عن أبي عبد الله (عليه السلام)قال أوحى الله تعالى إلى عيسى (عليه السلام)يا عيسى هب لي من عينيك الدموع و من قلبك الخشوع و من بدنك الخضوع و اكحل عينيك بميل الحزن إذا ضحك البطالون و قم على قبور الأموات فنادهم برفيع صوتك لعلك تأخذ موعظتك منهم و قل إني لاحق في اللاحقين .
و قال (عليه السلام)البكاءون خمسة آدم و يعقوب و يوسف و فاطمة و علي بن الحسين (عليه السلام)فأما آدم إنه بكى على الجنة حتى صار على خديه أمثال الأودية و بكى يعقوب على يوسف حتى ذهب بصره و بكى يوسف على يعقوب حتى تأذى منه أهل السجن فقالوا إما تبكي بالليل و تسكت بالنهار أو تسكت بالليل و تبكي بالنهار و بكت فاطمة (عليه السلام)على فراق رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم)حتى تأذى أهل المدينة فكانت تخرج إلى البقيع فتبكي فيه و بكى علي بن الحسين (عليه السلام)عشرون سنة و ما رأوه على أكل و لا على شرب إلا و هو يبكي فلاموه في ذلك فقال إني لم أذكر مصارع أبي و أهل بيتي إلا و خنقتني العبرة .
و قال أمير المؤمنين (عليه السلام)إن عباد الله كسرت قلوبهم من خشية الله فأمسكتهم عن النطق و أنهم لفصحاء ألباء نبلاء يسبقون إليه بالأعمال الصالحة الزاكية لا يستكثرون له الكثير و لا يرضون بالقليل يرون في أنفسهم أنهم أشرارو أنهم لأكياس أبرار و أوحى الله إلى موسى (عليه السلام)يا موسى ما تزين المتزينون بمثل الزهد في الدنيا و ما تقرب إلي المتقربون بمثل الورع من خشيتي و ما تعبد لي المتعبدون بمثل البكاء من خيفتي فقال موسى يا رب بما تجزيهم على ذلك فقال أما المتزينون بالزهد فإني أبيحهم جنتي و أما المتقربون بالورع عن محارمي فإني أدخلهم جنانا لا يشركهم فيها غيرهم و أما البكاءون من خيفتي فإني أفتش الناس و لا أفتشهم حياء منهم .
و قال رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم)يا علي عليك بالبكاء من خشية الله يبني لك بكل قطرة بيتا في الجنة و قال (صلي الله عليه وآله وسلم)لو أن باكيا بكى في أمة لرحم الله تلك الأمة لبكائه و قال (صلي الله عليه وآله وسلم)إذا أحب الله عبدا نصبه في قلبه نائحة من الحزن فإن الله تعالى يحب كل قلب حزين و إذا أبغض الله عبدا نصب له في قلبه مزمارا من الضحك و ما يدخل النار من بكى من خشية الله حتى يعود اللبن إلى الضرع و لم يجتمع غبار في سبيل الله و دخان من جهنم في منخري مؤمن أبدا .
و قال (صلي الله عليه وآله وسلم)البكاء من خشية الله يطفئ بحارا من غضب الله و قد وبخ الله تعالى على ترك البكاء عند استماع القرآن عند قوله أَ فَمِنْ هذَا الْحَدِيثِ تَعْجَبُونَ وَ تَضْحَكُونَ وَ لا تَبْكُونَ و مدح الذين يبكون عند استماعه بقوله وَ إِذا سَمِعُوا ما أُنْزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ يَقُولُونَ رَبَّنا آمَنّا فَاكْتُبْنا مَعَ الشّاهِدِينَ .
و قال (عليه السلام)لكل شيء كيل أو وزن إلا البكاء فإن الدمعة تطفئ بحارا من النار و روي أن بعض الأنبياء اجتاز بحجر ينبع منه ماء كثير فعجب من ذلك فسأل الله إنطاقه فقال له لم يخرج منك الماء الكثير مع صغرك فقال من بكاء حزن حيث سمعت يقول ناراً وَقُودُهَا النّاسُ وَ الْحِجارَةُ و أخاف أن أكون من تلك الحجارة فسأل الله تعالى أن لا يكون من تلك الحجارة فأجابه الله و بشره النبي بذلك ثم تركه و مضى ثم عاد إليه بعد وقت فرآه ينبع كما كان فقال أ لم يأمنك الله فقال بلى فذلك بكاء الحزن و هذا بكاء السرور و روي أن يحيى بن زكريا بكى حتى أثرت الدموع في خديه و عملت له أمه لبادا على خديه يجري عليه الدموع .
و قال الحسين (عليه السلام)ما دخلت على أبي قط إلا وجدته باكيا و قال إن النبي (صلي الله عليه وآله وسلم)بكى حين وصل في قراءته فَكَيْفَ إِذا جِئْنا مِنْ كُلِّ أُمَّة بِشَهِيد وَ جِئْنا بِكَ عَلى هؤُلاءِ شَهِيداً فانظروا إلى الشاهد كيف يبكي و المشهود عليهم يضحكون و الله لو لا الجهل ما ضحكت سن فكيف يضحك من يصبح و يمسي و لا يملك لنفسه و لا يدري ما يحدث عليه من سلب نعمة أو نزول نقمة أو مفاجاة ميتة و أمامه يوم يجعل الولدان شيبا يشيب الصغار و يسكر الكبار و توضع ذوات الأحمال و مقداره في عظم هوله خمسون ألف سنة فإنا لله و إنا إليه راجعون اللهم أعنا على هوله و ارحمنا فيه و تغمدنا برحمتك التي وسعت كل شيء و لا تؤيسنا من روحك و لا تحل علينا غضبك و احشرنا في زمرة نبيك محمد و أهل بيته الطاهرين صلواتك عليه و عليهم أجمعين فقال النبي (صلي الله عليه وآله وسلم)ما من مؤمن يخرج من عينيه مثل رأس الذبابة من الدموع فيصيب حر وجهه إلا حرم الله عليه النار و قال (عليه السلام)لا ترى النار عين بكت من خشية الله و لا عين سهرت من طاعة الله و لا عين غضت عن محارم الله .
و قال (عليه السلام)ما من قطرة أحب إلى الله من قطرة دمع خرجت من خشية الله و من قطرة دم سفكت في سبيل الله و ما من عبد بكى من خشية الله إلا سقاه الله من رحيق رحمته و أبدله ضحكا و سرورا في جنته و رحم الله من حوله و لو كان عشرين ألفا و ما اغرورقت عين في خشية الله إلا حرم الله جسده على النار و إن أصابت وجهه و لم يرهقه قتر و لا ذلة و لو بكى عبد في أمة لنجى الله تلك الأمة ببكائه .
و قال (عليه السلام)من بكى من ذنب غفر الله له و من بكى خوف النار أعاذه الله منها و من بكى شوقا إلى الجنة أسكنه الله فيها و كتب له أمانا من الفزع الأكبر و من بكى من خشية الله حشره الله مع النبيين و الصديقين و الشهداء و الصالحين و حسن أولئك رفيقا و قال (عليه السلام)البكاء من خشية الله مفتاح الرحمة و علامة القبول و باب الإجابة و قال (عليه السلام)إذا بكى العبد من خشية الله تعالى تحاتت عنه الذنوب كما يتحات الورق فيبقى كيوم ولدته أمه .
الجهاد في سبيل الله
قال الله تعالى وَ الَّذِينَ جاهَدُوا فِينا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنا و قال سبحانه لكِنِ الرَّسُولُ وَ الَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ جاهَدُوا بِأَمْوالِهِمْ وَ أَنْفُسِهِمْ وَ أُولئِكَ لَهُمُ الْخَيْراتُ وَ أُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ و قال سبحانه( إِنَّ اللّهَ اشْتَرى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَ أَمْوالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ فَيَقْتُلُونَ وَ يُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْراةِ وَ الْإِنْجِيلِ وَ الْقُرْآنِ وَ مَنْ أَوْفى بِعَهْدِهِ مِنَ اللّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بايَعْتُمْ بِهِ وَ ذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ )و روي عن النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) أنه قال للجنة باب يقال له باب المجاهدين يدخلون منه و أن الملائكة تترحب بهم و أهل الجمع ينظرون إليهم بما أكرمهم الله و أعظم الجهاد جهاد النفس لأنها أمارة بالسوء راغبة في الشر ميالة إلى الشهوات متثاقلة بالخيرات كثيرة الآمال ناسية للأهوال محبة للرئاسة و طالبة للراحة قال الله تعالى إِنَّ النَّفْسَ لَأَمّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلّا ما رَحِمَ رَبِّي .و قال (عليه السلام)من أفضل الجهاد كلمة عدل عند سلطان جائر و من أراد إصلاح حاله و سلامة نفسه فليجعل دأبه مجاهدة النفس عند كل حال لا يخالف فيه ما يوافق كتاب الله و سنة نبيه و سنن الأئمة من أهل بيته و آدابهم (عليه السلام)قال أمير المؤمنين (عليه السلام)لا يصبح المؤمن و لا يمسي إلا و نفسه عنده ظنون يعني يتهمها و يزري عليها قيل إن رجلا في زمان بني إسرائيل نام عن صلاة الليل فلما انتبه لام نفسه فقال هذا منك و بطريقك و تفريطك حرمت عبادة ربي فأوحى الله إلى موسى (عليه السلام)قل لعبدي هذا إني قد جعلت لك ثواب مائة سنة بلومك نفسك و ينبغي للعاقل مجاهدة نفسه على القيام بحقوق الله و سلوك طريق السلامة فإن الله تعالى قال وَ الَّذِينَ جاهَدُوا فِينا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنا و من أراد السلامة من الشيطان فليجاهد نفسه و يحاسبها محاسبة الشريك لشريكه و لقد أحسن أبو ذر ره في قوله ما وهب الله لعبد هبة أحسن من أن يلزمه زاجر لنفسه يأمره و ينهاه و من مجاهدة النفس إن الإنسان لا يأكل إلا عند الحاجة إليه و لا ينام إلا عند غلبة النوم و لا يتكلم إلا عند الضرورة و بالجملة أن يقمعها عن الهوى كما قال تعالى وَ أَمّا مَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ وَ نَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوى فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوى و اعلموا أن المجاهدة تعقب الراحة .
مدح الخمول و الاعتزال
اعلم أن جماع الخير كله و إحرازه في الوحشة من الناس و العزلة عنهم فإن بالعزلة يحصل الإخلاص و ينسد عنه باب الغيبة و النميمة و لغو القول و سلامة النظر و السمع لمن لا يجول و الوحشة من الناس علامة الأنس بالله و العزلة من أمارات الوصلة .و روى سفيان الثوري قال قصدت جعفر بن محمد (عليه السلام)فأذن لي بالدخول فوجدته في سرداب ينزل عشر مرقاة فقلت يا ابن رسول الله أنت في هذا المكان مع حاجة الناس إليك فقال يا سفيان فسد الزمان و تنكر الإخوان و تقلب الأعيان فاتخذنا الوحدة سكنا أ معك شيء تكتب قلت نعم فقال اكتب شعرا :
لا تجزعن لوحدة و تفرد *** و من التفرد في زمانك فازدد
فسد الإخاء فليس ثمة أخوة *** إلا التملق باللسان و باليد
و إذا نظرت جميع ما بقلوبهم *** أبصرت سم نقيع ثم الأسود
فإذا فتشت ضميره من قلبه *** وافيت عنه مرارة لا تنفد
و العزلة في الحقيقة اعتزال الأمور الذميمة و الذي حصل علوم معارفه و عمله ثم اعتزل بنى أمره على أساس ثابت و ينبغي لصاحب العزلة الاشتغال بذكر ربه و الفكر في صنائعه و إلا أوقعته خلوته في بلية و فتنة و يكون عنده قوة في العلم تدفع عنه هواجس الشيطان و وساوسه و لا شك أن خير الدنيا و الآخرة في العزلة و التقليل من علق الدنيا و شرها في الكثرة و الاختلاط بالناس و الخمول رأس كل خير، و قال بعضهم رأيت بعض الأئمة في المنام يقول الخمول نعمة و كل يأباه و الترفع نقمة و كل يترجاه و الغنى فتنة و كل يتمناه و الفقر عصمة و كل يتجافاه و المرض حطة للذنوب و كل يتوقاه و المرء لنفسه ما لم يعرف فإذا عرف صار لغيره .
و قال أمير المؤمنين (عليه السلام)لكميل بن زياد تبدل و لا تشهر و وار شخصك و لا تذكر و تعلم و اعمل و اسكت تسلم تسر الأبرار و تغيظ الفجار و لا عليك إذا علمت معالم دينك أن لا تعرف الناس و لا يعرفوك و من ألزم قلبه فكرا و لسانه الذكر ملأ الله قلبه إيمانا و رحمة و نورا و حكمة و أن الفكر و الاعتبار يخرجان من قلب المؤمن من عجائب المنطق في الحكمة فتسمع له أقوال يرضاها العلماء و تخشع له العقلاء و تعجب منه الحكماء و روي أن رجلا سأل أم أويس من أين لابنك هذه الحالة العظيمة التي قد مدحه النبي بها مدحا لم يمدح به أحدا من أصحابه هذا و لم يره النبي (صلي الله عليه وآله وسلم)فقالت إنه من حيث بلغ اعتزلنا و كان يأخذ في الفكر و الاعتبار .
و قال (عليه السلام)إن الله أوحى إلى موسى (عليه السلام)من أحب حبيبا آنس به و من آنس بحبيب صدق قوله و رضي فعله و من وثق بحبيب اعتمد عليه و من اشتاق إلى حبيب جد في السير إليه يا موسى ذكري للذاكرين و زيارتي للمشتاقين و جنتي للمطيعين و أنا خاصة للمحبين .
و قال كعب الأحبار أوحى الله إلى بعض الأنبياء إن أردت لقائي غدا في حظيرة القدس فكن في الدنيا غريبا محزونا مستوحشا كالطير الوحداني الذي يطير في الأرض القفرة و يأكل من رءوس الأشجار المثمرة فإذا كان الليل أوى إلى وكره و لم يكن مع الطير استيحاشا من الناس و استيناسا بربه و من اعتصم بالله و مكابدة معزله و الصبر عليها أيسر من سوء عاقبة مخالطة الناس و الوحدة طريقة الصديقين و علامة الإفلاس القرب من الناس و مخالطة الناس فتنة في الدين عظيمة لأن من خالط الناس درأهم و من درأهم راهمهم و داهنهم و راقبهم و لا يصح موالاة الله و مراقبة الناس و مراياهم و من أراد أن يسلم له دينه و يستريح بدنه و قلبه فليعتزل الناس فإن هذا زمان وحشة و العاقل الناصح لنفسه من اختارالوحدة و آنس بها و لست أرى عارفا يستوحش مع الله فالزموا الوحدة فاستتروا بالجدار و امحوا أسماءكم من قلوب الناس تسلمون من غوائلهم و لما ذكر أمير المؤمنين (عليه السلام)هذا الزمان و فتنته قال ذلك زمان لا يسلم فيه إلا كل مؤمن إذا شهد لم يعرف و إذا غاب لم يفتقد أولئك مصابيح الهدى و أعلام السرى ليسوا بالمساييح و المذاييع البذر أولئك يفتح الله عليهم أبواب رحمته و يسد عنهم أبواب نقمته و قال المساييح يعني يسيحون في الأرض بالفساد و المذاييع النميمة و الكذب و البذر يبذرون الكذب و النميمة كبذر الزرع من كثرته و إذا أراد الله أن ينقل العبد من ذل المعصية إلى عز الطاعة و من فتنة الناس إلى السلامة منهم آنسه بالوحدة و حبب إليه الخلوة و أغناه بالقناعة و بصره عيوب نفسه و حجبه عن عيوب الناس و من أعطي ذلك فقد أعطي خير الدنيا و الآخرة .
الورع و الترغيب منه
قال الصادق (عليه السلام)عليكم بالورع و الاجتهاد و صدق الحديث و أداء الأمانة لمن ائتمنكم فلو أن قاتل الحسين (عليه السلام)ائتمنني على السيف الذي قتله به لأتيته إليه و قال (عليه السلام)إن أحق الناس بالورع آل محمد (صلي الله عليه وآله وسلم)و شيعتهم لكي يقتدي الناس بهم فإنهم القدوة لمن اقتدى فاتقوا الله و أطيعوه فإنه لا ينال ما عند الله إلا بالتقوى و الورع و الاجتهاد فإن الله تعالى يقول إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللّهِ أَتْقاكُمْ و قال أما و الله إنكم على دين الله و دين ملائكته فأعينونا على ذلك بالورع و الاجتهاد و كثرة العبادة و عليكم بالورع .و روى أبو عبد الله (عليه السلام)قال كنت مع أبي حتى انتهينا إلى القبر و المنبر فإذا بأناس من أصحابه فوقف عليهم و سلم فقال و الله إني لأحبكم و أحب ريحكم و أرواحكم فأعينونا على ذلك بورع و اجتهاد فإنكم لن تنالوا ولايتنا إلا بالورع و الاجتهاد و من ائتم بإمام فليعمل بعمله ثم قال أنتم شرطة الله و أنتم شيعة الله و أنتم السابقون الأولون و السابقون في الآخرة إلى الجنة ضمنا لكم الجنة بضمان الله عز و جل و ضمان رسوله أنتم الطيبون و نساؤكم الطيبات كل مؤمن صديق و كلمؤمنة حوراء و كم من مرة قد قال علي (عليه السلام)لقنبر بشر و أبشر و استبشر فو الله لقد مات رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم)و إنه لساخط على جميع الأمة إلا الشيعة ألا إن لكل شيء عروة و إن عروة الدين الشيعة ألا و إن لكل شيء إماما و إمام الأرض أرض تسكنها الشيعة ألا إن لكل شيء شرفا و شرف الدين الشيعة و الله لو لا ما في الأرض منكم لمادت بأهلها و كل مخالف في الأرض و إن تعبد و اجتهد فمنسوب إلى هذه الآية خاشِعَةٌ عامِلَةٌ ناصِبَةٌ تَصْلى ناراً حامِيَةً و الله ما دعي مخالف دعوة خير إلا كانت إجابة دعوته لكم و لا دعا أحد منكم دعوة خير إلا كانت له من الله مائة و لا أحد منكم سأله مسألة إلا كانت له من الله مائة و لا عمل أحد منكم حسنة إلا له أحسن منها و الله إن صائمكم ليرتع في رياض الجنة و الله إن حاجكم و معتمركم لمن خاصة الله و أنتم جميعا لأهل دعوة الله و أهل إجابته لا خوف عليكم و لا أنتم تحزنون كلكم في الجنة فتنافسوا في الدرجات فو الله ما أقرب إلى عرش الله من شيعتنا حبذا شيعتنا ما أحسن صنع الله إليهم و الله لقد قال أمير المؤمنين (عليه السلام)تخرج شيعتنا من قبورهم مشرقة وجوههم قريرة أعينهم قد أعطوا الأمان يخاف الناس و لا يخافون و يحزن الناس و لا هم يحزنون و الله ما سعى أحدكم إلى الصلاة إلا و قد اكتنفته الملائكة من خلفه يدعون الله بالفوز حتى يفرغ من صلاته ألا إن لكل شيء جوهرا و جوهر ولد آدم محمد (صلي الله عليه وآله وسلم)و نحن و أنتم و أوحى إلى موسى ما تقرب إلى المتقربون بمثل الورع عن محارمي .
الصمت
قال الرضا (عليه السلام)من علامات الفقه الحلم و الحياء و الصمت إن الصمت باب من أبواب الحكمة و إنه ليكسب المحبة و يوجب السلامة و راحة لكرام الكاتبين و إنه لدليل على كل خير .و قال أمير المؤمنين (عليه السلام)لا يزال الرجل سالما ما دام ساكتا فإذا تكلم كتب محسنا أو مسيئا.
و قال الرسول (صلي الله عليه وآله وسلم)لرجل أ لا أدلك على أمر يدخلك الله به الجنة قال بلى يا رسول الله قال قل أنل ما أنالك الله قال فإن لم يكن لي قال فانصر المظلوم قال فإن لم أقدر قال قل خيرا تغنم أو تسكت تسلم و قال رجل للرضا (عليه السلام)أوصني قال احفظ لسانك تعز و لا تمكن الشيطان من قيادك فتذل .
و قال أمير المؤمنين (عليه السلام)في وصيته لابنه محمد بن الحنفية و اعلم يا بني إن اللسان كلب عقور إن أرسلته عقرك و رب كلمة سلبت نعمة و جلبت نقمة فاخزن لسانك كما تخزن ذهبك و ورقك و من سبب عذار لسانه ساقه إلى كل كريهة .
و قال رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم)و ما يكب الناس على مناخرهم في النار إلا حصائد ألسنتهم و من أراد السلامة في الدنيا و الآخرة قيد لسانه بلجام الشرع فلا يطلقه إلا فيما ينفعه في الدنيا و الآخرة.
و قال رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم)من صمت نجا .
و قال عقبة بن عامر قلت يا رسول الله فيم النجاة قال أملك عليك لسانك و ليسعك بيتك و ابك على خطيئتك .و قال رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم)من وقي شر قبقبه و لقلقه و ذبذبه فقد وقي الشر كله و القبقب البطن و اللقلق اللسان و الذبذب الفرج و قال لا يستقيم إيمان عبد حتى يستقيم قلبه و لا يستقيم قلبه حتى يستقيم لسانه لأن لسان المؤمن وراء قلبه إذا أراد أن يتكلم يتدبر الكلام فإذا كان خيرا أبداه و إن كان شرا واراه و المنافق قلبه وراء لسانه يتكلم بما أتى على لسانه و لا يبالي ما عليه مما له و إن أكثر خطايا ابن آدم من لسانه .
و قال (صلي الله عليه وآله وسلم)من كف لسانه ستر الله عوراته و من ملك غضبه وقاه الله عذابه و من اعتذر إلى الله قبل عذره و قال أعرابي يا رسول الله دلني على عمل أنجو به فقال أطعم الجائع و أرو العطشان و أمر بالمعروف و انه عن المنكر فإن لم تطق فكف لسانك فإنه بذلك تغلب الشيطان و قال إن الله عند لسان كل قائل فليتق الله امرؤ و ليعلم ما يقول قال إذا رأيتم المؤمن صموتا وقورا فادنوا منه فإنه يلقي الحكمة .
و قال عيسى ابن مريم (عليه السلام)العبادة عشرة أجزاء تسعة منها في الصمت و جزء واحد في الفرار من الناس و في حكمة آل داود على القائل أن يكون عارفا بزمامه حافظا للسانه مقبلا على شأنه مستوحشا من أوثق إخوانه و من أكثر ذكر الموت رضي باليسير و هان عليه من الأمور الكثيرة و من عد كلامه من عمله قل كلامه إلا من خير .
و اعلم أن أحسن الأحوال أن تحفظ لسانك من الغيبة و النميمة و لغو القول و تشغل لسانك بذكر الله تعالى أو في تعلم علم فإنه من ذكر الله فإن العمر متجر عظيم كل نفس منه جوهرة فإذا ترك الذكر و شغل لسانه باللغو كان كمن رأى درة فأراد أن يأخذها فأخذ عوضها مدرة لأن الإنسان إذا عاين ملك الموت لقبض روحه فلو طلب منه التأخير على أن يتركه ساعة أو نفسا واحدا يقول لا إله إلا الله بملك الدنيا لم يقبل منه كم ضيع الإنسان من ساعة في لا شيء بل ساعات و أيام فهذا هو الغبن العظيم و إن المؤمن هو الذي يكون نطقه ذكرا و صمته فكرا و نظره اعتبارا .
و قال رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم)لأبي ذر أ لا أعلمك عملا ثقيلا في الميزان خفيفا على اللسان قال بلى يا رسول الله قال الصمت و حسن الخلق و ترك ما لا يعنيك و روي أن لقمان رأى داود يعمل الزرد فأراد أن يسأله ثم سكت فلما لبسها داود (عليه السلام)عرف لقمان حالها بغير سؤال و قال من كثر كلامه كثر سقطه و من كثر سقطه كثر لغوه و من كثر لغوه كثر كذبه و من كثر كذبه كثرت ذنوبه و من كثرت ذنوبه فالنار أولى به و قد حجب الله اللسان بأربع مصاريع لكثرة ضرره الشفتان مصرعان و الأسنان مصرعان و قال بعض العلماء إنما خلق للإنسان لسان واحد و أذنان و عينان ليسمع و يبصر أكثر مما يقول و روي أن الصمت مرآة الحكمة
المصدر :
ارشاد القلوب / الشيخ ابو محمد الحسن بن محمد الديلمي ص96-105