل له: يقول لك ابن عمك: إنه قد سبق مني فيك يمين إني لا أخليك حتى تقرّ لي بالإساءة وتسألني العفو عما سلف منك وليس عليك في إقرارك عار ولا في مسألتك إيّاي من منقصة، وهذا يحيى بن خالد ثقتي ووزيري وصاحب أمري فاسأله بقدر ما أخرج من يميني).
أراد هارون أن يأخذ من الإمام اعترافاً بالذنب والإساءة ليصدر مرسوماً ملكياً بالعفو عنه، فيكون قد اتخذ بذلك وسيلة إلى التشهير بالإمام من جهة، ومن جهة ثانية يكون له مبرراً في الوقت نفسه على سجنه له. لم يخف على الإمام (عليه السلام) ذلك، فلما مثل يحيى وأخبره بمقالة هارون انبرى إليه الإمام (عليه السلام) وقال له:
(سأخبرك بما سيجري عليك وعلى أسرتك من زوال النعمة على يد هارون، وشدة النقمة، فأحذرك من بطشه ومن الغدر بك فجأة) ثم ردّ على مقالة هارون فقال ليحيى:
(يا أبا علي، أبلغه عني، يقول لك موسى بن جعفر يأتيك رسولي يوم الجمعة فيخبرك بما ترى ـ أي بموته ـ وستعلم غداً إذا جاثيتك بين يدي الله من الظالم والمعتدي على صاحبه؟).
خرج يحيى وهو لا يبصر طريقه من الحزن والجزع فأخذ يبكي لما رأى الإمام (عليه السلام) ابن بنت رسول الله بتلك الحالة، فأخبر هارون بمقالته، فقال الطاغية مستهزئاً ساخراً:
(إن لم يدع النبوة بعد أيام فما أحسن حالنا!).
ولم يمض أسبوع حتى التحق الإمام (عليه السلام) بالرفيق الأعلى كما أخبر(7).
الإمام موسى الكاظم (عليه السلام) ينعي نفسه
علم الإمام المعصوم موسى بن جعفر أن لقاءه بربّه أصبح قريباً، فنعى نفسه لبعض شيعته الخاصة، وعزّاهم بمصيبته بدل أن يعزّوه، فأوصاهم بالتمسك بالعروة الوثقى من آل محمد (صلّى الله عليه وآله) وذلك في جوابه عن المسائل التي بعثها إليه علي بن سويد(8) حينما كان في السجن، فيها بعض المسائل يسأله عنها، فأجابه (عليه السلام) بهذا الجواب:
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله العلي العظيم الذي بعظمته ونوره أبصر قلوب المؤمنين، وبعظمته ونوره عاداه الجاهلون، وبعظمته ونوره ابتغى من في السماوات والأرض إليه الوسيلة بالأعمال المختلفة، والأديان المتضادة، فمصيب ومخطئ وضال ومهتدي، وسميع وأصم، وبصير وأعمى فالحمد لله الذي عرف ووصف دينه بمحمد (صلّى الله عليه وآله).
أما بعد؛ فإنك امرؤ أنزلك الله من آل محمد بمنزلة خاصة، وحفظ مودة ما استرعاك من دينه، وما ألهمك من رشدك، وبصّرك من أمر دينك بتفضيلك إياهم، وبردّك الأمور إليهم؛ كتبت إلى تسألني عن أمور كنت منها في تقية، ومن كتمانها في سعة، فلما انقضى سلطان الجبابرة وجاء سلطان ذي السلطان العظيم بفراق الدنيا المذمومة إلى أهلها العتاة على خالقهم، رأيت أن أفسّر لك ما سألتني عنه مخافة أن تدخل الحيرة على ضعاف شيعتنا من قبل حبها لهم، فاتق الله عزّ ذكره، وخصّ بذلك الأمر أهله، وأحذر أن تكون سبب بلية على الأوصياء أو حارشاً عليهم(التحريش: هو إغراء بعض القوم ببعض.) بإفشاء ما استودعتك، وإظهار ما استكتمتك وإن تفعل إن شاء الله.
إن أول ما أنهى إليك أني أنعي إليك نفسي في ليالي هذه، غير جازع ولا نادم ولا شاك فيما هو كائن ممّا قد قضى الله عزّ وجلّ وختم، فاستمسك بعروة الدين، آل محمد والعروة الوثقى الوصي بعد الوصي، والمسالمة لهم، والرضا بما قالوا: ولا تلتمس دين من ليس من شيعتك، ولا تحب دينهم، فإنهم الخائنون الذين خانوا الله ورسوله، وخانوا أمانتهم، أو تدري ما خانوا أمانتهم؟
إئتمنوا على كتاب الله فحرّفوه، ودلّوا على ولاة الأمر منهم فانصرفوا عنهم (فَأَذَاقَهَا اللهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ)(9) وسألت عن رجلين اغتصبا رجلاً مالاً كان ينفقه على الفقراء والمساكين وأبناء السبيل وفي سبيل الله فلما اغتصباه ذلك لم يرضيا حيث غصباه حتى حملاه إيّاه كرهاً فوق رقبته إلى منازلهما فلما أحرزاه توليا إنفاقه أيبلغان بذلك كفراً؟
فلعمري لقد نافقا قبل ذلك وردا على الله عزّ وجلّ كلامه، وهزئا برسوله (صلّى الله عليه وآله) وهما الكافران عليهما لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، والله ما دخل قلب أحد منهما شيء من الإيمان منذ خروجهما من حالتيهما، وما زادا إلا شكاً، كانا خداعين مرتابين منافقين حتى توفتهما ملائكة العذاب إلى محل الخزي في دار المقام.
وسألت عمن حضر ذلك الرجل وهو يغصب ماله ويوضع على رقبته منهم عارف ومنكر فأولئك أهل الردة الأولى من هذه الأمة فعليهم لعنة الله والملائكة والناس أجمعين.
وسألت عن مبلغ علمنا، وهو على ثلاثة وجوه: ماض وغابر وحادث، فأما الماضي فمفسر وأما الغابر فمزبور، وأما الحادث فقذف في القلوب، ونقر في الأسماع، وهو افضل علمنا، ولا نبي بعد نبينا محمد (صلّى الله عليه وآله). وسألت عن أمهات أولادهم وعن نكاحهم وعن طلاقهم، فأما أمهات أولادهم فهنّ عواهر إلى يوم القيامة نكاح بغير ولي، وطلاق في غير عدة. وأما من دخل في دعوتنا فقد هدم إيمانه ضلاله ويقينه شكه، وسألت عن الزكاة فيهم فما كان من الزكاة فأنتم أحق به لأنّا قد أحللنا ذلك لكم من كان منكم وأين كان.
وسألت عن الضعفاء فالضعيف من لم يرفع إليه حجة، ولم يعرف الاختلاف، فإذا عرف الاختلاف فليس بضعيف. وسألت عن الشهادة لهم، فأقم الشهادة لله عزّ وجلّ ولو على نفسك والوالدين والأقربين فيما بينك وبينهم، فإن خفت على أخيك ضيماً فلا وادع إلى شرائط الله عزّ ذكره من رجوت إجابته ولا تحصن بحصن رياء. ووال آل محمد ولا تقل لما بلغك عنا ونسب إلينا هذا باطلاً وإن كنت تعرف منا خلافه، فإنّك لا تدري لما قلناه، وعلى أي وجه وضعناه آمن بما أخبرك، ولا تفش بما استكتمناك من خبرك، إن من واجب حق أخيك أن لا تكتمه شيئاً تنفعه به لأمر دنياه وآخرته، ولا تحقد عليه وإن أساء، وأجب دعوته إذا دعاك ولا تخل بينه وبين عدوه من الناس وإن كان أقرب إليه منك، وعده في مرضه، ليس من أخلاق المؤمن الغش ولا الأذى، ولا الخيانة ولا الكبر والخنا(الخنا: الفحش في الكلام.) ولا الفحش ولا الأمر به، فإذا رأيت المشوه الأعرابي في جحفل جرار فانتظر فرجك ولشيعتك المؤمنين وإذا انكسفت الشمس فارفع بصرك إلى السماء وانظر ما فعل الله بالمجرمين، فقد فسرت لك جملاً مجملاً، وصلى الله على محمد وآله الأخيار...)(10).
كرامة أخرى من كرامات إمام معصوم
كان المسيب بن زهرة موكلاً بحراسة الإمام (عليه السلام) حيث نقل من حبس السندي إلى داره على ما يستفاد من بعض المصادر، وكان الرجل من دعاة الدولة العباسية الأشداء، فقد ولي شرطة بغداد أيام المنصور والمهدي والرشيد، كما ولي خراسان أيام المهدي(11). وكان على جانب من الغلاظة والشدة، فكان أبو جعفر المنصور إذا أراد بأحد خيراً أمر بتسليمه إلى الربيع، وإذا أراد برجل شراً أمر بتسليمه إلى المسيّب(12) ولما سجن الإمام عنده أو وكّل بحسبه أثّر عليه الإمام وسيطر على مشاعره، فاهتدى إلى طريق الحق والصواب، وأصبح من الشيعة المخلصين ومن حملة أسرار الأئمة (عليهم السلام)(13) وقد استدعاه الإمام قبل وفاته بثلاثة أيام فلما مثل عنده قال له: يا مسيّب.
ـ لبّيك يا مولاي.
ـ إني ظاعن في هذه الليلة إلى المدينة، مدينة جدّي رسول الله (صلّى الله عليه وآله) لأعهد إلى ابني علي ما عهده إلى آبائي، وأجعله وصيّي وخليفتي، وآمره بأمري.
ـ يا مولاي، كيف تأمرني أن أفتح لك الأبواب وأقفالها والحرس معي على الأبواب؟؟!
ـ يا مسيب ضعف يقينك في الله عزّ وجلّ وفينا؟
ـ لا، يا سيدي ادع الله أن يثبتني.
ـ اللهم، ثبّته، ثم قال: أدعو الله عزّ وجلّ باسمه العظيم الذي دعاه به آصف حين جاء بسرير بلقيس فوضعه بين يدي سليمان قبل ارتداد طرفه إليه حتى يجمع بيني وبين علي ابني بالمدينة.
قال المسيّب: فسمعته يدعو، ففقدته عن مصلاّه فلم أزل قائماً على قدمي حتى رأيته قد عاد إلى مكانه وأعاد الحديد إلى رجليه، فوقعت على وجهي ساجداً شاكراً لله على ما أنعم به علي من معرفته والتفت الإمام (عليه السلام) له فقال: (يا مسيّب، ارفع رأسك، واعلم أني راحل إلى الله عزّ وجلّ في ثالث هذا اليوم).
قال المسيّب: فبكيت، فلما رآني الإمام (عليه السلام) وأنا باكٍ حزين قال لي:
(لا تبكِ يا مسيّب فإن علياً ابني هو إمامك، ومولاك بعدي فاستمسك بولايته فإنك لن تضلّ ما لزمته) قال المسيّب: الحمد لله على ذلك.
اغتيال الإمام (عليه السلام)
اتفق المؤرخون أن الإمام لم يمت حتف أنفه، وإنما توفي مسموماً، وإن هارون الرشيد هو الذي أوعز في دسّ السم واغتياله، لكنهم اختلفوا فيمن تولّى ذلك. فمنهم من قال: يحيى بن خالد ومنهم من قال: الفضل بن يحيى لكن الأول أقرب إلى الحقيقة، لأن الفضل عرف بميله للعلويين وقد رفّه على الإمام حينما كان في سجنه فاستحق بذلك التنكيل والتشهير من قبل هارون.
أن يحيى بن خالد دسّ السمّ إلى الإمام في رطب وعنب فقتله(14) ومما يؤيد ذلك ما رواه عبد الله بن طاووس قال: سألت الإمام الرضا (عليه السلام) قلت له: هل أن يحيى بن خالد سمّ أباك موسى بن جعفر؟
فقال الإمام: نعم سمّه في ثلاثين رطبة مسمومة(15).
وذكر أبو الفرج الأصفهاني أن الرشيد لما غضب على الفضل بن يحيى لترفيهه على الإمام حينما كان في سجنه، وأمره بجلده خرج يحيى من عند الرشيد وقد ماج الناس واضطرب أمرهم، فجاء إلى بغداد ودعا السندي بن شاهك وأمره بقتل الإمام (عليه السلام)، فاستدعى السندي الفراشين وكانوا من النصارى فأمرهم بلفّ الإمام في بساط فلفّ وهو حي فجلس عليه الفرّاشون حتى توفي(16).
وذكر ابن المهنا أن الرشيد لما سافر إلى الشام أمر يحيى بن خالد السندي بقتله فقتله(17). وهذه الروايات على اختلافها تفيد أن يحيى هو الذي أمر بقتل الإمام (عليه السلام) ولكنه المخالفة لما عليه الجمهور في أن الرشيد عهد إلى السندي بقتله.
كيفية سمّه
المشهور عند أكثر الرواة أن الرشيد عمد إلى رطب فوضع فيه سماً فاتكاً وأمر السندي أن يقدمه إلى الإمام ويحتم عليه أن يتناول منه(18) وقيل أن الرشيد أوعز إلى السندي في ذلك. فأخذ رطباً ووضع فيه السم وقدمه للإمام فأكل منه عشر رطبات، فقال له السندي: (زد على ذلك) فرمقه الإمام بطرفه وقال له:
(حسبك قد بلغت ما تحتاج إليه)(19).
ولما تناول الإمام (عليه السلام) تلك الرطبات المسمومة تسمم بدنه، وأخذ يعاني آلاماً مبرحة وأوجاعاً قاسية، وأحاط به الأسى والحزن، قد حفّت به الشرطة القساة، ولازمه الوغد الخبيث السندي بن شاهك فكان يسمعه في كل فترة أخشن الكلام وأغلظه، ومنع عنه جميع الإسعافات ليجعل له النهاية المحتومة، لقد عانى الإمام العظيم في تلك الفترة الرهيبة ما لم يعانه أي إنسان، فتكبيل بالقيود وأذى مرهق، وآلام السم قطعت أوصاله وأذابت قلبه، والحزن الشديد الذي أثر فيه تأثيراً عميقاً لانتهاك حرمته، وغربته عن أهله وعدم مشاهدة أعزائه وأحبائه، وقد أشرف على مفارقة هذه الدنيا.
رعب وخوف واضطراب
أقدم السندي الخبيث الذي باع ضميره للشيطان على ارتكاب الجريمة الخطيرة، فدبّ الرعب في قلبه واضطرب اضطراباً شديداً وخوفاً بالغاً من المسؤولية إمام الشيعة العلويين. فيا لهول المصيبة إمام معصوم ابن إمام معصوم، ريحانة رسول الله (صلّى الله عليه وآله) تنتهك حرمته ويقيد بالحديد والأغلال ويهان في السجن ويوكل بحراسته أشرار لئام ثم يدسّون له السم في السجن، فإنها لجريمة نكراء وأي جريمة!! فماذا يعمل السندي بعد فعلته هذه؟!
استدعى الوجوه والشخصيات المعروفة في مجتمعه إلى قاعة السجن وكانوا ثمانين شخصاً، كما حدث بذلك بعض شيوخ العامة يقول: أحضرنا السندي، فلما حضرنا، انبرى إلينا فقال:
(أنظروا إلى هذا الرجل هل حدث به حدث؟ فإن الناس يزعمون أنه قد فعل به مكروه، ويكثرون من ذلك، وهذا منزله وفراشه موسع عليه غير مضيق، ولم يرد به أمير المؤمنين ـ يعني هارون ـ سوءاً وإنما ينتظره أن يقدم فيناظره، وها هوذا موسع عليه في جميع أموره) يقول ذلك الشيخ: ولم يكن لنا همّ سوى مشاهدة الإمام ومقابلته فلما دنونا منه لم نرَ مثله قط في فضله ونسكه وتقواه فانبرى إلينا وقال لنا: (أما ما ذكر من التوسعة، وما أشبه ذلك، فهو على ما ذكر، غير أني أخبركم أيها النفر أني قد سقيت السم في تسع تمرات، وإني أصفر غداً وبعد غدٍ أموت).
ولما سمع السندي ذلك انهارت أعــصابه، ومشــت الرعـــدة بأوصاله واضــــطرب مثل السعفة التي تلعب بها الرياح العاصفة(20).
لقد أفسد عليه الإمام (عليه السلام) بشهادته هذه ما كان يرومه من الحصول على البراءة من المسؤولية في قتله.
إلى جنّة المأوى
في اليوم الثالث سرى السم في جميع أجزاء جسم الإمام الطّاهر (عليه السلام) فأخذ يعاني اشد الآلام وأقسى الأوجاع، وقد علم (عليه السلام) أن لقاءه بربه أصبح قريباً فاستدعى السندي وطلب إليه أن يحضر مولى له ينزل عند دار العبّاس بن محمد بن مشرعة القصب ليتولى غسله، وسأله السندي أن يأذن له في تكفينه فأبى (عليه السلام) وقال:(إنا أهل بيت مهور نسائنا وحجّ صيرورتنا وأكفان موتانا من طاهر أموالنا وعندي كفني)(21).
أحضر له السندي مولاه الذي طلبه، ولما ثقل حال الإمام (عليه السلام) مع وأشرف على النهاية المحتومة وأخذ يعاني زفرات الموت، استدعى المسيّب بن زهرة وقال له: (إني على ما عرفتك من الرحيل إلى الله عزّ وجلّ فإذا دعوت بشربة ماء وشربتها ورأيتني قد انتفخت، واصفرّ لوني واحمرّ واخضرّ وتلوّن ألواناً فأخبر الطاغية هارون بوفاتي) قال المسيّب:
فلم أزل أراقب وعده حتى دعا (عليه السلام) بشربة فشربها ثم استدعاني فقال لي:
(يا مسيّب إن هذا الرجس السندي بن شاهك سيزعم أنه تولى غسلي ودفني، وهيهات هيهات أن يكون ذلك أبداً، فإذا حملت إلى المقبرة المعروفة بمقابر قريش فألحدوني بها، ولا ترفعوا قبري فوق أربعة أصابع مفرجات، ولا تأخذوا من تربتي شيئاً لتتبركوا به، فإن كل تربة لنا محرمة إلا تربة جدي الحسين بن علي (عليه السلام) فإن الله عزّ وجلّ جعلها شفاء لشيعتنا وأوليائنا).
قال المسيب: ثم رأيت شخصاً أشبه الأشخاص به جالساً إلى جانبه وكان عهدي بسيدي الرضا (عليه السلام) وهو غلام، فأردت أن أسأله، فصاح بي سيدي موسى، وقال: أليس قد نهيتك، ثم إن ذلك الشخص قد غاب عنّي، فجئت إلى الإمام (عليه السلام) فإذا به جثة هامدة قد فارق الحياة فأنهيت الخبر إلى الرشيد بوفاته.
لقد لحق الإمام (عليه السلام) بالرفيق الأعلى إلى جنة المأوى إلى جوار أبيه جعفر الصادق (عليه السلام) وأجداده المعصومين (عليهم السلام) وجدّه الرسول الأمين (صلّى الله عليه وآله) فاضت نفسه الزكية إلى بارئها فأظلمت الدنيا لفقده وأشرقت الآخرة بقدومه. وقد خسر المسلمون ألمع شخصية كانت تدافع عنهم وتطالب بحقوقهم، كما خسر الإسلام علماً عظيماً يذبّ عن كيان الإسلام، ويدافع عن كلمة التوحيد، ويناظر ويحاجج كل من أراد الاعتداء أو التحريف في شريعة الله الخالدة.
عاش معظم حياته لغيره، فكان أبرّ الناس بالناس، يعطف على الضعفاء، ويساعد الفقراء بصرره المعروفة باسمه، وأثلج قلوب المحتاجين بهباته الدائمة وعطاياه السخية ليخفف عنهم مرارة العيش وشقاء الحياة.
كان حليماً، كريماً، باراً، متسامحاً، محباً، عالماً، تقياً، ورعاً، مجاهداً، فقالوا عند موته: مات أحلم الناس، وأكظمهم للغيظ، وقد طويت بموته صفحة بيضاء من أروع الصفحات في العقيدة الإسلامية.
أيها العالم المجاهد المكافح، أيها الإمام العظيم لقد تلحّفت بثوب الشهادة ومضيت إلى الله شهيداً سعيداً فهنيئاً لك في مثواك الشريف الذي ما زال وسيبقى مزاراً لكل المسلمين المؤمنين.
فأين قبر هارون الطاغية؟ الذي صبّ عليك جام غضبه وأذاقك ألوان الأذى والإرهاق لقد اندثر كما اندثر غيره من قبور الطغاة الظالمين. وقفت في وجه هارون وكنت من أقوى خصومه تنعى عليه ظلمه وتندد بإسرافه وتبذيره أموال المسلمين على قصوره وخدامه وراقصاته وحيواناته...
أيها الشهيد السعيد سجبت استبداد الظالمين وجورهم وفزت برضاء الله ولم تصانع ولم تخادع بل رفعت راية الحق التي رفعها قبلك أبوك وجدك، وهتفت بصوت العدل تريد الخير والسعادة لجميع المسلمين الأحرار. لقد فزت فوزاً كبيراً وبقي اسمك عطراً على ألسن المسلمين المجاهدين قاطبة، ولقد خسر خصمك، وبطل سعيه، وأخمد ذكره وبات لعنة تلفظه الأفواه ولا يذكر إلا قرين الخيبة والخسران.
أنت كوكب من كواكب الإسلام المشرقة وعلم من أعلام الإنسانية نقف عندك لنأخذ عبرة ونستلهم من مواقفك كل جوانب الخير والحق.
لقد كنت على شفة الموت وجفن الحياة وبينهما مشرف الشهادة وهذه فوق الحياة والموت لأنها عري الذات وامتشاق الإرادة للانهمار على بحر الله والانذياع فيه بدون شراع. فسلام عليك يابن رسول الله، يوم ولدت، ويوم استشهدت، ويوم تُبعث حياً.
زمن وفاته
المشهور عند المؤرخين أن وفاة الإمام الكاظم (عليه السلام) كانت سنة 173هـ لخمس بقين من شهر رجب(22).
وكانت وفاته في يوم الجمعة وعمره الشريف أربع وخمسون سنة أو خمس وخمسون(23) وكان مقامه منها مع أبيه عشرين سنة وبعد أبيه خمس وثلاثون سنة(24).
محل وفاته
المعروف أن وفاته كانت في حبس السندي بن شاهك، وقيل أنه توفي في دار المسيّب بن زهرة بباب الكوفة الذي تقع فيه السدرة(25) وقيل أن وفاته في مسجد هارون، وهو المعروف بمسجد المسيّب ويقع في الجانب الغربي من باب الكوفة لأنه نقل من دار تعرف بدار عمرو(26).
التحقيق بالحادث
تحقيق وأي تحقيق: خداع وتضليل لتبرير ساحة الطاغية هارون! قامت شرطة الحاكم الظالم في التحقيق بهذا الأمر الخطير وغايتها تبرئة هارون من المسؤولية إمام جماهير الشيعة ومحبّي الإمام ومن المكلّف بالتحقيق؟ فاعل الجريمة نفسه! ما عاذ الله فالنتيجة مكتوبة قبل المباشرة بالتحقيق.
كلف هارون السندي بالتحقيق وكما يقولون (حاميها حراميها).
أرسل السندي إلى عمرو بن واقد وطلب إليه أن يجمع أشخاصاً يعرفون الإمام (عليه السلام)، ولما حضروا وعددهم يقارب الخمسين رجلاً سألهم: هل تعرفون موسى بن جعفر؟ قالوا: نعم. فقام عمرو وكشف الثوب عن وجه موسى، فالتفت السندي إلى الجماعة الشهود وقال لهم: انظروا إليه، فدنا واحد منهم بعد واحد فنظروا إليه، ثم قال لهم: (تشهدون كلكم أن به أثراً تنكرونه؟).
فقالوا: لا، ثم سجل شهاداتهم وانصرفوا)(27).
ورواية أخرى تقول: إن السندي استدعى الفقهاء ووجوه أهل بغداد وفيهم الهيثم بن عدي وغيره فنظروا إلى الإمام وهو ميت وشهدوا على ذلك أن لا أثر به!
هذه الإجراءات التي اتخذها السندي بن شاهك إنما جاءت لتبرير ساحة الحكومة من المسؤولية وإبعاد الأنظار عنها في ارتكاب الجريمة لكن الإمام (عليه السلام) قد أفسد عليهم صنعهم وتضليلهم وكشف للناس أن هارون هو الذي اغتاله بالسم.
وأما ما اتخذه هارون المجرم لرفع الشبهات التي حامت حوله فإنه جمع شيوخ الطالبيين والعباسيين وسائر أهل ممكلته والحكام فقال لهم: (هذا موسى بن جعفر قد مات حتف أنفه وما كان بيني وبينه ما استغفر الله منه ـ يعني في قتله ـ فانظروا إليه) فدخل على الإمام سبعون رجلاً من شيعته، فنظروا إليه وليس به أثر جراحة ولا خنق(28).
على الجسر
إمام المسلمين وسيد المتقين العابدين وسبط النبي الأمين (صلّى الله عليه وآله) ألقي على جسر الرصافة في بغداد، قد أحاطت الشرطة بجثمانه المقدس، وكشفت عن وجهه بقصد انتهاك حرمته، والتشهير به. حاول هارون بفعلته الحقيرة هذه إذلال الشيعة عامة والعلويين خاصة ولم يرع الرحم الماسة التي بينه وبين الإمام (عليه السلام). لقد اثر ذلك في نفوسهم تأثيراً كبيراً وظلوا يذكرونه طوال مراحل حياتهم.
لقد ملأ الرشيد قلوب الشيعة بالحقد والحزن وتركهم يرددون هذه الفعلة المشينة بكرامة إمامهم طوال مراحل حياتهم.
ولم يكتف هارون الطاغية عند هذا الحد، بل أوعز إلى حارسه السندي اللعين ليأمر جلاوزته أن ينادوا على جثمان الإمام الشريف بنداء مؤلم تذهب لنفوس لهوله أسى وحسرات، فبدل أن يأمرهم بالحضور لجنازة الإمام المعصوم ابن الإمام المعصوم أمرهم أن ينادوا بنداء قذر موحش فهتفوا في الشوارع والطرقات:(هذا موسى بن جعفر الذي تزعم الرافضة أنه لا يموت، فانظروا إليه ميتاً)(29).
التوهين بمركز الإمام (عليه السلام)
بقي الإمام ثلاثة أيام لم يوار جثمانه المقدس(30)، فتارة موضوع في قاعة السجن والشرطة تجري التحقيق في حادث وفاته، وأخرى ملقى على جسر الرصافة تتفرج عليه المارة وهو مكشوف الوجه. كل ذلك للاستهانة بمركزه والتوهين بكرامته.
تجهيز الإمام (عليه السلام)
اهتم سليمان بن أبي جعفر المنصور(31) بتجهيز الإمام وتشييعه، كان قصره مطلاً على نهر دجلة، فسمع الصياح والضوضاء ورأى بغداد قد ماجت واضطربت فهاله ذلك، فالتفت إلى ولده وغلمانه قائلاً: (ما الخبر؟) فقالوا له: هذا السندي ابن شاهك ينادي على موسى بن جعفر، وأخبروه بذلك النداء القاسي. فثارت عواطفه واستولت عليه موجة من الغيظ فصاح بولده قائلاً:
(إنزلوا مع غلمانكم فخذوه من أيديهم، فإن مانعوكم فاضربوهم وخرقوا ما عليهم من سواد ـ وهو لباس الشرطة والجيش ـ انطلق أبناء سليمان(32) وغلمانه إلى الشرطة فأخذوا جثمان الإمام (عليه السلام) منهم ولم تبد الشرطة أية معارضة، حمل الغلمان النعش وجاءوا به إلى سليمان فأمر فوراً أن ينادي في شوارع بغداد بنداء معاكس لنداء السندي أخذ الغلمان ينادون بأعلى أصواتهم بهذا النداء:
(ألا من أراد أن يحضر جنازة الطيب ابن الطيب موسى بن جعفر فليحضر). فلما سمع الناس هذا النداء خرجوا على اختلاف طبقاتهم لتشييع جثمان إمام المسلمين وسيد المتقين الورعين، وخرج الشيعة بصورة خاصة يذرفون الدموع ويلطمون الصدور والأسى والحزن قد أدمى قلوبهم، فجاء سليمان ففرج عنهم الكروب وواساهم في مصيبتهم المفجعة.
وتم تشييع الإمام (عليه السلام) بموكب حافل لم تشاهد بغداد نظيراً له.
أما إذا ما سألنا عن الأسباب التي دفعت سليمان للقيام بمواراة الإمام (عليه السلام) وتشييعه فيمكن اختصارها بما يلي:
أ) الرحم الماسة:
تلك الرحم التي تربط بينه وبين الإمام (عليه السلام) هي التي هزت مشاعره وأثارت عواطفه، فلم يستطع صبراً أن يسمع أولئك العبيد وهم ينادون بذلك النداء المنكر على جثمان زعيم الهاشميين وعميد العلويين. إضافة إلى أنه لم يكن بينه وبين الإمام ما يوجب الشحناء والبغضاء، فلذا أثرت فيه أواصر الرحم وانطلق إلى إنقاذ الجثمان ابن عمه من أيدي الجلاوزة وصنع بعض ما يستحق من الحفاوة والتكريم.
ب) محو العار عن أسرته:
رأى سليمان الذي حنكته التجارب أن الأعمال التي قام بها الرشيد تجاه الإمام (عليه السلام) هي أعمال مشينة لطخت جبين الأسرة العباسية، إذ كان يكفي هارون دسه السم إلى الإمام واغتياله عن القيام بتلك الأعمال البربرية الحاقدة والتي تدل على نفس لا عهد لها بالشرف والنبل والكرامة، كما تدل في الوقت نفسه على فقدان المعروف والإنسانية عند العباسيين. فقام سليمان بما يفرضه عليه الواجب الإنساني فقط للحفاظ على سمعته وسمعة أسرته ومحو العار عنهم.
ج) الخوف من انتفاضة شيعية:
خاف سليمان من قيام الشيعة بانتفاضة للثأر والانتقام، فيتمرد الجيش وتحدث اضطرابات عنيفة وفتن داخلية، لأنّ ذلك الاعتداء الصارخ على كرامة الإمام (عليه السلام) الطيب ابن الطيب، إنما هو طعنة نجلاء في صميم العقيدة الشيعية، فكان من الطبيعي أن تثير أعمال هارون البربرية عواطفهم وتحفزهم على الثورة والانتقام من خصومهم.
ولا يخفى أن عدد الشيعة في ذلك الوقت عدد لا يستهان به، فقد اعتنق عقيدتهم خلق كثير من رجال الدولة، وكبار الموظفين والكتاب في الدولة، وقادة الجيش، ولذا تدارك سليمان الموقف وقام بما أملاه عليه الواجب الإنساني وأنقذ حكومة هارون من الاضطراب والفتن المتوقعة في كل آن. كما أسدى بفعلته هذه يداً بيضاء على عموم الشيعة تذكر له الخير والثناء.
تجهيز الإمام (عليه السلام) على يد سليمان
قام سليمان بتجهيز الإمام (عليه السلام) فغسله، وكفنه، ولفه بحبرة كتب عليها القرآن الكريم بأسره كلفته ألفين وخمسمائة دينار(33).
حدث المسيب بن زهرة قال: والله لقد رأيت القوم بعيني وهم يظنون أنهم يغسلونه فلا تصل أيديهم إليه ويظنون أنهم يحنطونه ويكفنونه وأراهم أنهم لا يصنعون شيئاً، ورأيت ذلك الشخص الذي حضر وفاته ـ وهو الإمام الرضا (عليه السلام) ـ وهو الذي تولى غسله وتحنيطه وتكفينه وهو يظهر المعاونة لهم، وهم لا يعرفونه فلما فرغ من أمره التفت إليّ فقال: (يا مسيب مهما شككت في شيء فلا تشكن في، فإني إمامك ومولاك وحجة الله عليك بعد أبي، يا مسيب مثلي مثل يوسف الصديق ومثلهم مثل إخوته حين دخلوا عليه وهم له منكرون)(34).
مواكب التشييع
يوم تشييع الإمام موسى (عليه السلام) يوم أغر لم تر مثله بغداد في أيامها يوم مشهود حيث هرعت الجماهير من جميع الطبقات إلى تشييع ريحانة رسول الله (صلّى الله عليه وآله) فقد خرج لتشييع جثمانه الطاهر جمهور المسلمين، على اختلاف طبقاتهم يتقرّبون إلى الله جل جلاله بحمل جثمان سبط النبي (صلّى الله عليه وآله)، سارت المواكب تجوب الشوارع والطرقات وتصرخ ملتاعة حزينة.
أيضاً فقد خرج كبار الموظفين والمسؤولين من رجال الحكم يتقدمهم سليمان وهو حافي القدمين، وإمام النعش مجامير العطور. وقد حمل الجثمان على الأكف محاطاً بالهيبة والجلال، جيء به فوضع في سوق سمي بعد ذلك بسوق الرياحين، كما بني على الموضع الذي وضع فيه الجثمان المقدس بناء لئلا تطأه الناس بأقدامهم تكريماً له(35).
وسارت المواكب متجهة إلى محلة باب التبن(36) وقد ساد عليهم الوجوم والحزن، وخيم عليهم الأسى من هول المصاب.
إلى المقر الأخير
قال تعالى: (كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ)(37).
أحاطت الجماهير الحزينة بالجثمان المقدس وهي تتسابق على حمله للتبرك به. حفر له قبر في مقابر قريش، وأنزله سليمان بن أبي جعفر في مقره الأخير هو مذهول مرعوب خائر القوى، وبعد فراغه من مراسيم الدفن، أقبلت إليه الناس تعزيه وتواسيه بالمصاب الأليم.
فهنيئاً لك أيها القبر باستقبال هذا الضيف الطاهر هذا العالم المعلم، وهذا العبد الصالح الذي آثر طاعة الله على كل شيء في هذه الدنيا انصرف المشيعون وهم يعدّدون فضائل الإمام الشريفة ومناقبه السامية ويذكرون ما عاناه الكاظم غيظه من المحن والخطوب وقيود السجن قالوا كلهم: إن فقد الإمام كان من أعظم النكبات التي مني بها العالم الإسلامي عامة والشيعة خاصة في ذلك العصر.
ولا غرو في ذلك لقد فقد المسلمون علماً من أعلام العقيدة الإسلامية وإماماً معصوماً من الأئمة المعصومين الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً، وغصناً من دوحة النبوة.
هكذا عمت قلوب الطامعين بالملك فتحجرت قلوبهم وتصلبت أحاسيسهم فجاروا وظلموا وبطشوا وضيعوا موازين الحق والعدل. والغريب العجيب أنهم نصبوا أنفسهم على الناس بحد السيف وسموا أنفسهم خلفاء الله على الأرض. لقد ضاعوا في دنيا الجاه والسلطان وغرقوا في لجج الأنانية وحب التسلط وقد تحمل الإمام الكاظم كل هذا الجور والظلم وبقي صامداً أمام الظالمين لا يلين ولا يضعف أمام جورهم وظلمهم.
عاش (عليه السلام) في حياته عيشة المتقين الصالحين، والمجاهدين المدافعين عن حقوق الأمة الإسلامية، لقد رفع كلمة الحق وحطم الباطل فلم يجار هارون، ولم يصانعه، بل كان من أقوى الجهات المعادية، له، وقد تحمل في سبيل ذلك جميع ضروب الأذى وكل ألوان الآلام حتى لفظ نفسه الشريف في ظلمات السجون وفاز بالشهادة، وجعل الله ذكره خالداً مدى الدهور، وقدوة صالحة تسير عليها الأجيال المجاهدة في سبيل الله، ومرقده في بغداد كان ولم يزل ملجأ للمنكوبين وملاذاً للملهوفين يسعون إليه من كل حدب وصوب ويدعون له لحل مشاكلهم وتسهيل أمورهم، وما قصد مرقده أحد من طلاب الحاجات إلا لبى حاجته وما خاب من دعاه.
وقد منّ الله عليه فجعله من أئمة أهل البيت الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا.
ابتُلي التاريخ الإسلامي بكثير من المؤرخين والرواة الذين عاشوا على موائد الملوك وأموالهم، فافتعلوا لهم المآثر والفضائل وأضافوا إليهم النعوت البرّاقة والأوصاف الخلاّبة الأمر الذي أدى إلى تشويه التاريخ الإسلامي. فعلى كل باحث منصف أن ينظر إلى هذا التاريخ نظرة عميقة صادقة فيعريه من ألوان الدعاية ليكون فهمه على أساس واقعي رصين.
إن على الباحثين في تاريخ الشخصيات الإسلامية أن لا يضيفوا إلى مراكزه العليا إلا الأكفاء المتربين على مثاليته وهديه؛ أما الأدعياء الذين لفّوا لواء الإسلام وهدموا وخرّبوا وظلموا فيجب تجريدهم من إطار الشخصية الإسلامية المثالية وإبعادهم عن تاريخه الناصع.
إن المقياس الحقيقي والميزان السليم هي الشريعة الإسلامية فما كان من أعمال الحكام مرتبطاً بها فهم محسوبون على الإسلام وهو مسؤول عنهم كالأئمة المعصومين (عليهم السلام)، أما الأعمال النابية المنحرفة عن الإسلام والتي لا تمثل هديه وواقعه فإنه غير مسؤول عنها ولا تمثل وجهة نظره، وكثيرون من أعداء الإسلام قد آخذوه بأعمال بعض الحكام كالوليد والمنصور والرشيد والمتوكل والهادي ونظائرهم من الذين أثبتوا في أعمالهم السياسة والإدارية أنهم أعداء الإسلام فكيف يحاسب الإسلام على ما اقترفوه من عظيم الذنوب والآثام.
من هنا كان على دعاة الإصلاح أن يؤدوا رسالة الإسلام على حقيقتها النازلة من رب العالمين، ويعرفوا الجماهير برجال الإسلام المخلصين الذين قاموا بأهم التضحيات في سبيل نشر العدالة والقيم الإنسانية، ورفع مستوى الحياة اللائقة.
وإني أرى أنه من الضرورة الملحة إفهام الناس بذلك وتغذية ناشئتهم بالآداب الإسلامية ليتربى على ذلك جيل واع سبّاق لفعل الخيرات والقيام بخدمة بلاده ومجتمعه بإخلاص ووفاء.
ومما لا شك فيه بإجماع المسلمين أن أكبر رجال الإسلام علماً وأكثرهم تضحية وأشدهم جهاداً في سبيل الله هم أئمة أهل البيت (عليهم السلام) فهم القدوة الصالحة للأمة الإسلامية وهم منابرها المشرقة على دروب الخير والهداية، وقد ضمن النبي الأعظم (صلّى الله عليه وآله) لأمته أن لا تضل عن طريق الحق والصواب لو أخذت بتعاليمهم وتمسكت بهم. قال (صلّى الله عليه وآله): (إني مخلّف فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي ما إن تمسّكتم بهما لن تضلوا بعدي أبداً).
والجميع منهم (عليهم السلام) على تجردهم من مآثم هذه الحياة، كان لهم اتجاه واحد هو خدمة الإسلام والعمل في سبيل المصالح العامة. ولذلك نراهم قد جاهدوا وكافحوا ضد الظالمين والمنحرفين والمضللين. ومما لا ريب فيه أن بلوغ هذه الأمة ذروة الحق ونهضتها الحضارية المباركة من أجل الزحف المقدس يتوقف على اقتدائها بسيرة أهل البيت (عليهم السلام) والأخذ بتعاليمهم، لأن تعاليمهم هي تعاليم جدهم المصطفى (صلّى الله عليه وآله) وتعاليم جدهم (صلّى الله عليه وآله) من رب العالمين جلّ وعلا. والإمام موسى أحد هذه الكواكب المشرقة وإمام من أئمة العترة الطاهرة، وقد كظم غيظه وأدى رسالة ربه بكل أمانة وإخلاص وتحمّل في سبيل ذلك أقسى ألوان المحن والخطوب في السجون والقيود بعيداً عن الأهل والأصحاب. فقاوم وازدرى بسلطان هارون وصارحه بجوره واغتصابه لمركز الخلافة الإسلامية ولم يدار ولم يصانع.ولقد تشرفت بالبحث عن سيرة هذا الإمام العظيم الإمام السابع من أئمة أهل البيت (عليهم السلام) فذكرت سيرته منذ الولادة حتى انتقاله (عليه السلام) إلى مقره الأخير، ثم تحدثت عن عصره ومحنه مع الحكام العباسيين. ثم علمه الزاخر ورده على الضالين والمشعوذين ومناظراته معهم جميعاً حتى إفحامهم وإقناعهم.
المصادر :
1- البحار، ج11، ص215-216.
2- تاريخ اليعقوبي، ج3، ص125.
3- البداية والنهاية، ج10، ص183. راجع سورة الجاثية: الآية 27.
4- راجع سورة النمل: الآية 35.
5- المناقب، ج2، ص263-264.
6- البحار، ج11، ص299.
7- البحار، ج2، ص301-302.
8- السائي نسبة إلى ساية من قرى المدينة. روى عن أبي الحسن موسى بن جعفر (عليه السلام) وقيل أنه روى عن أبي جعفر، وروى رسالة لأبي الحسن موسى (عليه السلام). راجع النجاشي، ص211.
9- سورة النحل: الآية 112.
10- روضة الكافي، ص124-126. كما ذكرت هذه الرسالة في مرآة العقول.
11- تاريخ بغداد، ج13، ص137.
12- الجهشياري، ص97.
13- تنقيح المقال، ج3، ص217.
14- فرق الشيعة، ص89.
15- الكشي، ص371.
16- مقاتل الطالبيين، ص504.
17- عمدة الطالب، ص185.
18- عيون الأخبار.
19- البحار، ج11، ص300.
20- روضة الواعظين، ص185-186 وعيون الأخبار، والأمالي.
21- مقاتل الطالبيين، ص504، والبحار، ج11، 303.
22- وفيات الأعيان، ج2، ص173 - تاريخ بغداد، ج13، ص32 - تاريخ الطبري، ج10، ص70 - ابن الأثير، ج6، ص54 - تاريخ أبي الفداء، ج2، ص17 - تهذيب التهذيب، ج10، ص340 - ميزان الاعتدال، ج3، ص209 - عمدة الطالب، ص85.
23- المناقب، ج2، ص383.
24- الفصول المهمة، ص255
25- البحار، ج11، ص300.
26- المناقب، ج2، ص384.
27- البحار، ج11، ص300
28- البحار، ج11، ص303.
29- الفصول المهمة، ص54.
30- عمدة الطالب، ص185.
31- تاريخ ابن كثير، ج10، ص28.
32- سليمان هو عم هارون الريد من الشخصيّات اللامعة في الأسرة العباسية وأمره مطاع عند الجميع.
source : rasekhoon