عربي
Saturday 25th of May 2024
0
نفر 0

حديث الطير

حديث الطير
لو كان النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم أراد الأحبّ في شيء دون شيء لجاء مع علي عليه السلام أناس آخرون يكونون أحب إليه في بعض الأمور ، بل لا يكون لدعائه فائدة ، لأنّ حال علي حينئذ كسائر المؤمنين الذين يحبهم الله في بعض أعمالهم ، ففي أيّ شيء كان تأثير دعائه صلّى الله عليه وآله وسلّم المستجاب قطعاً ؟
مضافاً إلى أن الحديث في بعض ألفاظه نص في الأفضلية من الكلّ من جميع الجهات ، ففي رواية الفقيه ابن المغازلي الشافعي بسنده : « فقال : اللهم أدخل عليّ أحبّ الخلق من الأولين وألآخرين يأكل معي من هذا الطائر ... » (1) .
وأيضاً ، فلو كان علي عليه السلام أحبّ اليه في بعض الأشياء كان غيره أحب إليه في البعض الآخر ، وحينئذٍ لم يكن وجه لأن يردّ أنس علياً عليه السلام في كلّ مرة يأتي إلى الباب قائلاً : « رسول الله على حاجة » ثم يعتذر بأنه كان يرجو أن يكون الدعاء لرجل من قومه الأنصار !
وبعد ، فلو كان يتطرّق هذه الشبهة فلماذا استدل بالكتاب باطلاق ( الأتقى ) في قوله تعالى ( سيجنّبها الأتقى ) ؟ ولماذا استدل باطلاق ما نسبه إلى النبي من قوله : « خير أمتي ... » ؟
فظهر أن علياً عليه السلام ـ حسب دلالة هذا الحديث ـ أحب جميع الخلق إلى الله ورسوله ، وكلّ من كان أحب الخلق إلى الله ورسوله فهو أفضل من جميعهم عندهما ، وكلّ من كان كذلك فهو متعين للخلافة عندهما ، فعلي عليه السلام متعين لها عندهما .
علي خير الخلق
( الثالث : قوله عليه السلام في ذي الثدية ، يقتله خير الخلق ، وفي رواية : خير هذه الأمة ، وقد قتله علي . وأجيب : بأنه ما باشر قتله ... ) .
لا يخفى قبولهما الحديث سنداً ، واضطرابهما في الجواب عنه دلالة ، فالماتن ذكر وجهين :
أحدهما : بأنه ما باشر قتله فيكون من باشره من أصحابه خيراً منه ، وجوابه ما في كلام الشارح من أن الصواب أن علياً قتله ، والعجب من الماتن كيف يحمل الكلام هنا على المباشرة ولا يحمله فيما ادّعاه لأبي بكر عليها ؟
وثانيهما : دعوى أن عموم الحديث مخصوص بالنبي ، فيضعف حينئذٍ عمومه للباقي . وفيه ـ مضافاً إلى عدم ارتضاء الشارح له ـ إن الكلام غير شامل للنبي صلّى الله عليه وآله وسلّم ، وعلى فرضه فالعام المخصوص حجة في الباقي بالإجماع كما عرفت فيما سبق .
والشارح أعرض عن كلا الوجهين فذكر وجهاً ثالثاً وهو : إن علياً حين قتله كان أفضل الخلق ... لكنه تأويل في غاية السقوط ، ولعلّه لذا نسبه إلى القيل .
ثم العجب أنهما لم يتفوها في الحديث بما تفوّها به في سابقه مع أنه مثله !!
أخي ووزيري وخير من أتركه ...
(قوله عليه السلام : أخي ووزيري وخير من أتركه بعدي يقضي ديني وينجز وعدي علي بن أبي طالب . وأجيب بأنه : لا دلالة للأخوة والوزارة على الأفضلية . وأما باقي الكلام فإنه يدلّ على ... ) .
أمّا قوله : « أخي » فيدل على الأفضلية كما استعرف في حديث المؤاخاة .
وأمّا قوله « وزيري » فهو إشارة إلى قول موسى عليه السلام ( واجعل لي وزيراً من أهلي هارون أخي ) فالوزارة من جملة مناصب هارون التي نزّل فيها علي منزلته في حديث المنزلة ، الدال على أفضليته من جهات عديدة .
وأمّا باقي الكلام فما ذكره فيه تأويل بلا دليل .
فاندفع الإشكال في الدلالة ، وهو سنداً حديث متفق عليه بين الفريقين .
علي خير الأمّة
(قوله عليه السلام لفاطمة : أما ترضين أني زوّجتك من خير أمتي . وأجيب : بأنه لا يلزم كونه خيراً من كل وجه ، ولعلّ المراد خيرهم لها ) .
أمّا الوجه الأول فقد عرفت جوابه مما سبق في نظيره .
وأمّا الثاني فكذلك ، لأنه تأويل للكلام وتقييد بلادليل ، فأي مانع منعه من أن يقول لها : « زوجتك من خير أمتي لك » ؟ سلمنا : لكن ثبت أن الشيخين خطبا الزهراء عليها السلام فردّهما رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم ، فيكون عليه السلام خيراً منهما ، لانه صلّى الله عليه وآله وسلّم زوجها منه ، وقد كان زواجها منه بأمر من الله سبحانه لا للإعتبارات الدنيوية !!
خير من أتركه بعدي علي
(قوله عليه السلام : خير من أتركه بعدي علي وأجيب بما مر ) .
علي سيد العرب
(قوله عليه السلام : أنا سيد العالمين وعلي سيد العرب ... أجيب : بأن السيادة الارتفاع لا الأفضلية ... ) .
هذا عجيب جداً ، فإنّ الإرتفاع على وجه الاطلاق هو الأفضلية . على أن السيادة إن لم تدل على الأفضلية فقوله « أنا سيد العالمين » غير دالٍ عليها وهو باطل قطعاً فالمقدم مثله ، ولعلّة التفت إلى سقوط هذا الوجه فقال « وإن سلّم فهو كالخبر لا عموم له » لكنه تأويل بلا دليل .
اختيار الله علياً
(قوله عليه السلام لفاطمة ... وأجيب ... ) .
وفيه ما عرفت من أنه تقييد بلا وجه وتأويل بلا دليل ، وإنه بالنظر إلى ردّ الشيخين دليل الافضلية منهما .
حديث الاخوة
(أنه عليه السلام لمّا آخى بين الصحابة ... قيل : لا دلالة لاتّخاذه أخاً على أفضليته ، إذ لعل ... ) .
لقد كان الغرض من مؤاخاة النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم لعلي عليه السلام تعريف منزلته وبيان فضله على غيره ، لأنه كان يؤاخي بين الرجل ونظيره ، فيكون علي هو النظير لرسول الله ، ولذا تعرض صلّى الله عليه وآله وسلّم لدى المؤاخاة بينه وبين علي إلى أنه بمنزلة هارون من موسى ـ كما في الحديث المتقدم ـ ولذا أيضاً احتج أمير المؤمنين بهذه المؤاخاة على أهل الشورى .
روى الحافظ ابن عبدالبر المتوفى سنة 463 : « لما احتضر عمر جعلها شورى بين علي وعثمان وطلحة والزبير وعبدالرحمن وسعد . فقال لهم : أنشدكم الله هل فيكم أحد آخى رسول الله بينه وبينه ، إذ آخى بين المسلمين غيري ؟ قالوا : اللهم لا » .
قال : « وروينا من وجوه عن علي أنه كان يقول : أن عبدالله وأخو رسوله ، لا يقولها أحد غيري إلاّ كذّاب » .
قال : آخى رسول الله بين المهاجرين ثم آخى بين المهاجرين والأنصار ، وقال في كلٍّ منهما لعلي : أنت أخي في الدنيا والآخرة ، وآخى بينه وبين نفسه ، فلذلك كان هذا القول وما أشبهه من علي » (2) .
فهل يبقى مجال للإحتمال الذي أبداه بقوله : « لعلّ ... » ؟ ولعله يعلم بسقوطه ولذا قال « قيل ... » !
على أنه استدل للخلّة المفروضة على أفضلية أبي بكر ، فكيف لا تكون الأخوة المتحققة دليلاً على أفضلية علي ، والأخوة فوق الخلة ؟
حديث الرّاية
(قوله عليه السلام بعد ما بعث أبابكر وعمر إلى خيبر ... فقيل : نفي هذا المجموع لا يجب أن يكون بنفي كلّ جزء منه ، بل يجوز أن يكون بنفي كونه كرّاراً غير فرار ، ولا يلزم حينئذٍ الافضلّية مطلقاً ، بل في كونه كراراً غير فرار ) .
هذا من المواضع التي اضطربت فيها أفكار القوم وتضاربت كلماتهم ، فمنهم من ينكر أن يكون الشيخان قد أخذا الراية من قبل ورجعا منهزمين ، ومنهم من ينكر قوله في وصف علي : « كراراً غير فرار » لما فيه من المنقصة للشيخين ، ومنهم من لا يجد بداً من الاعتراف بأن هذا الحديث مما يدل على أفضليّة أمير المؤمنين ، ومن هؤلاء : ابن روزبهان الخنجي الشيرازي صاحب الرد على العلامة الحلي .
وعلى الجملة فإنّ الحديث يشتمل على ثلاث فقر :
أحدها : ما دلّ على انهزام الشيخين .
والثانية : ما دلّ على أنّ علياً يجب الله ورسوله ويحبه الله و رسوله .
والثالثة : قوله في وصفه : « كراراً غير فرار ... » وقد خلت جملة من ألفاظه من الفقرة الأخيرة . أما الثّانية فلا يخلو منها حديث ، وهو كاف في الإستدلال ، ولعل نسبة الجواب إلى « القيل » إشارة إلى ضعفه .
ومما يؤكّد دلالة الحديث على الأفضلية المطلقة اعتراف عمر بذلك حيث كان يقول : « لقد أعطي علي ثلاث خصال لئن تكون لي خصلة منها أحب إليّ من أن أعطى حمر النعم ، فسئل ما هي ؟ قال : تزويجه ابنته فاطمة وسكناه في المسجد لا يحل لي فيه ما يحل له ، والراية يوم خيبر » (3) .
علي « صالح المؤمنين » .
(قوله تعالى في حق النبي ( فإن الله هو مولاه وجبريل وصالح المؤمنين ) (4) والمراد بصالح المؤمنين : علي ... فقيل : معارض بما عليه الأكثر من العموم ، وقوم من أن المراد ابوبكر وعمر ) .
لقد اعترف بأن ما نقله كثير من المفسرين هو أن المراد علي عليه السلام وهذا هو الذي عليه إجماع أصحابنا تبعاً لأئمة أهل البيت عليهم السلام ، فيكون هذا هو المتفق عليه ، ولا ريب في تقدم المتفق عليه على غيره .
مضافاً إلى أنه يتقدّم على الأول من القولين الآخرين تقدم الخاص على العام ، لا سيمّا وأن غير واحد من حفاظ القوم يروون عن غير واحد من الصحابةعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم قوله : « هو علي بن أبي طالب » (5) .
وعلى الثاني منهما من جهة أن لفظ « صالح المؤمنين » مفرد ، فكيف يحمله على الأكثر من الواحد من يمنع عن ذلك في المواضع الأخرى ؟
المصادر:
1- مناقب علي بن أبي طالب لابن المغازلي : 156 .
2- الإستيعاب في معرفة الأصحاب 3 / 1098 .
3- الصواعق المحرقة 87 ، تاريخ الخلفاء للسيوطي 66 ، منتخب كنز العمال ـ هامش مسند أحمد 5 / 39 .
4- سورة التحريم : 4 .
5- الدرّ المنثور 6 / 242 .

 


source : راسخون
0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخر المقالات

التفاضل سنة الهية
الفصل الاَول (المهدي في الكتاب والسُنّة)
ارشادات أخلاقية من وحي القرآن الكريم
لیلة السابع والعشرین من رجب (لیلة المبعث)
زيارة أئمة البقيع: الإمام جعفر الصادق
كيف تغازل زوجتك؟..اليك هذه الخطوات
مدار أرضی منخفض
أصداء إعلامية لظهور «السيد نصر الله» في مسيرة ...
هل البسملة جزء من السورة ؟-2
الإمام الصادق(ع) في كلمات علماء وأعلام أهل السنّة

 
user comment