أبوه الصحابی الجلیل: الیمان حسل أو حسیل بن جابر بن عمرو بن ربیعة بن جروة بن الحارث بن مازن بن قطیعة بن عبس بن بغیض بن ریث بن غطفان بن سعد بن قیص عیلان بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان. کان قد قتل رجلا فهرب إلى یثرب وحالف بنی عبد الأشهل، فسماه قومه الیمان، لحلفه الیمانیة وهم الأنصار(1)، ثم تزوج امرأة منهم وهی الرباب بنت کعب الأشهلیة، فأنجبت: حذیفة وسعد وصفوان ومدلج ولیلى. وقد أسلمت الرباب وبایعت الرسول. وللیمان ابنتان أخرتان هما: فاطمة(2) وأم سلمة.
سیرته
واجه والده الیمان مشکلة الطلب بثأر علیه أجبره على الهرب وترک مکة واللجوء للعیش مع عائلته فی یثرب, وعندما أعلن الرسول محمد دعوته للإسلام فی مکة جاءه الیمان مع بقیة من أهل یثرب من الأوس والخزرج وبایعوه ولم یکن حذیفة معهم ولکنه أسلم قبل مشاهدة الرسول. عندما وصل رسول الإسلام سأله حذیفة هل هو یحسب من المهاجرین أم من الأنصار, فقال له رسول الإسلام أنت یا حذیفة من المهاجرین والأنصار.
حذیفة بن الیمان هذا کان یعرف کذلک ویکنى بحافظ سر الرسول, حیث أن الرسول کان قد أسر له بأسماء کافة المنافقین المحیطین بهم ولم یفش بهذا السر لأی کان وهذا هو شأن کل حافظ لسر. وکان عمر بن الخطاب عندما یرید أن یصلی على أحد أموات المسلمین یسأل عن حذیفة وهل هو من ضمن الحاضرین للصلاة وذلک خوفا منه بالصلاة على أحد المنافقین وکان عمر یسأل حذیفة أفی عمالی منافق قال نعم قال من قال لا أخبرک فحصل ذات یوم جدال بین عمر وأحد العمال فطرده وبعد مرور الأیام عرف أنه هو المنافق.
یوم أحد
لقد کان حذیفة فی إیمانه وولائه قویاً، فها هو یرى والده یقتل خطأ یوم أحد بأیدی مسلمة، فقد رأى السیوف تنوشه فصاح بضاربیه: (أبی، أبی، إنه أبی!!) ولکن أمر الله قد نفذ، وحین علم المسلمون تولاهم الحزن والوجوم، لکنه نظر إلیهم إشفاقاً وقال: یغفر الله لکم، وهو أرحم الراحمین. ثم انطلق بسیفه یؤدی واجبه فی المعرکة الدائرة وبعد انتهاء المعرکة علم الرسول بذلک، فأمر بالدیة عن والد حذیفة حسیل بن جابر لکن حذیفة تصدق بها على المسلمین، فازداد الرسول له حباً وتقدیراً.
قصته بغزوة الخندق
قال حذیفة: صلى بنا الرسول ثم التفت إلینا فقال: " من رجل یقوم فینظر ما فعل القوم؟، ثم یرجع، أسأل الله أن یکون رفیقی فی الجنة " فما قام رجل من شدة الخوف وشدة الجوع وشدة البرد، فلما لم یقم أحد، دعانی، فلم یکن لی بد من القیام، فقال: " یاحذیفة! اذهب فادخل فی القوم فانظر ماذا یفعلون، ولا تحدثن شیئا حتى تأتینا ".
فذهبت فدخلت فیهم، والریح وجنود الله تفعل بهم ما تفعل، لا تقر لهم قدرا ولا نارا ولا بناءا.
فقال قائد جیوش الکافرین أبو سفیان: «لینظر امرؤ من جلیسه»، فأخذت بید الرجل الذی کان جنبی، فقلت: من أنت؟ فقال: فلان بن فلان. ثم قال أبو سفیان: یا معشر قریش! إنکم والله ما أصبحتم بدار مقام لقد هلک الکراع والخف وأخلفتنا بنو قریظة وبلغنا عنهم الذی نکره ولقینا من شدة الریح ما ترون ما تطمئن لنا قدر ولا تقوم لنا نار ولا یستمسک لنا بناء فارتحلوا فإنی مرتحل ثم قام إلى جمله وهو معقول فجلس علیه ثم ضربه فوثب به على ثلاث فما أطلق عقاله إلا وهو قائم. ولولا عهد رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم إلی أن لا تحدث شیئا حتى تأتینی لقتلته بسهم.
قال حذیفة: فرجعت إلى رسول الله وهو قائم یصلی فی مرط لبعض نسائه مرحل، فلما رآنی أدخلنی إلى رجلیه وطرح علی طرف المرط ثم رکع وسجد وإنی لفیه ولما أخبرته الخبر وسمعت غطفان بما فعلت قریش فانشمروا راجعین إلى بلادهم.
غزواته
شارک حذیفة بکل المعارک والغزوات التی قادها النبی محمد صلی الله علیه وآله وسلم عدا معرکة بدر, حیث کان بسفر خارج المدینة آنذاک فوقع أسیرا فی ید کفار قریش, وعند استجوابه أعلمهم بأنه فی طریقه إلى المدینة ولا علاقة له بمحمد صلی الله علیه وآله وسلم وجماعته وعاهدهم بعدم مقاتلتهم, وحصل أن ترکه الکفار فشد الرحیل مسرعا إلى رسول الإسلام له مخبرا إیاه عن ما حصل وبأن الکفار یتأهبون للغزو, ولم یسمح له رسول الله بالمشارکة فی المعرکة إیفاء بعهده, لذا لم یشارک المسلمین تلک المعرکة.
شهد حذیفة أحدا وما بعدها من المشاهد مع الرسول(3). وشهد فتح العراق والشام، وشهد الیرموک 13 هـ، وبلاد الجزیرة 17هـ ونصیبین.
اختیاره للکوفة
أنزل مناخ المدائن بالعرب المسلمین أذى بلیغاً، فکتب عمر لسعد بن أبی وقاص کی یغادرها فوراً بعد أن یجد مکاناً ملائماً للمسلمین، فوکل أمر اختیار المکان لحذیفة بن الیمان ومعه سلمان بن زیاد، فلما بلغا أرض الکوفة وکانت حصباء جرداء مرملة، قال حذیفة لصاحبه: (هنا المنزل ان شاء الله) وهکذا خططت الکوفة وتحولت إلى مدینة عامرة، وشفی سقیم المسلمین وقوی ضعیفهم..
تولیه على المدائن
خرج أهل المدائن لاستقبال الوالی الذی اختاره عمر لهم، فأبصروا أمامهم رجلاً یرکب حماره على ظهره اکاف قدیم، وأمسک بیدیه رغیفاً وملحاً, وهو یأکل ویمضغ، وکاد یطیر صوابهم عندما علموا أنه الوالی -حذیفة بن الیمان- المنتظر، ففی بلاد فارس لم یعهدوا الولاة کذلک، وحین رآهم حذیفة یحدقون به قال لهم: (ایاکم ومواقف الفتن). قالوا: (وما مواقف الفتن یا أبا عبد الله ؟) قال: (أبواب الأمراء، یدخل أحدکم على الأمیر أو الوالی، فیصدقه بالکذب، ویمتدحه بما لیس فیه) فکانت هذه البدایة أصدق تعبیر عن شخصیة الحاکم الجدید، ومنهجه فی الولایة..
وفاته
لمّا نزل بحذیفة الموت جزع جزعاً شدیداً وبکى بکاءً کثیراً، فقیل: (ما یبکیک ؟) فقال: (ما أبکی أسفاً على الدنیا، بل الموت أحب إلیّ، ولکنّی لا أدری على ما أقدم على رضىً أم على سخطٍ). ودخل علیه بعض أصحابه، فسألهم: (أجئتم معکم بأکفان ؟) قالوا: (نعم) قال: (أرونیها) فوجدها جدیدة فارهة، فابتسم وقال لهم: (ما هذا لی بکفن، انما یکفینی لفافتان بیضاوان لیس معهما قمیص، فانی لن أترک فی القبر الا قلیلاً، حتى أبدل خیراً منهما، أو شراً منهما) ثم تمتم بکلمات: (مرحباً بالموت، حبیب جاء على شوق، لا أفلح من ندم) وأسلم الروح الطاهرة لبارئها فی أحد أیام العام الهجری السادس والثلاثین بالمدائن، وذلک بعد مَقْتلِ عثمان بن عفان بأربعین لیلة.
المصادر:
1- سیر أعلام النبلاء (2/362) وتهذیب الأسماء واللغات (1/154)، والإصابة (1/316)
2- احمد خلیل جمعة.نساء من عصر النبوة. (2/209-216)
3- صفوة الصفوة (1/610). تاریخ الإسلام للذهبی (المغازی ص:493)