النكاح هو الوسيلة الوحيدة لتشكيل الاُسرة ، وهو الارتباط المشروع بين الرجل والمرأة ، وهو طريق التناسل والحفاظ على الجنس البشري من الانقراض ، وهو باب التواصل وسبب الأُلفة والمحبة ، والمعونة على العفّة والفضيلة ، فبه يتحصّن الجنسان من جميع ألوان الاضطراب النفسي ، والانحراف الجنسي ، ومن هنا كان استحبابه استحبابا مؤكدّا ، قال تعالى : «وأنكحوا الأيامى مِنكُم والصالِحينَ من عِبادِكُم وإمائِكُم إن يكونُوا فُقراء يُغنِهم اللّه مِن فَضلهِ واللّه واسعٌ عليمٌ» (1).
ووردت روايات عديدة عن رسول اللّه صلى الله عليه و آله و سلم وأهل بيته عليهمالسلام تؤكد هذا الاستحباب ، قال أمير المؤمنين عليه السلام : «تزوجوا فإن رسول اللّه صلى الله عليه و آله و سلم قال : من أحبَّ أن يتبع سنتي فإنَّ من سنتي التزويج» (2).
وللزواج تأثيرات إيجابية على الرجل والمرأة وعلى المجتمع ، فهو الوسيلة للانجاب وتكثير النسل ، قال صلى الله عليه و آله و سلم : «تناكحوا تكثّروا ، فإنّي أُباهي بكم الاُمم ، حتى بالسقط» (3).
وقال صلى الله عليه و آله و سلم : «ما يمنع المؤمن أن يتخذ أهلاً ، لعلَّ اللّه أن يرزقه نسمة ، تثقل الأرض بلا إله إلاّ اللّه» (4).
وهو ضمان لاحراز نصف الدين ، لأنّه الحصن الواقي من جميع ألوان الانحراف والاضطراب العقلي والنفسي والعاطفي ، فهو يقي الإنسان من الرذيلة والخطيئة ، ويخلق أجواء الاستقرار في العقل والقلب والارادة ، لينطلق الإنسان متعاليا عن قيود الأهواء والشهوات التي تكبّله وتشغله عن أداء دوره في الحياة وفي ارتقائه الروحي واسهامه في تحقيق الهدف الذي خُلق من أجله ، قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله و سلم : «من تزوج أحرز نصف دينه ، فليتق اللّه في النصف الباقي» (5).
وقال الإمام جعفر بن محمد الصادق عليه السلام : «ركعتان يصليهما المتزوج أفضل من سبعين ركعة يصليهما الأعزب» (6).
وعليه فإنّ استحباب النكاح موضع اتفاق بين المسلمين (7).
ولأهمية النكاح جعله رسول اللّه صلى الله عليه و آله و سلم في المرتبة الثانية من مراتب الفوائد المعنوية ، حيث قال : «ما استفاد امرؤ مسلم فائدة بعد الإسلام أفضل من زوجة مسلمة تسره إذا نظر إليها ، وتطيعه إذا أمرها، وتحفظه إذا غاب عنها في نفسها وماله» (8).
وهو باب من أبواب الرزق بأسبابه الطبيعية المقرونة بالرعاية الالهية ، قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله و سلم : «اتخذوا الأهل ، فإنّه أرزق لكم» (9).
كراهية العزوبة :
حكم الإسلام بكراهية العزوبة ؛ لأنّها تؤدي إلى خلق الاضطراب العقلي والنفسي والسلوكي الناجم عن كبت الرغبات وقمع المشاعر ، وتعطيل الحاجات الأساسية في الإنسان ، سيّما الحاجة إلى الاشباع العاطفي والجنسي ، والعزوبة تعطيل لسنة من سنن رسول اللّه صلى الله عليه و آله و سلم الذي قال : «من سنتي التزويج ، فمن رغب عن سنتي فليس مني» (10).
وقال صلى الله عليه و آله و سلم : «إنّ أراذل موتاكم العزاب» (11) ، وفي رواية : «شرار موتاكم العزاب» (12).
وقد أثبت الواقع أن العزاب أكثر عرضةً للانحراف من المتزوجين ، فالمتزوج اضافة إلى إشباع حاجاته الأساسية ، فإنّ ارتباطه بزوجة وأُسرة يقيّده بقيود تمنعه عن كثير من الممارسات السلبية ، حفاظا على سمعة أُسرته وسلامتها ، مما يجعله أكثر صلاحا وأداءً لمسؤوليته الفردية والاجتماعية.
وتزداد الكراهية حينما يعزب الإنسان عن الزواج مخافة الفقر، قال الإمام جعفر الصادق عليه السلام : «من ترك التزويج مخافة الفقر ، فقد أساء الظنّ باللّه عزَّ وجلَّ» (13).
ومن الحلول الوقتية التي سنّها رسول اللّه صلى الله عليه و آله و سلم للتخفيف من وطأة العزوبية أن أمر الشباب أمرا ارشاديا بالالتجاء إلى الصوم ، فقال صلى الله عليه و آله و سلم : «يا معشر الشباب ، من استطاع منكم الباه فليتزوّج ، ومن لم يستطع فَليُدمِنِ الصوم ، فإنّ الصوم له وجاء» (14).
هذا الحديث يجعل الزواج في مقابل الصوم كأحد الوسائل الرادعة لجميع أسباب الانحراف وتأثيراتها السلبية. فبالصوم يستطيع الشاب أن يهذب غرائزه ، ويخفف من تأثيراتها السلبية ، النفسية والعاطفية والسلوكية دون قمع أو كبت ، إضافة إلى إدامة العلاقة مع اللّه تعالى التي تمنعه من كثير من ألوان الانحراف والانزلاق النفسي والسلوكي ، وبالزواج أيضا يستطيع أن يحقق عين الآثار المتمثلة بتهذيب السلوك ومقاومة أسباب الانحراف.
استحباب السعي في النكاح :
حث الإسلام على السعي في النكاح ، والمساهمة في الترويج له وإقراره في الواقع بالجمع بين رجل وامرأة لتكوين اُسرة مسلمة، فمن يسعى فيه يعوضه اللّه تعالى عن سعيه في الآخرة ، قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله و سلم : « ... ومن عمل في تزويج بين مؤمنين حتى يجمع بينهما زوّجه اللّه عزَّ وجلَّ ألف امرأة من الحور العين .. » (15).
قال الإمام الصادق عليه السلام : «أربعة ينظر اللّه إليهم يوم القيامة : من أقال نادما ، أو أغاث لهفان ، أو أعتق نسمة ، أو زوّج عزبا» (16).
وقال الإمام موسى بن جعفر الكاظم عليه السلام : «ثلاثة يستظلون بظل عرش اللّه يوم القيامة يوم لا ظلّ إلاّ ظلّه : رجل زوّج أخاه المسلم ، أو أخدمه ، أو كتم له سرّا» (17).
وجعله الإمام علي عليه السلام من أفضل الشفاعات فقال : «أفضل الشفاعات أن تشفع بين اثنين في نكاح حتى يجمع اللّه بينهما» (18).
والروايات المتقدمة تحثّ الناس إلى السعي في الجمع بين الرجل والمرأة لتكوين أسرة مسلمة ، فيستحب جميع ما يؤدي إلى ذلك ، من السعي في الخطبة ، أو بذل المال لتوفير مستلزمات الزواج أو التشجيع عليه أو غير ذلك.
استحباب الدعاء للنكاح :
الدعاء بنفسه من العبادات المستحبة ، لذا حثّ الإسلام عليه في سائر شؤون الإنسان ، ومن بينها النكاح ، لتكون جميع أعمال الانسان متجهة إلى اللّه تعالى في سيرها ، طلبا لمرضاته.
وقد أكدت الروايات على استحباب الدعاء لمن أراد النكاح ، قال الإمام جعفر الصادق عليه السلام : «فإذا همّ بذلك فليصلِّ ركعتين ويحمد اللّه ، ويقول : اللهمّ إني أُريد أن أتزوج ، اللهمّ فاقدر لي من النساء أعفهنَّ فرجا ، وأحفظهنَّ لي في نفسها وفي مالي ، وأوسعهنَّ رزقا ، وأعظمهنَّ بركة ، وأقدر لي منها ولدا طيبا تجعله خلفا صالحا في حياتي وبعد موتي» (19).
واللّه تعالى يجيب الإنسان إذا دعاه بقلب مخلص ونيّة صالحة ، كما تظافرت على ذلك الآيات والروايات ، وهو نعم العون في اختيار صالح الأعمال لعبده المؤمن المخلص ، وخصوصا في مثل هذه القضية المهمة التي تكون مقدمة لسعادته في الدنيا والآخرة.
اختيار الزوجة :
العلاقة الزوجية ليست علاقة طارئة أو صداقة مرحلية ، وإنّما هي علاقة دائمة وشركة متواصلة للقيام بأعباء الحياة المادية والروحية ، وهي أساس تكوين الاُسرة التي ترفد المجتمع بجيل المستقبل ، وهي مفترق الطرق لتحقيق السعادة أو التعاسة للزوج وللزوجة وللأبناء وللمجتمع ، لذا فينبغي على الرجل أن يختار من يضمن له سعادته في الدنيا والآخرة.
عن إبراهيم الكرخي قال : قلت لأبي عبداللّه عليه السلام : إنّ صاحبتي هلكت رحمها اللّه ، وكانت لي موافقة وقد هممت أن أتزوج ، فقال لي : «اُنظر أين تضع نفسك ، ومن تشركه في مالك ، وتطلعه على دينك وسرّك ، فإن كنت فاعلاً فبكرا تنسب إلى الخير وحسن الخلق ، واعلم :
ألا إنّ النساء خلقن شتى / فمنهنَّ الغنيمة والغرام
ومنهنَّ الهلال إذا تجلّى / لصاحبه ومنهنَّ الظلام
فمن يظفر بصالحهنَّ يسعد / ومن يعثر فليس له انتقام (20)
وراعى الإسلام في تعاليمه لاختيار الزوجة ، الجانب الوراثي ، والجانب الاجتماعي الذي عاشته ومدى انعكاسه على سلوكها وسيرتها.
قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله و سلم : «اختاروا لنطفكم ، فإنّ الخال أحد الضجيعين» (21).
وقال صلى الله عليه و آله و سلم : «تخيروا لنطفكم ، فإنّ العرق دسّاس» (22).
وروي أنّه جاء إليه رجل يستأمره في النكاح ، فقال صلى الله عليه و آله و سلم : «نعم انكح ، وعليك بذوات الدين تربت يداك» (23).
وقال صلى الله عليه و آله و سلم : «من سعادة المرء الزوجة الصالحة» (24).
فيستحب اختيار المرأة المتدينة ، ذات الأصل الكريم ، والجو الاُسري السليم (25).
وبالاضافة إلى هذه الاُسس فقد دعا الإسلام إلى اختيار المرأة التي تتحلى بصفات ذاتية من كونها ودودا ولودا ، طيبة الرائحة ، وطيبة الكلام ، موافقة ، عاملة بالمعروف إنفاذا وإمساكا (26).
وفضّل تقديم الولود على سائر الصفات الجمالية ، قال صلى الله عليه و آله و سلم : «تزوجوا بكرا ولودا ، ولا تزوجوا حسناء جميلة عاقرا ، فاني أُباهي بكم الاُمم يوم القيامة» (27).
ولم يلغِ ملاحظة بعض صفات الجمال لاشباع حاجة الرجل في حبه للجمال ، قال صلى الله عليه و آله و سلم : «إذا أراد أحدكم أن يتزوج ، فليسأل عن شعرها كما يسأل عن وجهها ، فان الشعر أحد الجمالين» (28).
وقال صلى الله عليه و آله و سلم : «تزوجوا الأبكار ، فانهنَّ أطيب شيء أفواها» (29).
وقال رسول اللّه صلى الله عليه و آله و سلم : «أفضل نساء أمتي أصبحهنَّ وجها ، وأقلهنَّ مهرا» (30).
ويستحب أن تكون النية في الاختيار منصبّة على ذات الدين ، فيكون اختيارها لدينها مقدّما على اختيارها لمالها أو جمالها ، لأنَّ الدين هو العون الحقيقي للانسان في حياته المادية والروحية ، قال الامام جعفر الصادق عليه السلام : «إذا تزوج الرجل المرأة لمالها أو جمالها لم يرزق ذلك ، فإنّ تزوجها لدينها رزقه اللّه عزَّ وجلَّ جمالها ومالها» (31).
ويكره اختيار المرأة الحسناء المترعرعة في محيط أُسري سيء ، والسيئة الخلق ، والعقيم ، وغير السديدة الرأي ، وغير العفيفة ، وغير العاقلة ،والمجنونة (32) ، لأنّها تجعل الرجل في عناء مستمر تسلبه الهناء والراحة ، وتخلق الأجواء الممهّدة لانحراف الاطفال عن طريق انتقال الصفات السيئة إليهم ، ولقصورها عن التربية الصالحة.
عن الإمام جعفر الصادق عليه السلام قال : «قام النبي صلى الله عليه و آله و سلم خطيبا ، فقال : أيُّها الناس إياكم وخضراء الدمن. قيل : يا رسول اللّه ، وما خضراء الدمن؟ قال : المرأة الحسناء في منبت السوء» (33).
وحذّر الإسلام من تزوج المرأة المشهورة بالزنا ، قال الإمام الصادق عليه السلام : «لا تتزوجوا المرأة المستعلنة بالزنا (34) ، وذلك لأنّها تخلق في أبنائها الاستعداد لهذا العمل الطالح ، إضافة إلى فقدان الثقة في العلاقات بينها وبين زوجها المتدين ، إضافة إلى إنعكاسات انظار المجتمع السلبية اتجاه مثل هذه الاُسرة.
وكما نصح بتجنّب الزواج من الحمقاء لامكانية انتقال هذه الصفة إلى الاطفال ، ولعدم قدرتها على التربية ، وعلى الانسجام مع الزوج وبناء الاُسرة الهادئة والسعيدة ، قال الامام علي عليه السلام : «إيّاكم وتزويج الحمقاء ، فإنّ صحبتها بلاء ، وولدها ضياع» (35).
وكذا الحال في الزواج من المجنونة ، فحينما سُئل الإمام الباقر عليه السلام عن ذلك أجاب : «لا ، ولكن إن كانت عنده أمة مجنونة فلا بأس أن يطأها ، ولا يطلب ولدها» (36).
المصادر :
1- سورة النور : ٢٤ / ٣٢.
2- الكافي ٥ : ٣٢٩.
3- كتاب السرائر ٢ : ٥١٨.
4- من لا يحضره الفقيه ٣ : ٣٨٢.
5- من لا يحضره الفقيه ٣ : ٣٨٣.
6- تهذيب الاحكام ٧ : ٢٣٩ / ١ كتاب النكاح باب ٢٢.
7- كتاب السرائر ٢ : ٥١٨. وجامع المقاصد ١٢ : ٨.
8- تهذيب الاحكام ٧ : ٢٤٠ / ٤ كتاب النكاح باب ٢٢.
9- من لا يحضره الفقيه ٣ : ٣٨٣.
10- مستدرك الوسائل ١٤ : ١٥٢.
11- من لا يحضره الفقيه ٣ : ٣٨٤.
12- جامع المقاصد ١٢: ٩. والمقنعة : ٤٩٧.
13- من لا يحضره الفقيه ٣ : ٣٨٥.
14- المقنعة : ٤٩٧.
15- وسائل الشيعة ٢٠ : ٤٦.
16- وسائل الشيعة ٢٠ : ٤٦.
17- وسائل الشيعة ٢٠ : ٤٥.
18- الكافي ٥ : ٣٣١.
19- تهذيب الاحكام ٧ : ٤٠٧.
20- من لا يحضره الفقيه ٣ : ٣٨٦ ، وتهذيب الاحكام ٧ : ٤٠١.
21- تهذيب الاحكام ٧ : ٤٠٢.
22- المحجة البيضاء ، الفيض الكاشاني ٣ : ٩٣ ، ط٣ ، دار التعارف ، ١٤٠١ هـ.
23- تهذيب الاحكام ٧ : ٤٠١.
24- الكافي ٥ : ٣٢٧.
25- الوسيلة إلى نيل الفضيلة : ٢٩٠. والسرائر ٢ : ٥٥٩. وجامع المقاصد ١٢ : ١١.
26- الوسيلة إلى نيل الفضيلة : ٢٩٠. ونحوه في : جواهر الكلام ٢٩ : ٣٦ وما بعدها.
27- الكافي ٥ : ٣٣٣.
28- من لايحضره الفقيه ٣ : ٣٨٨.
29- الكافي ٥ : ٣٣٤.
30- تهذيب الاحكام ٧ : ٤٠٤.
31- من لا يحضره الفقيه ٣ : ٣٩٣.
32- الوسيلة إلى نيل الفضيلة : ٢٩٠.
33- تهذيب الأحكام ٧ : ٤٠٣. وجواهر الكلام ٢٩ : ٣٧.
34- مكارم الأخلاق ، الطبرسي : ٣٠٥ ، منشورات الشريف الرضي ، قم ١٤١٠ هـ.
35- الكافي ٥ : ٣٥٤.
36- وسائل الشيعة ٢٠ : ٨٥.
source : راسخون