عربي
Monday 25th of November 2024
0
نفر 0

دولة الموعود -6

وكما جاء عن الإمام الباقر(ع):" دولتنا آخر الدول ولم يبق أهل بيت إلا ملكوا قبلنا لئلا يقولوا إذا ملكنا سرنا مثل سيرة هؤلاء. وهو قول الله عز وجل: والعاقبة للمتقين"[10].

المهدوية وحتمية الطريق الثالث

يوقفنا تاريخ الفكر السياسي على ضربين من المخارج الرئيسية للاستبداد ونظام السلطان العاري. ولم يشهد تاريخ الفكر السياسي من مخرج حقيقي سوى منظورين سرعان ما استتب الأمر لأحدهما بعد أن أصبح الأول هو نفسه موضوعا للاستهجان والامتعاض. ونقصد بذلك مفهوم المستبد العادل ومفهوم الديمقراطية. وحتى وإن كانت معظم النظم السياسية المعاصرة لا زالت تدين لفكرة الاستبداد ، فإن الديمقراطيات هي نفسها باتت تستنجد بسلطة المستبد حتى يرعاها ، مما جعلها غاية في ذاتها وليست وسيلة لتحقيق العدل وتأمين الحقوق . إن فكرة المستبد العادل ما هي إلا مخرج من كل أشكال الطغيان العاري الذي عرفته البشرية ووسم تاريخها بالعنف والعبودية والانحطاط. ومشكلة المستبد العادل في حكومة الموعود لا موضوع لها ، لأن حكومته جاءت لتتجاوز معضلة أقصى ما بلغته البشرية في نظمها السياسية، أعني الديمقراطيات. فهي متجاوزة لنموذج المستبد العادل برتبتين، ما دامت هي متجاوزة لما كان متجاوزا لها ، أي النظام الديمقراطي. ولعل الشبهة في المقام ، أن حكومة الموعود يحكمها شخص واحد. وهذه الشبهة تخطئ مناط قيام النماذج والنظم السياسية وفلسفتها. لأن الديمقراطية نفسها لم تكن هدفا في ذاتها إلا بالقدر الذي تمكننا من بلوغ أفضل اختيار حر للحاكم. ليست الديمقراطية في نهاية المطاف وبكل المخارج التي لحقتها من أجل التقليص من صلاحيات الحاكم الفرد ، مثل الانتخاب الدوري والفصل بين السلطات ، إلا بحثا عن حكم العادل. وليس الانتخاب الحر نفسه هدفا في ذاته ، بل من حيث هو طريق لاختيار الأفضل. فإذا كان الطريق إلى معرفة الأفضل غير هذا النموذج ، فإنه المطلوب ، لأنه الغاية. بل اختيار الأعدل هو قيمة القيم. إن مفهوم العدالة يتناقض مع الاستبداد بمعناه السياسي. فالعدالة في ظل هذا النموذج هي مصلحة المستبد بما هو أقوى وليست العدالة المطلقة التي تتحرك في الاجتماع السياسي الموعود على أساس العدالة والعلم والمهمة الرسالية. بل ليست أحكامها جزافية ولا أحكاما مزاجية بل هي تنفيذا أمثل لقانون أمثل. وقد جاءت الديمقراطية لتعيد الاعتبار إلى حق الشعب في اختيار نموذجه وحكم نفسه بنفسه عبر آليات وهيئات تمثيلية تمارس الحكم والرقابة حتى تحاصر تشكل الاستبداد بالسلطة ولا حتى الاستبداد بسلطة من السلط المفصول بينها. لكن الجدل الذي شهدته ولا تزال المجتمعات حول نواقص الديمقراطية وفشلها بالارتقاء بالإنسان وحماية قيمه ، بل كونها أصبحت وسيلة لتدمير القيم الجماعية بفعل تغول سلطة الفرد وفوضى الحريات وانهيار مفهوم الأسرة وما شابه، هو نفسه أصبح طريقا لا يقل ضراوة عن سابقيه، طريقا لأشكال جديدة من الطغيان والتدمير الممنهج لقيم الإنسان. إن الديمقراطيات اليوم في البلدان المتقدمة لا تخلوا من هذا النوع من الاستبداد الناعم الذي يجعل السلطة لا تفلت من أيدي بارونات المال والمتنفذين وأعوانهم. يلعب المال والمصالح الشخصية والفئوية دورا حاسما في اللعبة الديمقراطية. فالأمر كما يبدو تحول من نظم تفرض نفسها بالباطل والاستبداد القائم على القوة إلى نظم تسمح باللعبة السياسية، على شرط أن تكون لعبة بين أقوياء مسلحين بالمال والنفوذ وبين أشخاص منزوعي السلاح والقوة . لعبة يدرك الجميع أن مآلها الوحيد هو استبداد مقنع بالسلطة. إن دولة الموعود لا هي استبداد شخصي لأن مفهوم التشخصن أبعد من أن يكون سمة للإنسان الكامل المنزه عن الأنا . وكذلك هي أبعد من أن تجعل مصائر الخلق متوقفة على لعبة الديمقراطيات التي أوجدت أشكالا أخرى من الجور البنيوي، لا طريق للخلاص منه إلا مع قيام دولة الموعود. إن هذه الأخيرة هي إعلان صريح عن نهاية عصر المستبد العادل وعصر الديمقراطية ، لأن عنوانيهما سينتفيان لا محالة بعد تحقق النموذج الأكبر؛ حكومة الإنسان الكامل. أعني حكومة تلتقي عندها مقاصد الخالق والمخلوق. يكون الاستبداد فيها ليس ذاتيا بل موضوعيا كما هي جملة الحتميات الطبيعية الأخرى. وإن الموعود سيحكم الناس في طريق العدل بقوة الحتميات الطبيعية . فإذا تحقق خروج الانسان الكامل وظهر، انتفى موضوع المستبد العادل كما لم يعد للديمقراطية موضوعا. فاختيار الأصلح مع وجود الإنسان الكامل ، لن تكون حينئذ إلا وقاحة من الأشرار الذين سيكابرون رغم الصيحة ـ الإعلامية ـ التي ستجعل الموعود معروفا لدى العالم، لا يجهل استحقاقه أحد[11]. ولا شك أن الانتخاب الطبيعي في المقام هو العمدة التي ينتفي معها موضوع الاختيار الحر. ليست الديمقراطية هي النظام الأمثل والأخير بل هي أفضل من سواها مما في يد البشر. لكنها كانت دائما تأكيدا على تلك الحقيقة التي يتعين أن لا يمارس النسيان في حقها؛ هي كونها تقر بأن لا ضامن للعدالة في غياب نظام النبوة والانسان الكامل. وبأن دولة الموعود هي وحدها النظام الذي يحمل خصائص دولة النبوة والانسان الكامل المفقود.

0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخر المقالات

تكاليف عصر الغيبة الكبری
المهدي والحسين عليه السلام الدور والتجلي
سيرة الإمام المهدي المنتظر(عجل الله فرجه)
أتحسب انك جرم صغير وفيك انطوى العالم الأكبر
كيف يكون الإنتظار للإمام المهدي عليه السلام
المدخل إلى عقيدة الشيعه الإمامية في ولادة الإمام ...
لإمام المهدي (عجّل الله تعالى فرجه) في الإنجيل
انقطاع النیابة فی الغیبة الکبرى
الانتظار بين السلب والايجاب
عالمية الاعتقاد بالمهدي

 
user comment