كشفت دراسة علمية أجريت في مصر عن جملة من الأسباب الأسرية والاجتماعية تؤدي إلى إقدام الشباب خاصة طلاب الجامعات على الزواج العرفي، وقالت الدراسة التي حصلت بها الباحثة دنيا البرنس عبدالرحمن على درجة «الماجستير» من جامعة الزقازيق المصرية إن هناك علاقة وثيقة بين التفكك الأسرى .وغياب القدوة واضطراب العلاقات بين طالبات الجامعة وغياب الوازع الديني وتحدي التقاليد والأعراف والآداب الاجتماعية وبين الإقبال على الزواج العرفي. وانتهت الباحثة إلى تعريف متكامل للزواج الذي جعله الخالق عز وجل نظاما إنسانيا واجتماعيا يحفظ النسل وميثاقا مقدسا يصون كرامة البشر «المرأة والرجل».. ويستقى هذا التعريف من المصدر التشريعي والتاريخي والقانوني واللغوي، فكل واحد من الرجل والمرأة يسمى «زوجا» ويقال للاثنين زوجان.
وهذا التعريف وهذه المسئولية الشرعية ـ كما تقول الباحثة ـ إنها لم ترد على ذهن أي من الذين يسعون وراء «الزواج العرفي» لأنهم لم يفكروا في تكوين الأسرة ولم يضعوا في ذهنهم أن هذا الزواج على نية التأبيد والاستمرار ولم يضعوا في ذهنهم أنه مسئولية، وأنه يمكن أن يأتي بثمار وهم الأبناء ضحايا هذا الزواج الذي يؤدى بمن يقبل عليه خاصة الفتاة أن تقوم بعمليات إجهاض، أو قد تنهى حياتها بالقتل إذا تبرأ الزوج من الوليد، أو إذا عجزت عن الإنفاق عليه أو خشية افتضاح أمرها. وفي كل الأحوال حتى لو لم يثمر هذا الزواج أطفالا فقد وضعت نفسها في موقف يجلب عليها اللعنة وغضب الخالق سبحانه وتعالى والفضيحة والعار لأسرتها وفيه إهدار لكرامتها كأنثى أو امرأة كرمها الله ووضعها في مكانة عالية، لكنها أبت أن تكون من المكرمين، وهبطت من أجل نزوة ومتعة غير مسئولة لتدنس نفسها مع شاب منحرف ضاربة كل التقاليد والأعراف عرض الحائط ودون مبالاة.
وقد تبين للباحثة أن الفتاة تواجه مشكلتين أساسيتين في الزواج العرفي، وهما عندما ترغب في رفع دعوى تطليق عندما يرفض الزوج طلاقها ويمسكها ضرارا أو عند إثبات هذا الزواج وفي حالة وفاة الزوج حيث تفقد حقوقا عديدة، أو لإقرار النسب إذا أنكر الزوج الاعتراف بطفل الزواج العرفي.
العرفي والبناء النفسي
وتقول الباحثة إنه من خلال دراسة الحالة النفسية والسمات الشخصية من خلال استمارة البحث التي قام بتحليلها مجموعة من أساتذة الطب النفسي تبين أن إقبال الشباب والفتيات على الزواج العرفي يرجع إلى عوامل نفسية عديدة أهمها: اضطراب البناء النفسي للشخصية، حيث يغلب عليهم الطابع العدواني، فهم ليس لديهم قيمة أخلاقية أو ضمير يحثهم على التمسك بالآداب والسلوك القويم بل يتصفون بالتمرد والاندفاع والتمركز حول الذات والتملك والأنانية.
وعدم الصبر على تحقيق الآمال والطموحات، فهم يتعجلون إشباع حاجاتهم النفسية والمادية، دون النظر إلى عادات المجتمع، كما أنهم يفتقدون إلى القدوة والوازع الديني. ومن خلال بعض الحالات تبين أيضا أن اختلال العلاقات الأسرية وافتقادها للثقافة والوعي والحوار الدافئ العائلي يجعل الأسرة مشتتة ومن ثم تصبح قرارات الأبناء منفردة نتيجة فشل الأبوين في التربية، فالزوج من جانبه لا يرى مسئولية تقع على عاتقه سوى تدبير نفقات المعيشة..
والأم تحاول توفير الواجبات المنزلية دون الاهتمام ببث القيم الأخلاقية والمبادئ الإنسانية والثقافة والمعرفة وبناء الضمير للأبناء، وهو ما يؤدي إلى خلل في العاطفة وعدم النضج العاطفي، وقد يؤدي ذلك إلى انهيار المكون المعنوي للشاب أو الفتاة ويميل كلاهما إلى الانحراف والجموح إلى النزوات وتفريغ الكبت الداخلي بتعجيل إتمام العلاقة العاطفية، والتي تدعوهما عند كشفها إلى التضحية بالأبناء إما بالقتل أو الانتحار.
وتأتي الدراسة بعينات من المتزوجين عرفيا كشفت عن وجود أسباب اجتماعية واقتصادية وسياسية وراء إصابة هؤلاء بحالات وأعراض نفسية، فهناك الرجل السيكوباتي الذي يميل إلى العدوانية ويرفض تقاليد المجتمع وأعرافه، وهو يسعى لتكرار مثل هذا الزواج، وقد يكون مرتبطا بزوجة أو أكثر زواجا شرعيا، ومع ذلك يلجأ إلى الزواج العرفي!
أيضا حالات أخرى تبين معاناتها من بعض الأعراض الهستيرية والميل للنرجسية وهناك من افتقد إلى الحنان والعاطفة والحب داخل الأسرة وخارجها سواء في محيط الأصدقاء أو المدرسة أو الجامعة، وقد تؤدي الخلافات الأسرية وتردي الحالة الاجتماعية والثقافية إلى تدهور الحالة النفسية للأبناء، وهو ما أكدته أحدث الأبحاث الأميركية في مجال الأسرة من أن الطفل الذي ينشأ في أسرة تكثر بها الخلافات ينشأ نشأة غير سوية نفسيا ومعنويا..
فضلا عن قتل الطموحات وافتقاد الأمل في المستقبل لارتفاع نسبة البطالة بين الشباب وتردى وانخفاض الحالة الاقتصادية مع ارتفاع تكاليف الزواج، وهى عوامل قد تساعد على ظهور أعراض اكتئاب «مؤقتة» قد تزول بزوال وانفراج هذه العوامل واحدة تلو الأخرى.