الاشكال التي ظهر فيها التشيع .
ان اول الـبـواعث على استقلالية التيار الشيعي عن سائر المسلمين هو النظرة الخاصة التي يحملها الـشيعة حيال امامة اميرالمؤمنين ـ عليه السلام و يعتبر هذاالموضوع امرا الهيا من منظار التشيع و هذا ما افضى به الى الخروج من الطابع السياسي المحض , ليعرض في اطار عقيدي .
و عندما ابدى الامام علي ـ عليه السلام ـ مرونته مع الخلفا شكليا, ظل هذاالموضوع يحوم في نطاق حوارييه دون غيرهم و لما ايقظت الظروف السياسية الناس فشعروا ان علياـ عليه السلام ـ وحده هـو الـخـلـيـق بـقيادة المجتمع , انثالوا عليه و بايعوه و كانت بيعتهم بيعة الخلافة , لا بيعة الامامة بالمفهوم الشيعي بيد ان بينهم ثلة قد بايعوه بيعة خاصة في ضؤ وعيهم حديث الغدير, مضافا الى البيعة العامة التي سايروا فيها جماهير الناس , و اعتبروا انفسهم اوليا من والى , و اعدا من عادى .
و ذكر الطبري هذا الموضوع بالمفهوم المشار اليه ((52)) الا ان القضية كانت اهم من ذلك .
و عـنـدما قدم الامام اميرالمؤمنين ـ عليه السلام ـ الى الكوفة , فان قدومه كان من اجل اعداد الناس الـذيـن قلما تلوثوا بالافكار الباطلة , و غرس بذرة التشيع الحقيقي في اعماق وجودهم فالامام كان يـرى ان شـخصيته قد غمرت تلك الفترة , فعليه ان يعرف نفسه و يفرض شخصيته و يشعر الناس بابعادها المجهولة وجد في ذلك و بذل حمادى جهده من اجله و اول خطوة قام بها هو ا نه اشهد عددا مـن الـبـدريـيـن عـلـى حـديث الغدير في ((رحبة المسجد)) بالكوفة و شهد على ذلك اثناعشر رجلاكانوا حاضرين و نقل المرحوم الاميني في كتاب ((الغدير)) تفصيل القصة ((53)) كمااراد الامـام ان يـشعر الناس ان شخصيته تختلف عن شخصية الخلفا السابقين , وان لها ابعادا اخرى غير البعد السياسي , و ذلك من خلال اخباره الصريح بالغيب ,الماثور عن الطرق المختلفة للفريقين و هذا هـو مـا يـتمسك به الشيعة و من جهوده لتعزيز التيار الشيعي كلماته المفصلة في ((نهج البلاغة )) حـول اهـل الـبـيـت ـعـلـيـهم السلام ـ و فضائلهم و علومهم , و تعابيره التي تعطينا مفهوما شيعيا عن ((الامامة والولاية )) بشكل صريح ((54)) .
و هـذا كـلـه يـدلـنا على ان الامام ـ عليه السلام ـ انشا خطا فكريا مستقلا , مضافا الى قيامه بادارة الشؤون المختلفة , و قتاله ((الفاسقين )), فقد ارسى دعائم ((الفكرالاسلامي الصحيح )) في قالب الـتـشيع , و آتت جهوده اكلها, فقد تربت ثلة من اصحابه كانوا مستعدين للتمثيل بهم دون ان يتنازلوا عـن خـطـه و نهجه و نلحظ ذلك في الشعر الذي ارتجز به المقاتلون في صفين , اذ انتهجوا ((دين علي ))ـ عليه السلام ـفي مقابل ((دين عثمان )) ((55)) .
و هـكذا كان واضحا وجود خط فكري خاص للامام ـ عليه السلام ـوانصاره ذلك الخط الذي كانوا قـد وطـنوا انفسهم على التضحية من اجله وكانوايشعرون ا نهم لو تبراوا من هذا الخط الصحيح , فانهم تبراوا من الاسلام حقا و هذاالموضوع نفسه مطروح في معرفة العلوم الاسلامية فان مسائل مـن قـبـيـل ((الـجـبـر))و ((الاختيار)) لم تطرح في اواخر القرن الاول الهجري , بل كانت مطروحة منذالبداية كما نلحظ ذلك في القرآن الكريم اذ عرضها في مجال موقف المشركين من النبي ـ صلى اللّه عليه و آله ((56)) شانها في ذلك شان مسالة ((التوحيد)) و((التشبيه )) و كان للامام عـلي ـ عليه السلام ـ موقف صريح منها, فخطبه الواردة في ((نهج البلاغة )) حول ((التوحيد)) و صـفات اللّه , و نفي ((التشبيه )) و ((التجسيم )) تحمل اسمى المفاهيم الفلسفية , و تدل على عقيدة الشيعة في مقابل ((التشبيه ))و ((التجسيم )) كما تشير الى ان لهم خطا عقيديا لا غبار عليه .
اما في حقل المسائل الفقهية , فعلى الرغم من عدم وجود مدرسة فقهية خاصة في القرن الاول , الا ان آرا مـخـتـلفة كانت معروضة وقتذاك و نلحظ هنا ان الاراالفقهية للامام علي ـ عليه السلام ـ كانت تـحظى بالاحترام عند من يؤمن بافضليته و كان ((العلويون )) و ((الشيعة )) يعولون على آرائه و يؤثرون موقفه الفقهي على مواقف الاخرين .
و نـقـرا ان ابن عباس ـ و هو من مشاهير الصحابة ـ كان يقدم قول علي ـعليه السلام ـ على اقوال الاخـريـن ((57)) حـتـى انه كان يجيزالمتعة و هذا يدل على ان بني هاشم كانوا يلتزمون بالارا الفقهية للامام ـ عليه السلام .
بيد ان هذا الخط الفكري والعقيدي الذي يمكن ان نستشف من ثنايا التاريخ والفقه مواقف كثيرة لتاييده و دعـمه في القرن الاول , كان مطروحا عند ((الشيعة ))و ((العلويين )) و ((الائمة الطاهرين ـ عليهم السلام )) و ان كانت مسائل فقهية شيعية تلحظ نوعا ما عند من يقر بافضلية علي ـ عليه السلام ـ (لا بامامته ) من اهل السنة .
و مـن الضروري في ضؤ التوضيح المتقدم ان نعرض شكل التشيع بعداميرالمؤمنين بنحو متميز و يمكن الاشارة في هذا المجال الى الابعاد الثلاثة للتشيع .