* د. أوجيست فوريل
يرجع الخلاف بين نفسية الرجل ونفسية المرأة إلى التأثير الذي يحدثه اختلاف دوريهما في الحياة التناسلية على نصفي كرة المخ. بحيث يصبح لكل منهما ((عقلية تناسلية)) خاصة تميزه عن الآخر.
واستناداً على القواعد العامة التي يقررها علم النفس نستطيع أن نزعم أن الرجل يفوق المرأة ـ من الوجهة الذهنية المحضة ـ في خياله المبتكر وفي قدرته على التوفيق والاكتشاف وفي عقله النافذ. وقد بقي تعليل هذا التفوق الظاهر زمناً طويلاً راجعاً إلى أن المرأة لم تعط الفرصة الكافية لقياس ذكائها أمام الرجل ولكن هذه الحجة سقطت من تلقاء نفسها بعد أن اتجهت نهضة المرأة الحديثة إلى تحريرها. ويمكننا أن نلمس هذا التفوق أيضاً في الابتكار الفني فقد اشتركت المرأة على مرّ العصور في كل الأعمال الفنية التي قام بها الرجل. وإذا كان بعض الناس ينادون بأن أجيالاً قليلة من النشاط كفيلة بأن ترفع المستوى الذهني للمرأة فهؤلاء يخلطون بين نتائج التعليم ونتائج الوراثة ونشوء الجنس. فالتعليم أمر شخصي محض وهو لا يحتاج إلا إلى جيل واحد كي يؤتي ثماره. أما التأثيرات الموروثة فأعمق مدى من ذلك ولا يمكن لجيلين أو لثلاثة أجيال أن تنال منها بالتغيير أو التعديل. ولا ريب في أن القوى العقلية للمرأة سوف تسمو وتنتعش في حدودها الطبيعية بمجرد أن يتيح لها المجتمع أ تسير مع الرجل جنباً إلى جنب وبمجرد أن يساويها به. أما ما ليس موجوداً في الذاكرة الوراثية للنوع أو بعبارة أخرى ما ليس موجوداً في القوى التي تحملها النطفة لآلاف السنين أو ملايينها فلا يمكن أن يخلق في أجيال محدودة. وللصفات النوعية وما تتبعها من الصفات التناسلية الموروثة وبين النتائج الفردية للتعليم لأن هذه الأخيرة يمكن أن تكتسب بالتعود ولا يمكن أن تورث إلا بعد بضع مئات من الأجيال.
ومن جهة أخرى تتساوى المرأة مع الرجل في الإدراك والفهم وفي القدرة على النقل والتقليد والمحاكاة ولكنها أكثر منه ثباتاً واستقراراً. وقد أتيح لي أن أشاهد هذه الظواهر أثناء عملي بجامعات زوريخ ويؤيد الانتاج الفني هذه الملاحظة فإن المرأة توازي الرجل في النقل والتقليد ويلاحظ الفيلسوف ((استيور ميل)) أن للمرأة بديهة تعمل بالاشتراك مع قوة ملاحظتها الشخصية على أن تكشف لها عن حقائق عامة في سرعة ووضوح وتساعدها على تطبيقها في بعض الحالات الخاصة دون العناية بالنظريات ويمكننا أن نطلق على ذلك اسم التقدير البديهي أو الباطني للمرأة.