هناک العدید من الآیات القرآنیة التی تحثّ الإنسان على الدعاء إلى الله تعالى، وتؤکّد أنّ الله تعالى یجیب الدعاء. فالله سبحانه وتعالى قریب وباب الاتصال به مفتوح على الدوام من خلال الدعاء. وهناک الکثیر من الروایات التی توصی الإنسان بالدعاء أیضاً، کالروایة عن الإمام الصادق علیه السلام: "علیکم بالدعاء، فإنّکم لا تقربون بمثله" (1).
﴿وَإِذَا سَأَلَکَ عِبَادِی عَنِّی فَإِنِّی قَرِیبٌ أُجِیبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْیَسْتَجِیبُواْ لِی وَلْیُؤْمِنُواْ بِی لَعَلَّهُمْ یَرْشُدُون﴾ (2).
الدعاء عبادة
﴿وَقَالَ رَبُّکُمُ ادْعُونِی أَسْتَجِبْ لَکُمْ إِنَّ الَّذِینَ یَسْتَکْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِی سَیَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِینَ﴾ (3)، وهذه الآیة الکریمة تأکد على حقیقة أن الدعاء هو من مصادیق عبادة الله سبحانه وتعالى، فهما یشترکان فی حقیقة واحدة، هی إظهار الخشوع والخضوع لله تعالى، وهو هدف الخلق وعلته، قال تعالى:﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِیَعْبُدُونِ﴾ (4)، وهذا ما تشیر إلیه الروایات أیضاً، کالروایة عن رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم: " الدعاء مخّ العبادة، ولا یهلک مع الدعاء أحد" (5)، وعن الإمام الصادق علیه السلام: " إنّ الدعاء هو العبادة" (6)، وفی روایة أخرى أن شخصاً سأل الإمام الباقر علیه السلام: أی العبادة أفضل ؟ فقال علیه السلام: " ما من شیء أفضل عند الله عز وجل من أن یسأل ویطلب مما عنده" (7).
وإذا کان الدعاء عبادة فهذا یعنی أنّه مطلوب ومحبوب عند الله تعالى فی جمیع الحالات، وأنّه هدف بنفسه، ومصداق لأهم الأهداف الإلهیة، کما هو واضح فی الآیة التی أشرنا إلیها سابقاً ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِیَعْبُدُونِ﴾.
وهذا یفسر الروایات التی تحدثت عن التأخر فی استجابة ا لدعاء بعض الأحیان، حیث ورد عن رسول الله صلى الله علیه وآله وسلم: "إنّ الله لیتعهّد عبده المؤمن بأنواع البلاء، کما یتعهّد أهل البیت سیّدهم بطرف الطعام، قال الله تعالى: "وعزتی وجلالی وعظمتی وبهائی إنّی لأحمی ولیّی أن أعطیه فی دار الدنیا شیئاً یشغله عن ذکری حتى یدعونی فأسمع صوته، وإنّی لأعطی الکافر منیته حتى لا یدعونی فأسمع صوته بغضاً له" (8).
وعن الإمام الصادق علیه السلام أنه قال: "إنّ المؤمن لیدعو الله عز وجل فی حاجته، فیقول الله عز وجل: أخّروا إجابته شوقاً إلى صوته ودعائه، فإذا کان یوم القیامة قال الله عز وجل: عبدی، دعوتنی فأخّرت إجابتک، وثوابک کذا وکذا، ودعوتنی فی کذا وکذا فأخّرت إجابتک وثوابک کذا وکذا، قال: فیتمنى المؤمن أنه لم یستجب له دعوة فی الدنیا مما یرى من حسن الثواب" (9). وعن الإمام الرضا علیه السلام: "إن الله یؤخّر إجابة المؤمن شوقاً إلى دعائه، ویقول: صوت أحبّ أن أسمعه..." (10).
وهذا کله یؤکد على أنّ الدعاء نفسه غایة، ولعل برکته فی کثیر من الأحیان أهمّ من برکة استجابة مضمونه.
الافتقار إلى الله تعالى
﴿قُلْ مَا یَعْبَأُ بِکُمْ رَبِّی لَوْلَا دُعَاؤُکُمْ فَقَدْ کَذَّبْتُمْ فَسَوْفَ یَکُونُ لِزَامًا﴾ (11)، إن الدعاء والعبادة یعکسان الإحساس بالخضوع والفقر والرغبة فیما عنده تعالى، هذا الإحساس المتأصّل فی وجدان الإنسان. والذی یظهر حتى عند الغافلین فی بعض الظروف التی تستثیر هذا الإحساس، یقول تعالى﴿وَإِذَا مَسَّکُمُ الْضُّرُّ فِی الْبَحْرِ ضَلَّ مَن تَدْعُونَ إِلاَّ إِیَّاهُ فَلَمَّا نَجَّاکُمْ إِلَى الْبَرِّ أَعْرَضْتُمْ وَکَانَ الإِنْسَانُ کَفُورًا﴾ (12)،﴿وَإِذَا مَسَّ الإِنسَانَ الضُّرُّ دَعَانَا لِجَنبِهِ أَوْ قَاعِدًا أَوْ قَآئِمًا فَلَمَّا کَشَفْنَا عَنْهُ ضُرَّهُ مَرَّ کَأَن لَّمْ یَدْعُنَا إِلَى ضُرٍّ مَّسَّهُ کَذَلِکَ زُیِّنَ لِلْمُسْرِفِینَ مَا کَانُواْ یَعْمَلُونَ﴾ (13)، ﴿وَإِذَا مَسَّ النَّاسَ ضُرٌّ دَعَوْا رَبَّهُم مُّنِیبِینَ إِلَیْهِ ثُمَّ إِذَا أَذَاقَهُم مِّنْهُ رَحْمَةً إِذَا فَرِیقٌ مِّنْهُم بِرَبِّهِمْ یُشْرِکُونَ﴾ (14). وهذا کله یشیر إلى حقیقة واحدة تشیر إلیها الآیة الکریمة﴿یَا أَیُّهَا النَّاسُ أَنتُمُ الْفُقَرَاء إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِیُّ الْحَمِیدُ﴾ (15).
فالإنسان فقیر محتاج لفیض الله ورحمته تعالى بشکل دائم ومستمر، وفی کل الظروف والأحوال، وعلى هذا القلب أن یکون خاشعاً متوجّهاً لله تعالى، شاعراً بهذا الفقر وهذه الحاجة، ملتمساً لذلک الفیض وتلک الرحمة فی جمیع الظروف والحالات، فی الشدة والرخاء، وقد ورد عن رسول الله ص موصیاً الفضل بن العباس: "احفظ الله یحفظک، احفظ الله تجده أمامک، تعرّف إلى الله فی الرخاء یعرفک فی الشدّة " (16)، وعن الإمام أمیر المؤمنین علی علیه السلام أنّه کان یقول: "ما من أحد ابتلی وإن عظمت بلواه أحقّ بالدعاء من المعافى الذی لا یأمن البلاء" (17). وعن الإمام أبی الحسن علیه السلام: "إن أبا جعفر علیه السلام کان یقول: ینبغی للمؤمن أن یکون دعاؤه فی الرخاء نحواً من دعائه فی الشدة، لیس إذا أعطی فتر، فلا تملّ الدعاء، فإنّه من الله عز وجل بمکان" (18).
کیف یکون الدعاء ؟
على المشتغل بالدعاء أن یعلم أنّه یقف بین یدی العزیز المقتدر، ویتوجه بخطابه لجبار السماوات والأرض، ومالک الملک، ویتوقع أن یحظى برعایة الله تعالى ورحمته بحیث یستجیب لدعائه، وهذا کلّه یستوجب أن یلتفت إلى الآداب الواردة فی الروایات لتعلّمنا کیف نکون على أفضل حال من جهة التأدب أمام جبار السماوات والأرض، وکیف نکون أقرب لقبول الدعاء واستجابته.
المصادر :
1- وسائل الشیعة - الحر العاملی مؤسسة أهل البیت - الطبعة الثانیة 1414 هـ.ق..- ج7 – ص 30.
2- البقرة:186
3- غافر:60
4- الذاریات:56
5- بحار الأنوار- مؤسسة الوفاء،الطبعة الثانیة المصححة – ج90 – ص 300.
6- وسائل الشیعة - مؤسسة أهل البیت - الطبعة الثانیة 1414 هـ.ق..- ج 7 – ص 23.
7- وسائل الشیعة - مؤسسة أهل البیت - الطبعة الثانیة 1414 هـ.ق..- ج7 – ص30.
8- بحار الأنوار- مؤسسة الوفاء،الطبعة الثانیة المصححة - ج90 – ص 371.
9- وسائل الشیعة - مؤسسة أهل البیت - الطبعة الثانیة 1414 هـ.ق..- ج7 – ص62.
10- بحار الأنوار- مؤسسة الوفاء،الطبعة الثانیة المصححة - ج 90 – ص370.
11- الفرقان:77.
12- الإسراء:67.
13- یونس:12.
14- 14- الروم:33.
15- فاطر:15.
16- وسائل الشیعة - مؤسسة أهل البیت - الطبعة الثانیة 1414 هـ.ق..- ج 7 – ص42.
17- المصدر السابق
18- وسائل الشیعة - مؤسسة أهل البیت - الطبعة الثانیة 1414 هـ.ق..- ج7 – ص61.