سنة ٣٥٥ب.م: حكم الإمبراطور جوليانوس على غاليا فأمر بتشييد هيكل عظيم في باريزي التي جعلها عاصمة بلاد غاليا ودعاها باريس، وذلك بعد انتصارهِ على الفرنك وأمر بتشييد كنائس عديدة مكان الهياكل الوثنيَّة.
سنة ٣٨٠ب.م: كانت البلاد عرضة لهجمات الأعداء الجرمانيين الذين كانوا يهددونها من كل جهة ومكان، فتفرقت الماسونيَّة وطرأ عليها عامل التشتيت فلجأت إلى الأديرة لتنجو من الهلاك المحيق الذي كان يهددها، وهناك أخذ عنها الرهبان أسرارها وحفظوها عندهم طويلًا.
سنة ٤١٠ب.م: ظل الاسكوتسيون يهددون الرومانيين في أملاكهم البريطانية ويشنون الغارة عليهم من يوم إلى آخر فيهدمون المعاقل والحصون والبناءُون يشيدونها، ولكن عددهم لم يكن كافيًا ليردع هجمات الأعداء العديدين فارتأى الرومانيون أن يتخلوا تمامًا عن تلك البلاد ويخلونها وشأنها وهكذا فعلوا.
وإذ رأى البناءُون أنفسهم وحيدين لا دولة لهم تحميهم ويتمتعون بامتيازاتهم هاجروا إلى بلاد الغال واسكوتسيا وأدخلوا إليها الديانة المسيحية وعِلم البناء محافظين تمام المحافظة على التقاليد القديمة التي تلقنوها، والتي عليها تأسست محافلهم.
مساعدة الباباوات للماسون
سنة ٤٣٠ب.م: فرغمًا عن المساعدات العديدة التي أحرزتها الماسونيَّة وعضد الباباوات لها لم تعد تظهر كالأول في مظاهر عظمتها؛ إذ إن هجمات البرابرة، والذين عاثوا في إيطاليا فسادًا أبدلوا عظمة رومية وحسن رونقها بالهوان.
ولكن لكثرة ما اجتهد الباباوات في هذا الأمر واهتموا بهذا الشأن أخذت تسير إلى الأمام شيئًا فشيئًا، وهدمت الهياكل الوثنية الأنيقة وأخذت منها زخارفها، وشيدت بها كنائس لعبادة المسيحيين.
البرابرة ورومية والماسون
سنة ٤٥٥ب.م: هاجم البرابرة رومية ثانية تحت قيادة جانسيريك Genséric وهدموا كل ما فيها من المباني العمومية الجميلة، وهذا العمل أضرَّ بالماسونيَّة كثيرًا، ولم تنشأ بناية جديدة في تلك البلاد مدة مديدة.
سنة ٤٧٦ب.م: هاجم البرابرة رومية للمرة السادسة في قرن واحد، وكانت مهاجمتهم الأولى تحت قيادة الإريك سنة ٤١٠ وجنسيريك سنة ٤٥٥، وهذه السادسة بقيادة أدواكر Odoacre، وكانت هذه أشد الضربات وأثقلها على البلاد الرومانية، فهدمت الهياكل ودمرت البلدان، وتشتت جماعات البنَّائين، ورُزئت البلاد رزءًا عظيمًا.
ورأى البناءُون هذا البلاء فاجتنبوه كي لا تدرس صناعتهم الشريفة فهاجروا إلى أربعة أقطار العالم فساروا إلى اليونان ومصر وسوريا، حيث شادوا الأماكن العظيمة والهياكل الأنيقة.
سنة ٥٠٠ب.م: ولبثت الماسونيَّة في رومية خاملة حتى هذا العهد فظهر بعض شتات من تلك الجمعيات العظيمة فشمروا عن ساعد جدهم واجتهادهم وتألبوا يدًا واحدة واعتصبوا فكرًا واحد ليعيدوا للماسونية شرفها الأول وعظمتها الأولى، فشيدوا الهياكل وبنوا بعض كنائس عظيمة.
همم الماسونيين
سنة ٥٢٥ب.م: اقتدت غاليا برومية وقام البناءُون فيها بهمة شماءَ وهدموا الهياكل الوثنية التي لبثت قائمة، رغمًا عن هجمات الأعداء، وشيدوا مكانها كنائس عظيمة جدًّا. وفي زمن تسلط شيلديريك من سنة ٤٦٠ إلى سنة ٤٨١ وكلوفيس من سنة ٤٨١ إلى سنة ٥١١، وكلوتير من سنة ٥١١ إلى سنة ٥٦١ ظهرت الماسونيَّة بأبهى حلل جلالها وجمالها، وأُعيدت لها كل الامتيازات والحقوق الرومانية التي كان نوما بومبيليوس قد منحها إياها.
الماسون في الشرق
سنة ٥٣٠ب.م: تقدَّمت الماسونيَّة في سوريا تقدمًا عظيمًا، فأقيمت المدن والهياكل والمباني العمومية الكثيرة، واستدعت الدولة الساسانيَّة التي كانت مالكة إذ ذاك على الفرس هؤلاء الجهابذة إلى بلادها ليشيدوا معالمها ويقيموا حصونها وقلاعها ويبنوا هياكلها ومعابدها، وامتزج هناك الخط اللاتيني والبيزنطي بالخط الفارسي وأصبحت الماسونيَّة على درجة من العظمة لا تنازع.
اشتهر المهندس النقَّاش أنتيموزيوس والنقَّاش أيزيدور دي ميللي في هندسة ونقش كنيسة أجيا صوفيا في القسطنطينية وهي الكنيسة العظيمة التي كان قد بناها قسطنطين سنة ٣٢٦ كما تقدم.
بعد احتراق كنيسة أجيا صوفيا التي كان أنشأها قسطنطين الكبير قام القيصر بوستينيانوس الأول وأمر البنَّائين بتشييدها ثانيةً، وكان عدد الذين اشتغلوا بهذا البناء العظيم مائة أستاذ، ولكل أستاذ مائة تلميذ، وكان خمسة آلاف عامل يشتغلون في الجهة اليمنى وخمسة آلاف في الجهة اليسرى، وانتهت بعد ستة عشر عامًا من بدء العمل بها، وحين نجز بناؤُها ضحى الملك ألف ثور وعشرة آلاف كبش وستمائة غزال وألف خنزير وعشرين ألف دجاجة وثلاثين ألف كيل حنطة وُزِّعت هذه كلها على الفقراء. وإذ كان قد صرف على بنائها مبالغ طائلة التزم أن يجعل ضرائب على الشعب ليخفف أثقال المحن التي ألمَّت بهِ لهذا السبب، وكان كما قيل قد صرف ٤٥٢ قنطارًا ذهبًا، ولم تعلُ هذه البناية الجسيمة سوى بضعة أمتار فقط.
وعندما افتتح محمد الثاني القسطنطينية حوَّل هذه الكنيسة إلى جامع، وهو أشهر الجوامع في البلاد الإسلامية من حيث العظمة والاتساع.
سنة ٥٥٧ب.م: ذهب أوستين Austin وهو راهب من رهبان ماري مبارك إلى بريطانيا ليبشر الأنكلوساكسون ويدعوهم إلى الديانة المسيحية، وإذ كان بارعًا في النقش رأس جماعة البنَّائين وحرَّك فيهم عامل النشاط ونشل الماسونيَّة من وهدة الخمول التي ألقتها فيها الحروب الأخيرة. سنة ٥٨٠ب.م: كانت الجمعيات الماسونيَّة في بريطانيا قليلة العدد لا تفي بالمطلوب منها من إنشاء المباني العظيمة، فكان الكهنة يذهبون من يوم إلى آخر قاصدين رومية بدعوى استجلاب الآثارات الثمينة منها، ولكنهم كانوا يقصدونها ليأتوا بالبنَّائين ليجعلوا بريطانيا زاهية زاهرة، وكان البعض الآخر الذين يرأسهم الأسقف ويرموث Wermuth، فذهبوا إلى غاليا واستصحبوا معهم عددًا غفيرًا أحلوهم بريطانيا.
سنة ٦٠٠ب.م: أُنشئت كاتدرائية كنتربري وبعدها بسنتين؛ أي سنة ٦٠٢، أُقيمت كاتدرائية روشستر المشهورتان في إنكلترا.
سنة ٦٠٤ب.م: شُيِّدت كاتدرائية ماري بولس سنة ٦٠٤ في لوندرة وكاتدرائيَّة سان جان دي ونشستر سنة ٦٠٥.
الماسونيَّة والرهبان
سنة ٦١٠ب.م: توفي أوستين الأستاذ الماسوني الشهير الذي سُمِّي بعدُ قديسًا باسم أوغسطينوس.
سنة ٦١١ب.م: اشتهر ببنت كاهن ويرال مفتش البنَّائين العام.
سنة ٦٢٠ب.م: تحوَّرت الماسونيَّة عما كانت عليهِ قبلًا، ولكنها لبثت محافظة على قواعدها وشرائعها الأصلية، فكانوا يدعونهم في إيطاليا مدارس البنَّائين أو النقاشين، وفي غاليا إخوة بنائين، وفي بريطانيا بنائين أحرارًا؛ نظرًا للامتيازات التي أحرزوها، وكانت كل هذه الجمعيات مرءُوسة من أستاذ أعظم ورؤساء، وكانوا يدعون الرئيس المحترم، وكان هذا تارةً كاهنًا فيدعى إذ ذاك الأب الرئيس المحترم، وأخرى غيره فيدعى الرئيس المحترم.
سنة ٦٦٠ب.م: فكانت الماسونيَّة كل مرة ترى ذاتها مهددة من الاضطهادات أو الحروب الوطنية تلجأُ إلى الأديرة، حيث تحتمي وترى ملجأً أمينًا وحرزًا حريزًا، وكأن الرهبان رأوا فضل هذه الجمعية وعظم تعاليمها فانتظموا بأجمعهم في سلكها، وأقبلوا على درسها والتمعن بها حتى إنهم بمدة وجيزة نبغوا فيها وصاروا آية في التفنن الذي يبهر العقول. وقد نشأ من هؤلاء رجال عظام كالقديس إلوا Eloi أسقف نوايون سنة ٦٥٩ب.م والقديس فيرول النقاش أسقف ليموج Férol Limoges، والقديس دالماك النقاش أسقف رودس واغر يقولا النقاش أسقف شالون من سنة ٦٨٠ إلى سنة ٧٠٠ب.م، وغيرهم من الجهابذة العظام الذين شادوا البنايات الضخمة في غاليا وبريطانيا.
سنة ٦٨٠ب.م: أمست الماسونيَّة في بريطانيا بعد وفاة أوستين بلا رئيس لها، وكان كنرد ملك موريسيا حامي البنَّائين في بريطانيا ينشطها كثيرًا لتقوى وتصبح على درجة عظيمة من الفخر والصولة، فعين الأب بنت أسقف ويرال مفتشًا عامًّا للماسونيَّة ومديرًا لأعمالها، ولكنها مع ذلك لبثت في تأخر نحو جيل.
سنة ٦٨٥ب.م: أحرز البناءُون الذين هاجروا رومية وأتوا إلى الشرق واستوطنوا القسطنطينية شهرة عظيمة، فكانوا يستدعونهم إلى كل الجهات من الفرس وبلاد العرب وسوريا، حتى إن الخليفة الوليد بن عبد الملك استدعى قسمًا منهم ليبنوا له جوامع في المدينة ودمشق وأورشليم.
*نجاح الماسونيَّة في بريطانيا
سنة ٧٠٠ب.م: وصلت الماسونيَّة في بريطانيا إلى درجة من الكمال رفيعة، فكانوا يشيدون الكنائس على نمط اسكوتسيا المنيع وفضَّل قسم منها تخصيص نفسهِ لدرس البناء الاسكوتسي وتحسينهِ ورأوا وجوب الاجتماع في محل خاص بهم ليمارسوا هذه المهمة فاختاروا لذلك وادي غلانبيك في شرق اسكوتسيا الشمالي المقابل لجزيرة سكاي، وهناك كانوا يلتئمون ويقررون ما يجب إجراؤه.
سنة ٧٢٠ب.م: أوقفت هجمات العرب طويلًا الماسونيَّة عن التقدم في غاليا، وبقيت هكذا لا تأتي بشيء يذكر حتى أواسط هذا القرن.
سنة ٧٤٠ب.م: طلب ملوك الساكسون من شارل مارتل ملك غاليا إرسال بنائين إلى بريطانيا لينظروا في تقدم هذه الصناعة هناك.