عربي
Thursday 28th of November 2024
0
نفر 0

نظرة الاسلام الی الطبيب

نظرة الاسلام الی الطبيب

اذا اتضح لدينا حقيقة نظرة الاسلام الى المريض ، ومكانته عند الله ، وما اعد الله له ، كما يتضح ذلك بالمراجعة الى الروايات الكثيرة جداً ، ولا مجال لعدها وحصرها ... اذا اتضح لدينا ايضا حقيقة المسؤولية الملقاة على عاتق الطبيب تجاه المريض ، وواجباته تجاهه ، عند ذلک نستطيع ان نعرف اهمية الطبيب ومسوؤليته الخطيره تجاه اخيه الانسان .
ونستطيع ان نجمل هنا مواصفات طالب العلم الطبي بكلمة واحدة ، وهي ان يتحلى بجميع مواصفات الانسان المسلم ، الذي يمثل الاسلام وعيا وعمقا ، وخلقا ، وسلوكا ، ويعيش اهداف الاسلام ، وتعاليمه ، وقيمه ، بكل جهات وجوده ، ومختلف شؤون حياته.
وقد ذكر القدماء بعض المواصفات لطالب العلم الطبي ، لا نرى بأسا بالاشارة اليها هنا ، ما دامت توافق مقتضيات الفطرة السليمة ، والاسلام دين الفطرة وان كان في بعضها بعض الهنات.
فقد نسبوا الى ابقراط الوصية المعروفة بترتيب الطب ، ويقول فيها :
« ينبغي ان يكون المتعلم للطب في جنسه حراً وفي طبعه جيدا ،
حديث السن ، معتدل القامة ، متناسب الاعضاء ، جيد الفهم ، حسن الحديث ، صحيح الرأي عند المشورة ، عفيفاً ، شجاعا ، غير محب للفضة ، مالكا لنفسه عند الغضب ، ولا يكون تاركا له في الغاية ، ولا يكون بليداً.
وينبغي ان يكون مشاركا للعليل ، مشفقا عليه ، حافظا للاسرار ، لان كثيرا من المرضى يوقفونا على امراض بهم لا يحبون ان يقف عليها غيرهم.
وينبغي ان يكون محتملا للشتيمة ، لان قوما من المبرسمين (البرسام : علة يهذى فيها المريض.) ، واصحاب الوسواس السوداوي يقابلونا بذلك ، وينبغي لنا ان نحتملهم عليه ، ونعلم : انه ليس منهم ، وان السبب فيه المرض الخارج عن الطبيعة.
وينبغي ان يكون حلق رأسه معتدلا مستويا ، لا يحلقه ، ولا يدعه كالجمة ، ولا يستقصى قص اظافير يديه (لقد ورد في بعض الروايات ان المرأة لا تستقصى قص اظافير يديها ، ولم نجد مثل ذلك بالنسبة للطبيب ... فيبقى استحباب قص اظافيره على النحو الكامل بلا معارض ... الا اذا كانت طبيعة عمله تستدعي ذلك.) ، ولا يتركها تعلو على اطراف اصابعه.
وينبغي ان تكون ثيابه بيضاء نقية ، ولا يكون في مشيه مستعجلا ، لان ذلك دليل على الطيش ، ولا متباطئا ، لانه يدل على فتور النفس.
واذا دعى الى المريض ، فليقعد متربعا ، وليختبر منه حاله بسكون وتأن لا بقلق واضطراب ... الخ (1). »
وفي كتاب : « كامل الصناعة الطبية الملكي » لعلي بن العباس في الباب الثاني ، المقالة الاولى ، مجموعة وصايا جيدة في هذا المجال ، وبعضها منسوب الى ابقراط ايضا ، كما يظهر لمن راجع كتاب ابن ابي اصيبعة ، ويمكن ان يفهم منها اضافة لما سبق :
ان على طالب العلم الطبي : ان يطيع اوامر الله تعالى ، ويحترم اساتذته ويكون في خدمتهم ، ويعتبرهم بمنزلة والديه ، ويحسن اليهم ، ويشركهم في امواله.
كما ان عليه ان يعتبر ابن معلمه اخا له ، ويعلمه هذه الصناعة بلا اجرة ، ولا شرط ، ويشرك اولاده واولاد معلمه في العلوم والوصايا ، وكذلك سائر التلاميذ الذين يستحقون تعلم هذه الصناعة ، دون غيرهم ممن لا يستحق ذلك.
وبعد ان ذكر امورا اخرى ، من جملتها لزوم حفظ المطالب ، وعدم الاعتماد على الكتاب ، ذكر : ان عليه ان يتعلم مطالب هذا العلم في ايام صباه ، لان ذلك اسهل عليه من ايام الشيخوخة ... وعلى طالب هذا العلم ان يبقى في المستشفيات في خدمة اساتذته العلماء ، والحذاق في هذه الصناعة ، فيمارس العمل في هذا المجال ، ويشرف على المرضى وعلى احوالهم ، ويستفيد من صحبة الاساتذة ، وخدمة المرضى ما يرتبط بأحوال وعوارض الامراض ، حسناً وسوءاً ، ويطبق ما قرأه عملياً ... الخ (2).
الطالب ... والتجارب الطبية :
وعدا عما تقدم ... فاننا نجد : ان الشارع لم يقبل من طالب العلم الطبي : ان يجعل نفسه حقل تجارب ، ولا سيما في الموارد التي يحتمل فيها الضرر احتمالا معتدا به ، فعن الصادق عليه‌السلام : « ثلاثة لا ينبغي للمرء الحازم ان يقدم عليها : شرب السم للتجربة ، وان نجا منه ، وافشاء السر الخ ... » (3).
وفي حديث آخر عن الامام الباقر عليه‌السلام : « لا تذوقن بقلة ، ولا تشمها حتى تعلم ما هي ، ولا تشرب من سقاء حتى تعلم ما فيه » (4).
الاستفادة من خبرات غير المسلمين
وبعد ... فان الحكمة ضالة المؤمن ، اينما وجدها اخذها ... فلماذا اذن يمنع من الاستفادة والتعلم من غير المسلمين : من اليهود والنصارى ، وغيرهم؟ ... اذا كانت لديهم خبرات يمكن الاستفادة منها ، واذا اقتصروا على ذلك ، ولم يتعدوه الى محاولة الدعوة الى عقائدهم ومذاهبهم ، واذا لم يستلزم ذلك اي نحو من انحاء النفوذ او التدخل في الشؤون الخاصة بالمسلمين؟ ... وقد جاء عنهم عليهم‌السلام بالنسبة لبني فضال : خذوا مارووا ، ودعوا مارأوا ... وورد :
ان « الحكمة ضالة المؤمن ؛ فاطلبوها ولو عند المشرك تكونوا احق بها واهلها » وفي معناه غيره (5).
بل لقد رأينا الرسول الاكرم (صلی الله عليه وآله وسلم)‌وسلم : قد امر اسرى المشركين في بدر ، الذين لايجدون ما يفدون به انفسهم : ان يعلم الواحد منهم عشرة من اطفال المسلمين القراءة والكتابة ، ويطلق (صلی الله عليه وآله وسلم) سراحهم في مقابل ذلك ... (6)
ولسنا بحاجة الى التعليق على هذه القضية ، فانها بنفسها تعبر عن نفسها ، ومن اراد الاطلاع على بعض ما يمكن ان يقال في ذلك (7)
*القسم الاسلامي للطبيب :
وبعد ان يتخرج ذلك التلميذ ، ويصير طبيباً حاذقاً ، فاننا نتصور شخصا : ان من الراجح ان يقسم اليمين التالي ، قبل ان يعطى اجازة للعمل في هذا المجال :
بسم الله الرحمن الرحيم :
والحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على محمد وآله الطاهرين ، واللعنة على اعدائهم اجمعين ، الى قيام يوم الدين ..
اقسم بالله العلي العظيم ، وبكل مقدساتي ، وبكل الكتب السماوية : ان ابذل جهدي وطاقتي في معالجة المرضى ، ولا افرق بين غنيهم وفقيرهم ، ولا اغش ، ولا اتساهل في ذلك ، وان اعاملهم بالاخلاق الاسلامية والانسانية الفاضلة ، وان التزم بالاحكام الشرعية في عملي هذا. وان اعتبر ذلك امانة في عنقي ، يسألني الله عنها يوم القاه ، وان اعمل على اداء هذه الامانة على اكمل وجه.
واشهد الله تعالى على ذلك ، والله خير الشاهدين ..
المصادر :
1- عيون الانباء ص ٤٦ / ٤٧.
2- تاريخ طب در ايران ج ٢ ص ٤٥٦ ـ ٤٥٨ بتصرف وعيون الانباء ص ٤٥ قسم ابقراط ، وطبقات الاطباء والحكماء لابن جلجل ص ٧٣ ، الترجمة الفارسية ، في الهامش عن منتخب صوان الحكمة ص ٨٢.
3- البحار ج ٧٨ ص ١٨٩ وج ٩٩ ص ١٢٣ عن اعلام الدين ، ومستدرك الوسائل ج ٢ ص ٤٥ وغرر الحكم ج ١ ص ٤٦٥.
4- تحف العقول ص ٢٣٧ والبحار ج ٧٨ ص ٢٣٥ و ١٨٩ عنه وعن اعلام الدين.
5- امالي الطوسي ج ٢ ص ٢٣٨ وتحف العقول ص ١٣٨ و ٢٩٢ وغرر الحكم ج ١ ص ٣٩٤ والبحار ج ٧٨ ص ٣٤ و ٣٨. و ٣٠٧ و ج ٢ ص ١٧ و ٩٦ و ٩٧ وصفحات اخرى منه ؛ وراجع : التراتيب الادارية ج ٢ ص ٣٤٨ وقصار الجمل ج ١ ص ١٥٩.
6- مسند احمد بن حنبل ج ١ ص ٢٤٧ وتاريخ الخميس ج ١ ص ٣٩٥ والسيرة الحلبية ج ٢ ص ١٩٣ والروض الانف ج ٣ ص ٨٤ وطبقات ابن سعد ج ٢ قسم ١ ص ١٤ والتراتيب الادارية ج ٢ ص ٣٤٨ وج ١ ص ٤٨ / ٤٩ عن السهيلي ، وعن المطالع النصرية في الاصول الخطية لابي الوفا نصر الدين الهوريني ، وكتابنا : الصحيح من سيرة النبي ج ٣ ص ٢٥٧ عمن تقدم وعن الامتاع ص ١٠١ وعن المقريزي ..
7- الصحيح من سيرة النبي (صلی الله عليه وآله وسلم) ج ٢ ص ٢٥٧ / ٢٥٨.

0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخر المقالات

الانسان وباقي المخلوقات
الأخلاق دلیل الشخصيّة
مفاتيح لعلم البلاغة لنفتح ما إنغلق من نهج ...
الشاي الأخضر قد يقي من أمراض العيون الشائعة
البوسنة تمنع زواج البوسنيات من السعوديين!
القرآن وتنظيم الأسرة
المسرح المدرسي
العقيدة و المرجعية
ماذا تفعل الزوجة فى مواجهة الزوج اللعوب؟
انعقاد مؤتمر تحت شعار"من سيرة الإمام علي (ع) ...

 
user comment