فاتن الحسيني:
ما هى مساحة الحرية المتاحة بين الزوجين؟ هل لكل زوج أو زوجة الحق فى اقتحام العالم الخاص بالآخر؟ هل من حق أحدهما أن يكون له هامش من الحرية دون التدخل من الآخر.. دعونا نلقى مزيدا من الضوء على هذا الموضوع.فى البداية نجد انه تتردد الشكوى دائما من الزوجات على اختلاف مشاربهن وانتمائهن من عدم تقدير أزواجهن لحريتهن الخاصة وانتهاك خصوصيتهن واقتحام أسرارهن .
وهذا نموذج لزوجة منهن تشكو تجربتها مع زوجها والمرارة تغلف حروف كلامها.. فتقول ابتهال موظفة:
تعاهدنا أنا وزوجى منذ بداية حياتنا الزوجية على ان كلا منا يجب أن يحترم خصوصيات الآخر ولايعتدى على أموره الشخصية انطلاقا من الثقة المتبادلة بيننا وإحقاقا للحق استمرت حياتنا سنوات ونحن نحيا حياة آمنة ومستقرة.. الى أن فوجئت به ذات يوم يقرأ إحدى رسائلى الخاصة بعملي.. كنت قد احتفظت بها داخل حقيبة يدى وصدمنى هذا المشهد صدمة مروعة.. لأنه لم يكن يعنى لحظتها سوى شئ واحد، وهو انه لا يثق بى أو بأخلاقى وأن حياتنا كانت على عكس ما توهمت تقوم على الخديعة والريبة فقد كان يسلك هذا السلوك الشاذ أثناء غيابى دون أن أدري، وحينما واجهته بهذا الأمر أجابنى ببساطة وهدوء قائل: أليس هذا من حقي.. وكيف لا وأنا على حد قوله أحمل اسمه وشرفه؟!
ومن تلك اللحظة بدأت أتساءل: هل القانون يعطى هذا الحق المزعوم للزوج ويسمح له بأن يعبث بخصوصيات زوجته من خلف ظهرها ويقتحم حرمة أسرارها.. أصدقكم القول.. لم أعد أستطيع مواصلة حياتى معه بشكل طبيعى بعد تلك الواقعة بعد أن اتسع شرخ جدار الثقة وأصبح حائلا منيعا بينى وبينه!!
أسرار الزوجة
وبحثا عن عمق هذه المشكلة الزوجية كانت لنا هذه الجولة التى بدأناها بسؤال د. هاشم بحرى أستاذ الطب النفسى بجامعة الأزهر فأجاب قائلا: الاطلاع على أسرار الزوجة سواء خطاباتها أو حقيبتها الخاصة أو جيوب ملابسها أو مكالماتها التليفونية.. عمل غير أخلاقى بالمرة وقد يؤدى الى انفجار وتدمير الأسرة فقبل أن يكون الزوج طرفا فى أسرة فهو إنسان له حريته وكذلك الزوجة انسانة لها أحاسيسها وخصوصيتها وأسرارها، ولكن ليس معنى الخصوصيات والأسرار أن تكون أشياء لاأخلاقية.. فالمرأة يكمن بعض جمالها فى غموض أبعاد شخصيتها ذاتها، وانكشاف هذه الأشياء الخاصة جدا سيضيع كثيرا من هذا الجمال وهذا السحر الذى يجذب الزوج نحوها فيقلل من قوة العلاقة بينهما، فضلا عن أن تكون تلك الأسرار خاصة بعائلتها مما يجعلها تتحفظ فى أن تطلع زوجها عليها بسبب أولآخر.
وقد تكون علاقة إحسان فى السر... الخ من تلك الأمور التى لاتخص الزوج من بعيد أو قريب، وقد يتعجب البعض من أننى رغم ما نعانيه من أزمة الإسكان أطالب وأشجع أن يكون لكل من الزوجين حجرة منفصلة فلا يجب أن يرى الزوج زوجته فى أوضاع أو ظروف لا تحب هى أن يراها فيها ونفس الشئ ينسحب على الزوج لذا ينبغى علينا الاحترام التام للإنسانية الموجودة داخل كل منا.. فأنا أؤمن دائما بأن الاحترام هو الأبقى حينما ينتهى الحب والعشرة والمودة.. وإلا انهارت كل القيم.
ويعترض المهندس أسامة جبر على هذاالتصرف قائلا: إذا كان الدين الإسلامى الحنيف قد أعطى للمرأة الحق فى أن يكون لها أهليتها وشخصيتها المستقلة وكذلك الحق فى أن يكون لها ذمة مالية مستقلة فكيف إذن يحق لزوجها قراءة رسائلها أو فتح حقيبتها أو العبث بمتعلقاتها دون علمها أو رغما عنها؟! فربما تكون الأوراق متعلقة بعملها الخاص أو حسابها فى البنك وفى هذه الحالة لا يحق للزوج أن يطلع على أسرار عمل زوجته. ثم يعود متسائلا: كيف يبيح الزوج لنفسه أن يتلصص على زوجته؟! أليست هذه الزوجة شريكته وأم أولاده؟!
فأنا كزوج لا أستطيع أن أفتح رسائل أى من أبنائى أو زوجتى لأننى أؤمن بالحرية الشخصية لأنها أثمن ما يملكه الإنسان، فهى تنمى الشخصية وتقويها، أما الشك فيدمر أى علاقة ولا سيما العلاقة الزوجية حيث تكمن الخطورة التى تقضى على صفاء الأسرة واستقرارها، فالحياة الزوجية يجب أن تكون نموذجا للتعاون والفهم المشترك وتقدير واحترام كل طرف للآخر.
وبثقة تقول سمية العدوى المعيدة بمعهد العبور العالى للتكنولوجيا وإدارة الأعمال والحاسب: يقينا أسمح لزوجى بأن يعبث بحاجياتى لأننى ببساطة أرى انها حاجياته أيضا فالمسألة فى واقع الأمر قاسم مشترك فيما بيننا.. فهو يقرأ رسائلى ويفتح حقيبتى برضاى وليس لصوصية، وهذا بالطبع يسعدنى كزوجة، لأن الحياة الزوجية يجب أن تكسوها مساحة من الصداقة والثقة والاندماج والذوبان الكامل بين الزوجين. لذلك أسمح لزوجى بأن يقوم بدور مفتش المباحث فى حياتى ليس قهرا ولكن عن طيب خاطر.
أما الزوج الذى يأتى هذا الفعل عامدا متعمدا لغرض ما فى نفسه فهو زوج عديم الثقة بنفسه وذو طبيعة شكاكة وليست غيرة لأن الغيرة ما هى إلا نبت طبيعى للحب!!
لاطلاق للمتلصص
فى مكتب المحامى محمد عمران ذهبنا نبحث عن اجابة لسؤالنا: هل يحق للزوجة طلب الطلاق نتيجة تلصص الزوج على أسرارها وخصوصيتها؟ فأجاب قائلا:
الناظر المتمعق لحال مجتمعنا يرى اتجاهين:
الأول: خاص بالطبقة الدنيا حيث لا توجد أسرار بين الزوجين فالزوج يطلع على كل ما يخص زوجته.
الثاني: خاص بطبقة تنظر الى نفسها ومعيشتها بنظرة غربية بحتة حيث ترى الزوجة ان مجرد محاولة الزوج معرفة ما يخص زوجته هو من قبيل التدخل فى خصوصيتها وقد يصل الأمر بالبعض الى ساحات المحاكم لطلب الطلاق.. وفى ذلك طبعا مغالاة وتصرف بعيد كل البعد عن الأسس الأسرية السليمة.
فديننا دين وسط لا يعرف المغالاة ولا التفريط وعليه لو اتجهنا الى الشق القانونى للمشكلة لوجدنا ان القانون المصرى للأحوال الشخصية حدد الحالات التى تعطى للزوجة الحق فى طلب التفريق بينها وبين زوجها وهى للضرر ـ للغيبة ـ الزواج بأخرى ـ الهجر ـ العيوب الجنسية وما عدا ذلك لا يحق للمرأة طلب الطلاق.وعلى ذلك فإن مسألة فتح خطابات أو حقيبة الزوجة لايمكن اعتبارها ضررا يبيح للزوجة طلب الطلاق.. لأن طلبها غير مستند على أساس قانونى أو فقهي، ولكن اذا أصيبت بضرر من جراء منع زوجها من الاطلاع على خصوصيتها كأن يعتدى عليها بالضرب مثلا فهنا يحق لها الطلاق للاعتداء عليها وليس لتدخله فى خصوصيتها.
وقد قوم الله سبحانه وتعالى الرجال على النساء بقوله تعالي:
ولهن مثل الذين عليهن بالمعروف وللرجال عليهن درجة صدق الله العظيم.وهذه الدرجة هى القوامة وهى تكليف وليس تشريفا!!وفى النهاية نؤكد انه يجب أن يحترم كل من الزوجين أسرار الآخر فربما كانت أسرار الزوجة تتعلق بخصوصيات دقيقة تخص أبويها واخوتها.. كأن تقوم بمساعدة ذويها من مالها الخاص ولا تريد إظهار هذا لزوجها حتى لا تضع والديها فى وضع حرج.
وهنا يجب على الزوج أن يجل هذا التصرف فى زوجته ويقدره حق قدره لأن من حقه فقط الاطلاع على كل ما يتعلق به أو بماله أو بيته، وليس من حقه التعرف الى ما لا يتعلق به ويترك له الحرية فى هذا لشريكته.وعلى الزوجة أيضا أن تعطى الثقة لزوجها ولا تظهر غضبها من فعله هذا بل تؤكد بهدوء وتعقل انه لا توجد أسرار تمس شرفه أو عرضه أو تضر بأسرتها وأن الأمر يتعلق بعملها وعائلتها ولا تريد تحميله بمسئوليات أكثر من طاقته.
القاهرة ـ (العرب اونلاين)