مبدأ السنة الخمسية المالية الّتي يكون الخمس بعد خروج مؤنتها حال الشروع في الاكتساب فيمن شغله التكسّب، وأمّا من لم يكن مكتسباً وحصل له فائدة اتّفاقاً فمن حين حصول الفائدة. لما كان الخمس متعلّقاً بما زاد على مؤنة السنة، وقع الكلام في مبدئها، والأقوال أربعة:
مبدأ السنة الخمسية المالية الّتي يكون الخمس بعد خروج مؤنتها حال الشروع في الاكتساب فيمن شغله التكسّب، وأمّا من لم يكن مكتسباً وحصل له فائدة اتّفاقاً فمن حين حصول الفائدة. لما كان الخمس متعلّقاً بما زاد على مؤنة السنة، وقع الكلام في مبدئها، والأقوال أربعة:
1. الشروع بالاكتساب.
2. ظهور الربح وحصوله.
3. الفرق بين الاكتساب، والفائدة الاتفاقية، فالمبدأ في الأوّل، هو الشروع في الاكتساب; وفي الثاني حصول الربح، من غير فرق بين الاكتساب المقارن لحصول الربح من أوّل يومه، أو عدمه، أعني: ما لا يربح إلاّ بعد فترة.
4. الفرق بين التجارة والصناعة، فالمبدأ هو حال الشروع بهما وبين الزراعة والغرس وتربية الأنعام، فالمبدأ هو حصول الربح.
هذه هي الوجوه المحتملة.
وعلى هذا فلو شرع في الكسب في محرّم الحرام، وربح في شهر رجب، فعلى القول بكون المبدأ هو الشروع تُسْتثنى مؤنةُ بين الشهرين من ذاك الربح وتتم سنة الربح في آخر ذي الحجة، ولكن على القول بكون المبدأ هو حصول الربح لا تستثنى وتتم سنة الربح في آخر جمادى الآخرة وتستثنى مؤنة النصف الأخير منه.
أمّا الأوّل: فهو خيرة الدروس والحدائق والشيخ الأعظم.قال في الدروس(1/259، كتاب الخمس.) كما قال في الحدائق: ولا يعتبر الحول في كلّ تكسّب، بل مبدأ الحول من حين الشروع في التكسب بأنواعه، فإذا تمّ الحول، خمّس ما بقي عنده.(1)
وقال الشيخ الأعظم:ومبدأ السنة من حين ظهور الربح ـ كما صرّح ـ أو التكسّب(2).
وجهه أنّ المتعارف بين العقلاء في عام الربح والمؤنة المستثناة هو عام الشروع في العمل كما هو الحال قطعاً في الصنائع المبنيّ ربحُها على التجدّد يوماً فيوماً، أو ساعة بعد أُخرى، تنزيلاً لها باعتبار إحرازها قوّة، منزلة الربح الواحد الحاصل في أوّل السنة.
يلاحظ عليه: أنّه يتم في مثل ما يتجدّد ربحه يوماً فيوماً لا في مطلق الاكتساب، فلا وجه لاحتساب المؤنة السابقة على حصول الربح، مع فرض تأخّر حصوله عن أوّل زمان التكسّب، إذ هو حينئذ كالزمان السابق على التكسّب.(3)
ولذلك فصّل الماتن بينه وبين ما لا يحصل بالاكتساب من الفوائد، فانّ مبدأ عامه زمان حصوله، لأنّ نسبته إلى الأزمنة السابقة سواء، وبذلك يظهر وجه القول الثالث الذي هو خيرة الماتن قدَّس سرَّه .
وأمّا الثاني: فهو خيرة المسالك والروضة والمدارك والكفاية والجواهر، قال في المسالك: يجب في الأرباح فيما علم زيادتُها عن المؤنة المعتادة من حين ظهور الربح، ولكن الوجوب موسّع طول الحول من حين ظهور الربح، احتياطاً للمكلّف باحتمال زيادة مؤنته بتجدّد ولد ومملوك وزوجة وضيف غير معتاد وغرامة لا يعلمها وخسارة في تجارة، ونحو ذلك.(4)
وقال في الروضة:والمراد بالمؤنة هنا مؤنة السنة ومبدؤها ظهور الربح.(5)
وقال في المدارك : ولو قيل باعتبار الحول من حين ظهور شيء من الربح ثمّ احتساب الأرباح الحاصلة بعد ذلك إلى تمام الحول وإخراج الخمس من الفاضل عن مؤنة ذلك الحول كان حسناً(6) .
وعلّله في الجواهر: بأنّ المنساق من النصوص والفتاوى احتساب مؤنة السنة من أوّل حصول الربح، إذ ذلك وقت الخطاب بالخمس.
وما ذكره في الجواهر من كون الخطاب بالخمس بعد ظهور الربح هو المعتمد، فما لم يربح لا موضوع للأمر بالتخميس، ولا لقوله ـ عليه السَّلام ـ :«الخمس بعد المؤنة» وإنّما يتوجّه الخطاب بالتخميس، وبعده الخطاب بأنّه يتعلّق بالفاضل عن المؤنة إذا ربح لا قبله، ويكون هذا قرينة على أنّ المراد من إخراج مؤنة السنة هو عام حصول الربح وظهوره لا من عام الشروع.
وإن شئت قلت: إنّ الخمس يتعلّق بمال المغتنم، لا الشارع بالكسب ولا من جعل نفسه في مهبِّ الغنم وإن لم يصل إليه، فلا معنى لتعلّقه بمن لم يغنم كما هو لازم قول القائل: بأنّ المراد عام الاكتساب. فإنّ تجويز استثناء المؤنة التي صرفها في الفصول التي لم يربح فيها من الربح الحاصل في الفصول الأُخرى فرع توجّه الخطاب بالتخميس في عام الشروع حتّى يصحّ خطاب الاستثناء، مع أنّ المفروض تأخّر الخطاب إلى زمان ظهور الربح وهذان لا يجتمعان.
وأمّا إخراج المؤن المصروفة لحصول الربح وإن كانت قبله فلأجل عدم صدقه لو لم يتفاضل الربح عليها، فلو كان الربح مساوياً لها أو كان أقلّ لا يصدق عليه أنّه اغتنم، وقد مرّ توضيحه.
وربّما يؤيد المختار بوجهين:
1. إنّ عدم بيان مبدأ السنة مع كون المتكلّم في مقام البيان يقتضي الحمل على عام حصول الربح، لأنّ تعيّن زمان ظهور الربح يصلح لأن يكون قرينة على تعيّن المبدأ وليس ما يصلح لتعيينه سواه، فيتعين أن يكون الاعتماد عليه.(7)
2. لزوم التفكيك في مبدأ العام بين الفوائد، إذ لا ريب أنّ مبدأ العام بالنسبة إلى الفوائد غير الحاصلة بالكسب أوّل زمان حصول الفائدة والخطاب لا يقبل التفكيك.
يلاحظ على الأوّل: أنّه لا وجه لكون مقتضى الإطلاق المقامي ما ذكره مع قطع النظر عمّا ذكر صاحب الجواهر، من توجّه الخطاب بعد حصول الربح، فليس هو دليلاً بحياله بدونه.
يلاحظ على الثاني:بأنّ القول بالتفصيل ليس تفكيكاً في مفهوم عام الربح، وإنّما هو تفكيك في مصداقه، ولا مانع منه، فعام ربح كلّ شيء بحسبه، فعام ربح التجارة والصناعة ممّا يحصل الربح فيه متدرجاً غالباً، هو عام الشروع، وعام ربح الزراعة أو ما يحصل من طريق الاكتساب من الجوائز والميراث غير المحتسب هوعام ظهور الربح.
وبما ذكرنا علم أنّ الشارع تلقى أرباح السنة غنيمة واستثنى منه ما يصرف في تحصيل الربح أو في حوائج الإنسان، وبكلمة جامعة ما يجلب به الربح، أو يُدفع به الضرّ.
وهل يجب عليه، أن يجعل مبدأها، مبدأ السنة القمرية أو الشّمسية، أو له الخيار في اتخاذ أيّ شهر مبدأً إلى أن يمضي عليه اثنا عشر شهراً؟ الظاهر هو الثاني.والميزان طبيعة السنة، لا السنة المعيّنة.
المراد بالمؤنة مضافاً إلى ما يصرف في تحصيل الربح ما يحتاج إليه لنفسه وعياله في معاشه بحسب شأنه اللائق بحاله في العادة من المأكل والملبس والمسكن و ما يحتاج إليه لصدقاته و زياراته و هداياه و جوائزه وأضيافه و الحقوق اللازمة له بنذر أو كفّارة أو أداء دين أو أرش جناية أو غرامة ما أتلفه عمداً أو خطأ، وكذا ما يحتاج إليه من دابّة أو جارية أو عبد أو أسباب أو ظرف أو فرش أو كتب، بل ما يحتاج إليه لتزويج أولاده أو ختانهم، و نحو ذلك مثل ما يحتاج إليه في المرض و في موت أولاده أو عياله إلى غير ذلك ممّا يحتاج إليه في معاشه، و لو زاد على ما يليق بحاله ممّا يعدّ سفهاً و سرفاً بالنسبة إليه لا يحسب منها.( قد تطلق المؤنة ويراد منها ما يبذل في طريق تحصيل الربح كأُجرة السيارة والدكان وحقوق الموظفين والدلال وغيرهما ممّا يتوقف عليه تحصيل الربح، ولا كلام في عدم تعلّقه به لعدم صدق الاسترباح إذا كان ما صرفه في سبيل تحصيله مساوياً لما استفاده، بل يعدّ في العرف خاسراً ومضيّعاً للوقت ورأس المال.)
كما أنّه لا فرق بين السنة القمرية أو الشمسية الهجريّة أو الميلاديّة كما هو مقتضى الإطلاق، على أنّ الضياع والغلاّت الواردة في صحيحة ابن مهزيار، تناسب الشهور الشمسية، فظهور الربح فيها إنّما هو بانتهاء الصيف الذي يحصد الزرع، يصفّى الحبّة ويباع وينضاض الربح.
وقد تطلق ويراد منها ما يصرف في معاش نفسه وعائلته سواء كانت واجبة النفقة أم لا، وقيده الماتنرحمه اللّه بقوله:«بحسب شأنه اللائق بحاله في العادة» وجه التقييد انصرافها إلى المتعارف بحسب شؤونه وخصوصيات حياته، فلو كان الميزان هذا فهو، وإلاّ لوجب البيان، كما هو كذلك في الإنفاق على الزوجة وكلّ من وجب الإنفاق عليه، فالكل مكلّف بما يليق بشأنه، والإسراف والتوسع والتقتير يلاحظ بحسب حاله وهو يختلف حسب اختلاف مكانة الأفراد ومنزلتهم وإلى ذلك يشير قوله سبحانه: (وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلى عُنُقِكَ وَلا تَبْسُطها كُلّ البَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُوماً مَحْسُوراً) وقال تعالى: (وَالَّذِينَ إِذا أَنْفَقُوا لَمْ يسرفُوا وَلَمْ يقْتروا وَكانَ بَيْنَ ذلِكَ قواماً) غير أنّ القوام ونحوه يختلف حسب اختلاف مكانة الأفراد إذ رُبّ فعل يعدّ بالنسبة إلى أحد تقتيراً ولا يعدّ بالنسبة إلى فرد آخر كذلك، قال سبحانه: (وَلا تُبَذِّرْ تَبْذِيراً * إِنَّ الْمُبَذِّرينَ كانُوا إِخْوان الشَّياطين) وقال سبحانه: (كُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفين) وقال: (وَابْتَغِ فِيما آتاكَ اللّهُ الدّار الآخرَة وَلا تَنْس نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيا وَأَحْسِنْ كَما أَحْسَنَ اللّه إِلَيْك وَلا تَبْغ الْفَساد فِي الأَرْض إِنَّ اللّهَ لا يُحِبُّ الْمُفْسِدِين).
هذه الآيات تهدف إلى أنّ الاقتصاد في الحياة هو الأصل، وفي الروايات الإسلامية تصريحات بذلك، فلنكتف بهذا المقدار وهذا التفصيل حاكم على جميع الأُمور من المستحبّات الشرعية والأفعال القربيّة.
نعم استشكل فيه صاحب مستند العروة، وقال: الظاهر عدم صحّة التفصيل وأنّه لا معنى للتفكيك بجعله مناسباً لشأن مسلم دون آخر فلو صرف أحد جميع وارداته بعد إعاشة نفسه وعائلته في سبيل اللّه ذخراً لآخرته لينتفع به بعد موته كان ذلك من الصرف في المؤنة لاحتياج الكل إلى الجنّة ولا يعدّ ذلك من الإسراف والتبذير بوجه بعد أمر الشارع المقدس بذلك.(8)
في كون رأس المال للتجارة مع الحاجة إليه من المؤنة إشكال، فالأحوط كما مرّ إخراج خمسه أوّلاً، و كذا في الآلات المحتاج إليها في كسبه، مثل آلات النجارة للنجّار و آلات النساجة للنسّاج وآلات الزراعة للزرّاع و هكذا، فالأحوط إخراج خمسها أيضاً أوّلاً. ولكن ظاهر الآية يصادمه حيث يقيد الانفاق الذي هو أمر مستحب بالقوام وينهى عن الإسراف في الإنفاق والتقتير، والظاهر من الآيات والروايات أنّ الاقتصاد في العبادات والمعاملات هو المرضيّ.
لا فرق في المؤنة بين ما يصرف عينه فتتلف مثل المأكول والمشروب ونحوهما وبين ما ينتفع به مع بقاء عينه مثل الظروف والفروش ونحوها، فإذا احتاج إليها في سنة الربح يجوز شراؤها من ربحها و إن بقيت للسنين الآتية أيضاً.
إنّ المؤنة على قسمين، تارة لا تبقى عينه مع الصرف كالمأكول، وأُخرى تبقى معه كالظروف والفُرش، فلا يجب الخمس بعد مضيّ السنة، وهذا القسم على قسمين، تارة تبقى عينه مع بقاء الحاجة إليها كما في المثالين وأُخرى مع انتفائها عنها كحليّ النساء وسيجيئ من الماتن التعرّض للقسم الثاني منه،
يجوز إخراج المؤنة من الربح و إن كان عنده مال لا خمس فيه بأن لم يتعلّق به أو تعلّق و أخرجه فلا يجب إخراجها من ذلك بتمامها ولا التوزيع وإن كان الأحوط التوزيع، و الأحوط منه إخراجها بتمامها من المال الّذي لا خمس فيه و لو كان عنده عبد أو جارية أو دار أو نحو ذلك ممّا لو لم يكن عنده كان من المؤنة لا يجوز احتساب قيمتها من المؤنة، و أخذ مقدارها، بل يكون حاله حال من لم يحتج إليها أصلاً. لا شكّ في جواز صرف الربح في المؤنة إذا لم يملك شيئاً سواه، كما أنّه لا شكّ في جواز إخراج المؤنة ممّا يملك سوى الربح، إنّما الكلام إذا كان له مال آخر لا يحتاج إليه وادّخره لهدف آخر، فهل يجوز صرف الربح في المؤنة مع وجود مال زائد له أو لا؟
بعد ما صرف الربح في شراء الظروف واستمرّت الحاجة إليها يعدُّ من المؤنة، ورفع الحاجة عنهما بالإيجار مع كونه على خلاف المتعارف، فيه نوع حرج وعسر، فهو بهذه الصورة داخل في المستثنى.
وهناك بيان آخر لبعض المحقّقين، وهو: أنّ موضوع الخمس هو الفائدة، ولا يطلق بعد مضيّ السنة أنّه استفاد مع بقاء الحاجة، بل مع الاستغناء عنها كالحلي للنساء، أو بعض الكتب لأهل العلم، فليس هناك إفادة جديدة وفائدة حادثة.
الأقوال ثلاثة: قد أشار إليه في المتن، من عدم جواز إخراجها منه، وجواز إخراجها، والتوزيع. ثمّ إنّ المال الآخر إمّا أن يكون محتاجاً إليه من كسبه وتجارته كرأس المال أو لا، وعلى الثاني، إمّا أن يكون ممّا جرت العادة على صرف الزائد في المؤنة كالأقوات والثمار الباقية من السنة الماضية أو لا، كالضياع والعقار والزائد من رأس المال.
وعلى كلّ تقدير ، فالكلام تارة في إخراج المؤنة من الربح وصرفه فيها حتى لا يتعلّق بمقدارها مع كونه مالكاً لمال لا خمس فيه، وأُخرى في احتساب مايجده من المؤنة حتى يضع قيمتَه من الربح.
والكلام في المقام في القسم الأوّل، أعني: جواز إخراج المؤنة من الربح حتى لا يتعلّق بمقدارها الخمس، أو عدمه بحيث لو أخرج يتعلّق به الخمس ، أو التوزيع.
وأمّا الكلام في القسم الثاني، أعني: احتساب ما يجده من المؤنة لغاية وضع قيمته من الربح فسيأتي التعرّض له في كلام المصنف، أعني قوله: «ولو كان عنده عبد أو جارية» إذا عرفت ذلك فنقول:
قد استدل للقول بعدم جواز الإخراج من الربح بما ذكره الشهيد الثاني بقوله: ولو كان له مال آخر لا خمس فيه إمّا لكونه مخمساً أو لانتقاله إليه بسبب لا يوجب الخمس به كالميراث، والهبة،والهدية والمهر، وعوض الخلع فالمؤنة مأخوذة منه في وجه وعن الأرباح في آخر، والأوّل أحوط، والأعدل احتسابها منهما بالنسبة، فلو كانت المؤنة مائة، والأرباح مائتين، والمال الآخر ثلاثمائة مثلاً بسطت المؤنة عليهما أخماساً، فيسقط من الأرباح خمسها، ويخمّس الباقي وهو مائة وستون وهكذا.(9)
وقال المحقّق الأردبيلي: لو كان عنده ما يموّن به من الأموال التي تصرف في المؤنة عادة (فالظاهر عدم اعتبارها ممّا فيه الخمس) بل يجب الخمس من الكلّ لأنّه :
1. أحوط، 2. ولعموم أدلّة الخمس، 3. وعدم وضوح صحّة دليل المؤنة،وثبوت اعتبار المؤنة على تقدير الاحتياج بالإجماع ، 4. ونفي الضرر، وحمل الأخبار عليه وتبادر الاحتياج من بعد المؤنة «الواقع في الخبر»، 5. ولأنّه يؤول إلى عدم الخمس في أموال كثيرة مع عدم الاحتياج إلى صرفها أصلاً، مثل أرباح تجارات السلاطين وزراعاتهم والأكابر من التجّار والزرّاع، وهو مناف لحكمة تشريع الخمس في الجملة، ويحتمل التقسيط، ولكنّه غير مفهوم من الأخبار، إلاّ أنّه أحوط بالنسبة إلى إخراجها من الأرباح بالكلّية.(10)
يلاحظ عليه أوّلاً: أنّه لا وجه للتمسّك بالاحتياط بعد وجود الدليل على أحد القولين.
وثانياً: أنّ القول بعدم صحّة دليل (خروج) المؤنة غير تام وقد عرفت وجود روايات صحيحة وبذلك يظهر عدم تمامية ما فرّع عليه من ثبوت خروج المؤنة بالإجماع.
وثالثاً: أنّ نفي الضرر من جانب أصحاب الخمس معارض بنفيه عن المكتسب.
والمهم في المقام أنّ المقام من مصاديق التمسّك بإطلاق المخصص، أعني: الخمس بعد المؤنة الذي يشمل ما لو كان له مال، وليس من مصاديق التمسّك بإطلاق العام أعني آية الخمس وغيرها.
ورابعاً: أنّ ما ذكره من أنّ لازمه عدم تعلّق الخمس على أرباح التجارة، غير تام، لأنّ مؤنتهم وإن كانت كبيرة إلاّ أنّ أرباحهم غالباً أكثر من مؤنتهم.
وبذلك يظهر وجه القول الثالث وهوإطلاق أدلّة المخصص، وادعاء انصرافه إلى صورة الحاجة صحيحة لو أُريدت الحاجة النوعية، وهو حاصل، وإن أُريدت الحاجة الشخصية إلى صرف الربح وإن لا يملك الإنسان سواه فلا وجه له.
وبذلك تبيّن وجه القول الثاني وهو جواز إخراج المؤنة من الربح أخذاً بإطلاق الصحيحة.
هذا كلّه إذا كان الربح غير مخلوط مع سائر الأموال، وأمّا إذا كان مخلوطاً كما هو الغالب، فالحكم كذلك أيضاً، لأنّ سيرة العقلاء خلط الأموال بعضها مع بعض.
وقوله ـ عليه السَّلام ـ : «الخمس بعد المؤنة» وارد في هذه الظروف، فتكون النتيجة وضع ما صرفه في المؤنة عمّا استحصله ربحاً ثمّ إخراج الخمس من الربح الباقي. هذا كلّه حول القسم الأوّل، أعني: جواز الإخراج من الربح مع كونه مالكاً لما يمكن صرفه في المؤنة.
وأمّا الكلام في احتساب ما يملكه من المؤنة لغاية وضع قيمته من الربح، وهذا هو الذي أشار إليه في آخر كلامه، فالظاهر عدم صحّة الاحتساب، لأنّ الظاهر أنّ المراد من المؤنة في الصحيحة هو المؤنة الفعلية لا التقديرية بحيث لو لم يكن واجداً كان من المؤنة.
وإن شئت قلت: المراد نفس المؤنة، أي ما يصرف وينفق في سبيل الحياة لا مقدارها، فالخمس بعد نفس المؤنة المصروفة لا مقدارها حتى يصحّ له وضع قيمة الشيء عن الربح. نعم يجوز له صرف الربح في تحصيل ما يجده ثانياً كاستخدام خادم ثان إذا لم يعدّ إسرافاً وتبذيراً.
وبذلك يعلم أنّ الحقّ هو التفصيل في جميع صور المسألة، وهو أنّه يجوز صرف الربح في اشتراء مثل ما يجده في البيت من الأثاث والأقوات بل وحتى الدار وإن كان واجداً لها ميراثاً إذا كان مناسباً لشأنه ولا يجوز احتساب قيمة ما يجده من المؤنة ووضعها من الربح.
المناط في المؤنة ما يصرف فعلاً لا مقدارها، فلو قتر على نفسه لم يحسب له، كما أنّه لو تبرّع بها متبرّع لا يستثنى له مقدارها على الأحوط، بل لا يخلو عن قوّة. يجب الخمس فيما قتر على نفسه وبقي زائداً على المؤنة، وذلك لما ذكرنا من أنّ المراد من المؤنة الفعلية لا التقديرية، أي لو لم يكن مقتراً لصرفه وأنفقه. وبعبارة أُخرى: المراد ما يصرف لا مقدار ما يصرف.
ولكن ظاهر عبارة العلاّمة في التذكرة، أنّه لو قتر يحسب له قال: بعد إخراج مؤنة السنة له ولعياله على الاقتصاد من غير إسراف ولا تقتير ، ولعلّ وجهه حمل المؤنة على مقدارها سواء أسرف أم قتر.
ووافقه الشهيد في المسالك قال: فإن أسرف حسب عليه ما زاد وإن قتر حسب له ما نقص.(11)
إذا استقرض من ابتداء سنته لمؤنته أو صرف بعض رأس المال فيها قبل حصول الربح يجوز له وضع مقداره من الربح.
المسألة مبنية على ما سبق ، وهو انّ مبدأ السنة المالية هل هو مبدأ الشروع في الاكتساب أو مبدأ حصول الفائدة؟ فلو قلنا بالأوّل، صحّ وضع مقداره من الربح; وأمّا إذا قلنا بالثاني، فلا وجه لوضع ما صرفه من رأس المال في مؤنته إذ لا يعدّ المصروف من مؤنة سنة الربح، وهذا فيما إذا صرف بعض رأس المال فيها قبل حصول الربح وأمّا إذا استدان فالكلام فيه كالكلام في الدين السابق على عام الربح .
لو زاد ما اشتراه و ادّخره للمؤنة من مثل الحنطة و الشعير والفحم و نحوها ممّا يصرف عينه فيها يجب إخراج خمسه عند تمام الحول، وأمّا ما كان مبناه على بقاء عينه والانتفاع به ـ مثل الفرش والأواني والألبسة والعبد والفرس والكتب ونحوها ـ فالأقوى عدم الخمس فيها، نعم لو فرض الاستغناء عنها فالأحوط إخراج الخمس منها و كذا في حليّ النسوان إذا جاز وقت لبسهنّ لها.
أمّا الأوّل ، أعني: ما لو زاد ما اشتراه وادّخره للمؤنة وليس من شأنه البقاء فلأجل تبيّن الخلاف، وانكشاف أنّه لم يكن مؤنة وإنّما تخيّل حاجته إليه ولا وجه للاستصحاب موضوعياً كان أو حكمياً بعد انكشاف الخلاف فيشمله الإطلاق.
لم يتمكّن من أدائه يُعدّ الأداء والإخراج من مؤنة ذاك العام.
ولكن التحقيق أنّ أداء الدين المطالب يعدّ من مؤنة السنة التي أدّى فيها دينه وإن كان السبب سابقاً من استدانة أو إتلاف أو قتل، لكن المسبب، أعني: لزوم إخراج ذمّته منه، متحقّق بالفعل كلزوم إطعام نفسه وعياله.
وأمّا الثاني: إذا بقي ما كان مؤنة من السنة السابقة إلى اللاحقة كالأواني والألبسة والفرش، فهل يجب فيها الخمس، أو لا؟ وجهان مبنيان على استظهارين من قوله ـ عليه السَّلام ـ :«الخمس بعد المؤنة» فإن قلنا بأنّ المتبادر منه هو أنّ وصف الشيء بالمؤنة في فترة من الفترات كاف في عدم تعلّقه به، وإن خرج عن المؤنة في أثناء السنة أو بعد انتهائها كما لو احتاج إلى شراء بعض الأعيان في بعض الشهور واستغنى عنه بقية السنة، فلا يتعلّق بها الخمس بعد انتهاء السنة.
وإن قلنا بأنّ الخارج ما يعدّ من مؤنة السنة مادام كونه من مؤنتها، فلو خرجت السنة وبقيت عينها لم يصدق عليها أنّها من مؤنة السنة التي ربح فيها، بل هو بعد خروج السنة يعدّ غنماً وفائدة.
أقول: الظاهر عدم وجوب الخمس، لأنّ ما هو المؤنة في سنة الربح في مثل الدور والثياب والألبسة عبارة عمّا لا تفنى بانتهاء السنة، بل المؤنة في سنة الربح في مثل تلك الأشياء هي الأعيان التي تبقى سنين ولا تفنى بانتهائها، فهذه اللوازم بهذه الخصوصية تعدّ مؤنة لسنة الربح، وقد خرج عن تحت العام، وبقاؤها بعد انتهاء سنة الربح لا يخرجها عن كونها مؤنة لسنة الربح، فهذه الأشياء بهذه الخصوصية مؤنة السنة، وهي لا تنقلب عمّا هي عليها.
وبالجملة: كون الشيء مؤنة لسنة الربح على قسمين: قسم يكون مؤنة بوجوده المؤقّت كالأقوات، وقسم يكون مؤنة لها ومن شأنه البقاء مدّة تزيد على السنة فهو بهذا الوصف خرج عن تحت العام فلا معنى لتعلّقه به بعد انتهاء السنة.
وإن شئت قلت: إذا أحسّ الإنسان بحاجة إلى اللباس والفرش في سنة من السنين لا يقوم بابتياع ما يسدّ حاجته في تلك السنة خاصة، بل يقوم بابتياع ما من شأنه أن يسدّ حاجته سنين متمادية هذا هو طبيعة الإنسان وخاصة تلك اللوازم فإذا خوطب هذا الإنسان بقوله ـ عليه السَّلام ـ : «الخمس بعد المؤنة» يحكم على تلك اللوازم بالخروج عن تحت أدلّة الخمس إلى الأبد .قائلاً: بأنّـها من مصاديق مؤنة سنة الربح. ولا يلتفت إلى أنّها خرجت عن كونها مؤنة السنة بانتهاء السنة وبقاء تلك اللوازم، لما عرفت أنّ هذه الأُمور بتلك الخصوصية عُدّت من مؤنة سنة الربح لا بخصوصية كونها مؤقتة بالسنة.
وعلى ذلك فالمرجع هو عموم أو إطلاق الخمس بعد المؤنة من دون حاجة إلى استصحاب حكم المخصص .
هذا إذا خرجنا بهذه النتيجة، وإن شككنا بين النظرين فالاستصحاب بعدم تعلّقه بها هو المحكّم، وذلك لأنّه كما يحتمل أن يكون الحكم دائراً مدار كونه مؤنة السنة، كذلك يحتمل أن يكون دائراً مدار صدق المؤنة في فترة من الفترات وإن خرجت عن كونها مؤنة بعدها.
وبعبارة أُخرى: يحتمل أن يكون الموضوع هو صدق المؤنة حدوثاً وبقاءً في الحكم، كما يحتمل أن يكون الموضوع صدقة حدوثاً لا بقاء، وهذا الاحتمال كاف في استصحاب عدم تعلّق الخمس به، نظير ذلك«الماء المتغير الذي زال تغيّره بنفسه» ومنشأ الشكّ هو احتمال أن يكون الحكم دائراً مدار التغير حدوثاً وبقاءً أو يكون الحكم دائراً مدار حدوثها آناً ما، و يكفي حدوثه كذلك في بقائها إلى الأبد، ومع هذا التردّد يصحّ استصحاب الحكم الشرعي لكون الترديد بين الأمرين موجباً لحدوث الشكّ في البقاء.
فإن قلت: كيف يتمسك باستصحاب حكم المخصص، مع أنّ الإطلاق الأحوالي للعام (لا الأفرادي لخروج الفرد عن تحته أثناء السنة قطعاً) حاكم على وجوب الخمس؟
قلت: إنّ الإطلاق الأحوالي تابع للإطلاق الأفرادي، فإذا خرج المورد عن تحت العام خروجاً أفرادياً فلا يبقى موضوع للإطلاق الأحوالي حتى يعمّ العام صورة الاستغناء عنه.
وبذلك يظهر حكم الصورة الثالثة، أعني: ما إذا خرج عن كونها مؤنة حتى في السنة اللاحقة كحلي النساء إذاجاز وقت لبسهن، فالحلي الخارج عن تحت الإطلاقات لم يكن إلاّ حليّاً قابلاً للبقاء بعد السنة أو السنين فهي بهذه الخصوصية الذاتية خرجت وعُدَّت من مؤنة سنة الربح فلا يضرّ خروجها عن المؤنة على الإطلاق.
أضف إلى ذلك أنّ العام أعني قوله سبحانه: (وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْء) ليس إلاّ عاماً أفرادياً لا زمان فيه، فإذا خرجت منه الألبسة أو الحُليّ في ظرف من الظروف، فالمحكّم هو إطلاق دليل المخصص إن كان، وإلاّ فعلى الاستصحاب إذ لا يعدّ بقاء الحكم في الزمان الثاني تخصيصاً جديداً فلو خرج الفرد سنة أو سنتين أوإلى آخر العمر لم يلزم أكثر من تقييد أو تخصيص واحد.
وهناك وجه آخر لعدم التعلّق وهو عدم صدق الغنم لا في القسم الثاني أعني الظروف والألبسة ولا في القسم الثالث كحليّ النساء لأنّ الغنم تجدد فائدة لم تكن موجودة. لا ما كان موجوداً ومحتاجاً إليه غير أنّه استغنى عنه، وبذلك يظهر عدم تمامية ما أفاده السيد الحكيم من أنّه إذا خرج عن كونه مؤنة قبل آخر السنة بمدة فهو لا ريب في صدق الفائدة عليه حينئذ وليس هو مؤنة، فيجب الخمس فيه.(12)
المصادر :
1- الحدائق:12/354.
2- رسالة الخمس:201.
3- الجواهر:16/81.
4- المسالك:1/468.
5- الروضة البهيّة:1/182.
6- المدارك:5/391.
7- المستمسك:9/536.
8- مستند العروة:250 ، كتاب الخمس.
9- المسالك: 1/465.
10- مجمع الفائدة:4/318.
11- المسالك: 1/464.
12- . المستمسك:9/544.
source : rasekhoon