عربي
Tuesday 26th of November 2024
0
نفر 0

الرجعة وأُصول الاِسلام

تعتقد الشیعة الاِمامیة بالرجعة من بین الفرق الاِسلامیة طبقاً لما ورد وصح من الاَحادیث المرویة عن أهل بیت الرسالة علیهم السلام ، ولیس هذا بمعنى أنّ عقیدة الرجعة تعدُّ واحدة من أُصول الدین ، ولا هی فی مرتبة الاعتقاد بالله وتوحیده أو بدرجة النبوة والمعاد ، بل هی من ضروریات المذهب کما تقدم . ولا یترتب على الاعتقاد بالرجعة إنکار لاَی حکم ضروری من أحکام الاِسلام ، ولیس ثمة تضاد بین هذا الاعتقاد وبین أُصول الاِسلام .
الرجعة وأُصول الاِسلام

تعتقد الشیعة الاِمامیة بالرجعة من بین الفرق الاِسلامیة طبقاً لما ورد وصح من الاَحادیث المرویة عن أهل بیت الرسالة علیهم السلام ، ولیس هذا بمعنى أنّ عقیدة الرجعة تعدُّ واحدة من أُصول الدین ، ولا هی فی مرتبة الاعتقاد بالله وتوحیده أو بدرجة النبوة والمعاد ، بل هی من ضروریات المذهب کما تقدم .
ولا یترتب على الاعتقاد بالرجعة إنکار لاَی حکم ضروری من أحکام الاِسلام ، ولیس ثمة تضاد بین هذا الاعتقاد وبین أُصول الاِسلام .
یقول الشیخ المظفر : إنّ الاعتقاد بالرجعة لا یخدش فی عقیدة التوحید، ولا فی عقیدة النبوة ، بل یؤکد صحة العقیدتین ، إنّ الرجعة دلیل القدرة البالغة لله تعالى کالبعث والنشور ، وهی من الاُمور الخارقة للعادة التی تصلح أن تکون معجزة لنبینا محمد وآل بیته علیهم السلام ، وهی عیناً معجزة إحیاء الموتى التی کانت للمسیح علیه السلام بل أبلغ هنا لاَنّها بعد أن یصبح الاَموات رمیماً ( قالَ مَن یُحیی العِظامَ وَهی رَمیمٌ * قُلْ یُحییها الَّذی أنشأها أولَ مرةٍ وهو بکُلِّ خلقٍ عَلیمٌ ) (1).
ویقول أیضاً : والرجعة لیست من الاُصول التی یجب الاعتقاد بها والنظر فیها، وإنّما اعتقادنا بها کان تبعاً للآثار الصحیحة الواردة عن آل البیت علیهم السلام الذین ندین بعصمتهم من الکذب ، وهی من الاُمور الغیبیة التی أخبروا عنها ، ولا یمتنع وقوعها (2).
الاختلاف فی معنى الرجعة :
رغم أنّ الاَخبار قد تضافرت عن أهل بیت العصمة علیهم السلام بوقوع الرجعة إلى الدنیا بعد الموت ، والاِمامیة بأجمعها على ذلک أخذاً بالروایات الصریحة الواردة فی هذا الباب ، لکن البعض من المتقدمین تأول ما ورد فی الرجعة بأنَّ معناها رجوع الدولة والاَمر والنهی إلى آل البیت علیهم السلام بظهور الاِمام المنتظر علیه السلام من دون رجوع أعیان الاَشخاص وإحیاء الموتى ، وإلى هؤلاء المتأوّلین یشیر الشیخ المفید قدس سره بقوله : اتفقت الاِمامیة على رجعة کثیر من الاَموات إلى الدنیا قبل یوم القیامة ، وإن کان بینهم فی معنى الرجعة اختلاف (3).
وأشار إلى هذا الاختلاف العلاّمة الطبرسی فی تفسیره الآیة 83 من سورة النمل حیث قال : استدلّ بهذه الآیة على صحة الرجعة من ذهب إلى ذلک من الاِمامیة (4).
وقد ذکر هذا الاختلاف الشیخ أبو زهرة حیثُ قال : ویظهر أنّ فکرة الرجعة على هذا الوضع لیست أمراً متّفقاً علیه عند إخواننا الاثنى عشریة، بل فریق لم یعتقده (5).
إذن هناک متأولون للرجعة من بین الشیعة الاِمامیة ، فهؤلاء ینکرون الرجعة بالمعنى الذی ذهبت إلیه أکثر الشیعة الاِمامیة أخذاً بالاَخبار والروایات الواردة فیها ، ولم یصرّح أحد بکفر هؤلاء أو خروجهم من الاِسلام ، لاَنّهم لم ینکروا أصل الاعتقاد بالرجعة والروایات المتکاثرة الواردة فیها .
على أنَّ المحققین من أعلام الطائفة قد أجابوا هؤلاء عن قولهم بما لامزید علیه ، قال السید المرتضى علم الهدى مجیباً على سؤال بهذا الخصوص ، وهو من جملة المسائل التی وردت علیه من الری : فأمّا من تأول الرجعة من أصحابنا على أنّ معناها رجوع الدولة من دون رجوع الاَشخاص وإحیاء الاَموات ، فانّ قوماً من الشیعة لمّا عجزوا عن نصرة الرجعة وبیان جوازها وأنها تنافی التکلیف (6)عوّلوا على هذا التأویل للاَخبار الواردة بالرجعة ، وهو منهم غیر صحیح ، لاَنَّ الرجعة لم تثبت بظواهر الاَخبار المنقولة فتتطرق التأویلات علیها ، وکیف یثبت ما هو مقطوع على صحته بأخبار الآحاد التی لا توجب العلم ، وإنما المعول فی إثبات الرجعة على إجماع الاِمامیة على معناها ، بأنَّ الله یحیی أمواتاً عند قیام القائم علیه السلام من أولیائه وأعدائه على ما بیناه ، فکیف یتطرق التأویل على ماهو معلوم ، فالمعنى غیر محتمل (7).
حکم متأولی الرجعة :
على ضوء ما تقدّم ، تبین لنا أن الرجعة من ضروریات المذهب عند الشیعة الاِمامیة الاثنی عشریة ، وان کان هناک فی السابقین منهم قول بتأویل روایاتها ، لکن القائل بالتأویل لا ینکرها ، لالتفاته إلى أنَّ الانکار مع العلم بالروایات وتواترها تکذیبٌ لاَهل العصمة المخبرین بها ، والعیاذ بالله .
وبالجملة : فإنَّ حال الاعتقاد بالرجعة حال سائر الاُمور الضروریة فی المذهب ، فإنَّه ـ بعد ثبوت کونه من الضروریات ـ یجب الاعتقاد به ، لکن الاعتقاد بالتفاصیل والجزئیات غیر واجب .
وأمّا تفاصیل الاَحکام المترتبة على انکار الضروری من المذهب أو الدین ، فلیرجع فیها إلى الکتب الاعتقادیة والفقهیة .
الهدف من الرجعة :
إنَّ أحداث آخر الزمان لا تزال فی ظهر الغیب ، إلاّ أننا نستطیع أن نقرأ الحکم علیها أیضاً ، لاَنّ العدل الاِلهی مطلق لا یحدّه زمان ولا مکان ، والحکم بالعدل أصیل على أحداث الماضی والحاضر والمستقبل ، ولو لم یبق من الدنیا إلاّ یوم لطوّل الله تعالى ذلک الیوم حتى یأتی بالخیر المخبوء المتمثّل بمهدی آخر الزمان علیه السلام ورجاله لیجتثَّ مؤسسات الباطل وأجهزة الظلم والجور ویملاَ الاَرض قسطاً وعدلاً بعدما ملئت ظلماً
وجوراً قال تعالى : ( ویقولونَ متى هذا الفتحُ إن کُنتُم صادقِینَ * قُلْ یَومَ الفتحِ لا ینفعُ الَّذینَ کَفُروا إیمانُهُم ولا هُم یُنظرونَ ) (8).
روى الشیخ الصدوق بالاسناد عن محمد بن أبی عمیر ، قال : کان الصادق جعفر بن محمد علیه السلام یقول :
« لکلِّ أُناسٍ دولةٌ یرقبونها * ودولتنا فی آخر الدهر تظهرُ » (9).
إنَّ تطبیق العدالة السماویة فی الاَرض قبل یوم المحشر وقیام الناس للحساب الاَکبر یشمل ثلّة من الماضین کما یشمل الذین هم فی زمان ظهور الاِمام علیه السلام ، والماضون هم أُولئک الذین حکم علیهم بالعودة إلى الحیاة مرة أُخرى ، ویشکّلون لفیفاً متمیزاً من المؤمنین والظالمین ، یعودون لینال المجرمون الذین محضوا الکفر محضاً جزاء ما اقترفته أیدیهم الآثمة من الظلم والفساد ومحاربة أولیاء الله وعباده المخلصین ، وما یستحقونه من حدود الله تعالى التی عطّلوها وأسقطوها من حسابهم ، واستبدلوها بالکفر والطغیان ، لیذوقوا العذاب فی دار الدنیا ولعذاب الآخرة أشدَّ وأخزى .
وعودة المؤمنین تعنی انتصار أولیاء الله الذین محضوا الاِیمان محضاً بعد أن ذاقوا الویل والعذاب لدهور طویلة من قبل أولئک المتسلطین والمتجبرین ، وهذا المعنى یمکن أن نستشعره فی قوله تعالى : ( وحرامٌ على قریةٍ أهلکنَاها أنهُم لا یرجعُونَ ) (10)فهو یعنی أنَّ الذین ذاقوا العذاب فی هذه الدنیا على کفرهم وطغیانهم لا یرجعون إلیها ، وإنما یرجعون فی القیامة لیذوقوا العذاب فی نارها ، والعودة إلى الدنیا إنَّما تختصُّ بغیرهم من الکافرین والظالمین المفسدین فی الاَرض الذین لم یذوقوا ألم القصاص فیها ، ولا یصحّ أن یکون المراد بالآیة أنّهم لا یرجعون فی القیامة لوضوح بطلانه .
ویمکن من خلال دراسة الاَحادیث الواردة فی هذا المجال وأقوال الاَعلام تحدید ثلاثة أهداف ینطوی علیها هذا الاَمر الخارق :
1 ـ القتال على الدین ، فقد روی عن الاِمام الباقر علیه السلام أنّه قال : « کنت مریضاً بمنى وأبی علیه السلام عندی ، فجاءه الغلام فقال : هاهنا رهط من العراقیین یسألون الاَذن علیک . فقال أبی علیه السلام : أدخلهم الفسطاط ، وقام إلیهم ودخل علیهم ، فما لبثت أن سمعتُ ضحک أبی علیه السلام قد ارتفع ، فأنکرت ذلک ووجدت فی نفسی من ضحکه وأنا فی تلک الحال .
ثم عاد إلیَّ فقال : یا أبا جعفر ، عساک وجدت فی نفسک من ضحکی ؟ فقلتُ : وما الذی غلبک منه الضحک ، جعلت فداک ؟
فقال : إنَّ هؤلاء العراقیین سألونی عن أمرٍ کان مَن مضى مِن آبائک وسلفک یؤمنون به ویقرون ، فغلبنی الضحک سروراً أنَّ فی الخلق من یؤمن به ویقرُّ .
فقلت : وما هو ، جعلت فداک ؟
قال: سألونی عن الاَموات متى یبعثون فیقاتلون الاَحیاء على الدین »(11)
2 ـ مقاتلة أعداء الله ورسوله وأهل بیته علیهم السلام ، فقد روی عن أمیر المؤمنین علی بن أبی طالب علیه السلام أنّه قال : « العجب کلّ العجب بین جمادى ورجب » فقام رجل فقال : یا أمیر المؤمنین ، ما هذا العجب الذی لا تزال تعجب منه؟ فقال : « وأیّ عجب أعجب من أموات یضربون کلّ عدو لله ولرسوله ولاَهل بیته ، وذلک تأویل هذه الآیة ( یا أیُّها الَّذینَ آمنُوا لاتتولَوا قَوماً غضبَ اللهُ علیهِم قد یَئسُوا مِنَ الآخرةِ کما یئسَ الکُفّارُ مِن أصحابِ القُبُورِ)»(12).
3 ـ إقامة القصاص والعدل ، فقد روی عن الاِمام موسى بن جعفر علیه السلام أنّه قال : « لترجعنَّ نفوس ذهبت ، ولیقتصنَّ یوم یقوم (13)، ومن عُذّب یقتصّ بعذابه ومن أُغیظ أغاظ بغیظه ، ومن قُتِل اقتصّ بقتله ، ویردّ لهم أعداؤهم معهم حتى یأخذوا بثأرهم ، ثم یعمّرون بعدهم ثلاثین شهراً ، ثم یموتون فی لیلة واحدة قد أدرکوا ثأرهم ، وشفوا أنفسهم ، ویصیر عدوّهم إلى أشد النار عذاباً، ثم یوقفون بین یدی الجبّار عزَّ وجل فیؤخذ لهم بحقوقهم » (14).
وفی هذا المجال یقول الشیخ المفید : إنَّ الله تعالى یردّ قوماً من الاَموات إلى الدنیا فی صورهم التی کانوا علیها ، فیعزُّ منهم فریقاً ، ویذلُّ فریقاً ، ویدیل المحقین من المبطلین والمظلومین منهم من الظالمین ، وذلک عند قیام مهدی آل محمد علیه السلام ، وإنَّ الراجعین إلى الدنیا فریقان : أحدهما من علت درجته فی الاِیمان ، وکثرت أعماله الصالحات وخرج
من الدنیا على اجتناب الکبائر الموبقات ، فیریه الله عزَّ وجلَّ دولة الحق ویعزّه بها ، ویعطیه من الدنیا ما کان یتمناه ، والآخر من بلغ الغایة فی الفساد ، وانتهى فی خلاف المحقین إلى أقصى الغایات ، وکثر ظلمه لاَولیاء الله ، واقترافه السیئات ، فینتصر الله تعالى لمن تعدى علیه قبل الممات ، ویشفی غیظهم منه بما یحله من النقمات ، ثم یصیر الفریقان من بعد ذلک إلى الموت ، ومن بعده إلى النشور وما یستحقونه من دوام الثواب والعقاب ، وقد جاء القرآن بصحة ذلک وتظاهرت به الاَخبار ، والامامیة بأجمعها علیه إلاّ شذاذاً منهم تأوّلوا ما ورد فیه على وجه یخالف ما وصفناه (15).
المصادر :
1- عقائد الاِمامیة : 109 . والآیتان من سورة یس 36 : 78 ـ 79 .
2- عقائد الاِمامیة : 113 .
3- أوائل المقالات : 46 .
4- مجمع البیان 7 : 366 .
5- الامام الصادق ، للشیخ محمد أبو زهرة : 240 .
6- وسیأتی الجواب تاماً عن هذه المسألة فی الفصل السادس .
7- رسائل الشریف المرتضى 1 : 126 .
8- سورة السجدة : 28 ـ 29 .
9- أمالی الصدوق : 578 / 791 .
10- سورة الاَنبیاء 21 : 95 .
11- مختصر بصائر الدرجات ، للحسن بن سلیمان : 20 و 24 . وبحار الاَنوار 53 : 67 /62 .
12- بحار الاَنوار 53 : 60 | 48 والآیة من سورة الممتحنة 60 : 13 .
13- أی القائم علیه السلام .
14- مختصر بصائر الدرجات ، للحسن بن سلیمان : 28 . وبحار الاَنوار 53 : 44 | 16 .
15- أوائل المقالات : 77 . والتأویل المشار إلیه هو أن البعض تأوّل الاَخبار الواردة فی الرجعة إلى رجوع الدولة فی زمان ظهور الاِمام المهدی علیه السلام لا رجوع أعیان الاَشخاص کما تقدم آنفاً .


source : rasekhoon
0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخر المقالات

البداء والإرادة المُناظرة الخامسة-2
بعض مصادر حديث ( لا فتى إلا علي .... )
تورط الشراح في حديث سفينة
عصمة الأنبياء (عليهم السلام) عند المذاهب ...
المهدي المنتظر في كلمات محي الدين بن عربي/ ق2
إثبات الأشاعرة لرؤيته تعالى في الآخرة
ما معنى الحديث القائل "الحسود لا يسود"؟ هل هو ...
موقف الفكر الشيعي من الحركات الباطنية
الحديث والاجتهاد والفقه
أنواع العبودية

 
user comment