فأما الوقف بمعنى الحبس فهو مصدر من قولك: وقفت الشيء وقفاً أي حبسته، ومنه وقف الأرض على المساكين، والحُبس بالضم هي ما وقف.قال ابن فارس في معجم مقاييس اللغة: الواو والقاف والفاء أصل واحد يدل على تمكث في شيء ثم يقاس عليه( 1).
ويطلق الوقف ويراد به الحبس كما أنه يطلق ويراد به المنع.
وأما الوقف بمعنى المنع: فلأن الواقف يمنع التصرف في الموقوف فإن، مقتضى المنع أن تحول بين الرجل وبين الشيء الذي يريده، وهو خلاف الإعطاء(2 ).
والجمع أوقاف وأحباس.
وسمى وقفاً: لأن العين موقوفة، وحبساً؛ لأن العين محبوسة( 3).
ثانياً: الوقف فـي الاصطلاح:
عرفه الفقهاء بتعاريف مختلفة، باعتبارات مختلفة، حتى أننا نجد لفقهاء المذهب الواحد أكثر من تعريف.
أولاً: تعريف الحنفية:
أختلف فقهاء الحنفية في تعريف الوقف، والسبب في هذا يرجع إلى اختلافهم في الوقف هل هو لازم أم لا؟ ولذلك فإن فقهاء الحنفية في تعريفهم للوقف يفرقون بين تعريفه على رأي أبي حنيفة وبين تعريفه على رأي الصاحبين.
وتعريف أبي حنيفة للوقف هو: حبس العين على حكم ملك الواقف، والتصدق بالمنفعة على جهة الخير.
وبناء عليه يصح للواقف الرجوع عن الوقف وله بيعه؛ لأن الوقف عند أبي حنيفة غير لازم كالعارية(4 ).
أما عند الصاحبين الذين يريان أن الموقوف يخرج عن ملك الواقف فالوقف هو: حبس العين على ملك الله تعالى، وصرف منفعتها على من أحب(5 ).
ثانياً: تعريف المالكية للوقف:
عرّف فقهاء المالكية الوقف بأنه:
إعطاء منفعة شيء مدة وجوده لازماً بقاؤه في ملك معطيها ولو تقديراً( 6).
وعليه فإن المالك يحبس العين عن أي تصرف تمليكي، وتبرع بريعها لجهة خيرية شرعاً، لازماً، مع بقاء العين على ملك الواقف، فلا يشترط فيه التأبيد.
ثالثاً: تعريف الشافعية:
من أشهر تعاريف الشافعية للوقف هو تعريف الشربيني حيث قال: إنه حبس مال يمكن الإنتفاع به، مع بقاء عينه، بقطع التصرف في رقبته على مصرف مباح موجود.
وعليه يخرج المال عن ملك الواقف، ويصير حبيساً على حكم ملك الله تعالى(7 ).
رابعاً: تعريف الحنابلة:
عرفه فقهاء الحنابلة بأنه: تحبيس الأصل وتسبيل المنفعة( 8).
وبهذا التعريف تخرج العين عن ملك الواقف وتكون في سبيل الله، لا يجوز بيعها ولاهبتها، ولا الرجوع فيها،
ولعل هذا التعريف هو أرجح التعريفات للوقف وذلك لما يأتي:-
أن هذا التعريف اقتصر على ذكر حقيقة الوقف فقط، ولم يدخل في تفصيلات أخرى دخلت فيها بقية التعريفات، بل ترك بيان ذلك وتفصيله عند الكلام على الأركان والشروط، إذ إن الدخول في التفاصيل يخرج التعريف عن دلالته.
والخلاصة :
1 – أن الوقف في الإصطلاح هو: تحبيس الأصل وتسبيل المنفعة.
2 – أن الوقف جائز شرعاً، بل هو من التبرعات والقرب المندوبة.
3 – اهتمام الصحابة بالوقف، وعنايتهم به.
4 – ظهر من خلال هذا البحث أهمية الوقف في الحياة العامة لدى المسلمين، والنتائج التي حققها أثناء تطبيقه، وخصوصاً في العصور الإسلامية السالفة.
5 – يحتاج الوقف إلى أيدٍ أمينة، ترعاه وتقوم على مصالحه العامة.
6 – توسيع مفهوم الوقف، لكيلا يحصر في العقارات فقط، بل يشمل المشاريع الزراعية، والدعوية، والصحية وغيرها.
7 – الاهتمام بدراسة العوامل السلبية التي طرأت على الأوقاف ومؤسساته في القرون المتأخرة، والتي استغلها بعض المغرضين في تشويه صورة الوقف.
8 – التخطيط لإشاعة الوعي بأهمية دور الوقف في التنمية الشاملة، وذلك بإبراز دوره التاريخي في تنمية الحضارة الإسلامية.
9 – ظهور الفرق بين الوقف في الجاهلية، وبين الوقف عند المسلمين، فالوقف في الجاهلية مقصود منه الفخر والمكابرة، أما الوقف عند المسلمين فإن الأصل فيه أنه يكون قربة لله تعالى.
10– أن الوقف خيري عام، وهو ما كان الوقف فيه على جهة من جهات البر كالمساجد والمدارس وغيرها.
11– الاستفادة من المؤلفات والرسائل الجامعية والأبحاث، والدراسات والندوات الوقفية.
12– أن في الوقف إسهاماً في تخفيف العبء على أجهزة الدولة ذات العلاقة بمجالاته، وتقليل النفقات والمصروفات المالية على موازنة الدولة.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه المخلصین.
المصادر :
1- معجم مقاييس اللغة لابن فارس 6/135 مادة (وقف)
2- الصحاح 3/915، ولسان العرب 8/343
3- المصباح المنير 2/669، والمطلع ص285
4- فتح القدير لابن الهمام 5/37، وحاشية ابن عابدين 4/136، 495
5- فتح القدير 5/37، وحاشية ابن عابدين 4/364
6- مواهب الجليل 6/18، ومنح المجليل 3/34
7- مغني المحتاج 2/367، ونهاية المحتاج 5/358
8- المغني 8/184