عربي
Saturday 23rd of November 2024
0
نفر 0

الاستماتة‌ و الجزع‌ من‌ الموت في ساحة‌ عاشوراء

الاستماتة‌ و الجزع‌ من‌ الموت‌ في‌ ساحة‌ عاشوراء الشيخ‌ محمد مهدي‌ الآصفي مسألة‌ الموت‌ في‌ المسيرة‌ الحسينية‌ : مسألة‌ " الموت‌ " و طريقة‌ التعامل‌ معه‌ ، من‌ أبرز العناصر التي‌ تدخل في‌ تكوين‌ ملحمة‌ الطف‌ في‌ يوم‌ عاشوراء ، و عاشوراء حدث‌ متميّز من‌ بين‌ الأحداث‌ الكبيرة‌ في‌ التاريخ‌ من‌ ه
الاستماتة‌ و الجزع‌ من‌ الموت في ساحة‌ عاشوراء



 الاستماتة‌ و الجزع‌ من‌ الموت‌

في‌ ساحة‌ عاشوراء

الشيخ‌ محمد مهدي‌ الآصفي

مسألة‌ الموت‌ في‌ المسيرة‌ الحسينية‌ :

مسألة‌  " الموت‌ " و طريقة‌ التعامل‌ معه‌ ، من‌ أبرز العناصر التي‌ تدخل في‌ تكوين‌ ملحمة‌ الطف‌ في‌ يوم‌ عاشوراء ، و عاشوراء حدث‌ متميّز من‌ بين‌ الأحداث‌ الكبيرة‌ في‌ التاريخ‌ من‌ هذه‌ الزاوية‌ ؛ فقد أعلن‌ الحسين‌ ( عليه السلام ) عند مغادرته‌ الحجاز إلى العراق‌ : أنَّه سوف‌ يلقى ‌مصرعه‌ في‌ هذه‌ الرحلة : ( وخيّر لي‌ مصرع‌ أنا لاقيه‌ ، كأنِّي بأوصالي‌ تقطّعها عَسَلان ‌الفلاة‌ ، بين‌ النواويس‌ وكربلاء ) (1) .

و نعى‌ نفسه‌ إلى الناس‌ ، و طلب‌ منهم‌ أن‌ يبذلوا مهجهم‌ في‌ هذا السبيل‌ ، و يوطِّنوا معه‌ أنفسهم‌ للقاء الله : ( من‌ كان‌ باذلاً فينا مهجته‌ ، مُوطّناً على‌ لقاء الله نفسه ، ‌فليرحل‌ معنا ... ) (2) .

و بدا خطابه‌ العجيب‌ هذا ، بتقديم‌ صورة‌ زاهية‌ جميلة‌ للموت‌ ، تمهيداً لدعوتهم‌ إلى أن‌ يبذلوا له‌ مهجهم‌ ، فقال‌ ( عليه السلام ) : ( خط‌ّ الموت‌ على‌ ولد آدم‌ ، مخط‌ّ القلادة‌ على جِيد الفتاة ) (3) .

و على‌ امتداد الطريق‌ إلى كربلاء ، كان‌ الحسين‌ ( عليه السلام ) يصارح‌ الناس‌ و يصارح‌ أصحابه‌ أنَّهم سائرون‌ إلى الموت‌ الذي‌ لا بدّ منه‌ ، ولم‌ يكن‌ يشك ‌في‌ ذلك‌ أصحاب الحسين‌ ( عليه السلام ) . إنَّهم كانوا على‌ يقين‌ من‌ هذا الأمر ما بعده‌ يقين‌ .

و كان‌ عُذر مَن‌ يتخلّف‌ عن‌ نصرة‌ الحسين‌ ( عليه السلام ) إلى الحسين‌ : إن‌ّ نفسه‌ لا تطيب‌ بالموت‌ ، و الشواهد على ذلك‌ كثيرة‌ في‌ مسيرة‌ الحسين‌ ( عليه السلام ) إلى كربلاء ، و هذه‌ هي‌ الصفة‌ المميّزة‌ لحادثة‌ الطف‌ .

فلسنا نجد ـ أو قلَّم نجد ـ في‌ قادة‌ الحركات‌ و الثورات‌ مَن‌ يدعو الناس الى الموت‌ ، إنَّهم يدعون‌ الناس‌ إلى الحركة‌ و الثورة‌ ، و يطلبون‌ منهم‌ أن ‌يكونوا على استعداد لتقديم‌ دمائهم‌ للثورة‌ كلَّم اقتضي‌ الأمر .

أما الحسين‌ ( عليه السلام ) ، فله‌ شان‌ آخر . إنَّه لا يطلب‌ في‌ رحلته‌ هذه‌ فتحاً عسكرياً بالمعني‌ الذي‌ يتصوّره‌ الناس‌ ، وإنَّما يريد أن‌ يقدم‌ على تضحية ‌مأساوية‌ فريدة‌ في‌ التاريخ‌ ؛ يهزّ بها ضمير الأُمَّة .

لقد وجد الحسين‌ ( عليه السلام ) أنَّ بني‌ اُمية‌ تمكّنوا من‌ ترويض‌ إرادة‌ الناس ، ‌وتطويعهم‌ بعامل‌ الإرهاب‌ و الترغيب‌ و سلب‌ إرادتهم‌ . و في‌ هذا الجوّ ، حاول‌ بنو اُمية‌ أن‌ يستعيدوا قيم‌ ومواقع‌ الجاهلية‌ في‌ المجتمع‌ الإسلامي ‌الجديد ، دون‌ أن‌ يجدوا مقاومة‌ تُذكر من‌ ناحية‌ الأُمَّة ، فكان‌ لا بدّ من‌ هزّة‌ قوية‌ لنفوس‌ الناس‌ ، تعيد إليهم‌ إرادتهم‌ السليبة‌ . ولا تتم‌ هذه‌ الهزّة‌ القوية‌ إلاَّ بتضحية‌ مأساوية‌ فريدة‌ في‌ التاريخ‌ ، فأعدَّ الحسين‌ ( عليه السلام ) أهل‌ بيته ‌و أصحابه‌ لمثل‌ هذا المشهد المأساوي‌ .

وانطلاقاً من‌ هذا الفهم‌ ؛ قلت‌ : إن‌ّ

هذه‌ الصفة‌ ، هي‌ الصفة‌  المُمِيِّزة لحادث‌ الطف‌ من‌ الأحداث‌ الأُخرى في ‌التاريخ‌ .

و من‌ أعظم‌ الخيانة‌ للتاريخ‌ ، أن‌ نُجرِّد " عاشوراء " من‌ هذه‌ الصفة‌ المميّزة‌ لها . فلا يبقي‌ من‌ عاشوراء ، إذا جرّدناها عن‌ " الاستماتة‌ " وطلب ‌الشهادة‌ ، إلاَّ ثورة‌ على النظام‌ الأُموي غير متكافئة‌ مع‌ قوّة‌ الظلم‌ ، فلم‌ تنجح‌ في‌ تحقيق‌ أهدافه ، كما كان‌ يتوقّع‌ ذلك‌ الذين‌ كانوا ينصحون‌ الحسين‌ ( عليه السلام ) ألاَّ يخرج‌ إلى العراق‌ . و لم‌ يكن‌ الحسين‌ ( عليه السلام ) يتّهم‌ أولئك‌ في‌ صدقهم‌ في ‌النصح‌ ، لكن‌ الإمام ( عليه السلام ) كان‌ يرى ما لا يرون‌ ، ويُريد ما لا يعرفون‌ .

كيف‌ يواجه‌ الناس‌ الموت‌ ؟

للموت‌ شأن  كبير في‌ تنظيم‌ حياة‌ الناس‌ ، و الناس‌ أمام‌ هذه‌ الظاهرة‌ الطبيعية‌ من‌ سنن‌ الله ، مثال‌ القهرية‌ في‌ الحياة‌ ، طائفتان‌ :

طائفة‌ ـ وهي‌ الأكثرية ‌الساحقة‌ من‌ الناس‌ ـ يجزعون‌ عن‌ مواجهة‌ الموت‌ و يهربون‌ منه‌ .

وطائفة‌ ـ وهي‌ الأقلِّيَّة من‌ الناس‌ ـ يتحدّون‌ الموت‌ ، و يشتاقون‌ إليه ‌و يستقبلونه .

ولهذه‌ الحالات‌ : " الجزع‌ من‌ الموت‌ / تحدِّي الموت‌ " شأن كبير في ‌تنظيم‌ حياة‌ الناس‌ و تقرير مصيرهم‌ . الأُمَّة التي‌ تجزع‌ من‌ الموت‌ ، لا تحوج‌ الطغاة‌ والجبابرة‌ إلى جهد كبير لتطويقها وترويضها ، وتذليلها وتعبيدها لإرادتهم‌ وسلطانهم‌ . فتتحول‌ حياتها إلى نوع‌ من‌ التبعية ‌والانقياد للطاغية‌ والجبابرة‌ والطغاة‌ ، وبالتدريج‌ يفقدون‌ الوعي‌ والفطرة  ومقوِّمات الحياة‌ الكريمة‌ ، وهذه‌ صورة‌ من‌ الحياة‌ .

والأُمَّة التي‌ تملك‌ القدرة‌ على تحدّي‌ الموت‌ ولا تجزع‌ منه‌ ، وتملك‌ القدرة‌ على تجاوز الموت‌ ، لا يمكن‌ ترويضها وتذليلها لإرادة‌ الطغاة ‌والجبابرة‌ ، ولا يمكن‌ مصادرة‌ إرادتها ومقاومتها ، وهذه‌ صورة‌ ثانية‌ من‌ الحياة‌ .

وفيما يلي‌ نحاول‌ أن‌ نتوقَّف بعض ‌الوقت‌ عند هاتين‌ الحالتين‌ :

الجزع‌ من‌ الموت‌ :

الجزع‌ من‌ الموت‌ ظاهرة‌ واسعة‌ في‌ حياة‌ الناس‌ ، و لهذه‌ الظاهرة‌ آثار واسعة‌ في‌ المجتمع‌ من‌ حيث‌ الحركة‌ والمقاومة‌ ، وهذه‌ الظاهرة‌ تستحق‌ أن‌ نتوقَّف عندها وننظر فيها ، وفيما يلي‌ نستعرض‌ ـ إن شاء الله تعالى ـ :

أوَّلاً : أسباب‌ هذه‌ الظاهرة‌ .

ثانياً : آثارها وأعراضها السلبية‌ في‌ المجتمع‌ .

ثالثاً : الوسائل التربوية‌ المفيدة‌ لعلاج‌ هذه‌ الحالة‌ في‌ نفوس‌ الناس .

 

أوَّلاً : أسباب‌ هذه‌ الظاهرة‌ .

" التعلُّق بالدنيا " من‌ أهم‌ّ أسباب‌ الجزع‌ من‌ الموت‌ . ولو أن‌ّ إنساناً يعيش‌ في‌ الدنيا كما يعيش‌ الناس‌ ، ويتمتَّع بطيِّباته كما يتمتَّع الناس‌ ، ولكن‌ قلبه‌ لا يتعلَّق بالدنيا ، ولا يُخيفه الموت‌ ، ولا يخرج‌ منه‌ إذا حل‌ّ به ... وسوف‌ نتحدَّث عن‌ هذه‌ النقطة‌ فيما يأتي‌ إن شاء الله .

ومن‌ أسباب‌ الجزع‌ من‌ الموت‌ أيضاً : " سوء الإعداد للآخرة‌ " ، فيجزع‌ الإنسان‌ من‌ أن‌ يقْدِم على مرحلة‌ٍ جديدة‌ٍ من‌ حياةٍ‌ خالدة‌ٍ لا تفنى ، وهو لم ‌يعدّ لها في‌ حياته‌ الدنيا إعداد كافياً .

وإلى هذا المعنى‌ تُشير الآية‌ الكريمة‌ ، مخاطبة‌ اليهود ، الذين‌ كانوا يعتقدون‌ أنَّ الله  يُؤثرهم على غيرهم‌ من‌ الأُمم ، وأنَّهم أولياء الله من‌ دون‌ سائر الناس‌ :  

( قُلْ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ هَادُوا إِنْ زَعَمْتُمْ أَنَّكُمْ أَوْلِيَاءُ لِلَّهِ مِنْ دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (6) وَلَا يَتَمَنَّوْنَهُ أَبَدًا بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ ) (الجمعة : 6 ـ 7) .

وقد روي‌ في‌ هذا المعنى عن‌ الإمام الصادق‌ ( عليه السلام ) : ( مَن أحبَّ الحياة‌ ذُلَّ ) (4) .

وتحليل‌ هذه‌ الرواية‌ وتفسيرها : أنَّ حب‌َّ الدنيا والتعلّق‌ بها من‌ أسباب ‌الجزع‌ من‌ الموت‌ ، وهما وجهان‌ لقضية‌ واحدة‌ ، فمَن أحبَّ‌ الدنيا جزع‌ من ‌الموت‌ ، وبينهما نسبة‌ طردية‌ دائماً ، وهذه‌ هي‌ المعادلة‌ الأولى‌ .

والمعادلة‌ الثانية‌ : أنَّ مَن‌ يجزع‌ من‌ الموت‌ يُذل ؛ لأنَّه لا يملك‌ القدرة‌ على‌ اتخاذ الموقف‌ والقرار الصعب‌ ، وإذا عجز الإنسان‌ عن‌ اتخاذ الموقف‌ والقرار الصعب‌ ، كان‌ آلة‌ طيّعة‌ للمستكبرين‌ ، وتبعاً لهم‌ في‌ الموقف‌ والقرار ، وهذا هو الذل‌ّ الذي‌ يحدّثنا عنه‌ الإمام الصادق‌ ( عليه السلام ) في‌ هذه ‌الرواية‌ .

وهو اختبار دقيق‌ لدرجة‌ إعداد الإنسان‌ للآخرة‌ في‌ الدنيا ، فكلّما كان‌ هذا الإعداد أكثر وأفضل‌ كان‌ جزع‌ الإنسان‌ من‌ الموت‌ أقلّ .

قال‌ رجل‌ لأبي ‌ذرّ : ما لنا نكره‌ الموت‌ ؟ قال‌ : لأنَّكم عمّرتم‌ الدنيا وخرّبتم‌ الآخرة‌ ، فتكرهون‌ أن‌ تنتقلوا من‌ عمران‌ إلى خراب‌ .

قيل‌ له‌ : فكيف ترى قدومنا على الله ؟ قال‌ : أمَّا المحسن‌ فكالغائب‌ يقدم‌ على أهله‌ ، وأمَّا المسي‌ء فكالآبق‌ يقدم‌ على مولاه‌ .

قيل‌ : فكيف ‌ترى حالنا عند الله ؟ قال‌ : اعرضوا أعمالكم‌ على كتاب‌ الله تبارك‌ و تعالى :  ( إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ * وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ ) ( الانفطار : 13 ـ 14 ) ، قال‌ الرجل‌ : فأين‌ رحمة‌ الله ؟ قال‌ : إن ‌ّ رحمة‌ الله قريب‌ من المحسنين (5) .

وروي‌ في‌ هذا المعنى‌ أنَّ أحدهم سأل الإمام الحسن‌ ( عليه السلام ) : ما بالنا نكره‌ الموت‌ و لا نُحبُّه ؟ فقال‌ ( عليه السلام ) :  ( إنَّكم أخربتم‌ آخرتكم‌ ، وعمّرتم‌ دنياكم‌ ، فأنتم ‌تكرهون‌ النُّقْلَة من‌ العمران‌ إلى  الخراب ) (6) .

 

الموقف‌ :

ومن‌ المؤكَّد أنَّ القوّة‌ والشجاعة‌ والإقدام‌ أحد العنصرين‌ اللذين‌ يتكوَّن منهما الموقف‌ . فإنَّ مقوّمات‌ الموقف‌ أمران‌ : الوعي‌ السياسي‌ ، والقوة‌ والشجاعة‌ . فإذا كان‌ الجزع‌ من‌ الموت‌ يُضْعِف الإنسان‌ ، فهو لا محالة‌ يُفقده‌ القدرة‌ على اتخاذ الموقف‌ العملي‌ في‌ القضايا الصعبة‌ . وقيمة ‌الإنسان‌ في ‌ساحة‌ المواجهة‌ والصراع‌ ، ليس‌ في‌ النيّة‌ وعقد القلب‌ ، وإنَّما في ‌الموقف‌ . وقد كان‌ كثير من‌ المسلمين‌ في‌ عصر الحسين‌ ( عليه السلام ) لا يرتضون ‌يزيد وأعماله‌ ، ويكرهونه‌ أشدَّ الكره‌ ، ولكن‌ الحسين‌ ( عليه السلام ) حوّل‌ هذه ‌الكراهية‌ وهذا الرفض‌ إلى موقف‌ عملي‌ ، وهذه‌ هي‌ قيمة‌ عمل‌ الإمام الحسين‌ ( عليه السلام ) .

الموقف‌ هو : تجسيد الرأي‌ في‌ فعل‌ٍ يُبرز انتماء صاحبه‌ إلى هذا الرأي‌ ، ويُحقِّق دفاع‌ صاحبه‌ عن‌ رأيه‌ .

إنَّ الناس‌ جميعاً لا يرضون‌ الظلم‌ ، ولكن‌ هناك‌ مَن‌ يُبرز هذا الرفض‌ في‌ فعل‌ ، ويُعبّر به‌ عن‌ رفضه‌ ، وهذا الفعل‌ قد يكون‌ الخروج‌ عن‌ الطاعة‌ ، وقد يكون‌ الثورة‌ ، وقد يكون‌ التظاهر والاعتصام‌ .

ومن‌ الطبيعي‌ أنَّ الرفض‌ وحده‌ ، لا يُكلّف‌ الإنسان شيئاً ، وإنَّما الموقف ‌هو الذي‌ يُكلّف‌ الإنسان ويثقل‌ كاهله‌ . فالموقف‌ هو الذي‌ يتطلَّب ‌الضريبة‌ ، وصاحب‌ الموقف‌ هو الذي‌ يدفع‌ الضريبة‌ . ولكن لا بدّ أن‌ نقول‌ : إنَّ صاحب‌ الرأي‌ السلبي‌ والرافض لا يُغيّر مجرى‌ التاريخ‌ ، وإنَّما يُغيّر مجرى‌ تاريخ‌ صاحب‌ الموقف‌ ، والرفض‌ والكراهية‌ النفسية‌ لا يُحرّك ‌الناس‌ ، وإنَّما الموقف‌ هو الذي‌ يُحرّك الناس‌ .

وأخيراً ، فإنَّ المواجهة‌ والصراع‌ يعني‌ الموقف‌ .

انقلاب‌ اللاَّموقف إلى الموقف‌ المضاد :

إنَّ مسألة الصراع‌ لا تتحمّل‌ " اللاَّموقف " ، فإذا لم‌ يتحمّل‌ الإنسان الموقف‌ الصعب‌ ، وضعف‌ عن‌ اتخاذ موقف‌ الحق‌ ، فلا يمكن‌ أن‌ يبقى‌ من ‌دون‌ موقف‌ إلى الأخير ، وإنَّما ينقلب‌ اللاَّموقف في‌ حياته‌ إلى موقف ‌مضاد .

والسبب‌ في‌ انقلاب‌ اللاَّموقف إلى الموقف‌ المضاد ، هو السبب‌ في ‌انقلاب‌ الموقف‌ إلى اللاَّموقف ، وهو : الجزع‌ من‌ الموت‌ .

فإنَّ الجزع‌ من‌ الموقف‌ إذا كان‌ يدعو الإنسان إلى التخاذل‌ من‌ الحق ‌إيثاراً للعافية‌ ، فإنَّ الطاغية‌ لا يتركه‌ إلى الأخير عنصراً غير ذي‌ لون‌ ، وإنَّما يصبغه‌ بصبغته‌ ، ويسوقه‌ إلى جانبه‌ . ونفس‌ السبب‌ الذي‌ أعجزه‌ عن‌ اتخاذ الموقف‌ الحق‌ ، يُعجره عن‌ الامتناع‌ من‌ الانحدار إلى الباطل‌ ؛ وبذلك‌ يتم ‌تصنيفه‌ في‌ جهة‌ الباطل‌ . فإنَّ ‌ساحة‌ الصراع‌ ـ كما ذكرنا ـ لا تترك‌ الإنسان‌ من‌ دون‌ تصنيف‌ ، فإن لم‌ يبادر الإنسان ليُصنّف‌ نفسه‌ ضمن‌ جبهة‌ الحق ‌الذي‌ يُؤمن به‌ ، فإنَّ ‌الساحة‌ تُصنّفه‌ ضمن‌ الخط‌ الحاكم‌ ، فيكون‌ عندئذٍ من جُند الطاغية ،‌ وإن كان‌ قلبه‌ ورأيه‌ في‌ اتجاه‌ معاكس‌ .

وهنا ينشطر الإنسان شطرين‌ متعاكسين‌ : رأيه‌ ( عقله‌ ) وعاطفته‌ ( قلبه‌ ) في‌ اتجاه‌ الحق‌ ، وموقفه‌ وموضعه‌ الرسمي‌ ( إرادته‌ ) المعلن‌ في ‌اتجاه‌ الباطل‌ . وهذه‌ هي‌ ظاهرة‌ انفلاق‌ الشخصية‌ ، حيث‌ تنشطر شخصية‌ الإنسان‌ إلى‌ شطرين‌ متخالفين ، فيفقد الإنسان الانسجام‌ في‌ شخصيته‌ ، ويتضارب‌ ظاهره‌ مع‌ باطنه‌ .

سللتم‌ علينا سيفاً لنا في‌ إيمانكم‌ :

وهذا المفهوم‌ يطرحه‌ الإمام الحسين‌ ( عليه السلام ) على جُند ابن‌ زياد في‌كربلاء يوم‌ عاشوراء : ( ... سللتم‌ علينا سيفاً لنا في‌ إيمانكم ) (7) .

وهذا السيف‌ الذي‌ يذكره‌ الإمام ، هو القوّة‌ والقدرة‌ والسلطان‌ . والإسلام‌ هو الذي‌ أعطاهم‌ هذا السلطان‌ . لقد كانوا أُمَّة ضعيفة‌ معزولة‌ في‌ الصحراء ، فأعطاهم‌ رسول ‌الله ( صلَّى الله عليه وآله ) هذه‌ القوّة‌ ، وهذا السلطان‌ بإيمانهم‌ ؛ فهذا السلطان‌ لرسول‌ الله ، ولمَن‌ آمن ‌برسول‌ الله ، ولمَن‌ أخلص وسار على خط‌ رسول‌ الله ، ومَن مع‌ رسول‌ الله وأهل‌ بيته‌ ، كما صرّح‌ به‌ ( صلَّى الله عليه وآله ) في ‌أكثر من‌ موقف‌ ، وهذا هو المعنى‌ الأول ‌لكلمة‌ ( سيفاً لنا في‌ إيمانكم‌ ) .

 والمعنى الذي‌ يستتبع‌ المعنى الأول‌ : أنَّ هذا السيف‌ الذي‌ جعلناه‌ في‌ إيمانكم‌ ، لا بدّ أن‌ تقاتلوا به‌ أعداءنا وأعداءكم‌ ، ولكنّكم‌ وضعتم‌ هذا السيف‌ فينا ، نحن‌ أبناء رسول‌ الله وخلفاؤه‌ ، ووظّفتم‌ هذا السيف‌ في‌ خدمة‌ أعدائنا .

وهذا هو التشخيص‌ الدقيق‌ الذي‌ قدّمه‌ " الفرزدق‌ " عن‌ أهل‌ الكوفة‌ ، عندما سأله‌ الإمام الحسين‌ ( عليه السلام ) عمّا وراءه‌ ، فقال‌ : ( قلوبهم‌ معك‌ ، وسيوفهم عليك ) (8) . فإنَّ أهل‌ الكوفة‌ كانوا في‌ الأغلب‌ علويين‌ ، وقلوب‌ العلويين‌ كانت‌ مع‌ الحسين‌ ، ولكن سيوفهم‌ انقلبت‌ عليه‌ ( عليه السلام ) . وكثير من‌ الذين ‌خرجوا في‌ جيش‌ ابن‌ زياد لقتال‌ الإمام الحسين‌ ( عليه السلام ) ، كانوا يُحبون الحسين‌ ، وكانوا من‌ الذين‌ كتبوا إليه‌ يطلبون‌ منه‌ أن‌ يأتيهم‌ .

والإنسان‌ رأي‌ ( عقل‌ ) ، وعاطفة‌ ( قلب‌ ) ، حب‌ وبغض وموقف‌ ( إرادة‌ ) ، وهذه‌ الثلاثة‌ عندما تكون‌ منسجمة‌ ومتكاملة‌ يكون‌ الإنسان قوياً ، فإذا تخالفت‌ وتضاربت‌ ، ضعف‌ الإنسان ، وأصبح بذلك‌ أداة‌ طيّعة‌ بيد الطغاة‌ .

آخر مراحل‌ الرِدَّة :

لقد فات‌ الفرزدق‌ أن‌ يقول‌ ـ و كان‌ حريَّاً به‌ أن‌ لا يفوته‌ ذلك‌ ـ : إن‌َّ انسحاب‌ الإنسان يبتدئ أولاً وثانياً من‌ الموقف‌ إلى اللاَّموقف ، ومن اللاَّموقف إلى الموقف‌ المضاد المعاكس‌ ، هذه‌ هي ‌المرحلة‌ الأولى‌ والثانية ‌من‌ الرِدَّة .

والمرحلة‌ الثالثة‌ : إن‌ّ الموقف‌ المضاد يُصادر الرأي‌ والفكر ، ويُوجّه الإنسان إلى الرأي‌ الآخر وينمّقه‌ له‌ ، ويوجّهه‌ حتى‌ يصادر الرأي ‌الأوَّل‌ تماماً ، فينقلب‌ الرأي‌ إلى رأي‌ معاكس‌ ، وينقلب‌ ( الحب‌ ) إلى ( بغض‌ ) ، وينقلب‌ البغض‌ إلى الحب‌ ، وهذه‌ هي‌ المرحلة‌ الأخيرة‌ من‌ الرِدَّة ‌التي‌ نسيها الفرزدق‌ .

 وإذا غابت‌ عن‌ الفرزدق‌ هذه‌ المرحلة‌ الأخيرة‌ من الرِدَّة ، فإنَّ القرآن‌ يُسجِّلها بوضوح‌ : ( ثُمَّ كَانَ عَاقِبَةَ الَّذِينَ أَسَاءُوا السُّوأَى أَنْ كَذَّبُوا بِآَيَاتِ اللَّهِ وَكَانُوا بِهَا يَسْتَهْزِئُونَ * اللَّهُ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ) ( الروم : 10 ـ 11 ) .

ومن‌ إساءة‌ السوء أن‌ يحمل‌ الإنسان المؤمن‌ السيف‌ على الله ورسوله‌ وأولياء الله ، ويقاتلهم‌ في‌ الدفاع‌ عن‌ الطاغوت‌ .  فإذا فعل‌ ذلك‌ ، فإنَّ ‌الله تعالى ‌يسلب‌ عنه‌ التصديق‌ والإيمان‌ والوعي‌ والرأي‌ ، فيكذّب‌ بآيات‌ الله ، وإذا كذّب‌ بآيات‌ الله ورسوله‌ وأولياءه‌ ، عاداهم‌ وأبغضهم ، وهذه‌ الرِدَّة الكاملة‌ .

عودة‌ الانسجام‌ في‌ الطرف‌ المعاكس‌ والانقلاب‌ على الأعقاب‌ :

وهكذا يعود الانسجام‌ بين‌ البؤر الثلاث‌ لشخصية‌ الإنسان : ( العقل‌ ، القلب‌ ، الإرادة‌ ) ، أو ( الرأي‌ ، العاطفة‌ ، الموقف‌ ) ، بعد أن‌ انفلقت‌ الشخصية‌ واختلّت‌ وظهر عليها الارتباك‌ والقلق‌ ، يعود الانسجام‌ مرة‌ أخرى‌ إلى شخصية‌ الإنسان ، ولكن هذه‌ المرة‌ في‌ خط‌ معاكس‌ تماماً ، وفي‌ اتجاه ‌سلبي‌ باتجاه‌ عداء الله ورسوله‌ وأوليائه‌ .

الأطوار الثلاثة‌ في‌ حياة‌ الإنسان :

ومن‌ صُور ذلك‌ نجد أنَّ هناك‌ ثلاثة‌ أطوار للإنسان‌ :

الطور الأول‌ : الانسجام‌ بين‌ القلوب‌ والسيوف‌ في‌ اتجاه‌ الحق‌ .

الطور الثاني‌ : التخالف‌ بين‌ القلوب‌ والسيوف‌ بين‌ الحق‌ والباطل‌ .

الطور الثالث‌ : الانسجام‌ بين‌ القلوب‌ والسيوف‌ في‌ اتجاه‌ الباطل‌ .

الحالة‌ الأُولى :

حالة‌ الانسجام‌ بين‌ القلوب‌ والسيوف‌ هي‌ حالة‌ فطرية‌ وسليمة ‌وصحيحة‌ ، وفيها تجتمع‌ البؤر الثلاث‌ : ( العقل‌ ، القلب‌ ، الإرادة‌ ) ، فتُرجم ‌العمل‌ بالإرادة‌ .

هذه‌ الحالة‌ هي‌ حالة‌ الانسجام‌ والاستقامة‌ والقوة‌ ؛ لأنَّ اجتماع‌ هذه‌ البؤر الثلاث‌ يمنح‌ الإنسان القوة‌ ، وهي‌ حالة‌ طبيعية‌ وفطرية‌ . وهذه‌ البؤر الثلاث‌ تتبادل‌ التأثير فيما بينها ، وبعضها يُؤثِّر في‌ البعض‌ الآخر .

ومن‌ آثار هذه‌ الحالة‌ : أنَّ الإنسان يعيش‌ مطمئنّاً ، لا يعاني‌ من‌ القلق‌ ؛ لأنَّ الراحة‌ النفسية‌ ليست‌ في‌ الأمن‌ والرفاه‌ ، وإنَّما في‌ الانسجام بين‌ البؤر الداخلية‌ لشخصية‌ الإنسان باتجاه‌ الفطرة‌ ، ويتكامل‌ الإنسان في‌ هذه‌ الحالة‌ وينمو بصورة‌ سويّة‌ .

الحالة‌ الثانية‌ :

هي‌ حالة‌ تخالف‌ القلوب‌ والسيوف‌ عندما تخضع‌ إرادة‌ الإنسان‌ لعامل‌ الترغيب‌ والترهيب‌ من‌ ناحية‌ الطاغوت‌ ، والطاغوت‌ يعمل ‌لاحتلال‌ البؤر الثلاث‌ جميعاً ، وأول‌ قلعة‌ تسقط‌ هي‌ قلعة‌ الإرادة‌ تحت‌ ضغط‌ الإرهاب‌ ، وهذه‌ هي‌ بداية‌ السقوط‌ والمرحلة‌ الأولى‌ من‌ الردّة‌ ، ويبقي‌ العقل‌ والقلب‌ مستقرّين‌ ، وإن أول‌ انهيار يصيب‌ الإنسان في ‌مواقفه‌ العملية‌ والرسمية‌ والبارزة‌ هو استسلامه‌ لضغط‌ الطاغوت‌ .

والحالات‌ التي‌ ذكرناها سابقاً تنعكس‌ ، فيفقد الإنسان الراحة‌ وحالة‌ الاطمئنان‌ والانسجام‌ النفسي‌ ، ويعاني‌ من‌ القلق‌ وعدم‌ الانسجام‌ ، ويضعف‌ ويفقد صبغة‌ الله في‌ شخصيته‌ ويفقد النمو ، وهذه‌ المرحلة‌ هي ‌مرحلة‌ ( الضعف‌ ) في‌ شخصية‌ الإنسان ، ويعمل‌ الضمير في‌ استعادة ‌التوازن‌ والتعادل‌ والانسجام‌ ، فإذا نجح‌ فلا بدّ أن‌ تعود الشخصية‌ إلى توازنها في‌ انسجامها ، وإلا فإن الإنسان يسقط‌ إلى المرحلة‌ الثالثة‌ ، ويدخل‌ الضمير في‌ صراع‌ عنيف‌ في‌ المرحلة‌ الثانية‌ ، وينقسم‌ الناس‌ فيها إلى شطرين‌ : شطر من‌ نموذج‌ شخصية‌ ( الحرّ ) يملك‌ ضميراً سليماً قوياً يعيده‌ إلى الله مرة‌ أخرى ، وشطر من‌ نموذج‌ ( عمر بن‌ سعد ) لا يملك‌ الضمير القوي‌ فيسقط‌ إلى المرحلة‌ الثالثة‌ ( المرحلة‌ الثانية‌ من‌ السقوط‌ ) .

الحالة‌ الثالثة‌ :

في‌ هذه‌ الحالة‌ يعود الانسجام‌ مرة‌ أخرى بين‌ البؤر الثلاث‌ ، ولكن في ‌اتجاه‌ السقوط‌ والباطل‌ . وكأنَّ‌ الإنسان في‌ داخله‌ يطلب‌ الانسجام‌ ، فإذا لم يتمكَّن في‌ اتجاه‌ الحق‌ ، وضعف‌ الضمير من‌ استعادة‌ الانسجام‌ في‌ طرف ‌الحق‌ّ ، فإنَّ الانسجام‌ يعود في‌ طرف‌ الباطل‌ ، فيكون‌ قلب‌ الإنسان وعقله ‌باتجاه‌ إرادته‌ وعمله‌ .

وهذه‌ هي‌ مرحلة‌ الصفر من‌ سقوط‌ الإنسان ، يستفرغ‌ فيها ( الطاغوت‌ ) و( الهوى‌ ) الضميرَ ، ويحتلاّن‌ ( العقل‌ ) و( القلب‌ ) ، وعندئذٍ يحتل‌ الطاغوت‌ المعاقل‌ الثلاثة‌ جميعاً لشخصية‌ الإنسان . إضافةً ‌إلى‌ استفراغ‌ الضمير من‌ كل‌ ما أودع‌ الله تعالى‌ فيه‌ من‌ المقاومة‌ ، وهي‌ حالة‌ الصفر في‌ شخصية‌ الإنسان ، وعندئذٍ تنقطع‌ الرحمة‌ الإلهية‌ عن‌ الإنسان ؛ لأنَّ الرحمة‌ تنزل‌ على الضمير والقلب‌ والعقل‌ والإرادة‌ ، فإذا نفذت‌ واستُهليكت جميعاً وصُودرت‌ ، فلا يبقى موقع‌ لنزول‌ رحمة‌ الله ، وهذه‌ حالة‌ ( الكفر ) .

وهناك‌ حالة‌ أخرى‌ تحت‌ الكفر ( تحت‌ الصفر ) ، وهي‌ حالة‌ ( النفاق‌ ) ، وفي‌ هذه‌ الحالة‌ تعود السيوف‌ إلى جانب‌ الحق‌ ، ولكن للمكر بالحق‌ ، وليس‌ استجابة‌ له‌ ، تبقى‌ القلوب‌ متعلّقة‌ بالباطل‌ ، وهذه‌ الحالة‌ تحت ‌الكفر ؛ لأنَّ القلوب‌ لا تزال‌ فاقدة‌ في‌ هذه‌ المرحلة‌ للإيمان‌ والوعي ‌والنور ؛ ولذلك‌ يقول‌ الله تعالى‌ :  ( إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا ) ( النساء : 145 ) .

ثانياً : آثارها وأعراضها السلبية‌ في‌ المجتمع‌ .

لظاهرة‌ الجزع‌ من‌ الموت‌ آثار سلبية‌ واسعة‌ على حياة‌ الإنسان ، فهي ‌تسلب‌ الناس‌ القدرة‌ على المقاومة‌ ، وتُمكّن‌ منهم‌ الطاغية‌ .  تستنفذ ما أودع‌ الله تعالى‌ في‌ ضمائرهم‌ من‌ مقاومة‌ ، وفي‌ إرادتهم‌ من‌ قوّة ،‌ وفي‌ نفوسهم‌ من‌ وعي‌ ، ومن ثم‌ّ تستفرغ‌ كل‌ ما أودع‌ الله تعالى‌ في‌ نفوس‌ الناس ‌من‌ قيم‌ٍ وأخلاقٍ‌ وإرادةٍ‌ ومقاومةٍ‌ .

وهذه‌ الحالة‌ من‌ الاستفراغ‌ والاستنفاذ هي‌ حالة‌ الاستخفاف‌ التي‌ يذكرها الله تعالى‌ في‌ منهج‌ تعامل‌ الطغاة‌ مع‌ الناس‌ : ( فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ إِنَّهُمْ ) ( الزخرف : 45 ) .

إنَّ فرعون‌ لم‌ يكن‌ يقدر على تطويع‌ الناس‌ لإرادته‌ وسلطانه‌ ، لولا أنَّه استنفذ ما أودع‌ الله تعالى‌ في‌ نفوسهم‌ من‌ قيمٍ‌ وأخلاقٍ‌ ومقاومة‌ٍ وإرادةٍ وضميرٍ . وعندئذٍ يكون‌ وزن‌ الإنسان‌ خفيفاً ، وينقلب‌ إلى حالة‌ عائمة‌ من‌ التبعية‌ الكاملة‌ للطاغية‌ . وأساس‌ هذه‌ الحالة‌ : الإرهاب ، وهي‌ الأداة‌ المفضّلة‌ لدى المستكبرين‌ . و" الجزع‌ من‌ الموت‌ " و" الخوف‌ " هو التربة‌ الصالحة‌ لزرع‌ الإرهاب في‌ المجتمع‌ .

ثالثاً : الوسائل التربوية‌ المفيدة‌ لعلاج‌ هذه‌ الحالة‌ في‌ نفوس‌ الناس .

وأهم هذه‌ المناهج‌ منهجان‌ :

1 ـ تقصير الأمل‌ في‌ الحياة‌ الدنيا .

2 ـ تركيز الشوق‌ إلى لقاء الله تعالى‌ .

وهما من‌ أفضل‌ المناهج‌ التربوية‌ لمكافحة‌ حالة‌ الجزع‌ والرهبة‌ من‌ الموت‌ ، وهناك‌ مناهج‌ حركية‌ لا يسعنا المجال‌ استعراضها والحديث‌ عنها .

والمنهج‌ الأوَّل ، هو : تقصير الأمل‌ في‌ الدنيا ، وترقيق‌ العلاقة‌ بالدنيا . فإنَّ شدّة‌ التعلّق‌ بالدنيا وطول‌ الأمل‌ فيها ، من‌ أكبر الأُصر والأغلال‌ التي‌ تعيق‌ حركة‌ الإنسان إلى الله . فإذا تحرّر الإنسان منها ، خف‌ّ للقاء الله تعالى‌ ، ولم‌ يرهبه‌ الموت‌ ولم‌ يعبأ به‌ ، وقع‌ الموت‌ عليه‌ أم‌ وقع‌ هو على الموت‌ كما قال‌ علي‌ الأكبر ( عليه السلام ) لأبيه‌ عندما قارب‌ كربلاء .

فقد روى‌ أبو مخنف‌ ، عن ‌عقبة‌ ابن‌ سمعان‌ ، قال‌ : لمَّا كان‌ السَّحَر من‌ الليلة‌ التي‌ بات‌ الحسين‌ ( عليه السلام ) عند قصر بني‌ مقاتل‌ ، أمرنا الحسين‌ بالاستسقاء من‌ الماء ، ثم‌ّ أمرنا بالرحيل ، ‌ففعلنا . فلمَّا ارتحلنا عن‌ قصر بني ‌مقاتل‌ ، خفق‌ برأسه‌ خفقة‌ ، ثم‌ّ انتبه‌ وهو يقول‌ :

 ( إنا لله و إنَّا إليه‌ راجعون‌ ، و الحمد لله رب‌ّ العالمين‌ ) ثم‌ّ كرّرها مرتين‌ أو ثلاثاً ، فأقبل‌ إليه‌ ابنه‌ علي‌ بن‌ الحسين‌ ( عليه السلام ) ـ وكان‌ على فرس‌ له‌ ـ فقال‌ : إنا لله وإنا إليه ‌راجعون‌ ، والحمد لله رب‌ّ العالمين‌ ، يا أبت‌ ، جُعلت‌ فداك‌ ، مِم‌َّ استرجعت‌ وحمدت‌ الله ؟ فقال‌ الحسين‌ ( عليه السلام ) : ( يا بني‌ّ ، إنِّي‌ خفقت‌ رأسي خفقة‌ ، فعن‌ّ لي‌ فارس‌ على فرس‌ ، فقال‌ : القوم‌ يسيرون‌ والمنايا تسري‌ إليهم‌ ، فعلمت‌ أنَّها أنفسنا نُعيت‌ إلينا ) ، فقال‌ له‌ : يا أبت‌ ، لا أراك‌ الله سوءاً ، ألسنا على الحق‌ ؟ قال‌ : ( بلى‌ و الذي‌ إليه‌ مرجع‌ العباد ) . قال‌ : يا أبت‌ ، إذن‌ْ لا نبالي‌ ، نموت‌ محقّين‌ . فقال‌ له‌ : ( جزاك‌ الله خير ما جزى‌ ولداً عن‌ والده ) (9) .

والمنهج‌ الآخر : تركيز الشوق‌ إلى لقاء الله من‌ خلال‌ الموت‌ . فإنَّ الموت‌ للمؤمن‌ نافذة‌ إلى لقاء الله ، ولقاء الله للمؤمنين‌ لذّة‌ لا تفوقها لذّة‌ ، والحياة‌ الدنيا تحجبه‌ عن‌ لقاء الله ، فإذا حل‌ّ به‌ الموت‌ زال‌ من‌ بصره‌ هذا الحجاب‌ ( فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ ) ( ق : 22 )  ، و عندئذٍ ينظر المؤمن‌ إلى أسماء الله وصفاته‌ الحسنى‌ ، وجلاله‌ وجماله‌ ، وجبروته ‌وكبريائه‌ تعالى‌ ، من‌ غير حجاب‌ . وهو أعظم‌ اللّذات‌ عند المؤمنين‌ ، أين ‌منها الجنة‌ ونعيمها وحورها ، وما خلق‌ الله فيها من‌ نعيم‌ ؟

وفي‌ مكارم‌ الأخلاق‌ عن‌ رسول‌ الله ( صلَّى الله عليه وآله ) : ( يا بن‌ مسعود ، قصّر أملك . فإذا أصحت ، فقل‌ : إنِّي لا أُمسي . وإذا أمسيت ، فقل‌ : إنِّي لا أُصبح . واعزم‌ على مفارقة‌ الدنيا ، وأحب‌ لقاء الله ولا تكره‌ لقاءه‌ ، فإنَّ الله يحب‌ّ لقاء مَن‌ يحب‌ّ لقاءه‌ ، ويكره‌ لقاء مَن ‌يكره‌  لقاءه ) (10) .

و عن‌ رسول‌ الله ( صلَّى الله عليه وآله ) : ( إنّ النور إذا دخل‌ الصدر انفسح ) ، قيل‌ : هل‌ لذلك‌ من‌ علم يُعرف ؟ قال‌ : ( نعم‌ ، التجافي‌ عن‌ دار الغرور ، و الإنابة‌ إلى دار الخلود ، و الاستعداد للموت‌ قبل‌ نزوله ) (11) .

و عن‌ علي‌ ( عليه السلام ) : ( شوِّقو أنفسكم‌ إلى نعيم‌ الجنة‌ ؛ تحبّوا الموت‌ وتمقتوا الحياة ) (12) .

مشهد من‌ مشاهد الاستماتة‌ في‌ الطف‌ :

وفيما يلي‌ أستعرضُ مشهداً واحداً من‌ مشاهد الاستماتة‌ والاستهانة‌ بالموت‌ ، والتشوُّق إلى لقاء الله في‌ الطف‌ ، وهو من‌ أروع‌ ما يعرفه‌ التاريخ‌ برواية‌ السيد المقرّم‌ في‌ " المقتل‌ " .

جمع‌ الإمام أصحابه‌ وأهل‌ بيته‌ ليلة‌ العاشر من‌ المحرّم‌ ، وطلب‌ منهم‌ أن‌ ينطلقوا في‌ رحاب‌ الأرض‌ ويتركوه‌ وحده‌ ، وقد أراد أن‌ يكونوا على ‌هدى‌ وبيّنة‌ من‌ أمرهم‌ ، فقال‌ لهم‌ :

( أُثني‌ على الله أحسن‌ الثناء ، وأحمده‌ على السرّاء والضرّاء ، اللّهم‌ إنِّي‌ أحمدك‌ على‌ أن‌ أكرمتنا بالنبوّة‌ ، وجعلت‌ لنا أسماعاً وأبصاراً وأفئدة‌ ، وعلّمتنا القرآن‌ ، وفقّهتنا في‌ الدّين‌ ، فاجعلنا لك‌ من‌ الشاكرين‌ .

أمّا بعد ، فإنِّي‌ لا أعلم أصحاباً أوفى‌ ولا خيراً من ‌أصحابي‌ ، ولا أهل‌ بيت‌ أبرَّ ولا أوصل‌ من‌ أهل‌ بيتي‌ ، فجزاكم‌ الله جميعاً عني‌ خيراً . ألا وإنِّي‌ لأظن‌ يومنا من‌ هؤلاء الأعداء غداً ، وإنِّي قد أذنت‌ لكم‌ جميعاً ، فانطلقوا في‌ حلٍّ ليس‌ عليكم‌ منّي‌ ذِمام . هذا الليل‌ قد غشيكم‌ فاتخذوه‌ جملاً ، وليأخذ كل‌ رجل‌ منكم‌ بيد رجل‌ من‌ أهل‌ بيتي‌ ، فجزاكم‌ الله جميعاً ، ثُمَّ تفرّقوا في‌ البلاد في‌ سوادكم‌ ومدائنكم‌ ، حتّى يفرّج‌ الله ؛ فإنَّ القوم‌ إنَّما يطلبونني‌ ، ولو أصابوني‌ لَهَو عن‌ طلب‌  غيري ) .

جواب‌ أهل‌ بيته‌ :

ولم‌ يكد يفرغ‌ الإمام من‌ كلماته‌ حتّى هبّت‌ الصفوة‌ الطيّبة‌ من‌ أهل ‌بيته‌ ، وهم‌ يعلنون‌ اختيار الطريق‌ الذي‌ يسلكه‌ ، ويتّبعونه‌ في‌ مسيرته‌ ، ولا يختارون‌ غير منهجه‌ ، فانبروا جميعاً وعيونهم‌ تفيض‌ دموعاً ، قائلين‌ : (لِمَ نفعل‌ هذا ؟ لنبقى بعدك‌ ؟! لا أرانا الله ذلك‌ أبداً ) . بداهم‌ بهذا القول‌ أخوه‌ أبو الفضل‌ العبّاس‌ ، وتابعته‌ الفتّية‌ الطيّبة‌ من ‌أبناء الأُسرة النبويّة‌ .

وألتفت الإمام إلى أبناء عمّه‌ من‌ بني‌ عقيل‌ ، فقال‌ لهم‌ : ( حسبكم‌ من‌ القتل‌ بمسلم‌ ، اذهبوا فقد أذنت‌ لكم ) .

و هبّت‌ فتية‌ آل‌ عقيل‌ تتعالى‌ أصواتهم‌ قائلين‌ ـ بلسان‌ٍ واحدٍ ـ :

( ومَ نقول‌ للناس‌ ؟ نقول‌ : تركنا شيخنا وسيّدنا وبني‌ عمومتنا خير الأعمام‌ ، ولم‌ نرمِ‌ معهم‌ بسهم‌ ، ولم‌ نطعنَ‌ معهم‌ برمح‌ ، ولم‌ نضرب‌ بسيف‌ ، ولا ندري‌ ما صنعوا ؟ لا والله لا نفعل‌ ، ولكنَّنا نفديك‌ بأنفسنا وأموالنا وأهلينا ، ونقاتل‌ معك‌ حتّى‌ نرد موردك‌ ، فقبّح‌ الله العيش‌ بعدك ) .

جواب‌ أصحابه‌ :

إنبرى مسلم‌ بن‌ عوسجة‌ و دموعه‌ تتبلور على وجهه‌ ، فخاطب‌ الإمام قائلاً : ( أنحن‌ نخلّي‌ عنك‌ ؟! وبماذا نعتذر إلى الله في ‌أداء حقِّك ؟ أمَا والله لا اُفارقك‌ حتّى‌ أطعن‌ في‌ صدورهم‌ برمحي‌ ، وأضرب‌ بسيفي‌ ما ثبت‌ قائمه ‌بيدي . ولو لم‌ يكن‌ معي‌ سلاح‌ اُقاتلهم‌ ، لقذفتهم‌ بالحجارة‌ حتّى‌ أموت معك ) .

و تكلّم‌ سعد بن‌ عبد الله الحنفي‌ قائلاً : ( والله ، لا نخلّيك‌ حتّى‌ يعلم‌ الله إنّا قد حفظنا غيبة‌ رسوله‌ فيك‌ . أمَا والله لو علمتُ‌ أنِّي أُقتل ، ثم‌ّ أحيا ، ثم‌ّ أُحرق ، ثم‌ أُذرى ، يفعل‌ بي‌ ذلك‌ سبعين‌ مرّة‌ ، لَمَا فارقتك‌ حتّى ألقى حِمامي دونك‌ ، وكيف‌ لا أفعل ذلك‌ وإنَّما هي‌ قتلة‌ واحدة‌ ، ثم‌َّ هي‌ الكرامة‌ التي‌ لا انقضاء لها أبداً ) .

و قال‌ زهير : ( والله ، لوددت‌ أنِّي قُتلت‌ ، ثم‌ نُشرت‌ ، ثم‌َّ قُتلت‌ ، حتّى أُقتل كذا ألف‌ مرّة‌ ، وإنَّ الله عزّ وجلَّ‌ يدفع‌ بذلك‌ القتل‌ عن‌ نفسك‌ ، وعن ‌أنفس‌ هؤلاء الفتيان‌ من‌ أهل‌ بيتك‌ ... ) .

وانبرى بقية‌ أصحاب الإمام ، فأعلنوا الترحيب‌ بالموت‌ في‌ سبيله‌ ، والتفاني‌ في‌ الفداء من‌ أجله ، فجزَّاهم‌ الإمام خيراً ، وأكَّد لهم‌ جميعاً أنَّهم ‌سيُلاقون‌ حتفهم ،‌ فهتفوا جميعاً : ( الحمد لله الذي‌ أكرمنا بنصرك‌ ، وشرّفنا بالقتل‌ معك‌ ، أو لا ترضى‌ أن‌ نكون‌ معك‌ في‌ درجتك‌ يابن‌ رسول‌ الله ) .

لقد اختبرهم‌ الإمام فوجدهم‌ من‌ خيرة‌ الرجال‌ صدقاً ووفاءً ، قد أشرقت‌ نفوسهم‌ بنور الإيمان‌ ، وتحرّروا من‌ جميع‌ شواغل‌ الحياة‌ ، وكانوا ـ فيما يقول‌ المؤرِّخون‌ ـ في‌ ظمأ إلى الشهادة‌ ؛ ليفوزوا بنعيم‌ الآخرة‌ .

وقال‌ محمد بن‌ بشير الحضرمي‌ ـ وكان‌ قد بلغه‌ أنَّ ابنه‌ قد أُسر بثغر الرّي‌ ـ فقال‌ : ( ما أُحبُّ أن‌ يُؤسر ابني‌ وأنا أبقى بعده‌ حيّاً ) ، فاستشعر الإمام من ‌هذه‌ الكلمات‌ رغبته‌ في‌ إنقاذ ابنه‌ من‌ الأسر ، فأذن‌ له‌ في‌ التخلِّي عنه‌ قائلاً : ( أنت‌ في‌ حلٍّ ، فأعمل في‌ فكاك‌ وَلَدك ) ، فقال‌ : أكلتني‌ السباع‌ حيَّاً إن ‌فارقتك‌ ... ) .

فلمّا أن‌ استوثق‌ الحسين‌ من‌ إقبالهم‌ على الموت ،‌ وعزمهم‌ على ‌الشهادة‌ في‌ سبيل‌ الله ، قال‌ لهم‌ : ( ياقومُ ، إنِّي غداً أُقتل ، وتقتلون‌ كلُّكم‌ معي‌ ، ولا يبقى منكم‌ واحد ) .

فقالوا : الحمد لله الذي‌ أكرمنا بنصرك‌ ، وشرّفنا بالقتل‌ معك‌ ، أولا ترضى‌ أن‌ نكون‌ معك‌ في‌ درجتك‌ يابن‌ رسول‌ الله ؟

فقال‌ : ( جزاكم‌ الله خيراً ) ، ودعا لهم‌ بخير .

فقال‌ له‌ القاسم‌ بن‌ الحسن‌ ( عليه السلام ) : وأنا فيمَن يُقتل‌ ؟ فأشفق‌ عليه‌ ، فقال‌ : ( يا بنيَّ ، كيف‌ الموت‌ عندك‌ ؟ )

قال‌ : يا عم‌ُ ، أحلى من‌ العسل .

فقال‌ : ( إي‌ والله فداك‌ عمّك‌ ، إنَّك لأحد مَن‌ يُقتل‌ من‌ الرجال‌ معي‌ بعد أن‌ تبلوَ ببلاء عظيم‌ ، وابني‌ عبد الله ( الرضيع‌ ) ) .

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــ

* المقالة منقولة من : مركز الإشعاع الإسلامي للدراسات والبحوث الإسلامية . تصحيح وتقويم قسم المقالات في شبكة الحسنين (عليهما السلام) للتراث والفكر الإسلامي .

 1 ـ  بحار الأنوار : 44 / 367 .

 2 ـ  اللهوف : 38 .

 3 ـ  بحار الأنوار : 44 / 366 .

4 ـ خصال الصدوق : 120 .

 5 ـ  الكافي : 2 / 458 .

6 ـ  بحار الأنوار : 6 / 129 .

 7 ـ اللهوف : 58 .


source : alhassanain
0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخر المقالات

مواعظه (ع)
من كلام السيد القائد الخامنئي (دام ظلّه) في ذكرى ...
كرامات الإمام الحسين ( عليه السلام ) بعد مقتله من ...
الإمام الحسين والقرآن الكريم
قصيدة تلقى قبل اذان الصبح في حضرة الامام الحسين ...
اصحاب الامام الحسين عليه السلام يوم الطف
زيارة الناحية المقدسة
شعر الإمام الحسين ( عليه السلام )
مِن فضائل زیارة الحسین علیه السلام
صفات الإمام الحسين ( عليه السلام ) الجسمية وهيبته

 
user comment