أحاديث المهدي :
ألف علماء الإمامية كتباً خاصة في المهدي، منهم محمد بن إبراهيم النعماني، والصدوق، والشيخ الطوسي، والمجلسي الذي خصص له المجلد الثالث عشر من بحاره، وذكر هؤلاء العلماء وغيرهم كل ما يتصل بالمهدي من الأحاديث النبوية، بخاصة ما جاء في كتب السنة، وبصورة أخص الصحاح الستة، وقد استقصاها السيد محسن الأمين في القسم الثالث من الجزء الرابع من «أعيان الشيعة» طبعة سنة 1954، ورغم ثقتي بهؤلاء الأعلام، ويقيني بصدقهم عما ينقلونه عن غيرهم فإني تتبعت بنفسي ما تيسر لي مراجعته من كتب السنة، خشية الاشتباه بالنقل، أو في فهم الحديث وقبوله للتأويل، ولأن القدامى وأكثر الجدد من علمائنا ينقلون عن الكتاب الذي يبلغ المجلدات دون أن يشيروا إلى رقم الصفحة، ولا تاريخ الطبع، حتى ولا اسم المجلد، وربما اكتفوا بالقول «جاء في كتب السنة أو قال السنة».
وأكتفي هنا بنقل ما جاء في ثلاثة كتب من الصحاح الستة(1) لأن لفظ أحاديثها هو بالذات لفظ الأحاديث المروية في كتب الإمامية. قال ابن ماجة في سننه ج 2 طبعة سنة 1953 الحديث رقم 4082 :
«قال رسول اللّه : إنا أهل بيت اختار اللّه لنا الآخرة على الدنيا، وإن أهل بيتي سيلقون بعدي بلاءً شديداً، وتطريداً، حتى يأتي قوم من قبل المشرق معهم رايات سود، فيسألون الخير فلا يعطونه، فيقاتلون فينتصرون، فيعطون ما سألوا، فلا يقبلونه، حتى يدفعونها إلى رجل من أهل بيتي، فيملأها قسطاً، كما ملئت جوراً».
والحديث رقم 4083 :
«قال رسول اللّه : يكون في أمتي المهدي، إن قصر فسبع، وإلا فتسع، تنعم فيه أمتي نعمة لم تنعم مثلها قط، تأتي أكلها، ولا تدخر منه شيئاً، والمال يومئذ كدوس، فيقوم الرجل يقول :
يا مهدي أعطني. فيقول : خذ».
والحديث رقم 4085 : «المهدي منا أهل البيت».
والحديث رقم 4086 : «المهدي من ولد فاطمة».
والحديث رقم 4087 : «نحن بني عبد المطلب سادة أهل الجنة : أنا وحمزة وعلي وجعفر والحسن والحسين والمهدي».
وقال أبو داود السجستاني في سننه ج 2 طبعة سنة 1952 ص 422 وما بعدها :
«قال رسول اللّه : لو لم يبق من الدنيا إلا يوم لطول اللّه ذلك اليوم، حتى
_______________
(1) كتب الحديث الصحيحة عند السنة : البخاري، ومسلم، وأبو داود، والترمذي، والنسائي، وابن ماجة.
يبعث رجلاً من أهل بيتي يواطئ اسمه اسمي، واسم أبيه اسم أبي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً، كما ملئت ظلماً وجوراً».
وفي حديث آخر : «المهدي مني. يملأ الأرض قسطاً وعدلاً، كما ملئت ظلماً وجوراً، ويملك سبع سنين».
وجاء في صحيح الترمذي ج 9 طبعة سنة 1934 ص 74 :
«قال رسول اللّه : لا تذهب الدنيا، حتى يملك العرب رجل من أهل بيتي يواطئ اسمه اسمي».
وفي ص 75 : «قال رسول اللّه : يلي رجل من أهل بيتي يواطئ اسمه اسمي، ولو لم يبق من الدنيا إلا يوم واحد لطول اللّه ذلك اليوم، حتى يلي».
وجاء في كتاب «كنور الحقائق» للإمام المناوي المطبوع مع كتاب «الفتح المبين» سنة 1317 هجري ص 3 : «ابشري يا فاطمة المهدي منك».
هذا المهدي الذي أثبته الإمام المناوي وصحاح السنة، وكثير من مؤلفاتهم هو بالذات المهدي المنتظر الذي قالت به الإمامية، فإذا كان المهدي خرافة وأسطورة فالسبب الأول والأخير لهذه الأسطورة هو رسول اللّه. تعالى اللّه ورسوله علوّاً كبيراً، حتى لفظ «يملأ الأرض قسطاً وعدلاً بعد ما ملئت ظلماً وجوراً»، حتى هذه الجملة التي عابوها على الإمامية، وسخروا منها ومنهم هي بحروفها للرسول الأعظم، لا للإمامية، فإن يك من ذنب فالنبي هو المسؤول.
حاشا اللّه والرسول.
إن الذين يسخرون من فكرة المهدي إنما يسخرون من الإسلام، ونبي الإسلام، من حيث يشعرون أو لا يشعرون. وينطبق عليهم الحديث الذي نقله صاحب الأعيان في الجزء الرابع عن «فوائد السمطين» لمحمد بن إبراهيم الحموني الشافعي عن النبي «من أنكر خروج المهدي فقد كفر بما أنزل على محمد».
قال بعض المؤلفين : «اخترع الشيعة فكرة المهدي لكثرة ما لاقوه وعانوه من العسف والجور، فسلوا أنفسهم، ومنوها بالمهدي الذي يملأ الأرض عدلاً، وينصفهم من الظالمين والمجرمين».
ولو كان هذا القائل على شيء من العلم بسنة الرسول لما قال هذا، لقد تخيل أشياء لا أصل لها ولا أساس، ثم أعلنها على أنها عين الحق والواقع، ولست أعرف أحداً أجهل وأجرأ على الباطل ممن يكتب في موضوع ديني، ويعطي أحكاماً قاطعة، قبل أن يرجع إلى كتاب اللّه وسنة الرسول، وقبل أن يبحث وينقب عن أقوال العلماء وآرائهم. إن العلم هو معرفة الشيء عن دليله، أما القول بالظن والتخرص، كما فعل الذين أنكروا وجود المهدي فجهالة وضلالة.
وبالتالي، فإن الإمامية لولا هذه الأحاديث التي أوردها أصحاب الصحاح لكانوا في غنى عن القول بالمهدي، وبكل ما يتصل به من قريب أو بعيد، ولكن ما العمل، وهم يتلون قوله تعالى «ما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا».
وبكلمة لقد أخبر النبي بالمهدي فوجب التصديق به، تماماً كما وجب التصديق بمن سبق من الأنبياء، لأن القرآن الكريم أخبر عنهم.
ورب قائل : إن الأحاديث النبوية التي نقلتها عن صحاح السنة إنما دلت على خروج المهدي في آخر الزمان، دون أن تتعرض من قريب أو بعيد إلى وقت ولادته. إذن فمن الجائز أنه يولد في القرن الذي يخرج فيه، لا أنه قد ولد بالفعل وقبل خروجه بقرون، كما قال الإمامية.
الجواب :
إن القول بخروج المهدي وولادته، وكل ما يتصل به لا مستند له إلا الأحاديث النبوية، غاية الأمر أن خروجه في آخر الزمان ثبت بطريق السنة والإمامية، أما ولادته فقد ثبتت بطريق الإمامية فقط، وليس من الضروري لأن يؤمن المسلم بشيء أن يثبت بطريق الفريقين، وإنما الواجب أن يؤمن بما يثبت عنده، على شريطة أن لا يناهض إيمانه حكم العقل ويصادمه، وقد بينّا أن بقاء المهدي حياً تماماً كالخوارق التي حدثت لإبراهيم وداود وسليمان وموسى وعيسى وغيرهم من الأنبياء، لا تتنافى وشيئاً مع حكم العقل بالإمكان، لأنها قد حدثت بالفعل، والدالّ على الوقوع دالّ على الإمكان بالضرورة.
هذا، وإن جماعة من كبار علماء السنة قالوا بمقالة الإمامية، وآمنوا بأن المهدي قد ولد، وأنه ما زال حياً، وقد ذكر السيد الأمين أسماءهم في الجزء الرابع من الأعيان، ونقل الثناء على علمهم والثقة بدينهم عن كثير من المصادر المعتبرة عند السنة، وهم :
1 - كمال الدين محمد بن طلحة الشافعي في كتابه «مطالب السؤول في مناقب آل الرسول».
2 - محمد بن يوسف الكنجي الشافعي، في كتابيه «البيان في أخبار صاحب الزمان». و«كفاية الطالب في مناقب أمير المؤمنين علي بن أبي طالب».
3- علي بن محمد الصباغ المالكي في كتابه «الفصول المهمة».
4 - أبو المظفر يوسف البغدادي الحنفي المعروف بسبط ابن الجوزي في كتابه «تذكرة الخواص».
5 - محيي الدين بن العربي الشهير في كتابه «الفتوحات المكية».
6 - عبد الرحمن بن أحمد الدشني الحنفي.
7 - عبد الوهاب الشعراني في كتابه «عقائد الأكابر».
8 - عطاء اللّه بن غياث الدين في كتابه «روضة الأحباب في سيرة النبي والآل والأصحاب».
9 - محمد بن محمد البخاري المعروف بخواجة بارسا الحنفي في كتابه «فصل الخطاب».
10 - العارف عبد الرحمن في كتابه «مرآة الأسرار».
11 - الشيخ حسن العراقي.
12 - أحمد بن إبراهيم البلاذري في «الحديث المتسلسل».
13 - عبد اللّه بن أحمد المعروف بابن الخشاب في كتابه «تواريخ مواليد الأئمة ووفياتهم».
هذي هي مسألة المهدي المنتظر عرضناها على العقل فلم ينكرها، وعلى القرآن الكريم فوجدنا لها اشباهاً ونظائر، وعلى سنة الرسول فكانت هي المصدر الأول، وعلى علماء السنة فألفيناهم مجمعين عليها، ومنهم هؤلاء الذين قالوا : إنه ولد، وإنه حي إلى أن يأذن اللّه، فأين مكان الغرابة والخرافة في قول الإمامية ؟!
وكأني بقائل : ما لك ولهذي الموضوعات التي أكل الدهر عليها وشرب ؟ أليس من الأجدر والأليق بك، وبالصالح العام أن تعرض عن هذه إلى أوضاعنا وضياعنا، إلى الحديث عن الحلول لما نعانيه من مشاكل وآلام.
قلت : أجل، واللّه. نحن في أشد الحاجة إلى الأفعال لا إلى الأقوال. إلى السكوت عما مضى وكان، والاهتمام بما هو كائن ويكون. ولكن ماذا نصنع ؟ ونحن نقرأ بين الحين والحين كتاباً أو مقالاً يكفر الملايين، ويطعنها في أقدس مقدساتها، وينعتها بالجهل والسخف، وأنها لا تصلح للحياة ولا لشيء إلا للسخرية والاستهزاء، وأن التشيع الذي تتمذهب به لا يعد من المذاهب الإسلامية في شيء وإنما هو دين ابتدعه أعداء الإسلام، وخصوم الإنسانية ؟!
ماذا نصنع ؟ هل يجب أن نسكت ونتغاضى عن هذه الهجمات والحملات ؟ هل يحرم علينا الدفاع عن النفس، وبيان الحقيقة، وإبطال التهم الكاذبة التي تزاداد وتتفاقم بالتجاهل والإغضاء ؟! ثم هل يجتمع شمل المسلمين، وتتحد كلمتهم بهذه النزوات والضلالات، أو بإثبات أن ما قاله الإمامية في المهدي وغير المهدي هو من الإسلام في الصميم. وهذي هي المهمة التي يضطلع بها هذا الكتاب.