عربي
Wednesday 27th of November 2024
0
نفر 0

العدل أساس الملك

العدل أساس الملك

إن إقامة العدل بين الناس وشجب كل أنواع الظلم والاستبداد هو شعار تتخذه الحكومات والحركات التحررية في العالم وعلی مرّ التاريخ البشري.
ولكن ما هو الضمان لتطبيق مثل هذه الشعارات والأهداف؟
هل هو عن الطرق المادية وما تفرضه النظرية الماركسية من القضاء علي الملكية الفردية وإقامة المجتمع الشيوعي؟
أم هو عن الطرق الرأسمالية وسيطرة الأفراد علي مقدرات الأمم بمنح ما تصوّروه من الحريات المطلقة للأفراد علي حساب الآخرين؟
من الواضح أن الحل لا يكمن في هذين الطريقين بل إن إقامة الحق والعدل لايكون الا في ظل الإسلام وتعالیمه السمحاء.
وذلك لأن الإسلام جاء بالنظرة المتكاملة حول الكون والإنسان.. الفرد والمجتمع والتي تحمل في طيّاتها فاعلية التجسيد علي ساحة الواقع، حيث إن كل نظرية عادة تواجهها شتي أنواع المشاكل والصعوبات عند التطبيق ولا يمكن تذليلها إلاّ بالإحساس بالمسؤولية تجاه الأمة وأمام الله سبحانه وتعالی.. فالإنسان المؤمن الذي يستمد هدفه من العدل المطلق: (الله سبحانه وتعالی) لا يمكن أن تبهره زخارف الدنيا ولا يمكن أن يقف دون تحقيق العدل وتجسيد التعالیم السماوية علي وجه البسيطة..
وتاريخ الإسلام أكبر شاهد علي ذلك فقد استطاع الإسلام بما يحمل من مبادئ العدل والمساواة أن يجعل حتي من العبيد سادةً وقادةً، وجسّدت كذلك الدولة الإسلامية العدل والمساواة بين الحاكم والمحكوم فيعيش الحاكم بين الناس كأيّ مواطن عادي لايتميز عليهم بالقصور الفخمة ولا يستأثر بالأموال دون الرعية..
ويظهر ذلك جلياً بممارسة النبي الأكرم (صلّي الله عليه وآله وسلّم) لمهامّ الحكم الإسلامي وقيادته للدولة الإسلامية، وكذلك في حكومة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام).
ويتبيّن من تتبع القرآن الكريم والسيرة النبوية الشريفة وسيرة الأئمة (عليهم السلام) أن الإسلام جاء لإلغاء الفوارق والعصبيات.. وجعل المقياس هو الكفاءة والتقوي كما قال تعالی: (يا أيها الناس إناّ خلقناكم من ذكر وأنثي وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم ).
فينظر الإسلام إلي الناس جميعاً نظرة واحدة أمام القانون، فلا فرق ولا تمييز بين الرئيس والمرؤوس.. ولا بين الغني الفقير.. ولا الأسود والأبيض.. ولا العربي والأعجمي..
فالقرارات التي تتخذها الحكومة الإسلامية العادلة لاتكون عن استبداد في الحكم والرأي بل بعد الاستشارة والاعتبار برأي الأكثرية وملاحظة المصلحة الاسلامية العامة حيث قال تعالی: (وشاورهم في الأمر).
إذا دخلت بلداً وأردت أن تعرف هل أنّ (الحريات) متوفرة فيها؟ فليس عليك إلاّ أن تستعمل الترمومتر السياسي، وبذلك تتمكن أن تعرف في أوّل يوم: هل يمكنك البقاء في البلد أم لا؟
ومن الترمومتر السياسي (الإعلام والآراء) فإذا رأيت الصحف تتكلّم بكل حريّة عن أيّ شأن من الشئون، وتنتقد من تشاء من الأفراد والاتجاهات، وتنصح وترشد كما تريد..
وإذا رأيت الناس يتكلّمون علناً بما يشاؤون، فاعلم أنّ الحرية تحكم البلاد، ولا تصّدق إذا جاءك ألف إنسان وقالوا: إنه لا حريّة في هذا البلد.
وأمّا إذا رأيت الصحف لا تتكلّم إلاّ في جهة أو في جهات خاصة، ولا تنتقد إلاّ يسيراً، وفي الهوامش، والناس مكمّمون.. يتهامسون في مجالسهم الخاصّة، فاعلم أن الديكتاتورية تسود البلاد ولا تصدّق ألف إنسان وإنسان إذا جاءوك وقالوا لك: أن لا ديكتاتورية في البلاد.
وحذار حذار أن تبقي في بلد الديكتاتوريّات، ولو كان لك ألف مبرّر ومبرّر، فإنّ الحرية تعني الحياة والنور، والديكتاتورية تعني الموت والظلام …
وإذا رأيت شخصاً يأتي بألف دليل ودليل علي أن الموت خير من الحياة، فاعلم انّه لم يفهم معني الحياة …
وإذا رأيت إنساناً في الظلام يأتي بألف دليل ودليل علي أنّ الظلام خير من النور، فاعلم أنّه لم يفهم معني النور.
ولا يغرنك في بلد الديكتاتوريّات: العمران الكثير بأنهاره الجميلة، وشوارعه الممتدّة، وأبنيته الفخمة، وأسواقه المزدحمة، وصنائعه الكثيرة و… فانها كلّها علائم الموت لا علائم الحياة.
أرأيت الإنسان الجميل المنظر، المبتلي بالسرطان، المتورّم الجسم الذي تراه سميناً محمرّ الوجه؟
فهل هذا خير؟
أم الإنسان العادي الذي لا سمنة له، ولا احمرار في وجهه، لكنّه يتمتّع بحيويّة نفسية وصحّة جسديّة؟.
إنّ مثل بلد الحريّات ولو لم يكن فيه العمران مثل الإنسان الثاني، ومثل بلد الديكتاتورّيات وإن كان فيه العمران متوفّراً مثل الإنسان الأوّل.
وإذا رأيت العمران مع الديكتاتوريّة، فاعلم انّه لو كانت حريّة، لكان العمران مائة ضعف، وإذا رأيت عدم العمران مع الحريّة فاعلم انّه لو كانت ديكتاتوريّة، لكان الخراب مائة ضعف..
ولتعلم الحكومات الديكتاتوريّة:
1: أنهم زائلون مهما طال بهم الزمن.
2: أنّ بلدهم آيل إلي الخراب والانقسام، مهما يشاهد فيه من العمران والوحدة في الحال الحاضر .
3: أنّ الناس يكرهونهم أشدّ الكره، وإن أظهروا أمامهم التملّق الكاذب والمدح الخادع.
4: وأخيراً يجب أن يعلموا انّهم يوقّعون علي خزيهم في الدنيا طول التاريخ، وعلي عذابهم في الآخرة إلي الأبد.
هذا ما يجب أن تعلمه الحكومات الديكتاتوريّة.
أمّا ما يجب علی الناس المبتلين بأمثال هذه الحكومات أن يعلموه، فهو:
1: أنّ رقابهم مهيّئة للمقصلة.
2: أن أموالهم مهيّئة للنهب.
3: أنّ أبدانهم مهيّئة للتعذيب.
4: أنّ أهاليهم مهيّئة للضياع العقيدي والخلقي والمعيشي .
فالواجب علي الناس، أن يعملوا بكلّ الوسائل المتاحة لتهيئة مناخ الحرية..
إنّ مناخ الحريّة يجعل من النواة شجرة، ومناخ الديكتاتوريّة يجعل من الشجرة حطباً يابساً لا يصلح إلاّ للإحراق.
وليعلم الإنسان، انّه إن يقتل حرّاً أو في سبيل الحريّة، أفضل ألف مرّة من أن يعيش عبداً تحت حكم الديكتاتوريّة:
فأبي أن يعيش إلاّ عزيزا أو تجلّي الغبراء وهو صريع
آليت ان لا اقتل الا حرا وان رأيت الموت شيئا نكرا
ولا يظنّ المتديّن الذي يعيش تحت ظلّ الديكتاتوريّة ولا يستطيع التغيير والإصلاح إنّه مثاب ومأجور، بل العكس هو الصحيح، اقرأ هذه الآية الكريمة: ( إن الذين توفّاهم الملائكة ظالمي أنفسهم قالوا فيم كنتم قالوا كّنا مستضعفين في الأرض قالوا ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها فأولئك مأواهم جهنّم وساءت مصيراً).
وأحياناً تكون الديكتاتوريّة بحجم كبير جداً، ممّا يخاف الإنسان أن يقابلها …
لكن يجب أن يعلم الإنسان أن الديكتاتوريّة، مهما كانت كبيرة الحجم، فإنها (خشب مسنّدة) ولا ييأس من روح الله سبحانه..
يمهل ولا يهمل
لا تظلمنّ إذا ما كنت مقتدراً فالظلم آخره يدعو إلي الندم
تنام عيناك والمظلوم منتبه يدعو عليك و عين الله لم تنم
نعم، الظلم ظلمات في الدنيا وفي الآخرة، ولا يغرّ الظالم أنّه أمهل، فانّ الظالم يُمهل ولكن لا يُهمل.
نقل لي أحد الأصدقاء، قال: ذهبت إلي إحدي القري فإذا بهم يقولون لي: إنّ خارج هذه القرية وقع حادث عجيب قرب عمود الهاتف.
قلت: وما هو الحادث العجيب؟
قالوا: ذات مرّة نزل ضيف عندنا ونام الليل في السطح، وفي أثناء الليل قام للتخلّي، وحيث كان الليل مقمراً خرج من القرية إلي البرية لقضاء حاجته، وإذا بأهل القرية سمعوا صيحة عجيبة، فقاموا من نومهم، وبعد الفحص والبحث عن مصدر الصيحة، رأوا الضيف مغماً عليه قرب القرية، فحملوه إلي القرية..
وبعد أن أفاق الضيف عن إغمائه، قال: لما خرجت لقضاء الحاجة، وإذا بي أري إنساناً مشدوداً بعمود الهاتف وهناك نفران، ليسا من جنس البشر يضربانه ويعذّبانه أشدّ العذاب، وهو يستغيث ويصيح ولا أحد يغيثه..
قال: ودخلني من ذلك رعب عجيب حتي أغمي عليّ.
وبعد أن ذكر الضيف أوصاف ذلك الإنسان المعذّب، تبين لديهم أنه كان كبير القرية وكان إنساناً ظالماً، وانّه دفن بعد موته، قرب ذلك العمود.
نعم.. قال تعالی: (ولا تحسبنّ الله غافلاً عمّا يعمل الظالمون، إنّما يؤخّرهم ليوم تشخص فيه الأبصار).
وقال (عليه السلام): (يوم المظلوم علي الظالم أشد من يوم الظالم علي المظلوم).
ولذا فالواجب علي الإنسان أن يلاحظ كلّ حركاته وسكناته حتّي لا يكون ظالماً.
والظالم هو من يظلم نفسه أو غيره، سواء يظلم أبويه، أو زوجته، أو أولاده، أو أقرباءه، أو جيرانه، أو سائر الناس.
أو كان يظلم الناس لأن بيده الحكم، أو كان أميراً، أو رئيساً..
بل كلّ موظف في دائرته، وكلّ معلّم في مدرسته، وهكذا …
هو حاكم علي من سلّط عليه، فإذا أخّر الموظف توقيع ورقة المراجع كان ظالماً له، وإذا نقّص المدرّس درجة الطالب كان ظالماً له..
والظالم مهما كان يجني الكره، والعذاب.
المصادر :
راسخون2017

0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخر المقالات

إشكالية قدم العالم وحدوثه بين ابن رشد وكانط
مفهوم الإنتظار
العقاعد الکلام 3
السفيانيون الجدد وتهديد الشيعة
المُناظرة العاشرة/مناظرة التيجاني مع أحد ...
الشفاعة في الإسلام
المهدي المنتظر (ع) في صحيحي البخاري ومسلم ق(1)
لا يحبني الا مؤمن ولا يبغضني الا منافق
هل تعلم ان علي بن أبي طالب (عليهما السلام) رابع ...
المُناظرة الثانية والثلاثون/مناظرة ابن أبي ...

 
user comment