الإصلاح شعار الثورة
أمين محمد آل إبراهيم
مقدِّمة :
كثيرةٌ هي تلك الدموع التي يذرفها أبناء المجتمع ، كباره وصغاره ، رجاله ونساؤه ، على الإمام الحسين (سلام الله عليه) ، ولكن هل استحضر هؤلاء الباكون أهداف ثورة الإمام الحسين (عليه السلام) وعملوا بها ؟
بلا شك فإنّ المتأمّل والقارئ لقضية كربلاء التي حدثت في عام (61) للهجرة ، والتي كان بطلها الإمام الحسين ( عليه السلام ) ، و شارك معه في أدائها أحرار الأُمَّة في ذلك الوقت ( رضي الله عنهم أجمعين ) ، ومازالت تُبَث في أرجاء المعمورة ويشاهدها الآلاف ، بل الملايين من أبناء الأُمَّة ، يعرف بأن الهدف الرئيس من تلك المعركة ، والتي أراد الإمام الحسين ( عليه السلام ) تبيانه للأُمَّة ، هو الإصلاح : ( إنّي لم أخرج أشراً ولا بطراً ، ولا مفسداً ولا ظالماً ،ً وإنّما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدّي ) .
الإصلاح ضرورة :
الإصلاح هو الهدف الرئيس من ثورة الإمام الحسين (عليه السلام) ، والإصلاح مفردة يتجدَّد مضمونها في كل عصر ، وهو مطلب رئيسي في حياة الفرد والمجتمع والأُمَّة . فالإنسان في مسيرته الشخصية ، يسعى لإصلاح نفسه وتأمين احتياجاته ومتطلَّباته الدنيوية والأخروية . و المجتمع (الحي) يسعى من خلال أفراده للإصلاح وسدِّ الثغرات الموجودة فيه ، سواء كانت اجتماعية أو سياسية . وكذلك الأُمَّة تسعى من خلال المجتمعات الحيّة ، لإصلاح ثقافتها وفرض موقعيَّتها ورمزيَّتها بين الأُمم . وكل ذلك نابع من خلال مفردة الإصلاح التي ضحّى الإمام الحسين (عليه السلام) بنفسه وأهله وصحبه من أجل غرسها في أفئدة الأُمَّة ، لكي تتحوَّل من بعد ذلك إلى واقع ملموس وحركة حيَّة منتِجة ، فالإصلاح لابد من
وجوده ... .
نحن دائماً ما نهتم في إصلاح الأجهزة الإلكترونية لكي لا تتلف ، فما بالنا بالنفس التي تحتاج إلى إصلاح بشكل مستمر ويومي ، هذا فضلاً عن المجتمع التي تعيش به هذه النفس ، وفضلاً عن الأُمَّة التي تنتمي إليها ملايين الأنفس . فالإصلاح هو الملجأ الوحيد لكي نكون خير أمّة ، كما كنّا سابقاً : ( كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللّهِ َ) ( آل عمران : 110 ) .
ركيزتين مهمَّتين :
والإصلاح يقوم على ركيزتين مهمّتين ، هما : الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، ( أُريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر ) .
و يستطيع المجتمع أن ينهض بنفسه ويكون من أفضل المجتمعات ؛ بوجود طليعة تتحمَّل على عاتقها هذه المسؤولية ، فهي لا تتطلَّب إلاّ فئة من المجتمع يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ، مثله مثل العلْم الذي لا يحتاج إلاّ إلى فئة من المجتمع : ( فَلَوْلاَ نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَآئِفَةٌ لِّيَتَفَقَّهُواْ فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُواْ قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُواْ إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ ) ( التوبة : 122 ) .
هذا مع ملاحظة أنّ جميع أفراد المجتمع يستطيعوا أن ينالوا ثواب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، فهو ليس بالأمر الذي يحتاج إلى أناس فطاحلة في العلم أو عظماء أزمانهم ، فقط يتطلَّب أن يلتزم الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر بما يأمر به وينهى عنه ، وأن يكون ما يأمر به معروفاً وما ينهى عنه منكراً .. .
نتائج الإصلاح :
الإصلاح كلمة شاملة ، يستفيد كلّ مَن يسعى ولديه الإرادة للاستفادة منها ، ونيل نتائجها الإيجابية . فنجد ـ على فرض المثال لا الحصر ـ في لبنان كيف تحول وضع الشيعة إلى واقع عزِّ وقوة ، فقد استطاعوا من خلال نهج الحسين (عليه السلام) واسم الحسين (عليه السلام) أن يطردوا المحتل . إضافة إلى ذلك بناء القوة الذاتية من خلال بناء المؤسَّسات التعليمية والطبية . فقد استخلصوا من ثورة الحسين (عليه السلام) مفردة الإصلاح ، التي حوّلت حياة مجتمع بأكمله ، فأصبح بحق قدوة للمجتمعات .. .
على العكس تماماً ما نشاهده في بعض المجتمعات من الشتات والصراع والنزاع والفرقة ، وكل ذلك تحت اسم الحسين (عليه السلام) ، فتجد الفرقة بدل التلاقي ، وتجد الحرب الإعلامية بدل السلم الاجتماعي .
هذا بالإضافة إلى أنّ بعض المجتمعات تعيش تحت وطأة الظلم ، وهي تردِّد : أنّ أهل البيت (عليه السلام) عاشوا مظلومين ، فعلينا الإقتداء بهم وأن نتحمَّل الظلم . وهذا التفكير ينسف أهداف ثورة الحسين (عليه السلام) التي كانت في قبال الظلم والظالمين ، فهي كانت في وجه طاغوت ذلك الزمان ، وهو يزيد بن معاوية ( لعنه الله ) ، وكان الإمام الحسين(عليه السلام) رافضاً أن يعيش تحت حكم يزيد ورحمته ؛ لأنّه لم يكن يؤمن بشرعية ولايته ، فقال الإمام الحسين (عليه السلام) : ( إنّا أهل بيت النبوة ، ومعدن الرسالة ، ومختلف الملائكة ، وبنا فتح الله وبنا ختم الله ، ويزيد فاسق شارب الخمور ، قاتل النفس المحترمة ومعلن بالفسق ، ومثلي لا يبايع مثله ) .
دور علماء الدين :
عالم الدين له الدور الأكبر في تبيين وتوضيح القضية الحسينية ، فأفراد المجتمع في أيَّام الحسين (عليه السلام) ، أيَّام عاشوراء ، يتوجَّهون إلى منبر الحسين (عليه السلام) لكي يستضيئوا بنور العلم ، وينالوا بذلك ثواب إحياء وتعظيم شعائر الله ؛ لكي يكتسبوا ويتزوَّدوا من التقوى التي تعتبر من الأهداف الرئيسة للإنسان المؤمن : ( ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ ) (الحج : 32 ) .
وعادة ما يكون رجال الدين هم المؤهَّلين لارتقاء ذلك المنبر الحسيني ، الذي يعتبر من أكبر المحطَّات وأكثرها تأثيراً على الأفراد والمجتمع ، الذين يعوّلون عليه الكثير في حالة تحمُّل عالم الدين دوره الإصلاحي المؤمَّل والمرجو منه .
إذاً على علماء الدين أن يتعمَّقوا في فهم الأهداف التي خرج الإمام الحسين (عليه السلام) من أجلها ؛ لكي يستطيعوا من خلال أصواتهم إيصال هذه الرسالة إلى الناس ، لكي تُطبَّق هذه المفاهيم على أرض الواقع ، ويكون لها تأثير وواقع ملموس ، بدل أن تكون شعارات ينادي بها مَن لا يعمل بها ، أو مَن يحاربها دون علم .. .
هذا بالإضافة إلى أن يُجرِّد خادم الحسين (عليه السلام) نفسه من الشوائب التي تكون عائقاً دون قبول العمل ، وأن يخلص النيّة لله سبحانه وتعالى في إيصال رسالة الحسين (عليه السلام) دون النظر إلى شهرة أو مال ... ؛ لأنّ المشروع الإصلاحي يحتاج إلى التخلُّص من جميع المعوِّقات التي تحول بين عالم الدين وبين تأدية الرسالة على أكمل وجه ، فلا الخوف من انقطاع الأموال ، ولا تدنِّي الشهرة تحول دون واجب إيصال الرسالة الحسينية الصافية .. .
ختاماً :
المنبر الحسيني هو الإعلام الذي حفظ ثورة الإمام الحسين (عليه السلام) وأهدافها على مرّ العصور الغابرة ، وإنْ تجدَّد الإعلام في هذا العصر وتطوَّرت التكنولوجيا ، إلا أنّه ينبغي علينا حفظ هذا المنبر ، وذلك بالتطوير الذي يجعله يناسب العصر . وهذا لا يعني تجريد المنبر من صورته الحالية ، وإنمّا القصد العمل على تطوير الخطباء وأسلوب طرحهم ، و