الأكثرية الساحقة من أصحاب السير والمؤرخين قالوا: إنه قبل أن تبدأ معركة بدر، وهي أول مواجهة مسلحة بين الإيمان والشرك، اصطف جيش الشرك بقيادة أبي جهل استعدادا للمعركة، واصطف جيش الإيمان بقيادة محمد (صلى الله عليه وآله وسلم). ورفع أبو جهل يديه إلى السماء ودعا الله قائلا: " اللهم أبعدنا منك، وأقطعنا للرحم فأحنه من هذه الغداة... الخ ".
وفي الوقت نفسه كان محمد يرفع يديه إلى السماء داعيا ربه: " اللهم إنك إن تهلك هذه العصابة فلن تعبد بعد اليوم في الأرض، اللهم أنجزني ما وعدتني...الخ ".
تدقيق في الدعاءين: كلاهما يرفع يديه إلى السماء....
كلاهما يقول اللهم....
كلاهما يرفع شعار حق. فأبو جهل يزعم أنه الأقرب إلى الله، وأنه الأوصل رحما.. ومحمد يؤكد أن من اتبعه هم حماة الحق وهم رمز الصلة المثلى بين الخالق والمخلوق ويصرح أن بينه وبين الله عهود ووعود.
تساؤل:
طالما أنهما على حق، فلماذا يتقاتلان ؟ وطالما أنهما معا على طريق الله، فلماذا يصل هذا الخلاف إلى درجة التقاتل، خاصة أن الطريق إلى الله واحدة، وأن طريق الحق طريق واحدة وهي صراط الله المستقيم.
احتمالات:
وفق معايير البحث الموضوعي المجرد، أمامنا ثلاثة احتمالات أو تصورات وهي:
1 - كلاهما محق، وهذا غير وارد لأنه لا يوجد للحق إلا طريق يقيني واحد وهو صراط الله المستقيم، وكنتيجة لوحدة المنطلق يجب أن يتبع أحدهما الآخر.
2 - أحدهما محق والآخر مبطل وهذا وارد.
3 - كلاهما مبطل وهذا غير وارد بالنسبة لنبي يملك البرهان والمعجزة.
سر الحل:
للوقوف على الحقيقة المجردة، لا بد من:
1 - معرفة الحق.
2 - معرفة الباطل.
3 - معرفة المحق بوسائل الحق نفسه.
4 - معرفة المبطل بوسائل وموازين الحق نفسه.
الطريق إلى ذلك:
1 - وجود حق ووجود منظومة حقوقية لهذا الحق، والحق هو الإسلام (القرآن والسنة بفروعها الثلاثة: القول والفعل والتقرير) والنصوص الواردة بالقرآن والسنة مجتمعة هي المنظومة الحقوقية التي لا يأتيها الباطل من بين يديها ولا من خلفها لأنها من صنع الله وبوحيه.
2 - العقل الذي يقوم بعملية استيعاب المنظومة الحقوقية الإلهية.
3 - التجرد والموضوعية: بحيث يكون هدف المسلم أن يكون ضمن إطار الشرعية، وأن يحقق نفس غاية المقصود الشرعي من النص ومن الروح العامة للمنظومة الحقوقية.
4 - وجود شخص سواء أكان نبيا أم إماما شرعيا تطرح أمامه ثمرات الاستيعاب العقلي ويكون قوله الفصل عند اختلاف الاجتهادات، وهو بمثابة منسق الطاقات ومرشد الحريات والموجه الحق للجماعة التي تريد الحق وتسعى إليه. هذا الشخص هو النبي في زمن النبوة، وهو الولي والإمام الصالح المعين وفق الشرع بعد انتهاء عصر النبوة. وهذا الشخص هو الميزان الموضوعي بين الحق والباطل. فالذين يوالون محمدا ويطيعون أوامره ويتبعون توجيهاته هم على الحق. والذين لا يوالون محمدا ويوالون غيره هم على الباطل حتى ولو تلوا القرآن الكريم وحفظوه عن ظهر قلب، ولو صلوا وصاموا وبنوا المساجد هم على الباطل لأن الولاية والموالاة هي الميزان الثابت لمعرفة المحق من المبطل في كل زمان.
عوائق على طريق الحل
1 - الهوى، وهو الرغبة بأن تسير الأمور وتفسر النصوص حسب ما تهوى الأنفس.
2 - التقليد الأعمى، بحيث يتبنى الإنسان آراء بينه وبينها مدة طويلة ويرفض إجراء أي تعديل أو تبديل عليها.
3 - الاستبداد بالرأي، بحيث يعتقد كل مقلد أن رأيه هو الحق المبين، وأن من يخالفه الرأي هو من أنصار الشيطان، فيضيق به ويقاومه ويعتبره العدو اللدود.
4 - إلغاء الولاية الشرعية أو استبدالها بولاية ليست شرعية، وذلك بأن يوالي المسلم غير الولاية التي أراد الله فيوالي الغالب أو غيره.
استذكار وتلخيص لوجهتي نظر السنة والشيعة
رأينا أن الصحبة لغة واصطلاحا تعني كل الذين لقوا النبي وآمنوا به أو تظاهروا بهذا الإيمان وماتوا وهم على هذا الإيمان أو التظاهر به، وأن أهل السنة قد أجمعوا على أن كل هؤلاء عدول بلا استثناء، ورأينا أن نظرية عدالة كل الصحابة تتعارض مع النصوص الواردة في السنة المطهرة القولية والفعلية والتقريرية، وتتعارض مع النصوص الشرعية القاطعة الواردة في القرآن الكريم، بل وتتعارض مع الغاية من الحياة، ومع منطق الأشياء والروح العامة للإسلام. وقد أثبتنا هذا التعارض، وحرصنا على سوق الأمثلة والتبسيط، وتبين لنا أن الصحابة شرعا وبالضرورة قسمان:
1 - الصادقون: وهم عدول بإجماع كل المسلمين من شيعة وسنة، ولا خلاف بينهما في هذه الناحية.
2 - غيرهم: وهم موضع الخلاف. فبينما يرى أهل السنة أن كل الصحابة بلا استثناء عدول لا فرق بين أول من أسلم وبين صبي رأى النبي أو رآه النبي من حيث وصف العدالة، فالكل عدول ولا يجوز التعرض لهم لا من قريب ولا من بعيد بأي دراسة تؤدي إلى نقدهم أو إلى الانتقاص من أي واحد منهم، ومن يفعل ذلك فهو زنديق أثيم لا تجوز مواكلته أو مشاربته ولا الصلاة عليه. بينما يرى أهل الشيعة أن العدل من عدله الله وعدله رسول الله. والحقيقة الشريعة المجردة هي ضالة المؤمن. وقد بين الشرع الحنيف وسائل استكشاف هذه الحقيقة، ورشد حركة المسلم في هذا الاستكشاف وأعطاه الملكات العقلية التي تساعده على ذلك وتحقق غايته إن تجرد من الهوى، فإذا كان سيد الخلق النبي محمد صلی الله عليه وآله وسلم بشرا يصيب ويخطئ - كما يقولون - فما الذي يمنع طفلا رأى النبي أو رآه النبي من أن يخطئ أو أن يكذب ؟ وأين هو الحكم الشرعي الذي يحجر على العقل البشري ويمنعه من أن يتحرى الحقيقة عند هدا أو ذاك. فهناك من قتل الصحابة، وهناك من سرق، وهناك من كذب، وهناك من زنى، وهنالك من أحيل للقضاء بعد انتقال الرسول إلى الرفيق الأعلى. فكيف نتحرى الحقائق ؟ وكيف يقام العدل ؟ وكيف تستفيد الأمة من تجارب الماضي فتتجنب الخطأ وتنهج منهج الصواب ؟ ومن هنا فإن الشيعة ترى وتؤمن بعدالة الصادقين من الصحابة وتدعو لهم في كل صلاة، أما غيرهم من الصحابة، فالذي يعدله هو دينه وعمله بالموازين الشرعية. وهم يرون أن عدالة كل ؟ لصحابة بالمعنى الذي يطرحه أهل السنة هي نظرية سياسية تماما نشأت في رعاية حكم الطلقاء، أو تحت إشرافهم تكونت كل مقوماتها.
وبوسائل إعلام دولة الطلقاء رسخت قواعد هذه النظرية ثم تلقفتها الأجيال اللاحقة تقليدا وبدواع مختلفة وبنوايا مختلفة.
وتقول الشيعة: أما العقوبة التي خصصها بعض الفقهاء تأييدا لنظرية عدالة كل الصحابة فهي عقوبة بغير نص ولا يملك أحد أن يعاقب مسلما بغير نص شرعي.
وأن العقوبة هي ظلم وهي باطلة بكل الموازين الشرعية وتؤدي بالنتيجة إلى تكريس حالة انقسام الأمة ومنعها من الاستفادة من دروس الماضي وعبره، والتفكر في مآلات الأشياء وكيف آلت إلى ما آلت إليه، وبالتالي إيجاد العوائق بطريق استشراف المستقبل وتوحيد الأمة على نور وعلى بصيرة.
خلط الأوراق
لو كان الصحابة كلهم عدولا لما حدثت الفتنة، ولو كان الصحابة كلهم عدولا لما تفرقت الأمة، ولو كان الصحابة كلهم عدولا لما قتل الصحابي صحابيا مثله، لأن العادل لا يقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، ولو كان الصحابة كلهم عدولا لما وسد الأمر لغير أهله ولما أصبحت الخلافة ملكا وغنيمة يأخذها الغالب.
والقول بعدالة كل الصحابة خلط للأوراق، وتعمية للناس وحجر على عقولهم، لأن من يقتتلون لا يمكن أن يكونوا جميعا على الحق، لأن الحق ضد القتل وضد الفتنة ويمنع الفرقة ويمنع من توسيد الأمر لغير أهله.
فنأتي الآن وبعد مضي ألف سنة لنقول تلك أمة قد خلت ولنبدأ من جديد دون أن نعرف من هو المحق ومن هو الذي اتبع الحق حتى نقتفي أثره. ومن هو المبطل ومن الذي اتبع هواه حتى نتجنب مسالكه، ومعنى ذلك أننا نهمل الاستفادة من تجربة دامت ألف عام ونيف، ونبدأ بالحياة من الصفر كأننا بلا تجارب. هذا هو الخلط، وقد كان بهذا الخلط مصلحة لهذا الحكم أو ذاك أو التستر على هذا الشخص أو ذاك. فما هي مصلحتنا الآن بهذا الخلط وهذا التستر ؟ وما هي مصلحتنا بإلغاء تجربة ألف وثلاثمائة وتسعين عاما، خاصة وأن هذا الخلط وهذا التستر وهذا الالغاء يتم على حساب الدين الحنيف وينفذ تحت شعار مصلحة الإسلام.
واقعة للإستكشاف الشرعي
قامت جموع غاضبة فقتلت بعد تردد طويل الخليفة الثالث عثمان بن عفان بزعم أنه قد انحرف عن سيرة صاحبيه الصديق والفاروق، فبايع أهل المدينة عليا عليه السلام وتبعهم أهل الأمصار باستثناء أهل الشام وواليهم معاوية بن أبي سفيان الذي لم يبايع لأنه حسب قوله يريد معاقبة قتلة عثمان. فقال له الخليفة: ادخل في الطاعة وسأقضي بالحق للجميع، فرفض معاوية وتحصن في ولايته، وأخذ يكيد للإمام ويعلن خروجه عليه ويزعزع قواعد استقرار الدولة ويهيئ الأمة للانقسام، مستغلا أموال ولايته وصارفا لها بغير الوجوه الشرعية المخصصة لها، وما زال يكيد حتى انقسمت الأمة حقيقة وسالت الدماء، ثم قتل الإمام، واغتصب معاوية أمر الأمة بالقوة وتأمر عليها وفيها السابقون من الصحابة الذين قاتلوه وقاتلوا أباه على الإسلام، ونسي معاقبة قتلة عثمان أو تناساهم، وأوصى أن يكون الملك من بعده لابنه يزيد، وهو سكير خمير صاحب قردة وطنابير على حد تعبير الحسن البصري، ومن ذلك التاريخ صارت رئاسة الدولة غنيمة يختص بها من غلب. وبما أن القديم على قدمه، فقد صارت الغلبة وسيلة شرعية (نحن مع من غلب).
عدالة كل الصحابة
الذين وقفوا مع علي، والذين وقفوا مع معاوية كلهم صحابة وكلهم عدول ولا يدخل أحد منهم النار، وكلهم في الجنة وكلهم مجتهد وكلهم لم يخطئ، ومن عابهم أو عاب أيا منهم فهو زنديق لا يواكل ولا يشارب ولا يصلى عليه حسب إجماع أهل السنة. امدحهم جميعا كما يحلو لك فهم أهل لهذا المدح ولكن إن قلت إن واحدا منهم أخطأ فأنت زنديق... الخ. هذا التفكير الأعمى أصبح سنة حقيقية، وصورت هذه السنة كأنها إرادة الله وإرادة رسوله.
التكييفات المنطقية
وفق معايير المنهج العلمي للبحث فإن أمامنا ثلاثة تصورات أو احتمالات:
1 - كلهم محق (علي عليه السلام ومن معه، ومعاوية ومن معه) وهذا غير وارد لأنه يوجد للحق طريق يقيني واحد.
2 - كلهم مبطل (علي عليه السلام ومن معه ومعاوية ومن معه) وهذا غير وارد لأن عليا ولي الله بالنص، ولأنه مع الحق والحق معه، يدور حيث دار بالنص الشرعي أيضا كما سنبين فيما بعد.
3 - أحدهما محق والآخر مبطل.
لو كانوا جميعا على الحق لما قاتلوا، ولما اختلفوا، وإن اختلفوا فإن الاختلاف لن يصل إلى درجة التقاتل، إنما سيحل بالوسائل الشرعية سلميا. وبالتالي فلن يقتل مئات الآلاف الذين قتلوا.
إذن بالضرورة أحدهما محق والآخر مبطل، أحدهما على الحق والآخر على الباطل والقول بأنهم جميعا عدول ولا يجوز عليهم الخطأ طيبة تصل إلى درجة السذاجة والغفلة، لأن القتل لا يتم إلا باليقين الشرعي، والقتل العمد جريمة، وتفريق الأمة جريمة والخروج على الشرعية جريمة... ومن يمارس القتل بالظنون أو استنادا إلى مصلحة أو هوى لا يمكن أن يكون عادلا، وبالتالي يجوز عليه الكذب والخطأ والمعصية. والإطار العام للصحبة لا يمنعه من ذلك، لأن الصحبة ليست نبوة.
كيف نعرف العدول من الصحابة من غير العدول في هذه الواقعة كمثال للتبسيط ؟
1 - وجود حق ووجود منظومة حقوقية لهذا الحق تغطي مساحة الأفعال والنوايا.
والحق موجود والمنظومة الحقوقية موجودة وهي الإسلام (القرآن والسنة بفروعها الثلاثة: القول والفعل والتقرير) وهي مجتمعة تشكل المنظومة الحقوقية التي لا يأتيها الباطل من بين يديها ولا من خلفها، إنها دين الله التي ارتضاها لعباده وهي من صنعه ووحيه.
2 - وجود إمام شرعي يسمع كل الآراء ويكون قوله الفصل عند اختلاف الاجتهادات، وهو مرشد الحريات ومنسق الطاقات وموجه الجماعة إلى الحق، وهو الولي.
وكان النبي هو الولي وعين عليا وليا فقال: (إنه وليكم بعدي، إنه ولي كل مؤمن ومؤمنة بعدي، من كنت مولاه فهذا علي مولاه، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه ". تلك حقيقة لا يوجد في الدنيا كلها من يجرؤ على إنكارها، حتى معاوية نفسه. وسأقوم بتوثيق هذه الحقيقة فيما بعد.
3 - التجرد والموضوعية، بحق الوقائع بموضوعية وتجرد بحيث يكون هدف المسلم هو عين هدف الله.
4 - العقل الذي يقوم بعملية استيعاب المنظومة الحقوقية وتكييفها على الوقائع وعرض ثمرة هذه العملية على الولي.
الموالاة كمفتاح للعدالة
علي بن أبي طالب (عليه السلام)، هو أول من أسلم بأرجح الأقوال، وهو ولي الله وأخو رسوله ووالد سبطيه، وزوج البتول وقائد العمليات العسكرية ضد الشرك، وهو فارس الإسلام بغير منازع وقاتل أعدائه، وهو الصديق الأكبر والفاروق الأعظم بالنص الشرعي، كما سأثبت ذلك، وهو ابن أبي طالب حمى النبي قبل الهجرة وعميد البيت الهاشمي الذي حاصرته كل قبائل العرب مجتمعة ثلاث سنين في شعاب أبي طالب لغاية واحدة وهي أن يسلم الهاشميون النبي أو يخلوا بينه وبين قريش.
أما معاوية، فهو الطليق ابن الطليق، ابن أبي سفيان، قاد الأحزاب ومن حارب النبي في كل المواقع ومن حاول أن يقتل النبي ومن قاد ضده موجة العداء وجيش الجيوش لمحاربته، وهو ابن هند التي رتبت عملية الغدر بحمزة، ولم تكتف بقتله إنما شقت بطنه وشوهت بجثمانه الطاهر، وقاتل هو وأبوه الإسلام بكل فنون القتال حتى دخل النبي مكة فاتحا وأحيط به وبأبيه ولم يجدا مفرا من إعلان إسلامهما، وهو من المؤلفة قلوبهم، كان يعطى من الصدقات.
الصحابة العدول
كل الذين وقفوا مع علي ووالوه هم صحابة عدول، وهم بفضل الله ومنته الأكثرية الساحقة من صحابة النبي، ومن عارضه منهم كالزبير وطلحة ندما ولم يموتا حتى دخلا في طاعته بالرضى. ويكفي الإسلام شرفا أنه لم يقف مع معاوية من الأنصار إلا اثنان لا ثالث لهما، ولو كان أبو بكر حيا لوقف معه، ولو كان عمر حيا لوقف معه وهو القائل: إنه مولاي ومولاك ومولى كل مؤمن ومؤمنة، اللهم ارض عنهم واجزهم عنا وعن الإسلام ما هم أهله.
أما الذين وقفوا مع معاوية ووالده، فهم موضوع البحث وبالوسائل الشرعية وهم أقلة الصحابة بالمعنيين اللغوي والاصطلاحي، ومن أجلهم اخترعت نظرية (كل الصحابة عدول) لتبرير الواقع وإضفاء الشرعية عليه، كما سنبين.
نماذج من غفلة أهل الشام والعراق
قال المسعودي: وذكر بعض الإخباريين أنه قال لرجل من أهل الشام من زعمائهم وأهل الرأي والعقل منهم: ابن من أبو تراب هذا الذي يلعنه الإمام على المنبر ؟ فقال: أراه لصا من لصوص الفتن.
وحكى الجاحظ قال: سمعت رجلا من العامة وهو حاج، وقد ذكر له البيت يقول: إذا أتيته من يكلمني ؟ وأنه أخبر صديقا له أنه قال له رجل منهم وقد سمعه يصلي على محمد (صلى الله عليه وآله) ما تقول في محمد ؟ أربنا هو ؟
وذكر ثمامة بن أشرس قال: كنت مارا في السوق ببغداد، فإذا أنا برجل عليه الناس مجتمعون، فنزلت عن بغلتي وقلت: لشئ ما هذا الاجتماع، ودخلت بين الناس فإذا برجل يصف كحلا معه أنه ينجح من كل داء يصيب العين، فنظرت فإذا عينه الواحدة برشاء والأخرى مأسوكة، فقلت له: يا هذا لو كان كحلك كما تقول نفع عينيك. فقال لي: يا جاهل أهاهنا اشتكت عيناي ؟ إنما اشتكتا بمصر فقال كلهم: صدق. وذكر أنه ما انفلت من نعالهم إلا بعد كد.
وأخبرني رجل من إخواننا من أهل العلم قال: كنا نقعد نتناظر في أبي بكر وعمر وعلي ومعاوية، ونذكر ما يذكره أهل العلم، وكان قوم من العامة يأتون فيستمعون منا فقال لي ذات يوم أحدهم وكان من أعقلهم وأكبرهم لحية: كم تطنبون في علي ومعاوية وفلان وفلان ؟ قلت: ما تقول أنت في ذلك ؟ قال: من تريد ؟
قلت: علي ما تقول فيه ؟ قال: أليس هو أبو فاطمة ؟ قلت: ومن كانت فاطمة ؟
قال: امرأة النبي عليه السلام بنت عائشة أخت معاوية. قلت: فما كانت قصة علي ؟ قال: قتل في غزاة حنين مع النبي (1).
هؤلاء الذين أطاعوا معاوية
وقد بلغ من أمرهم في طاعته أنه صلى بهم عند مسيرهم إلى صفين الجمعة في يوم الأربعاء وأعاروه رؤوسهم عند القتال وحملوه بها وركنوا إلى قول عمرو بن العاص أن عليا هو الذي قتل عمار بن ياسر حين أخرجه لنصرته، ثم ارتقى بهم الأمر في طاعته إلى أن جعلوا لعن علي سنة ينشأ عليها الصغير ويهلك عليها الكبير (2).
هل هذا هو أسلوب الصحابة العدول ببيان الحقيقة ؟ فالذي قتل عمار بن ياسر هو علي بن أبي طالب!! وهذا هو أسلوب العدول بتفقيه الناس بأمور دينهم وتعريفهم على صحابة محمد الأجلاء الذين قام الإسلام على أكتافهم!!!.
المصادر :
1- مروج الذهب للمسعودي ج 3 ص 39 - 41.
2- مروج الذهب للمسعودي ج 3 ص 39.
source : rasekhoon