عربي
Thursday 7th of November 2024
0
نفر 0

البكاء على أهل البيت‏

   البكاء على أهل البيت‏

                        البكاء على أهل البيت‌

آيات عديدة تؤكد مشروعية البكاء والحداد منها:
لا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَنْ ظُلِمَ ... «1».
وفى آية أخرى: ... قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى‌ «2».
وعن الإمام على (ع):
ويفرحون لفرحنا ويحزنون لحزننا ويبذلون أموالهم وأنفسهم فينا أولئك منّا وإلينا «3».
وقوله تعالى: ... وَ مَنْ يُعَظِّمْ شَعائِرَ اللَّهِ فَإِنَّها مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ «4».
وقد بكى يعقوب النبى (ع) على ابنه يوسف عشرين سنة وقال: ... يا أَسَفى‌ عَلى‌ يُوسُفَ وَ ابْيَضَّتْ عَيْناهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ «5».
إن البكاء ظاهرة إنسانية وإذا ما جاءت على أناس ضحوا من أجل الإنسانية فإن ذلك يجذّر القيم الأخلاقية فى النفوس.

 


حقيقة البكاء

 


البكاء حالة إنسانية تنشأ من سلسلة انفعالات تتسبب فى‌
__________________________________________________
 (1) سورة النساء: الآية 148.
 (2) سورة الشورى: الآية 23.
 (3) بحار الأنوار: 44/ 287.
 (4) سورة الحج: الآية 32.
 (5) سورة يوسف: الآية 84.

                        اهل البيت (ع) ملائكه الارض، ص: 448
إنكسار القلب أو امتلائه بفرحة كبرى.
البكاء حقيقة كبرى وجزء من تجارب الأنبياء والأولياء وكانت جزءً من سلوكهم وفى بعض المنعطفات فى حياتهم وخلال طقوسهم العبادية وخلال المناجاة فى الأسحار.
البكاء جزء من شخصية عباد الله المخلصين وتنشأ من خلال الإحساس بفراق المحبوب أو الهجران، أنها نواح الروح التى تحنّ إلى بارئها ومبدأها.
واليوم يطرح البكاء كحالة علاجية يقترحها الأطباء حيث يكمن علاج بعض الحالات النفسية من خلال البكاء وذرف الدموع.
وهذا جلال الدين محمد البلخى المعروف بجلال الدين مولانا العارف الكبير يقول فى البكاء:
إذا لم تبك الغيوم متى ينمو العشب وإذا لم يبك الطفل متى يفور اللبن «1».
         إذا لم يبكى الطفل بائع الحلوى             فلن يموج بحر الرحمة «2»
             البكاء دواء لكل داء بلا علاج             والعيون الباكية هى ينابيع الله‌

البكاء علامة المؤمن يقول القرآن الكريم: وَ إِذا سَمِعُوا ما أُنْزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرى‌ أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ ... «3».
والروايات الواردة فى البكاء خوفاً وخشية من الله عزّ وجلّ فى منتصف الليل من أهل البيت (ع) وما كانوا يقولونه فى مناجاتهم ممتزجاً بالدموع يمثل إرثاً إنسانياً وأخلاقياً خالداً.
__________________________________________________
 (1) مولوى، مثنوى معنوى، الكتاب الخامس.
 (2) المصدر السابق: الكتاب الثانى.
 (3) سورة المائدة: الآية 83.


                        اهل البيت (ع) ملائكه الارض، ص:449

 

يقول الإمام أمير المؤمنين على (ع) فى دعاء كميل وهو يتساءل على أى شى‌ء أبكى:
لأليم العذاب وشدّته أم لطول البلاء ومدّته؟!.
ويقول الإمام السجاد فى الدعاء المعروف بدعاء أبى حمزة الثمالى:
فما لى لا أبكى؟! أبكى لخروج نفسى، أبكى لظلمة قبرى، أبكى لضيق لحدى، أبكى لسؤال منكر ونكير إيّاى، أبكى لخروجى من قبرى عرياناً ذليلًا، حاملًا ثقلى على ظهرى.

 


البكاء على مصائب أهل البيت (ع)


إن البكاء على المصائب والمحن التى تعرض لها أهل البيت (ع) هى عبادة هامّة لأن البكاء عليهم إنّما هو بكاء على الإنسانية المعذبة وهو بكاء من أجل القيم الأخلاقية الرفيعة التى طالما تتعرض للعدوان. وعندما تتجلى هذه المظلومية فى يوم عاشوراء وعندما تقطع الفضيلة إرباً إرباً ممثلة بالحسين وأصحابه وأهل بيت رسول الله (ص) فإن البكاء على الحسين هو فى الحقيقة بكاء من أجل الإنسانية المعذبة وهو عملية لغسل القلب والروح والتسامى.
يقول الإمام الرضا (ع):
من تذكر مصابنا وبكى لما ارتكب منّا، كان معنا فى درجاتنا يوم القيامة، ومن ذكّر بمصابنا فبكى وأبكى لم تبك عينه يوم تبكى العيون «1».
روى عن سليمان الأعمش أنّه قال: كنت نازلًا بالكوفة وكان لى جار وكنت آتى إليه وأجلس عنده، فأتيت ليلة الجمعة إليه، فقلت له:
__________________________________________________
 (1) الأمالى، الصدوق: 73، المجلس السابع عشر، حديث 4؛ نفس المهموم: 140؛ بحار الأنوار: 44/ 278، باب 34، حديث 1.


                        اهل البيت (ع) ملائكه الارض، ص: 450

يا هذا ما تقول فى زيارة الحسين (ع)؟ فقال لى: هى بدعة وكلُّ بدعة ضلالة وكلُّ ضلالة فى النار. قال سليمان: فقمت من عنده وأنا ممتلئ عليه غيظاً فقلت فى نفسى: إذا كان وقت السحر آتيه وأُحدِّثه شيئاً من فضائل الحسين (ع) فإن أصرَّ على العناد قتلته، قال سليمان: فلمّا كان وقت السحر أتيته وقرعت عليه الباب ودعوته باسمه، فإذا بزوجته تقول لى: إنّه قصد إلى زيارة الحسين من أوَّل الليل.
قال سليمان: فسرت فى أثره إلى زيارة الحسين (ع) فلمّا دخلت إلى القبر فإذا أنا بالشيخ ساجد لله عزَّ وجلّ وهو يدعو ويبكى فى سجوده ويسأله التوبة والمغفرة، ثمَّ رفع رأسه بعد زمان طويل فرآنى قريباً منه، فقلت له: يا شيخ بالأمس كنت تقول زيارة الحسين (ع) بدعة وكلُّ بدعة ضلالة وكل ضلالة فى النار واليوم أتيت تزوره؟ فقال: يا سليمان لا تلمنى فإنى ما كنت أثبت لأهل البيت إمامة حتى كانت ليلتى تلك، فرأيت رؤيا هالتنى وروعتنى.
فقلت له: ما رأيت أيها الشيخ؟ قال: رأيت رجلًا جليل القدر لا بالطويل الشاهق، ولا بالقصير اللاصق لا أقدر أصفه من عظم جلاله وجماله، وبهائه وكماله وهو مع أقوام يحفّون به حفيفاً ويزفّونه زفيفاً وبين يديه فارس وعلى رأسه تاج وللتاج أربعة أركان وفى كل ركن جوهرة تضى‌ء من مسيرة ثلاثة أيام فقلت لبعض خدّامه: من هذا؟ فقال: هذا محمد المصطفى، قلت: ومن هذا الآخر؟ فقال: علىّ المرتضى وصىُّ رسول الله، ثم مددت نظرى فإذا أنا بناقة من نور، وعليها هودج من نور، وفيه امرأتان والناقة تطير بين السماء والأرض، فقلت: لمن هذه الناقة؟ فقال: لخديجة الكبرى وفاطمة الزهراء (عليهما السلام)، فقلت: ومن هذا الغلام؟ فقال: هذا الحسن بن على، فقلت: وإلى أين يريدون بأجمعهم؟ فقالوا: لزيارة المقتول ظلماً شهيد كربلاء الحسين‌
                        اهل البيت (ع) ملائكه الارض، ص: 451
بن على المرتضى، ثم إنّى قصدت نحو الهودج الذى فيه فاطمة الزهراء وإذا أنا برقاع مكتوبة تتساقط من السماء فسألت ما هذه الرقاع؟ فقال: هذه رقاع فيها أمان من النار لزوّار الحسين (ع) فى ليلة الجمعة فطلبت منه رقعة فقال لى: إنّك تقول: زيارته بدعة؟ فإنّك لا تنالها حتى تزور الحسين (ع) وتعتقد فضله وشرفه، فانتبهت من نومى فزعاً مرعوباً، وقصدت من وقتى وساعتى إلى زيارة سيدى الحسين (ع) وأنا تائب إلى الله تعالى، فوالله يا سليمان لا أفارق قبر الحسين حتى يفارق روحى جسدى.
وقال أمير المؤمنين على (ع) وهو ينظر إليه:
يا عبرة كل مؤمن! فقال: أنا يا أبتاه؟ فقال: نعم يا بنى «1».
قال الإمام الصادق (ع):
من ذكرنا أو ذُكرنا عنده فخرج من عينه دمع مثل جناح بعوضة، غفر الله له ذنوبه، ولو كانت مثل زبد البحر «2».
وقال (ع) أيضاً:
نفس المهموم لظلمنا تسبيح، وهمه لنا عبادة، وكتمان سرنا جهاد فى سبيل الله، ثم قال أبو عبدالله: يجبّ أن يكتب هذا الحديث بالذهب «3».
وذكر سيد الشهداء الحسين (ع) ومصرعه: فبكى أبو
__________________________________________________
 (1) بحار الأنوار: 44/ 279.
 (2) تفسير القمى: 2/ 292، بحار الأنوار: 44/ 278، باب 34، حديث 3. الأمالى للطوسى: 115، المجلس الرابع، حديث 1178؛ بشارة المصطفى: 105؛ الأمالى، المفيد: 338، المجلس الأربعون، حديث 3؛ بحار الأنوار: 44/ 278، باب 34، حديث 4.
 (3) الأمالى للطوسى: 115، المجلس الرابع، حديث 1178؛ بشارة المصطفى: 105؛ الأمالى، المفيد: 338، المجلس الأربعون، حديث 3؛ بحار الأنوار: 44/ 278، باب 34، حديث 4.


                        اهل البيت (ع) ملائكه الارض، ص: 452

عبدالله (ع) وبكينا قال ثم رفع رأسه فقال قال الحسين بن على (ع): أنا قتيل العبرة لا يذكرنى مؤمن إلا بكى «1».
وعن الإمام الحسين (ع) قال:
ما من عبد قطرت عيناه فينا قطرة، أو دمعت عيناه فينا دمعة، إلا بوأه الله بها فى الجنة حقبا «2».
وروى معاوية بن وهب عن الإمام الصادق (ع) أنه قال:
كل الجزع والبكاء مكروه سوى الجزع والبكاء على الحسين (ع) «3».
__________________________________________________
 (1) كامل الزيارات: 108، باب 36، حديث 6؛ بحار الأنوار: 44/ 279، باب 34، حديث 5؛ مستدرك الوسائل: 10/ 311، باب 49، حديث 12072.
 (2) الأمالى للطوسى: 116، المجلس الرابع، حديث 181؛ الأمالى، المفيد: 34، المجلس الأربعون، حديث 6؛ بشارة المصطفى: 62؛ بحار الأنوار: 44/ 279، باب 34، حديث 8.
 (3) الأمالى للطوسى: 161، المجلس السادس، حديث 268؛ وسائل الشيعة: 3/ 282، باب 87، حديث 3657؛ بحار الأنوار: 44/ 280، باب 34، حديث 9.


                        اهل البيت (ع) ملائكه الارض، ص: 453
                  

      ثواب البكاء على مصيبته‌

وعن محمّد بن مسلم قال: سمعت أبا عبدالله يقول: إنَّ الحسين بن على عند ربه عزّ وجلّ ينظر إلى معسكره ومن حلّه من الشهداء معه،، وينظر إلى زوّاره، وهو أعرف بهم وبأسمائهم وأسماء آبائهم وبدرجاتهم ومنزلتهم عند الله عزّ وجل من أحدكم بولده وإنّه ليرى من يبكيه فيستغفر له ويسأل آبائه (ع) أن يستغفروا له، ويقول: لو يعلم زائرى ما أعدَّ الله له لكان فرحه أكثر من جزعه، وإنّ زائره لينقلب وما عليه من ذنب.
وعن أبى جعفر (ع) قال: كان على بن الحسين (عليهما السلام) يقول: أيما مؤمن دمعت عيناه لقتل الحسين بن على دمعة حتى تسيل على خدّه بوأه الله بها فى الجنة غرفاً يسكنها أحقاباً، وأيما مؤمن دمعت عيناه دمعاً حتى يسيل على خدّه لأذىً مسنّا من عدوّنا فى الدنيا بوأه الله مبوّأ صدق فى الجنة، وأيما مؤمن مسّه أذىً فينا فدمعت عيناه حتى يسيل دمعه على خدّيه من مضاضة ما أوذى فينا صرف الله عن وجهه الأذى وآمنه يوم القيامة من سخطه والنار.
وروى السيد بن طاووس: أيما مؤمن مسّه أذى فينا صرف الله عن وجهه الأذى وآمنه يوم القيامة من سخط النار.
قال الإمام الرضا (ع): فعلى مثل الحسين فليبك الباكون فإنّ البكاء عليه يحطّ الذنوب العظام ... «1».
__________________________________________________
 (1) الأمالى للصدوق: 128، المجلس السابع والعشرون، حديث 2؛ روضة الواعظين: 1/ 169؛ وسائل الشيعة: 14/ 504، باب 66، حديث 19697؛ بحار الأنوار: 44/ 283، باب 34، حديث 17.
                        اهل البيت (ع) ملائكه الارض، ص: 454
وقال (ع) لابن شبيب:
يابن شبيب إن كنت باكياً لشى‌ء فبانك للحسين بن على بن أبى طالب ... وقد بكت السماوات السبع والأرضون لقتله إلى أن قال: يابن شبيب! إن بكيت على الحسين حتى تصير دموعك على خديك غفر الله لك كل ذنب ... «1».
وهذه نماذج من الروايات الواردة فى مسألة البكاء على أهل البيت (ع) وهى غيض من فيض ومن أراد التفصيل فيمكنه مراجعة مصادر معتبرة فى هذا المضمار وهنا نسجل بعض النقاط:
1 إن البكاء الذى يترتب عليه الثواب العظيم هو ما يصدر عن إنسان مؤمن.
2 إنّ البكاء على أهل البيت يكون أكثر مصداقية من إنسان يسير على خطى أهل البيت (ع).
3 إنّ البكاء الذى يكون خالصاً لله ولرسوله هو البكاء الذى تحثّ عليه الآثار والأحاديث.
4 إنّ البكاء الخالد والذى يظهر الروح ويغسل القلب هو بكاء إنسان لم يتلوث بالذنوب والمعاصى والآثام.
5 إن البكاء الذى تتوافر فيه المواصفات أعلاه هو الذى يستحيل يوم القيامة إلى رحمة ومغفرة ورضوان من الله أكبر.

 

                        اهل البيت (ع) ملائكه الارض، للعلامة انصاریان  ص: 454


source : دار العرفان
0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخر المقالات

ما هي ليلة الجهني، و لماذا سُمِّيت بالجهني؟
خلود القرآن والعترة
شر الجبابرة والطغاة
حقیقة الدعاء
البكاء على أهل البيت‏
الامام الجواد عليه السلام في سطور
من شهد واقعة الطف
في حسن الخلق و ثوابه
التميميّون من أصحاب الحسين (عليه السّلام)
دروس في فن التلاوة وعلم المقامات والنغم القرآنية

 
user comment