يتميز النظام السياسي الإسلامي عن غيره من الأنظمة بخمسة عناصر يختص بها:
1 - وجود الإمام أو رئيس الدولة وهو القدوة.
2 - طريقة تعيين وتنصيب هذا الإمام أو الرئيس.
3 - طبيعة فهم الإمام للمنظومة الحقوقية الإلهية.
4 - قيادة الإمام للدولة المدعومة بدعوة.
5 - استمرارية الدعوة والدولة بعمر الحياة الإنسانية.
1 - الإمام الأمثل ورئيس الدولة الأعظم
الإمام الأمثل والرئيس الأعظم هو خاتم النبيين محمد (صلى الله عليه وآله وسلم)، فهو المؤمن الأول، والإمام الأول، والرئيس الأول، وهو القدوة، والنموذج، وهو رائد عملية إصلاح العالم ، وانقاذ الجنس البشري، وهو قائد الدعوة الإسلامية الأولى، ورئيس أول دولة إسلامية، وقد أعلن على رؤوس الأشهاد أنه خاتم الأنبياء، فلا نبي بعده، وأنه آخر الرسل، وأن دينه هو آخر الأديان السماوية.
2 - طبيعة الدين الإسلامي خطة
الدين الإسلامي بمجمله: ما هو إلا منظومة حقوقية كاملة، تنظم الحياتين الدنيا والآخرة. وترشد وتدير حركة الأفراد، والأسر، والمجتمعات، والدول، والعالم، والكون المسخر لخدمة العالم الإنساني.
وتقريبا للذهن نقول: إن الدين الإسلامي بجوهره وحقيقته ما هو إلا خطة إلهية، لإنقاذ العالم، وانسجام متناقضاته، وهو خطة نهائية، بمعنى أنه لن تأتي خطة إلهية سواها، وهي من صنع الله، بمعنى أنها خطة كاملة ومنزهة تماما عن النقص، وهي بنفس الوقت بسيطة يفهمها العقل البشري، وتستسيغها الفطرة الإنسانية.
3 - لوازم نجاح الخطة
إنجاح الخطة الإلهية وفق نواميس الابتلاء الإلهي يحتاج إلى:
منظر ومنفذ لهذه الخطة من جنس المكلفين (بشر).
إلى دعوة للتبشير بالخطة.
إلى دولة لتحمي الدعوة، وتكون النموذج الأمثل لنجاح الخطة.
4 - من يختار المنظر والمنفذ
لو أن الله تعالى استفتانا وهو الغني، وسألنا: من تقترحون منظرا ومنفذا وقائدا للدعوة وللدولة؟ لأجبناه بتجرد: يا إلهنا عين لنا الأفهم والأعلم بالمنظومة الحقوقية الإلهية، أو بخطة الإنقاذ الإلهي، وأصلحنا وأفضلنا.
لو أن العناية الإلهية سألت على سبيل المساواة، وإمعانا بإقامة الحجة: فمن تعتقدون أنه الأعلم والأفهم بالمنظومة الحقوقية الإلهية، ومن هو أصلحكم وأفضلكم يا عبادي؟
إذا لم نلتزم بقواعد الأدب وبالموضوعية، فسنقترح عليه آلاف الأشخاص، وننقسم إلى فرق، وكل فريق يقدم صاحبه على أساس أنه الأفضل والأصلح من بيننا ، والأفهم والأعلم بالمنظومة الحقوقية، مع أن المطلوب شخص واحد وليس آلافا.
أما إذا التزمنا بالموضوعية وبالأدب والحق والحقيقة فسنجيبه بصوت واحد: يا ربنا يا أيها اللطيف، أنت خالقنا، وأنت علام الغيوب، الخطة خطتك، والمنظومة منظومتك، ونحن عبادك، خلقتنا وتعلم حقيقة كل واحد منا، فقدم أنت لنا الأفهم والأعلم والأصلح والأفضل.
5 - رئاسة الدولة في الإسلام قدر مشترك
بمعنى أن الله وحده هو الذي يعلم علما يقينيا من هو الأعلم والأفهم بالمنظومة الحقوقية الإلهية المراد تبليغها للناس وتطبيقها عليهم، وهو وحده الذي يعلم علما يقينيا من هو الأصلح والأفضل بين هؤلاء الناس، ليكون قائدا لهم، وطالما أن الله وحده هو الذي يعلم ذلك علم اليقين، وحيث أن غاية الأعلم والأفهم والأفضل والأصلح هو غاية المحكومين ومقصدهم، فيعني ذلك أن مقصد المخلوق والخالق قد اتحدا . عندئذ يعلن الله تعالى هذا الشخص الذي توفرت فيه تلك الشرائط، ويكلفه بتنفيذ الخطة الإلهية، ووضع المنظومة الحقوقية موضع التطبيق. فالله سبحانه وتعالى هو الذي دلنا على هذا الشخص، وقدمه لنا، وشهد بأن الصفات المطلوبة متوفرة به، وأنه هو وحده المؤهل بهذه الفترة الزمنية أو تلك لتنفيذ الخطة الإلهية، أو وضع المنظومة الحقوقية الإلهية موضع التطبيق.
الله سبحانه وتعالى دل الأمة وأرشدها إلى الأعلم والأفهم بالمنظومة الحقوقية الإلهية، وإلى الأفضل والأصلح، وتلك هي غاية الأمة، عندئذ تقبل الأمة بالتكييف الإلهي، وتصدقه، وتباشر بمبايعة هذا الشخص، والتعاقد معه، على أن يعمل الفريقان - الإمام والأمة - لتنفيذ الخطة الإلهية، وتطبيق المنظومة الحقوقية الإلهية تحت إشراف، وقيادة، وتوجيه الإمام المعين إلهيا، والمصادق على تعيينه شعبيا.
والإمام إمام لأن الله تعالى كلفه بالإمامة، وخوله تنفيذ الخطة الإلهية، وتطبيق المنظومة الحقوقية، لكن الخطة لا تنفذ وفق قواعد الابتلاء الإلهي إلا ببشر، ولا تطبق المنظومة الإلهية إلا ببشر وعلى بشر، فعندما تمت البيعة تحققت إمكانية التطبيق والتنفيذ، فالإمام وحده بدون فئة بشرية مؤمنة يتعذر عليه تنفيذ الخطة وتطبيق المنظومة، الإمام يد والأمة يد آخر. الأمة المؤمنة جند الله، والإمام هو القائد العام لجند الله في هذه المنطقة أو تلك، لنفترض أن الإمام لم يجد أمة تبايعه، وتتعاون معه، وتسير تحت إمرته، أو أنه لم يتمكن من إقناع أمة بذلك، فمعنى ذلك أن مشروع الإنقاذ الإلهي قد أجهض!
والخلاصة أن الإمامة أو رئاسة الدولة هي قدر مشترك بين الله تعالى وبين الأمة، فالله تعالى يعين الأعلم والأفهم، والأصلح والأفضل، ويعلن ذلك للأمة، والتعيين والاختيار قد يكون من الله تعالى مباشرة كتعيينه واختياره للنبي، أو غير مباشرة، فيكلف النبي بأن يعين هذا أو ذاك إماما من بعده، ودور الأمة هو القبول والمبايعة كحالة من التعاقد على تنفيذ الخطة الإلهية للإنقاذ، وتطبيق المنظومة الحقوقية الإلهية.
6 - الثمرة والنتيجة
إذا أطاعت الأمة ربها ونبيها، وقبلت بالتعيين الإلهي، وأقبلت على البيعة تؤجر في الآخرة، وتسود في الدنيا وتسعد، وإن امتنعت الأمة وبايعت غيره تؤثم في الآخرة، وتشقى في الدنيا، وتتحول إلى حقل تجارب للغالبين، ويتحكم بها الغالب كائنا من كان، وتنقسم إلى شيع وأحزاب يذوق بعضها بأس بعض، وتبقى في شقاء دائم حتى تعود للترتيبات الإلهية.
7 - من هو الإمام بعد النبي
لقد قاد النبي الأعظم الدعوة الإسلامية وسط ظروف محلية وعالمية بالغة العسر والشدة، ونجح بعد عذاب نجاحا ساحقا، ثم حول الدعوة إلى دولة، ونفذ خطة الإنقاذ الإلهي، وطبق المنظومة الحقوقية الإلهية، وبلغها للناس كاملة غير منقوصة، وأعلن الله جلت قدرته كمال الدين وتمام النعمة، وأعلن النبي أنه خير فاختار ما عند الله، وأنه سيمرض، وأنه سيقبض في مرضه، ولخص الموقف لمن حوله بصيغ في غاية الإيجاز حتى لا ينسوا، وبلغها لهم فرادى ومجتمعين في الإقامة والسفر، وفي الليل وفي النهار، لأنه مشفق وناصح، وعلى علم بما يتربص بهذه الأمة، لهذا حرص أن يبين لهم كل شئ على الإطلاق، عسى أن تنتقل الأمور انتقالا سلميا بعد وفاته، وأن تأخذ طابع الدوام والمؤسسية، فلا يختلف اثنان.
لقد تقلب على كرسي الخلافة المئات، ولم يدع أي واحد منهم قبل الجلوس على هذا الكرسي أن الله أو رسوله قد عهدا إليه بالخلافة أو الإمامة أو الوصاية أو الولاية على المؤمنين من بعده، كان المتغلب على هذا الكرسي يدافع عن شرعية جلوسه على الكرسي بأدلة عقلية أهمها أنه الغالب، وأن هذا قضاء الله على حد تعبير معاوية.
الوحيد الذي ادعى أنه ولي المؤمنين من بعد النبي، وإمام المسلمين، ووصي سيد المرسلين، وخليفة الرسول، ووصيه، والمؤهل الوحيد لقيادة مسيرة الإيمان كان هو علي بن طالب (عليه السلام) بصفته الشخصية، وبصفته عميد أهل بيت النبوة.
روى الترمذي، ومسلم، والدارمي، وهم من أصحاب الصحاح الستة عند أهل السنة، وأحمد في مسنده، والبيهقي في سننه، والحاكم في مستدركه، والنسائي في خصائصه، وابن سعد في طبقاته، والخطيب في تاريخه، وأبو نعيم في حليته، والهيثمي في مجمعه... إلخ. أن رسول الله قد أبلغ المسلمين قبل رحيله (إني تارك فيكم اثنين ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا بعدي أبدا: كتاب الله وعترتي أهل بيتي) وعلي (عليه السلام) هو عميد أهل البيت الكرام بلا منازع، وباعتراف القريب والبعيد، وحديث الثقلين من أصح الأحاديث وأكثرها تواترا، نقلته الأمة جيلا بعد جيل.
وهناک 185 مرجعا من عيون مراجع أهل السنة روت هذا الحديث، وخرجت بصحته وتواتره(1)
وادعاء الإمام لا ينافي العقل، فهو عميد أهل بيت النبوة الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا، وهو فارس الإسلام بغير منازع، وهو زوج البتول الطاهرة، ووالد السبطين، وهو ابن عم النبي، ومن تربى في كنفه وعلى يديه، وهو ابن أبي طالب حامي دعوة الإسلام ونبي الإسلام، وهو ابن عميد الهاشميين الذين حاصرتهم العرب في شعب أبي طالب ثلاث سنين حتى أكلوا ورق الشجر من الجوع، وهو رباني هذه الأمة من بعد النبي، فكل علم بعد النبي دون علمه. وهو الصديق الأكبر، والفاروق الأعظم، فما هو العيب في ادعائه أنه الولي والوصي والإمام وأمير المؤمنين والخليفة من بعد النبي؟!
نقول: إن الصحابة كلهم عدول لا يجوز عليهم تعمد الكذب، فإن عليا هو سيد الصحابة فلماذا لا نصدقه؟!
لم يدع أحد ما ادعاه الإمام علي!! المانع الوحيد من تصديق ما قاله الإمام هو معارضة الواقع، فالواقع دائما هو الشرعية في نظر البعض، وما يعارض هذا باطل صراح!!!
8 - النبي يخلع ألقاب الخليفة على علي
الخليفة هو ولي المؤمنين، وقد أعلن النبي وقال لعلي (أنت ولي كل مؤمن بعدي) (2)
وأعلن النبي ولاية علي لأفراد ومجموعات، ثم لجمع يزيد على ماءة ألف نسمة يوم غدير خم، وهنأه الأصحاب بالولاية وعلى رأسهم عمر بن الخطاب (رضي الله عنه). راجع شواهد التنزيل مجلد 1 صفحة 157، ومسند أحمد مجلد 2 صفحة 281، وسنن ابن ماجة - باب فضائل علي، والرياض النضرة مجلد 2 صفحة 169
وقد صرح رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بأن عليا هو الخليفة من بعد النبي، وفي كتابينا: النظام السياسي في الإسلام، ونظرية عدالة الصحابة والمرجعية السياسية في الإسلام وثقنا ذلك، فليرجع إليهما من شاء، وحديث الدار من أصح الآثار.
وقد أعلن الرسول: أن الإمام وأمير المؤمنين من بعده هو علي بن أبي طالب، وقد وثقنا ذلك في كتابينا آنفي الذكر، ويمكنك مراجعة تلك التوثيقات أيضا في معالم المدرستين، للعلامة العسكري، والنص والاجتهاد للعلامة شرف الدين العاملي.
وكل الصحابة كانوا يعرفون أن عليا هو وصي النبي. (3)
قال (صلى الله عليه وآله وسلم) لعلي (ألا ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه ليس بعدي نبي). (4)
والخلاصة: أن الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) لم يترك أمته ولا راعي لها كما أشيع، إنما أعلنه خليفة من بعده، وناداه بالخلافة، وأعلنه إماما وناداه بالإمامة، وأعلنه وليا وناداه بالولاية، وأعلنه أميرا للمؤمنين وناداه بالإمارة، وأعلنه سيدا للعرب وناداه بالسيادة.
تلك حقائق وثقتها في كتابي نظرية عدالة الصحابة والمرجعية السياسية في الإسلام، وأشرت لها في كتابي: النظام السياسي في الإسلام، ومرتكزات الفكر السياسي، فليرجع إليها من أراد التفصيل.
9 - النبي يعين اثني عشر إماما
لم يكتف الرسول بذلك، بل بين اثني عشر إماما، وسماهم، وبين أن كل إمام يعلن عنه بنص ممن سبقه، وإلى هذا العدد أشار البخاري في صحيحه مجلد 9 صفحة 729
الحديث 2034، ومسلم في صحيحه مجلد 3 صفحة 1452 كتاب الإمارة، والترمذي في صحيحه مجلد 4 صفحة 501، وأبو داود في صحيحه مجلد 2 صفحة 207 كتاب المهدي، وأحمد في مسنده مجلد 1 صفحة 398، والمتقي الهندي في كنزه مجلد 6 صفحة 201
ولا خلاف بين أئمة أهل البيت حول هذا العدد أو حقيقته، والخلاف منحصر في تأويل أهل السنة لهذا العدد، ومحاولتهم غير المجدية لتفصيله على الواقع، بعد أن حاولت بطون قريش منع النبي من إعلانه في حياته وشوشت عليه في خطبته في حجة الوداع وقالوا إنه قال اثني عشر إماما من قريش، ولم يقل من أهل بيتي!
10 - أخذ الرسول البيعة بعدم منازعة الأمر أهله
لأن للأمر والولاية أهلها، فقد روى البخاري في كتاب الأحكام، ومسلم في كتاب الإمارة، والنسائي في سننه في كتاب البيعة، وابن ماجة في كتاب الجهاد، وموطأ مالك في كتاب الجهاد، ومسند أحمد مجلد 5 صفحة 314 قول بعض الصحابة أنهم بايعوا رسول الله على السمع والطاعة والعسر واليسر والمنشط والمكره وأن لا ننازع الأمر أهله.
11 - أهل الأمر مثل نفسه
قال تعالى... (فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم ثم نبتهل فنجعل لعنة الله على الكاذبين) آية 61 من سورة آل عمران. لما نزلت هذه الآية دعا رسول الله عليا، وفاطمة، وحسنا، وحسينا، فقال: اللهم هؤلاء أهلي. راجع صحيح مسلم مجلد 4 صفحة 1871، وصحيح الترمذي مجلد 5 صفحة 225، ومسند أحمد مجلد 1 صفحة 185 والمستدرك للحاكم مجلد 3 صفحة 15، وتلخيص المستدرك مجلد 3 صفحة 150، والكشاف للزمخشري مجلد 1 صفحة 193، والرازي في تفسيره مجلد 8 صفحة 80
12 - شهادة عمر بن الخطاب
قال عمر بن الخطاب في سقيفة بني ساعدة مخاطبا الأنصار: إنه والله لا ترضى العرب أن تؤمركم ونبيها من غيركم، ولكن العرب لا ينبغي أن تولي هذا الأمر إلا من كانت النبوة فيهم، وأولي الأمر منهم، لنا بذلك على من خالفنا من العرب الحجة الظاهرة، والسلطان المبين، من ينازعنا سلطان محمد وميراثه ونحن أولياؤه وعشيرته إلا مدل بباطل، أو متجانف لإثم، أو متورط في هلكة. راجع الإمامة والسياسية لابن قتيبة صفحة 6
لقد صدق الفاروق، فأهل محمد أولى بمحمد، وأهل محمد الذين هم مثل نفسه علي، وفاطمة، وحسن، وحسين (عليهم السلام)، ولا يوجد في الدنيا من هو أقرب لمحمد منهم.
13 - أصحاب المذاهب الأربعة تتلمذوا على يد إمام من أئمة أهل البيت
فقد انقطع أبو حنيفة إلى مجلس الإمام الصادق طوال عامين وهو يقول: لولا السنتان لهلك النعمان. ويقول ابن طلحة الشافعي في مطالب السؤول صفحة 218:واستفاد من الإمام الصادق جماعة من أعيان الأئمة وأعلامهم مثل مالك بن أنس، وأبو حنيفة. وقال ابن حجر المكي في الصواعق المحرقة صفحة 309: وروى عنه الأئمة الكبار كيحيى بن سعيد، وابن جريح، ومالك، والسفياني، وأبي حنيفة، وقد لقب الإمام بالصادق لأنه لم يعرف عنه الكذب قط.
كذلك فإن سفيان الثوري حضر مجلس الإمام، واستفاد منه.
وإذا أخذنا بعين الاعتبار أن الشافعي من تلاميذ مالك بن أنس، وأحمد بن حنبل من تلاميذ الشافعي، فمعنى ذلك أن الإمام الصادق هو أستاذ أصحاب المذاهب الأربعة التي يتعبد بها أهل السنة.
14 - خصوصية من يخلف الرسول
الخلافة من بعد النبي هي عملية فنية من جميع الوجوه، فالإمام هو المبين للقرآن من بعد النبي، ومن المفترض أن يكون الأعلم، والأفهم، والأصلح، والأفضل، والأقدر على بيان القرآن بيانا قائما على الجزم واليقين. ومعرفة من تتوفر فيه هذه الصفات أمر يفوق طاقة المجتمع، وهو اختصاص إلهي، والإمامة بهذا المفهوم الذي لا غنى عنه ركن من أركان سلامة الدين.
قال الإمام الرضا (عليه السلام) (إن الله عز وجل لم يقبض نبيه حتى أكمل الدين، وأنزل القرآن فيه تبيان كل شئ، بين فيه الحلال والحرام، والحدود والأحكام، وجميع ما يحتاج إليه الناس كملا، فقال عز وجل (ما فرطنا في الكتاب من شئ) وأنزل في حجة الوداع (اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا).
وأمر الإمامة من تمام الدين، ولم يمض رسول الله حتى بين لأمته معالم دينهم، وأوضح لهم سبلهم، وتركهم على قصد سبيل الحق، وأقام لهم عليا (عليه السلام) علما وإماما، ما ترك لهم شيئا تحتاج إليه الأمة إلا بينه، فمن زعم أن الله عز وجل لم يكمل دينه فقد رد كتاب الله، ومن رد كتاب الله فهو كافر.
وقال أيضا (هل يعرفون قدر الإمامة، ومحلها من الأمة فيجوز فيها اختيارهم؟ إن الإمامة أجل قدرا، وأعظم شأنا، وأعلى مكانا، وأمنع جانبا، وأبعد غورا من أن يبلغها الناس بعقولهم، أو ينالوها بآرائهم، أو يقيموا إماما باختيارهم)!
(إن الإمامة هي منزلة الأنبياء، وإرث الأوصياء، إن الإمامة خلافة الله وخلافة الرسول (صلى الله عليه وآله)، ومقام أمير المؤمنين، وميراث الحسن والحسين (عليهما السلام).
إن الإمامة زين الدين ونظام المسلمين، وصلاح الدنيا، وعز المؤمنين.
إن الإمامة أس الإسلام النامي، وفرعه السامي.
بالإمام تمام الصلاة، والزكاة، والصيام، والحج، والجهاد، وتوفير الفئ والصدقات، وإمضاء الحدود، والأحكام، ومنع الثغور والأطراف.
والإمام يحل حلال الله، ويحرم حرام الله، ويقيم حدود الله، ويذب عن دين الله، ويدعو إلى سبيل ربه بالحكمة والموعظة الحسنة والحجة البالغة.
وقال (عليه السلام) (الإمام أمين الله في خلقه، وحجته على عباده، وخليفته في بلاده، الداعي إلى الله، والذاب عن حرم الله) فمن الذي يبلغ معرفة الإمام أو يمكنه اختياره؟
إلى أن قال: رغبوا عن اختيار الله، واختيار رسوله (صلى الله عليه وآله) وأهل بيته إلى اختيارهم والقرآن يناديهم. (وربك يخلق ما يشاء ويختار ما كان لهم الخيرة) وقال عز وجل (وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم) فكيف لهم باختيار الإمام؟
والإمام عامل لا يجهل، وراع لا ينكل، معدن القدس والطهارة، والنسك والزهادة، والعلم والعبادة، مخصوص بدعوة الرسول، ونسل المطهرة البتول، لا مغمز فيه بنسب، ولا يدانيه ذو حسب، في البيت من قريش، والذروة من هاشم، والعترة من الرسول (صلى الله عليه وآله)، والرضا من الله عز وجل، شرف الأشراف، والفرع من عبد مناف، نامي العلم، كامل الحلم، مضطلع بالإمامة، عالم بالسياسة، مفروض الطاعة، قائم بأمر الله عز وجل، ناصح لعباد الله، حافظ لدين الله....). راجع كتاب التشيع صفحة 248 - 250 للسيد عبد الله الغريفي.
فهل يعقل من كانت هذه صفاته، وأثره في الدين أن يوكل أمر تعيينه لأهواء الناس، أو أن يهمل، فلا يشار إليه، ولا يستخلفه النبي، مع عظيم أثره في الدين؟!!
15 - والخلاصة
إذا لم يصدق البعض بأن رسول الله قد استخلف شخصا بعينه، وأنه يترك أمته هملا بغير إمام، لأنهم أولوا النصوص تأويلا أخرجها عن معانيها الحقيقية لتتلاءم مع الواقع التاريخي المفروض، إذا لم يصدقوا ذلك فكيف يكذبون حديث الثقلين، وقد رواه جمع يمتنع عقلا اجتماعهم على الكذب؟ وأي إعمال لحديث الثقلين يجعل أهل بيت النبوة بمثابة هيئة تأسيسية محايدة مهمتها تقديم الإمام الشرعي الذي تتوافر فيه الصفات الموضوعية؟
فإذا ارتاحوا لهذا التأويل المنطقي فليتفضل هذا البعض وليدلنا لماذا طورد أهل البيت؟ ولماذا نكل بهم؟ ولماذا أبعدوا عن مسرح الحياة السياسية، وخلت الساحة لأعدائهم؟! ربما كان هذا تطبيق حديث الثقلين حتى تهتدي الأمة ولا تضل!!!
المصادر :
1- الترمذي مجلد 3 صفحة 199،وكنزالعمال مجلد 1 صفحة 48، وصحيح مسلم - باب فضائل علي، وسنن الدارمي مجلد 2 صفحة 431، وسنن البيهقي مجلد 2 صفحة 148، ومجلد 7 صفحة 30 من مشكل الآثار للطحاوي، وخصائص النسائي مجلد 3 صفحة 109، وتاريخ بغداد للخطيب مجلد 8 صفحة 442، وحلية الأولياء مجلد 1 صفحة 355، ومجمع الزوائد مجلد 9 صفحة 163 - 164... إلخ.
2- مسند الطيالسي مجلد 11 صفحة 360، والرياض النضرة مجلد 2 صفحة 203، وتاريخ بغداد للخطيب مجلد 4 صفحة 239، وكنز العمال مجلد 15 صفحة 114، ومجلد 12 صفحة 221، وصحيح الترمذي مجلد 13 صفحة 165 ومسند أحمد مجلد 4 صفحة 437 ، ومستدرك الحاكم مجلد 3 صفحة 110، وخصائص النسائي صفحة 16 و 29، وحلية الأولياء مجلد 6 صفحة 294
3- راجع مجمع الزوائد للهيثمي مجلد 9 صفحة 113، ومجلد 8 صفحة 253، وكنز العمال حديث 1163 و 1192، وحلية الأولياء مجلد 1 صفحة 63، وتاريخ ابن عساكر مجلد 2 صفحة 486، وشرح النهج مجلد 1صفحة 450، وتاريخ ابن عساكر مجلد 3 صفحة 5، والرياض النضرة مجلد 2 صفحة 178، ووقعة صفين صفحة 127 - 128، وتاريخ اليعقوبي مجلد 2 صفحة 178، وصفين صفحة 118 - 119، ومروج الذهب للمسعودي مجلد 3 صفحة 11، ومناقب الخوارزمي صفحة 125 و 123، وشرح النهج مجلد 2 صفحة 28، وتاريخ اليعقوبي مجلد 2 صفحة 192، والمستدرك للحاكم مجلد 3 صفحة 172، وذخائر العقبى صفحة 138، والتنبيه والإشراف للمسعودي صفحة 293، وتاريخ ابن الأثير مجلد 5 صفحة 139، والموفقيات للزبير بن بكار صفحة 591 - 598 وصفحة 575، وشرح النهج مجلد 1 صفحة 13... إلخ.
4- راجع صحيح البخاري مجلد 3 صفحة 58، وصحيح مسلم الحديث 32، ومسند الطيالسي مجلد 1 صفحة 29، وحلية الأولياء مجلد 7 صفحة 195، ومسند أحمد مجلد 1 صفحة 173، وتاريخ بغداد للخطيب مجلد 11 صفحة 432، وخصائص النسائي 85 و 16، وطبقات ابن سعد مجلد 3 10 / 15