عربي
Wednesday 25th of December 2024
0
نفر 0

اللسان نعمة ونقمة

من النعم الإلهية التي أنعم الله بها على الإنسانِ من جملة خلقِه الذي خَلقه في أحسن تقويم، نعمة اللسان والبيان والنطق، التي تميزه عن باقي المخلوقات، قال تعالى: "الرحْمَن * عَلمَ الْقرْآنَ * خَلَقَ الْإِنسَانَ * عَلمَه الْبَيَانَ "(1)، وكذلك قوله: "أَلَمْ نَجْعَل له عَيْنَيْنِ * وَلِسَانًا وَشَفَتَيْنِ"(2).
اللسان نعمة ونقمة

من النعم الإلهية التي أنعم الله بها على الإنسانِ من جملة خلقِه الذي خَلقه في أحسن تقويم، نعمة اللسان والبيان والنطق، التي تميزه عن باقي المخلوقات، قال تعالى: "الرحْمَن * عَلمَ الْقرْآنَ * خَلَقَ الْإِنسَانَ * عَلمَه الْبَيَانَ "(1)، وكذلك قوله: "أَلَمْ نَجْعَل له عَيْنَيْنِ * وَلِسَانًا وَشَفَتَيْنِ"(2).
وقال أمير المؤمنين عليه السلام: "ما الإنسان لولا اللسان إلا صورة ممثلة أو بهيمة مهملة"(3).
ولذا لا بد لنا من شكر الله على هذه النعمة وإعطائها حقها، بتسخيرها والاستفادة منها فيما يرضي الله عز وجل ولا يسخطه، فبهذا اللسان يصل الإنسان إلى أعلى المراتب والمقامات عبر ذكر الله، وإتيان الطاعات والإصلاح بين الناس والدعوة إلى الله، وبهذا اللسان أيضاً يهبط الإنسان إلى أسفل السافلين ودرك الجحيم إن سخره في معصية الله.
ومن هنا كان للسان حق لا بد من أدائه، قال الإمام السجاد عليه السلام في رسالة الحقوق:
"وحق اللسان إكرامه عن الخنا (الخنا: أي الفحش في الكلام.)، وتعويده الخير وترك الفضول التي لا فائدة لها، والبر بالناس وحسن القول فيهم"(4)
المعيار هو العقل
والمعيار في تقييم اللسان هو العقل والجهل، فبالعقل ترجح كفته وبالجهل يسقط ويهوي.
قال أمير المؤمنين عليه السلام: "اللسان معيارٌ أرجحه العقل وأطاشه الجهل"(5).
وبهذا اللسان يفتح الإنسان أبواب الخير وبه أيضاً يفتح أبواب الشر، لكن العبرة فيما يتكلم وفيما لا يتكلم، ومتى يتكلم ومتى لا. ورد في الحديث الشريف عن الإمام الباقر عليه السلام قال: "كان أبو ذر يقول في عظته: يا مبتغي العلم، إن هذا اللسان مفتاح كل خيرٍ ومفتاح كل شرٍ، فاختم على فيك كما تختم على ذهبك وفضتك"(6).
مساوئ اللسان
إن مساوى‌ء اللسان كثيرة وعواقبه وخيمه، وهو سبب هلاك أكثر الناس ودخولهم النار.
وقد جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال: "يا رسول الله أوصني، قال صلى الله عليه وآله وسلم: احفظ لسانك، قال يا رسول اللهصلى الله عليه وآله وسلم: أوصني، قال صلى الله عليه وآله وسلم: احفظ لسانك، قال: يا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أوصني، قال صلى الله عليه وآله وسلم: احفظ لسانك، ويحك وهل يكب الناس على مناخرهم في النار إلا حصائد ألسنتهم"(7).
وبالرغم من أن المحرك لارتكاب المعاصي اللسانية هي النفس الأمارة بالسوء، وما اللسان إلا آلة لإظهار ما في النفوس خيرها وشرها، إلا أن ما ورد في القرآن الكريم هو التأكيد على أن الألسن، هي من تشهد يوم القيامة على أفعال الإنسان في الدنيا: "ييَوْمَ تَشْهَد عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتهمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجلهم بِمَا كَانوا يَعْمَلونَ"(8).
بل يعذب اللسان عذاباً شديداً كما في الرواية عن أبي عبد الله الصادق عليه السلام قال: "قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: يعذب الله اللسان بعذاب لا يعذب به شيئاً من الجوارح.
فيقول: يا رب عذبتني بعذابٍ لم تعذب به شيئاً.
فيقال له: خرجت منك كلمة فبلغت مشارق الأرض ومغاربها فسفك بها الدم الحرام، وانتهب بها المال الحرام وانتهك بها الفرج الحرام. وعزتي وجلالي لأعذبنك بعذابٍ لا أعذب به شيئاً من جوارحك"(9).
النميمة
قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم
أربعة يؤذون أهل النار على ما بهم من الأذى، يسقون من الحميم والجحيم، ينادون بالويل والثبور.
يقول أهل النار بعضهم لبعضٍ: ما بال هؤلاء الأربعةِ قد آذونا على ما بنا من الأذى.
1- فرجل معلق عليه تابوت من جمر.
2- ورجلٌ يجر أمعائه.
3- ورجل يسيل فوه قيحاً ودماً.
4- ورجلٌ يأكل لحمه
فيقال لصاحب التاوبت: ما بال الأبعد قد آذانا على ما بنا من الأذى فيقول: إن الأبعد مات وفي عنقه أموال الناس لم يجد لها أداءً ولا وفاء.
ثم يقال للذي يجر أمعائه: ما بال الأبعد قد آذانا على ما بنا من الأذى، فيقول: إن الأبعد كان لا يبالي أين أصاب البول من جسده.
ثم يقال للذي يسيل فوه قيحاً ودماً: ما بال الأبعد قد آذانا على ما بنا من الأذى، فيقول: إن الأبعد كان يحاكى فينظر إلى كل كلمة خبيثة فيسندها فيحاكي بها.
ثم يقال للذي يأكل لحمه: ما بال الأبعد قد آذانا على ما بنا من الأذى، فيقول: إن الأبعد كان يأكل لحوم الناس بالغيبة، ويمشي بالنميمة".(10)
قال الله تعالى: "وَلَا تطِعْ كل حَلافٍ مهِينٍ * هَمازٍ مشاء بِنَمِيمٍ * مَناعٍ للْخَيْرِ معْتَدٍ أَثِيمٍ* عتل بَعْدَ ذَلِكَ زَنِيمٍ".(11)
النميمة وآثارها
النميمة مرض نفسي لساني قاتل وخطير وهي تعني: "نقل قول الغير إلى المقول فيه سواء بالتكلم أو الكتابة أو الإشارة أو الرمز"(12).
وهي المصداق البارز لإشاعة الفاحشة في المجتمع المؤمن، لما فيه من الفساد والإفساد.
عن أبي عبد الله الصادق عليه السلام قال: "من قال في مؤمنٍ ما رأته عيناه وسمعته أذناه، فهو من الذين قال الله عز وجل "إِن الذِينَ يحِبونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَة فِي الذِينَ آمَنوا لَهمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ" (13)
وعنه عليه السلام قال: "وإن من أكبر السحر النميمة، يفرق بها بين المتحابين، ويجلب العداوة على المتصافين، ويسفك بها الدماء، ويهدم بها الدور ويكشف بها الستور، والنمام أشر من وطى‌ء الأرض بقدمٍ"(14).
وينبغي لكل من حملت إليه النميمة:
1- عدم التصديق: لقوله تعالى: "وَلَا تطِعْ كل حَلافٍ مهِينٍ * هَمازٍ مشاء بِنَمِيمٍ"(15).
2- التبين قبل ترتيب الأثر لقوله تعالى: "يَا أَيهَا الذِينَ آمَنوا إِن جَاءكمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَينوا أَن تصِيبوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتصْبِحوا عَلَى مَا فَعَلْتمْ نَادِمِينَ"(16).
3- أن ينهاه عن ذلك لقوله تعالى: "وَأْمرْ بِالْمَعْروفِ وَانْهَ عَنِ الْمنكَرِ"(17).
4- أن يبغضَ في الله‌ إذا علم منه معرفته بعمله وإصراره على فعله، لأنه ملعون بعيدٌ عن الله. ورد في الخبر عن أمير المؤمنين عليه السلام: "إياك والنميمة فإنها تزرع الضغينة وتبعد عن الله"(18).
5- أن لا تظن بأخيك السوء: "اجْتَنِبوا كَثِيرًا منَ الظن إِن بَعْضَ الظن إِثْمٌ" (19).
6- أن لا يحملك القول فيك على التجسس "وَلَا تَجَسسوا"(20).
7- أن لا ترضى لنفسك ما نهيت عنه، فتقع فيما وقع فيه غيرك.
ومن الجميل أن نتعلم من أهل البيت عليهم السلام كيفية التعاطي مع النمام.
روي عن أمير المؤمنين عليه السلام أنه أتاه رجل يسعى إليه برجلٍ، فقال له عليه السلام: "يا فلان نحن نسأل عما قلت، فإن كنت صادقاً مقتناك، وإن كنت كاذباً عاقبناك، وإن شئت أن نقيلك أقلناك، قال: أقلني يا أمير المؤمنين"(21)
آثار النميمة الدنيويـة والآخرويـة
1- الحقد والضغينة
عن الإمام علي عليه السلام: "إياك والنميمة فإنها تزرع الضغينة"(22).
وعن الإمام جعفرعليه السلام: "إياك والنميمة فإنها تزرع الشحناء في قلوب الرجال"(23).
2- غضب الله وهتك الستر
من كتاب الصادق عليه السلام إلى عبد الله النجاشي والي الأهواز، قال له: "إياك والسعاة وأهل النمائم، فلا يلتزقن بك أحدٌ منهم، ولا يراك الله يوماً وليلة وأنت تقبل منهم صرفاً ولا عدلاً، فيسخط الله عليك ويهتك سترك"(24).
3- شرار خلق الله‌
عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، قال: "ألا أخبركم بشراركم، قالوا بلى يا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، قال: المشاؤون بالنميمة، المفرقون بين الأحبة، الباغون للبراء العيب"(25).
4- عذاب القبر
عن الإمام علي عليه السلام قال: "عذاب القبر يكون من النميمة"(26).
5- عدم دخول الجنة
قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: "لا يدخل الجنة نمام"(27).
عبد نمـام‌
باع أحدهم عبداً وقال للمشتري ما فيه عيب إلا النميمة قال رضيت به.
فمكث الغلام أياماً ثم قال لزوجة مولاه: إن زوجك لا يحبك ويريد أن يتسرى(أي السرية وهي الزوجة الجارية مقابل الزوجة الحرة.)عليك فخذي بعض الشعر منه لأسحره لك.
ثم قال للزوج: إن امرأتك اتخذت خليلاً، وتريد أن تقتلك فتناوم(تصنع النوم.) لها حتى تعرف.
فتناوم فجاءته امرأته تحمل سكيناً فظن أنها تقتله فقتلها، وجاء أهل المرأة فقتلوا الزوج، ووقع القتال بين القبيلتين.
المفاهيم الأساس
1- إن اللسان الذي هو جزء من أجسامنا، وهو نعمة إلهية نؤدي حقها حين ينطق بما يرضي الله سبحانه ويصمت عما يسخطه.
2- إن للسان أمراض عديدة، منها مرض (النميمة) ذو الآثار الفاسدة والمفسدة في المجتمع.
3- إن من آثار النميمة في الدنيا شيوع الفاحشة، وتنامي الحقد والضغينة بين المؤمنين، أما في الآخرة لا يدخل النمام الجنة.
من وصية لقمان لابنه قال له
"يا بني لا يكن الديك أكيس منك وأكثر محافظة على الصلوات، ألا تراه عند كل صلاة يؤذن لها وبالأسحار يعلن بصوته وأنت نائم.
وقال: يا بني من لا يملك لسانه يندم، ومن يكثر المراء يشتم، ومن يدخل مداخل السوء يتهم، ومن يصاحب صاحب السوء لا يَسلم، ومن يجالس العلماء يغنم.
يا بني: لا تؤخر التوبة فإن الموت يأتي بغتة.
يا بني اجعل غناك في قلبك، وإذا افتقرت فلا تحدث الناس بفقرك فتهون عليهم، ولكن أسأل الله من فضله.
يا بني: كذب من يقول إن الشر يقطع بالشر، ألا ترى أن النار لا تطفأ بالنار، ولكن بالماء، وكذلك الشر لا يطفأ إلا بالخير.
يا بني: لا تشمت بالمصاب، ولا تعير المبتلى، ولا تمنع المعروف فإنه ذخيرة لك في الدنيا والآخرة.
يا بني: ثلاثة تجب مداراتهم: المريض، والسلطان، والمرأة. وكن قانعاً تعش غنياً، وكن متقياً تكن عزيزاً.
يا بني: من حين سقطت من بطن أمك استدبرت الدنيا واستقبلت الآخرة، وأنت في كل يومٍ إلى ما استقبلت أقرب منك إلى ما استدبرت، فتزود لدار أنت مستقبلها، وعليك بالتقوى فإنه أربح التجارات، وإذا أحدثت ذنباً فاتبعه بالاستغفار والندم والعزم
على ترك العود لمثله. واجعل الموت نصب عينيك والوقوف بين يدي خالقك، وتمثل شهادة جوارحك عليك بعملك، والملائكة الموكلين بك؛ تستحي منهم ومن ربك الذي هو مشاهدك. وعليك بالموعظة فاعمل بها فإنها عند العاقل أحلى من العسل الشهد، وهي على السفيه أشق من صعود الدرجة على الشيخ الكبير، ولا تسمع الملاهي فإنها تنسيك الآخرة، ولكن احضر الجنائز. وزر المقابر وتذكر الموت وما بعده من الأهوال فتأخذ حذرك.
يا بني: استعذ بالله من شرار النساء، وكن من خيارهن على حذر. يا بني: لا تفرح على ظلم أحدٍ بل احزن على ظلم من ظلمته.
يا بني: الظلم ظلمات ويوم القيامة حسرات، وإذا دعتك القدرة على ظلم من هو دونك فاذكر قدرة الله عليك.
يا بني: تعلم من العلماء ما جهلت، وعلم الناس ما علمت؛ تذكر بذلك في الملكوت.
يا بني: أغنى الناس من قنع بما في يديه، وأفقرهم من مد عينيه إلى ما في أيدي الناس. وعليك يا بني باليأس عما في أيدي الناس، والوثوق بوعد الله واسع فيما فرض عليك، ودع السعي فيما ضمن لك، وتوكل على الله في كل أمورك يكفيك، وإذا صليت فصل صلاة مودع تظن أن لا تبقى بعدها أبداً، وإياك ما تعتذر منه، فإنه لا يعتَذر من خير. وأحب للناس ما تحب لنفسك واكره لهم ما تكره لنفسك، ولا تقل ما لم تعلم. واجهد أن يكون اليوم خيراً لك من أمس وغداً خيراً لك من اليوم؛ فإنه من استوى يوماه فهو مغبون، ومن كان يومه شراً من أمسه فهو ملعون. وارضَ بما قسم الله لك؛ فإنه سبحانه يقول: أعظم عبادي ذنباً من لم يرض بقضائي، ولم يشكر نعمائي، ولم يصبر على بلائي".
المصادر :
1- سورة الرحمن، الآيات: 1 ـ 4.
2- سورة البلد، الآيتان: 8 و9.
3- غرر الحكم، ص209.
4- وسائل الشيعة، ج15، ص172.
5- غرر الحكم، ص211.
6- مستدرك الوسائل، ج9، ص24.
7- الكافي، ج2، ص115.
8- سورة النور، الآية: 24.
9- الكافي، ج2، ص115.
10- وسائل الشيعة، ج 12، ص 307.
11- القلم : 10 – 13
12- مجمع البحرين، ج6، ص180.
13- سورة النور، الآية: 19. /الكافي، ج2، ص357.
14- مستدرك الوسائل، ج9، ص151.
15- سورة القلم، الآيتان: 10 و11.
16- سورة الحجرات، الآية: 6.
17- سورة لقمان، الآية: 17.
18- غرر الحكم، ص222.
19- سورة الحجرات، من الآية: 12.
20- سورة الحجرات، من الآية: 12.
21- بحار الأنوار، ج72، ص270.
22- غرر الحكم، ص222.
23- بحار الأنوار، ج75، ص202.
24- وسائل الشيعة، ج17، ص207.
25- بحار الأنوار، ج72، ص212.
26- وسائل الشيعة، ج1، ص339.
27- بحار الأنوار، ج72، ص268.


source : rasekhoon
0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخر المقالات

الجبر والاختيار
حديث المنزلة ق(4)
[فصل ] [مذهب العباسية وانقراضهم ]
محمد صلى الله عليه وآله وسلم نبي الرحمة
هل العذاب في سورة المعارج دنيوي ام اخروي
آل البيت عند الشيعة
في إنا فاعلون
هل يوافق الكتاب المقدس على تعليم الكنيسة بأن ...
معاجز النبي محمد دليل نبوته
القرآن ومن الاحاديث عن رسول الله(صلى الله عليه ...

 
user comment