لو كان النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم أراد الأحبّ في شيء دون شيء لجاء مع علي عليه السلام أناس آخرون يكونون أحب إليه في بعض الأمور ، بل لا يكون لدعائه فائدة ، لأنّ حال علي حينئذ كسائر المؤمنين الذين يحبهم الله في بعض أعمالهم ، ففي أيّ شيء كان تأثير دعائه صلّى الله عليه وآله وسلّم المستجاب قطعاً ؟
مضافاً إلى أن الحديث في بعض ألفاظه نص في الأفضلية من الكلّ من جميع الجهات ، ففي رواية الفقيه ابن المغازلي الشافعي بسنده : « فقال : اللهم أدخل عليّ أحبّ الخلق من الأولين وألآخرين يأكل معي من هذا الطائر ... » (1) .
وأيضاً ، فلو كان علي عليه السلام أحبّ اليه في بعض الأشياء كان غيره أحب إليه في البعض الآخر ، وحينئذٍ لم يكن وجه لأن يردّ أنس علياً عليه السلام في كلّ مرة يأتي إلى الباب قائلاً : « رسول الله على حاجة » ثم يعتذر بأنه كان يرجو أن يكون الدعاء لرجل من قومه الأنصار !
وبعد ، فلو كان يتطرّق هذه الشبهة فلماذا استدل بالكتاب باطلاق ( الأتقى ) في قوله تعالى ( سيجنّبها الأتقى ) ؟ ولماذا استدل باطلاق ما نسبه إلى النبي من قوله : « خير أمتي ... » ؟
فظهر أن علياً عليه السلام ـ حسب دلالة هذا الحديث ـ أحب جميع الخلق إلى الله ورسوله ، وكلّ من كان أحب الخلق إلى الله ورسوله فهو أفضل من جميعهم عندهما ، وكلّ من كان كذلك فهو متعين للخلافة عندهما ، فعلي عليه السلام متعين لها عندهما .
علي خير الخلق
( الثالث : قوله عليه السلام في ذي الثدية ، يقتله خير الخلق ، وفي رواية : خير هذه الأمة ، وقد قتله علي . وأجيب : بأنه ما باشر قتله ... ) .
لا يخفى قبولهما الحديث سنداً ، واضطرابهما في الجواب عنه دلالة ، فالماتن ذكر وجهين :
أحدهما : بأنه ما باشر قتله فيكون من باشره من أصحابه خيراً منه ، وجوابه ما في كلام الشارح من أن الصواب أن علياً قتله ، والعجب من الماتن كيف يحمل الكلام هنا على المباشرة ولا يحمله فيما ادّعاه لأبي بكر عليها ؟
وثانيهما : دعوى أن عموم الحديث مخصوص بالنبي ، فيضعف حينئذٍ عمومه للباقي . وفيه ـ مضافاً إلى عدم ارتضاء الشارح له ـ إن الكلام غير شامل للنبي صلّى الله عليه وآله وسلّم ، وعلى فرضه فالعام المخصوص حجة في الباقي بالإجماع كما عرفت فيما سبق .
والشارح أعرض عن كلا الوجهين فذكر وجهاً ثالثاً وهو : إن علياً حين قتله كان أفضل الخلق ... لكنه تأويل في غاية السقوط ، ولعلّه لذا نسبه إلى القيل .
ثم العجب أنهما لم يتفوها في الحديث بما تفوّها به في سابقه مع أنه مثله !!
أخي ووزيري وخير من أتركه ...
(قوله عليه السلام : أخي ووزيري وخير من أتركه بعدي يقضي ديني وينجز وعدي علي بن أبي طالب . وأجيب بأنه : لا دلالة للأخوة والوزارة على الأفضلية . وأما باقي الكلام فإنه يدلّ على ... ) .
أمّا قوله : « أخي » فيدل على الأفضلية كما استعرف في حديث المؤاخاة .
وأمّا قوله « وزيري » فهو إشارة إلى قول موسى عليه السلام ( واجعل لي وزيراً من أهلي هارون أخي ) فالوزارة من جملة مناصب هارون التي نزّل فيها علي منزلته في حديث المنزلة ، الدال على أفضليته من جهات عديدة .
وأمّا باقي الكلام فما ذكره فيه تأويل بلا دليل .
فاندفع الإشكال في الدلالة ، وهو سنداً حديث متفق عليه بين الفريقين .
علي خير الأمّة
(قوله عليه السلام لفاطمة : أما ترضين أني زوّجتك من خير أمتي . وأجيب : بأنه لا يلزم كونه خيراً من كل وجه ، ولعلّ المراد خيرهم لها ) .
أمّا الوجه الأول فقد عرفت جوابه مما سبق في نظيره .
وأمّا الثاني فكذلك ، لأنه تأويل للكلام وتقييد بلادليل ، فأي مانع منعه من أن يقول لها : « زوجتك من خير أمتي لك » ؟ سلمنا : لكن ثبت أن الشيخين خطبا الزهراء عليها السلام فردّهما رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم ، فيكون عليه السلام خيراً منهما ، لانه صلّى الله عليه وآله وسلّم زوجها منه ، وقد كان زواجها منه بأمر من الله سبحانه لا للإعتبارات الدنيوية !!
خير من أتركه بعدي علي
(قوله عليه السلام : خير من أتركه بعدي علي وأجيب بما مر ) .
علي سيد العرب
(قوله عليه السلام : أنا سيد العالمين وعلي سيد العرب ... أجيب : بأن السيادة الارتفاع لا الأفضلية ... ) .
هذا عجيب جداً ، فإنّ الإرتفاع على وجه الاطلاق هو الأفضلية . على أن السيادة إن لم تدل على الأفضلية فقوله « أنا سيد العالمين » غير دالٍ عليها وهو باطل قطعاً فالمقدم مثله ، ولعلّة التفت إلى سقوط هذا الوجه فقال « وإن سلّم فهو كالخبر لا عموم له » لكنه تأويل بلا دليل .
اختيار الله علياً
(قوله عليه السلام لفاطمة ... وأجيب ... ) .
وفيه ما عرفت من أنه تقييد بلا وجه وتأويل بلا دليل ، وإنه بالنظر إلى ردّ الشيخين دليل الافضلية منهما .
حديث الاخوة
(أنه عليه السلام لمّا آخى بين الصحابة ... قيل : لا دلالة لاتّخاذه أخاً على أفضليته ، إذ لعل ... ) .
لقد كان الغرض من مؤاخاة النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم لعلي عليه السلام تعريف منزلته وبيان فضله على غيره ، لأنه كان يؤاخي بين الرجل ونظيره ، فيكون علي هو النظير لرسول الله ، ولذا تعرض صلّى الله عليه وآله وسلّم لدى المؤاخاة بينه وبين علي إلى أنه بمنزلة هارون من موسى ـ كما في الحديث المتقدم ـ ولذا أيضاً احتج أمير المؤمنين بهذه المؤاخاة على أهل الشورى .
روى الحافظ ابن عبدالبر المتوفى سنة 463 : « لما احتضر عمر جعلها شورى بين علي وعثمان وطلحة والزبير وعبدالرحمن وسعد . فقال لهم : أنشدكم الله هل فيكم أحد آخى رسول الله بينه وبينه ، إذ آخى بين المسلمين غيري ؟ قالوا : اللهم لا » .
قال : « وروينا من وجوه عن علي أنه كان يقول : أن عبدالله وأخو رسوله ، لا يقولها أحد غيري إلاّ كذّاب » .
قال : آخى رسول الله بين المهاجرين ثم آخى بين المهاجرين والأنصار ، وقال في كلٍّ منهما لعلي : أنت أخي في الدنيا والآخرة ، وآخى بينه وبين نفسه ، فلذلك كان هذا القول وما أشبهه من علي » (2) .
فهل يبقى مجال للإحتمال الذي أبداه بقوله : « لعلّ ... » ؟ ولعله يعلم بسقوطه ولذا قال « قيل ... » !
على أنه استدل للخلّة المفروضة على أفضلية أبي بكر ، فكيف لا تكون الأخوة المتحققة دليلاً على أفضلية علي ، والأخوة فوق الخلة ؟
حديث الرّاية
(قوله عليه السلام بعد ما بعث أبابكر وعمر إلى خيبر ... فقيل : نفي هذا المجموع لا يجب أن يكون بنفي كلّ جزء منه ، بل يجوز أن يكون بنفي كونه كرّاراً غير فرار ، ولا يلزم حينئذٍ الافضلّية مطلقاً ، بل في كونه كراراً غير فرار ) .
هذا من المواضع التي اضطربت فيها أفكار القوم وتضاربت كلماتهم ، فمنهم من ينكر أن يكون الشيخان قد أخذا الراية من قبل ورجعا منهزمين ، ومنهم من ينكر قوله في وصف علي : « كراراً غير فرار » لما فيه من المنقصة للشيخين ، ومنهم من لا يجد بداً من الاعتراف بأن هذا الحديث مما يدل على أفضليّة أمير المؤمنين ، ومن هؤلاء : ابن روزبهان الخنجي الشيرازي صاحب الرد على العلامة الحلي .
وعلى الجملة فإنّ الحديث يشتمل على ثلاث فقر :
أحدها : ما دلّ على انهزام الشيخين .
والثانية : ما دلّ على أنّ علياً يجب الله ورسوله ويحبه الله و رسوله .
والثالثة : قوله في وصفه : « كراراً غير فرار ... » وقد خلت جملة من ألفاظه من الفقرة الأخيرة . أما الثّانية فلا يخلو منها حديث ، وهو كاف في الإستدلال ، ولعل نسبة الجواب إلى « القيل » إشارة إلى ضعفه .
ومما يؤكّد دلالة الحديث على الأفضلية المطلقة اعتراف عمر بذلك حيث كان يقول : « لقد أعطي علي ثلاث خصال لئن تكون لي خصلة منها أحب إليّ من أن أعطى حمر النعم ، فسئل ما هي ؟ قال : تزويجه ابنته فاطمة وسكناه في المسجد لا يحل لي فيه ما يحل له ، والراية يوم خيبر » (3) .
علي « صالح المؤمنين » .
(قوله تعالى في حق النبي ( فإن الله هو مولاه وجبريل وصالح المؤمنين ) (4) والمراد بصالح المؤمنين : علي ... فقيل : معارض بما عليه الأكثر من العموم ، وقوم من أن المراد ابوبكر وعمر ) .
لقد اعترف بأن ما نقله كثير من المفسرين هو أن المراد علي عليه السلام وهذا هو الذي عليه إجماع أصحابنا تبعاً لأئمة أهل البيت عليهم السلام ، فيكون هذا هو المتفق عليه ، ولا ريب في تقدم المتفق عليه على غيره .
مضافاً إلى أنه يتقدّم على الأول من القولين الآخرين تقدم الخاص على العام ، لا سيمّا وأن غير واحد من حفاظ القوم يروون عن غير واحد من الصحابةعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم قوله : « هو علي بن أبي طالب » (5) .
وعلى الثاني منهما من جهة أن لفظ « صالح المؤمنين » مفرد ، فكيف يحمله على الأكثر من الواحد من يمنع عن ذلك في المواضع الأخرى ؟
المصادر:
1- مناقب علي بن أبي طالب لابن المغازلي : 156 .
2- الإستيعاب في معرفة الأصحاب 3 / 1098 .
3- الصواعق المحرقة 87 ، تاريخ الخلفاء للسيوطي 66 ، منتخب كنز العمال ـ هامش مسند أحمد 5 / 39 .
4- سورة التحريم : 4 .
5- الدرّ المنثور 6 / 242 .
مضافاً إلى أن الحديث في بعض ألفاظه نص في الأفضلية من الكلّ من جميع الجهات ، ففي رواية الفقيه ابن المغازلي الشافعي بسنده : « فقال : اللهم أدخل عليّ أحبّ الخلق من الأولين وألآخرين يأكل معي من هذا الطائر ... » (1) .
وأيضاً ، فلو كان علي عليه السلام أحبّ اليه في بعض الأشياء كان غيره أحب إليه في البعض الآخر ، وحينئذٍ لم يكن وجه لأن يردّ أنس علياً عليه السلام في كلّ مرة يأتي إلى الباب قائلاً : « رسول الله على حاجة » ثم يعتذر بأنه كان يرجو أن يكون الدعاء لرجل من قومه الأنصار !
وبعد ، فلو كان يتطرّق هذه الشبهة فلماذا استدل بالكتاب باطلاق ( الأتقى ) في قوله تعالى ( سيجنّبها الأتقى ) ؟ ولماذا استدل باطلاق ما نسبه إلى النبي من قوله : « خير أمتي ... » ؟
فظهر أن علياً عليه السلام ـ حسب دلالة هذا الحديث ـ أحب جميع الخلق إلى الله ورسوله ، وكلّ من كان أحب الخلق إلى الله ورسوله فهو أفضل من جميعهم عندهما ، وكلّ من كان كذلك فهو متعين للخلافة عندهما ، فعلي عليه السلام متعين لها عندهما .
علي خير الخلق
( الثالث : قوله عليه السلام في ذي الثدية ، يقتله خير الخلق ، وفي رواية : خير هذه الأمة ، وقد قتله علي . وأجيب : بأنه ما باشر قتله ... ) .
لا يخفى قبولهما الحديث سنداً ، واضطرابهما في الجواب عنه دلالة ، فالماتن ذكر وجهين :
أحدهما : بأنه ما باشر قتله فيكون من باشره من أصحابه خيراً منه ، وجوابه ما في كلام الشارح من أن الصواب أن علياً قتله ، والعجب من الماتن كيف يحمل الكلام هنا على المباشرة ولا يحمله فيما ادّعاه لأبي بكر عليها ؟
وثانيهما : دعوى أن عموم الحديث مخصوص بالنبي ، فيضعف حينئذٍ عمومه للباقي . وفيه ـ مضافاً إلى عدم ارتضاء الشارح له ـ إن الكلام غير شامل للنبي صلّى الله عليه وآله وسلّم ، وعلى فرضه فالعام المخصوص حجة في الباقي بالإجماع كما عرفت فيما سبق .
والشارح أعرض عن كلا الوجهين فذكر وجهاً ثالثاً وهو : إن علياً حين قتله كان أفضل الخلق ... لكنه تأويل في غاية السقوط ، ولعلّه لذا نسبه إلى القيل .
ثم العجب أنهما لم يتفوها في الحديث بما تفوّها به في سابقه مع أنه مثله !!
أخي ووزيري وخير من أتركه ...
(قوله عليه السلام : أخي ووزيري وخير من أتركه بعدي يقضي ديني وينجز وعدي علي بن أبي طالب . وأجيب بأنه : لا دلالة للأخوة والوزارة على الأفضلية . وأما باقي الكلام فإنه يدلّ على ... ) .
أمّا قوله : « أخي » فيدل على الأفضلية كما استعرف في حديث المؤاخاة .
وأمّا قوله « وزيري » فهو إشارة إلى قول موسى عليه السلام ( واجعل لي وزيراً من أهلي هارون أخي ) فالوزارة من جملة مناصب هارون التي نزّل فيها علي منزلته في حديث المنزلة ، الدال على أفضليته من جهات عديدة .
وأمّا باقي الكلام فما ذكره فيه تأويل بلا دليل .
فاندفع الإشكال في الدلالة ، وهو سنداً حديث متفق عليه بين الفريقين .
علي خير الأمّة
(قوله عليه السلام لفاطمة : أما ترضين أني زوّجتك من خير أمتي . وأجيب : بأنه لا يلزم كونه خيراً من كل وجه ، ولعلّ المراد خيرهم لها ) .
أمّا الوجه الأول فقد عرفت جوابه مما سبق في نظيره .
وأمّا الثاني فكذلك ، لأنه تأويل للكلام وتقييد بلادليل ، فأي مانع منعه من أن يقول لها : « زوجتك من خير أمتي لك » ؟ سلمنا : لكن ثبت أن الشيخين خطبا الزهراء عليها السلام فردّهما رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم ، فيكون عليه السلام خيراً منهما ، لانه صلّى الله عليه وآله وسلّم زوجها منه ، وقد كان زواجها منه بأمر من الله سبحانه لا للإعتبارات الدنيوية !!
خير من أتركه بعدي علي
(قوله عليه السلام : خير من أتركه بعدي علي وأجيب بما مر ) .
علي سيد العرب
(قوله عليه السلام : أنا سيد العالمين وعلي سيد العرب ... أجيب : بأن السيادة الارتفاع لا الأفضلية ... ) .
هذا عجيب جداً ، فإنّ الإرتفاع على وجه الاطلاق هو الأفضلية . على أن السيادة إن لم تدل على الأفضلية فقوله « أنا سيد العالمين » غير دالٍ عليها وهو باطل قطعاً فالمقدم مثله ، ولعلّة التفت إلى سقوط هذا الوجه فقال « وإن سلّم فهو كالخبر لا عموم له » لكنه تأويل بلا دليل .
اختيار الله علياً
(قوله عليه السلام لفاطمة ... وأجيب ... ) .
وفيه ما عرفت من أنه تقييد بلا وجه وتأويل بلا دليل ، وإنه بالنظر إلى ردّ الشيخين دليل الافضلية منهما .
حديث الاخوة
(أنه عليه السلام لمّا آخى بين الصحابة ... قيل : لا دلالة لاتّخاذه أخاً على أفضليته ، إذ لعل ... ) .
لقد كان الغرض من مؤاخاة النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم لعلي عليه السلام تعريف منزلته وبيان فضله على غيره ، لأنه كان يؤاخي بين الرجل ونظيره ، فيكون علي هو النظير لرسول الله ، ولذا تعرض صلّى الله عليه وآله وسلّم لدى المؤاخاة بينه وبين علي إلى أنه بمنزلة هارون من موسى ـ كما في الحديث المتقدم ـ ولذا أيضاً احتج أمير المؤمنين بهذه المؤاخاة على أهل الشورى .
روى الحافظ ابن عبدالبر المتوفى سنة 463 : « لما احتضر عمر جعلها شورى بين علي وعثمان وطلحة والزبير وعبدالرحمن وسعد . فقال لهم : أنشدكم الله هل فيكم أحد آخى رسول الله بينه وبينه ، إذ آخى بين المسلمين غيري ؟ قالوا : اللهم لا » .
قال : « وروينا من وجوه عن علي أنه كان يقول : أن عبدالله وأخو رسوله ، لا يقولها أحد غيري إلاّ كذّاب » .
قال : آخى رسول الله بين المهاجرين ثم آخى بين المهاجرين والأنصار ، وقال في كلٍّ منهما لعلي : أنت أخي في الدنيا والآخرة ، وآخى بينه وبين نفسه ، فلذلك كان هذا القول وما أشبهه من علي » (2) .
فهل يبقى مجال للإحتمال الذي أبداه بقوله : « لعلّ ... » ؟ ولعله يعلم بسقوطه ولذا قال « قيل ... » !
على أنه استدل للخلّة المفروضة على أفضلية أبي بكر ، فكيف لا تكون الأخوة المتحققة دليلاً على أفضلية علي ، والأخوة فوق الخلة ؟
حديث الرّاية
(قوله عليه السلام بعد ما بعث أبابكر وعمر إلى خيبر ... فقيل : نفي هذا المجموع لا يجب أن يكون بنفي كلّ جزء منه ، بل يجوز أن يكون بنفي كونه كرّاراً غير فرار ، ولا يلزم حينئذٍ الافضلّية مطلقاً ، بل في كونه كراراً غير فرار ) .
هذا من المواضع التي اضطربت فيها أفكار القوم وتضاربت كلماتهم ، فمنهم من ينكر أن يكون الشيخان قد أخذا الراية من قبل ورجعا منهزمين ، ومنهم من ينكر قوله في وصف علي : « كراراً غير فرار » لما فيه من المنقصة للشيخين ، ومنهم من لا يجد بداً من الاعتراف بأن هذا الحديث مما يدل على أفضليّة أمير المؤمنين ، ومن هؤلاء : ابن روزبهان الخنجي الشيرازي صاحب الرد على العلامة الحلي .
وعلى الجملة فإنّ الحديث يشتمل على ثلاث فقر :
أحدها : ما دلّ على انهزام الشيخين .
والثانية : ما دلّ على أنّ علياً يجب الله ورسوله ويحبه الله و رسوله .
والثالثة : قوله في وصفه : « كراراً غير فرار ... » وقد خلت جملة من ألفاظه من الفقرة الأخيرة . أما الثّانية فلا يخلو منها حديث ، وهو كاف في الإستدلال ، ولعل نسبة الجواب إلى « القيل » إشارة إلى ضعفه .
ومما يؤكّد دلالة الحديث على الأفضلية المطلقة اعتراف عمر بذلك حيث كان يقول : « لقد أعطي علي ثلاث خصال لئن تكون لي خصلة منها أحب إليّ من أن أعطى حمر النعم ، فسئل ما هي ؟ قال : تزويجه ابنته فاطمة وسكناه في المسجد لا يحل لي فيه ما يحل له ، والراية يوم خيبر » (3) .
علي « صالح المؤمنين » .
(قوله تعالى في حق النبي ( فإن الله هو مولاه وجبريل وصالح المؤمنين ) (4) والمراد بصالح المؤمنين : علي ... فقيل : معارض بما عليه الأكثر من العموم ، وقوم من أن المراد ابوبكر وعمر ) .
لقد اعترف بأن ما نقله كثير من المفسرين هو أن المراد علي عليه السلام وهذا هو الذي عليه إجماع أصحابنا تبعاً لأئمة أهل البيت عليهم السلام ، فيكون هذا هو المتفق عليه ، ولا ريب في تقدم المتفق عليه على غيره .
مضافاً إلى أنه يتقدّم على الأول من القولين الآخرين تقدم الخاص على العام ، لا سيمّا وأن غير واحد من حفاظ القوم يروون عن غير واحد من الصحابةعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم قوله : « هو علي بن أبي طالب » (5) .
وعلى الثاني منهما من جهة أن لفظ « صالح المؤمنين » مفرد ، فكيف يحمله على الأكثر من الواحد من يمنع عن ذلك في المواضع الأخرى ؟
المصادر:
1- مناقب علي بن أبي طالب لابن المغازلي : 156 .
2- الإستيعاب في معرفة الأصحاب 3 / 1098 .
3- الصواعق المحرقة 87 ، تاريخ الخلفاء للسيوطي 66 ، منتخب كنز العمال ـ هامش مسند أحمد 5 / 39 .
4- سورة التحريم : 4 .
5- الدرّ المنثور 6 / 242 .
source : راسخون