أن الكثيرين حين واجهوا الآيات التي تتحدث عن آدم عليه السلام، وعن غيره من الأنبياء (صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين) قد استسلموا للشبهة التي تثار، وانهاروا أمامها أي انهيار، وقد تجلى ذلك في مقولات عجيبة وغريبة، صدرت عنهم في أكثر من اتجاه، حتى لقد قال فريق منهم: إن الأنبياء غير معصومين مطلقاً.
وفريق آخر قال: إن الأنبياء قبل البعثة غير معصومين، وإنما كانت قصة آدم عليه السلام قبل بعثته..
وثالث ذهب إلى: أن المراد بإبليس هو القوة الداعية إلى الشر، في الإنسان، وليس المراد به إبليس الحقيقي، ليقال: إنه قد تسلط على واحد من عباد الله المخـلـَصـين.
ورابع ادعى: أن المراد بآدم عليه السلام ليس هو الشخص المعروف، الذي هو نبي معصوم، وإنما المراد به آدم النوعي، والقصة تخييلية محضة. ولم يقدم أي دليل على ذلك سوى حدسه، وظنونه، التي لن تغنيه من الحق شيئاً، لأنها من دون أي مبرر مقبول أو معقول.. (1).
إلى غير ذلك من أمور قيلت، تدخل في دائرة الشطط، والشذوذ، ومجانبة الحق، أو تدور في فلك التحكمات الباردة، وإطلاق الدعاوى الفارغة من دون أي دليل.
غير أنه قد بقي هنا أمران، نشير إليهما في ما يلي بإيجاز، وهما:
1 ـ القول: بأن لا أوامر مولوية قبل التشريع..
2 ـ إن ما حصل لآدم عليه السلام كان من قبيل ترك الأولى.
لا أوامر مولوية قبل التشريع:
لقد حاول بعض الأعلام أن يقول ما ملخصه:
قال تعالى: {قُلْنَا اهْبِطُواْ مِنْهَا جَمِيعاً فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَن تَبِعَ هُدَايَ فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ، وَالَّذِينَ كَفَرواْ وَكَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} (2).
فهذه الآية أشارت إلى أن التشريعات التفصيلية قد أنزلت لآدم عليه السلام وذريته بعد الأمر الثاني بالهبوط، الذي هو أمر تكويني متأخر عن الكون في الجنة، والأكل من الشجرة، فحين الأكل منها لم يكن دين مشروع، ولا تكليف مولوي، فلا يتحقق ذنب عبودي، ولا معصية مولوية، بل هو ظلم نفس.
أما معصية النهي والأمر فهي بمعنى عدم الانفعال عن الأمر والنهي، سواء أكان مولوياً أو إرشادياً. وليس هو معصية مولوية.
وهو غواية لعدم تمكنه من حفظ المقصد، وتدبير نفسه في معيشته بما يلائم المقصد (3).
ونقول:
إن هذا الكلام لا يمكن قبوله، وذلك لأن إنزال الشرائع، وإن كان قد تم بصورة فعلية بعد هبوط آدم عليه السلام إلى الأرض.. غير أن كون النهي عن الشجرة مولوياً أو غير مولوي، ليس مرتبطاً بذلك.. إذ لا مانع من أن يكون هذا الأمر الموجه للنبي آدم مولوياً، تماماً كما كان أمر الله تعالى للملائكة ولإبليس بالسجود لآدم عليه السلام، مولوياً أيضاً.
ولأجل ذلك استحق إبليس اللعن والطرد إلى يوم الدين، لمجرد مخالفته للأمر المولوي الإلهي الموجه إليه.
فلا يصح جعل عدم تشريع الدين إلا بعد الهبوط الثاني، دليلاً على عدم وجود معصية مولوية، وعدم تحقق ذنب عبودي، وانحصار الأمر بظلم النفس. إذ يمكن أن يوجه الله تعالى أمراً ونهياً لآدم عليه السلام، لا تجوز له مخالفته. حتى في تلك المراحل المتقدمة أيضاً.
الإلزام لا يتوقف على التشريع:
وغني عن القول: إن الأوامر المولوية ليست منوطة بالتشريع وجوداً وعدماً، ليقال: إنه لم يكن قبل هبوط النبي آدم عليه السلام إلى الأرض تشريع. فلم يكن هناك أوامر ملزمة.
وذلك لأن التشريع إنما جاء لينظم علاقة الإنسان بربه، وبنفسه، وبمجتمعه، ومحيطه.. وفق ملاكات المصالح والمفاسد الواقعية..
ولكن للأوامر المولوية ملاكات أخرى غير ملاكات المصالح والمفاسد، وهو ملاك المولوية والعبودية، والمالكية والمملوكية، وحق الأبوة، فإنه أيضاً منشأ للإلزام ببعض الأوامر، وحق الألوهية والربوبية على المألوه والمربوب..
فإن هذا الأمر مما يلزم به عقلاء البشر بعضهم بعضاً، ويتعاملون على أساسه، ومن خلاله، ولا يربطونه بتشريع إلهي، بل هم يرونه حقاً طبيعياً، يفرض نفسه على واقع حياتهم، ومعاملاتهم، فحق المالك على مملوكه، والمولى على عبده، والخالق، والرب والإله، على مخلوقه و.. و.. يفرض نفسه، حتى قبل نزول الشرائع..
بل إن هذا القانون هو الذي يفرض على الناس الالتزام بالشرائع، وإطاعة الأوامر الإلهية، هو قانون تحكم به العقول..
والنبي آدم عليه السلام هو صفوة الله، الذي يمتاز بكمال العقل، وبالخلوص، والصفاء، من الجهالات، والشهوات، والشبهات، التي يمكن أن تؤثر على العقل في قراراته، وأحكامه، وإدراكاته..
وبذلك استحق النبي آدم التكريم الإلهي، فجعله الله حين خلقه قبلة لسجود الملائكة، واستحق إبليس الطرد من رحمة الله حين أبى واستكبر عن السجود إليه..
ولعلك تقول: إن النبي آدم عليه السلام قد خلق للأرض، ولم تكن شريعتها الخاصة بها قد وضعت بعد.. أما إبليس والملائكة فلهم أحكام أخرى، فهم مؤاخذون بما قد يختلف عما يؤاخذ به الأرضيون..
ويجاب عن ذلك: إن ما يطلب من إبليس ومن النبي آدم عليه السلام شيء واحد، ومن سنخ واحد، وهو أن يكونا معاً في موقع العبودية والطاعة لله تعالى، قضاء لحق ألوهيته، وربوبيته، ومالكيته، وخالقيته، و.. و..
ومن موارد ذلك: أن لا يتعدى إبليس على النبي آدم ولا يخالف أمر الله له فيه، وفي ذريته..
كما أن على النبي آدم أن يلتزم بأوامر الله المولوية، والإرشادية، على حد سواء..
وهذا الكلام جار بالنسبة للملائكة، ولجميع المخلوقات بدون استثناء، قبل خلق النبي آدم عليه السلام وبعده.. وإن كانت للأوامر الإرشادية بالنسبة إلى البشر غير الأنبياء والأوصياء، خصوصية اقتضتها طبيعة الواقع الذي هم فيه، لأن الشرائع، التي يحتاجها الأرضيون وغيرهم، فإنما تقتضيها خصوصيات تكمن في واقع خلقتهم وظروفهم، وقدراتهم وحالاتهم..
خلاف الأولى:
وربما نجد: أن بعضهم قد اختار في توجيه قضية آدم عليه السلام التعبير الذي يقول: إن ذلك كان من قبيل ترك الأولى؛ فقد قال العلامة الطباطبائي (رحمه الله):
[ابتلاء آدم عليه السلام كان قبل تشريع الشرايع، فكان المتوجه إليه إرشادياً. وما ابتلى به من المخالفة كان من قبيل: ترك الأولى] (4).
وقال أيضاً عن التعبير القرآني الذي يوحي بصدور المعصية من آدم عليه السلام:
[إنما هي معصية أمر إرشادي، لا مولوي.
والأنبياء عليهم السلام معصومون من المعصية والمخالفة في أمر يرجع إلى الدين الذي يوحى إليهم فلا يخطئون، ومن جهة حفظه فلا ينسون ولا يحرفون، ومن جهة إلقائه إلى الناس وتبليغه قولاً، فلا يقولون إلا الحق الذي أوحي إليهم، وفعلاً فلا يخالف فعلهم قولهم، ولا يقترفون معصية صغيرة ولا كبيرة، لأن في الفعل تبليغاً كالقول.
وأما المعصية بمعنى مخالفة الأمر الإرشادي الذي لا داعي فيه إلا إحراز المأمور خيراً أو منفعة من خيرات حياته ومنافعها بانتخاب الطريق الأصلح، كما يأمر وينهي المشير الناصح نصحاً؛ فإطاعته ومعصيته خارجتان من مجرى أدلة العصمة. وهو ظاهر.
وليكن هذا معنى قول القائل: إن الأنبياء (عليهم السلام) على عصمتهم يجوز لهم ترك الأولى. ومنه أكل آدم عليه السلام من الشجرة] (5).
ونقول:
أولاً: علينا أن نحمل كلامهم على أن مقصودهم هو الترك المستند إلى المقدمات الصحيحة، التي تناسب عصمة النبي أو الوصي، وحكمته، وعقله، وتدبيره، بحيث يكون تركه للأولى من أجل أنه رأى في مرحلة الظاهر هذا الترك هو الأولى. وليس المقصود أنه عرف أنه الأولى، ثم تركه..
فإذا ظهر أن الواقع كان مخالفاً للظاهر، فإن ذلك لا يضر، لأنه تكليفه هو العمل بما ثبت له في مرحلة الظاهر..
والسبب في ذلك هو: أن تركه للأولى، إذا كان من أجل أنه لم يدرك أولويته، وكان عدم إدراكه لذلك يمثل نقصاناً في مستوى وعيه، وفهمه، وحكمته، أي أنه لا يدرك ما هو أولى وراجح، ولا يدرك أيضاً: أن عليه أن يأخذ بالراجح، ويلتزم به.
فمن المعلوم: أن ذلك لا يصح في حق الأنبياء والأئمة، كيف! وهم أعقل البشر، وأصحهم إدراكاً، وأحكمهم حكمة، وأصفاهم نفساً، وأعدلهم سجية، فلا يمكن أن يكونوا عاجزين عن إدراك ما يعقله ويدركه سائر الناس، خصوصاً فيما هو من قبيل إدراك جهات الحسن والقبح، وله علاقة بالتدبير الصحيح، ومن وظائف العقل الكامل، ومقتضيات الحكمة الرشيدة.
كما أن من الواضح: أن إدراك لزوم الأخذ بالراجح إنما يتأكد لدى العقلاء الحكماء، الذين لا ينطلقون في مواقفهم من هوى، ولا تدفعهم وتتحكم فيهم الغريزة العمياء، ولا تسيّرهم العصبيات أو العواطف..
وليس لنا أن نفرض: أنهم (عليهم السلام) يدركون ذلك كله، ويلتفتون إليه.. ولكنهم يميلون إلى الأخذ بالمرجوح، وترك ما هو راجح وأولى من دون أي سبب، سوى الاستهتار بالراجح. فإن ذلك معناه وجود خلل في درجة الحكمة، وفي التدبير الصحيح لديهم.
كما أنه يعني: أن ثمة خللاً أكيداً في توازن الشخصية النبوية والإمامية التي يفترض أن تكون في أعدل الأحوال.
ولا يكون ذلك بأقل من الاستخارة التي وردت مشروعيتها على لسان النبي (صلى الله عليه وآله) والأئمة الطاهرين (عليهم السلام) وأمرونا ـ ولو من غير إلزام ـ بالعمل بمقتضاها. فإن حقيقتها مشاورة الباري، وهو علام الغيوب في أمر ما.
فهي إشارة نصح وإرشاد وتوجيه إلى أن في العمل، أو في تركه خيراً وفائدة وصلاحاً.
والمعصومون (عليهم السلام) أولى الناس بالعمل بما فيه الخير والصلاح والأخذ بالأولى والأرجح، وهم الأسوة والقدوة لنا، أفتراهم يأمروننا بالعمل وفق الاستخارة التي هي نصح وإرشاد، وتوجيه للراجح، ثم يخالفون هم قضاء عقولهم في ذلك، ويختارون المرجوح؟!!.
وعلى جميع الفروض والتقادير، فإن إنساناً كهذا لن يكون هو الأصلح لمقام الأسوة والقدوة والهداية للناس إلى الرشد، وإلى الأصلح والأتم والأنفع لهم..
ولن يكون هو ذلك المربي الصالح، ولا الحافظ الناجح.. بل سيكون في سائر الناس من هو أولى منه بذلك، إذا كان بعيداً عن أمثال هذه الهنات، والتزم جانب الحذر، والمراعاة لما تقوده إليه حكمته، ويهديه إليه عقله، ويرشده إليه تدبيره..
وذلك كله يحتم علينا أن نقول: إنه حين يختار المعصوم المرجوح، فلا بد أن يراه على أنه هو الراجح، رؤية لا تخل بعصمته، ولا بحكمته، ولا بعقله، ولا بتدبيره، ولا بتوازن الشخصية لديه..
ولو بأن يقال: إن مرجوحيته إنما هي في مقام الواقع وراجحيته إنما هي في مقام الظاهر، والتكليف متوجه إليه بما هو في مرحلة الظاهر، وبحسب ما تؤدي إليه الأدلة، والحجج المجعولة، والتي يجب عليه الالتزام بها..
أما مرحلة الواقع فلا تكليف فيها حتى لو علم به من طرق أخرى، إذ أنه ممنوع عن متابعة علمه الواصل إليه منها..
وقضية آدم عليه السلام هي من هذا القبيل، كما سنرى. فيكون خلافه للأولى بحسب الواقع ونفس الأمر، إنما هو لصالح ما هو أولى منه في مرحلة الظاهر، بسبب ما استجد من عناوين مرجحة له إلى درجة التعيين والإلزام..
ولولا ذلك، فإن ارتكاب النبي آدم عليه السلام لخلاف الأولى يفقده الأهلية لمقام النبوة، ويجعله أهلاً للعقاب والعتاب، فإن مخالفة الأولى لا تقبل من الإنسان العادي، فكيف بنبي يعرف من اسم الله الأعظم خمسة وعشرين حرفاً، وهم يقولون: إن حسنات الأبرار سيئات المقربين، وإذا جاز على الناس العاديين فعل مخالفة الأولى، فذلك لقصورهم أو لتقصيرهم، وإنما يعفو الله عنهم، ولا يعاتبهم، تفضلاً منه وتكرماً..
وصدور ذلك من الأنبياء، أصعب وأشد، فإن ذلك ينقص من مقامهم، حتى لو لم يعاقبهم الله ولم يعاتبهم، لأن العفو التفضلي لا يعني بقاء المعفو عنه على درجة الأهلية، ولا يرى الناس من يرتكب ذلك أهلاً لمثل هذه المقامات العظيمة البالغة الحساسية، بل هو يسقط محله من نفوسهم وقلوبهم..
ولو كان ما صدر من النبي آدم عليه السلام خلاف الأولى، لما حصل بسبب ما فعله على التكريم الإلهي والتعظيم، وعلى الجوائز والمقامات، والعوائد والهبات..
ولتوضيح ما نرمي إليه نعود فنقول:
إنه حين خالف النبي آدم عليه السلام الأولى، فإن كان يدرك أولويته، ثم تركه، فهناك خلل في مستوى وعيه، أو في حكمته، أو من حيث تسلط هواه عليه، أو عدم توازن في شخصيته..
وإن كان لم يدرك الرجحان، الذي من شأنه أن يدركه عامة الناس، ومع كون المورد أيضاً من موارد إدراكات العقول (كالحسن والقبح العقليين)، فهذا إنسان لا يليق بمقام النبوة، بسبب ضعف إدراكه، أو لوجود خلل عقلي لديه..
وموضوع إطاعة الأوامر هو مما يدرك الناس جميعاً وجوبه، استناداً إلى قانون الملكية والمملوكية، والمولوية والعبودية..
فإذا انتفى الأمران السابقان تعين الأمر الثالث، وهو أن يكون النبي آدم عليه السلام عالماً بما هو راجح في الواقع، ولكن رأى أنه قد عرضت له عناوين جعلته مرجوحاً في مرحلة الظاهر، أو العكس..
فالنبي آدم عليه السلام قد ترك الأولى في الواقع وعمل بالأولى، في مرحلة الظاهر.. فالصدق مثلاً أمر حسن في الواقع، لكن إذا كان يوجب قتل نبي، فإنه يصبح قبيحاً (في مرحلة الظاهر)..
ثانياً: إن لنا تحفظاً على ما ذكره العلامة الطباطبائي (رحمه الله) من حيث أن كلامه يوحي بأن عصمة الأنبياء تختص في أمور الدين من جهة تبليغها..
مع أن عصمتهم (عليهم السلام) لا تختص بهذه الناحية، بل هم معصومون في كل شيء من أمور الدين والدنيا، في التبليغ وفي غيره، وفي القول والفعل، والحفظ، وغير ذلك..
قبل الدخول في التفاصيل:
ثم إن السياق في الآيات التي ذكرت قضية النبي آدم قد جاء ليؤكد على أن ثمة اتجاهاً بيانياً واضحاً، لإبعاد هذه القضية عن توهم أن ثمة معصية حقيقية، ونجد الكثير من المفردات التي تسهم في بيان هذه الحقيقة، وقد ذكرنا العديد منها في سياق البحث في هذا الكتاب، وبقي بعض من ذلك نشير إليه بصورة تقريرية سريعة هنا.
فنقول:
1 ـ إنه تعالى حين حذر آدم عليه السلام من إبليس لم يزد على القول له: إنه عدو له، ولزوجه عليهما السلام.. فقال: {إِنَّ هَذَا عَدُوٌّ لَّكَ وَلِزَوْجِكَ}..
وأنه يريد أن يخرجهما من الجنة.. فقال: {فَلا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الْجَنَّةِ}..
وأن نتيجة ذلك هو الشقاء والتعب الذي ينشأ عن مواجهة حاجات محيط آخر، غير محيط الجنة بعد الخروج منها. ثم قال: {فَتَشْقَى}..
وقال أيضاً عن الشجرة: {لاَ تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الْظَّالِمِينَ}..
2 ـ وتحدث عن فعل الشيطان، فقال عنه:
{فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا}.. [أي عن الشجرة].
وقال: {فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ}..
ثم تحدث عن هدف الشيطان، فقال تعالى: {فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِن سَوْءَاتِهِمَا}..
وفي آية أخرى يقول: {يَنزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا}..
3 ـ وحين تحدث عن النتائج قال: {فَلَمَّا ذَاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُمَا سَوْءَاتُهُمَا}.
وقال: {فَبَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا}..
وقال: {وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِن وَرَقِ الْجَنَّةِ}..
وقال: {أَخْرَجَ أَبَوَيْكُم مِّنَ الْجَنَّةِ}..
وقال: {يَنزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْءَاتِهِمَا}.
4 ـ ثم جاءت الكلمات الأخرى لتتحدّث عن المعصية. والغواية، {وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى}، ولتتحدث أيضا عن: التوبة من الله عليهما.
فقال تعالى:{فَتَابَ عَلَيْهِمَا}..
وعن طلبهما المغفرة، وإعترافهما بأنهما قد ظلما أنفسهما، قال تعالى: {قَالاَ رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ}..
وقال سبحانه: {ثُمَّ اجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَتَابَ عَلَيْهِ وَهَدَى}..
فكان لا بد من التماس الرابط البياني الذي يجعل هذا القسم الرابع متناسقاً مع سائر الأقسام التي سبقته..
وليس هذا الرابط أمراً افتراضياً صرفاً، وإنما سنجده نهجاً حياً، يفرض نفسه في السياقات البيانية التي يتداولها أهل اللسان في محاوراتهم.
وحيث لا بد من الدخول في التفاصيل.. مع الالتزام الشديد بالإيجاز الذي نرجو أن لا يصل إلى حد الإخلال بالمقاصد..
فإننا نقول:
وعلى الله نتوكل، وبأنبيائه وأوليائه الأطيبين الأطهرين نبتهل ونتوسل: أن يلهمنا صواب القول، ووضوح البيان، والتوفيق بعد ذلك لنيل رضاه، والإهتداء بهداه.. جل وعلا.
المصادر :
1- تفسير الميزان ج8ص37.
2- الآيتين 38 و 39 من سورة البقرة.
3- تفسير الميزان ج1 ص137 و138 بتصرف وتلخيص.
4- تفسير الميزان ج14 ص227.
5- المصدر السابق ج14 ص222.