عربي
Sunday 28th of April 2024
0
نفر 0

آدم خليفة الله علی ارضه

آدم خليفة الله علی ارضه

رغم ان الخطاب أحياناً لآدم وأحياناً الضمير بصورة مفرد أو مذكر وأمثال ذلك ، ولكن هذا ليس بمعنى ان الخلافة أو السجود لآدم وأمثال ذلك ، خاص بآدم عليه السلام أو مختص بالرجل ، والأدلة الدالة على هذا الموضوع عبارة عن :
1 ـ محور تعليم القرآن الكريم هو التعليم ، والتعليم عام أيضاً .
2 ـ في قضية آدم عليه السلام هذه يذكر مسألة عداوة الشيطان لآدم وحواء في إحدى السور بضمير مفرد وفي سورة أخرى بضمير تثنية ، ويتضح من هذا الأسلوب في البيان أن إتيان الضمير مفرداً في أحد المواضع ، هو لأجل الغشعار بأن الممثل هو شخص واحد ، لا من أجل أن العمل مع شخص واحد .
وحين يقول الله تعالى لآدم : إن الشيطان عدوّ له ، فذلك من أجل ان آدم يتكلم بصفة ممثل للناس ، وهم يتكلمون مع آدم بصفته ممثلاً ، لا بمعنى أن الشيطان بصفة ممثل للناس ، وهم يتكلمون مع آدم بصفته ممثلاً ، لا بمعنى أن الشيطان هو عدو لآدم فقط ، وليس له شغل مع حواء ، ولهذا يذكر عداوة الشيطان في سورة أخرى بضمير تثنية ويقول :
( لكما عدو مبين ) (1) .
هذا أولاً ، وثانياً ؛ عندما يكون الكلام عن الوسوسة وتأثر آدم ، يذكر تعالى هذا المعنى بضمير مفرد في محل من القرآن ، وبضمير تثنية في محل آخر فيقول :
( وقاسمهما أني لكما لمن الناصحين ) (2) .
يقول صدر المتألهين في تفسير هذه الآية : العدو ، أي الشيطان أقسم لآدم وحواء عليه السلام أنني اتصرف معكما بنصح ، ثم أغواهما ، والحال بالنسبة لنا أقسم ( فبعزتك لأغوينهم أجمعين ) (3)
ماذا سيفعل ؟ الله أعلم . الشيطان أقسم بشأن آدم وحواء انه سيتصرف معهما بطريق النصيحة ( وقاسمهما اني لكما لمن الناصحين ) أما بشأن بني آدم فأقسم ( فبعزتك لأغوينهم أجمعين ) . هناك قال تعالى : ( وقاسمهما أني لكما لمن الناصحين ) . ثم قال تعالى : ( فدلاهما بغرور ) ، ثم ذكر هذه المسألة بضمير مفرد في آية وقال :
( يا آدم هل أدلك على شجرة الخلد وملك لا يبلى ) (4) .
وفي آية أخرى بين بضمير تثنية ، وقال :
( ما نهاكما ربكما عن هذه الشجرة إلا ان تكونا ملكين أو تكونا من الخالدين ) (5) .
هنا يفسر الشيطان كلام الله بالرأي ، فالذي يدّعي ( أنا خير منه ) إذا سمع كلام الله أيضاً يفسره بالرأي في ان الله نهاكما وقال :
( ولا تقربا هذه الشجرة ) (6) .
هو لأنه إذا اكلتما من هذه الشجرة تصبحان ملكين وتلدان إلى الأبد ، وأن الله نهاكما من أجل ان لا تكونا خالدين ، ( ما نهاكما ربكما عن هذه الشجرة إلا أن تكونا ملكين أو تكونا من الخالدين ) ، وهذا المعنى ذكر بضمير مفرد في محل آخر في القرآن بصفة خطاب لآدم ( يا آدم هل أدلك على شجرة الخلد وملك لا يبلى ) .
الدلالة ، التدلية :
ثم يقول تعالى في هذه المسألة :
( فدلاّهما بغرور ) (7) .
التدلية ، أي التعليق ، هو إخلاء أسفل القدم بالشكل الذي يزل الإنسان . لذا عبر بـ ( فأزلّهما الشيطان ) (8)
والإنسان يزل عندما يكون قد تعرض للتدلية ، ذهب بحجة الدلالة وقام بالتدلية . في جميع الحالات ذكر ضمير التثنية ، ولكن هنا ذكر ضمير المفرد وهذا يختم أيضاً ذلك الظن الباطل في أن يتخيل شخص ان الشيطان نفذ عن طريق المرأة ، بل خدعهما كليهما في آن واحد . و إذا كان هناك محل لمثل هذا التوهم ، وكان هناك إمكان لقول الباطل يجب أن يقدم الإنسان هذا الباطل وهو أن الشيطان خدع المرأة عن طريق الرجل ، لا أنه خدع الرجل عن طريق المرأة ، رغم ان هذا هو أيضاً خيال باطل كما أن ذلك هو ظن باطل ، لأن الشيطان نفذ إليهما مباشرة ، ولم يخدع الرجل عن طريق المرأة ـ كما يعتقد البعض ولا خدع المرأة عن طريق الرجل ، قد يستفيد شخص ساذج التفكير مثل هذه الاستفادة من الآية ( هل أدلك على شجرة الخلد ) .
بناء على هذا ، فإن مجيء الضمير مفرداً هو بسبب ان آدم كان بصفة مخاطب أوّلي وبصفة ممثل ، بصفة انه مستمع وترجمان وناطق ، ولذا في كل هذه المسألة ليست هناك أية خصوصية لآدم .
ثالثاً : مسألة ( إهبطا ) (9) لكليهما و ( اهبطوا ) (10) للجميع ، هذا الموضوع له اشعار بأن ما تعود إليه الخلافة هي الإنسانية وما هو موضع عداوة الشيطان هي إنسانية الإنسان أيضاً ، عندما يأخذ الشيطان إنسانية الإنسان منه ، ويجعله في زمرة أوليائه عند ذلك تتبدل العدواة إلى ولاية ، حيث ان هناك بعض الناس تحت ولاية الشيطان ، ويذكرهم القرآن بصفة ( أولياء الشيطان ) (11) .
ذكر شواهد قرآنية (11) :
تمهيد خلافة الإنسان :
يرى القرآن الكريم ان الكمالات العليمة والعملية تشير إلى مقام الإنسانية ، وذلك المقام منزه عن الذكورة والأنوثة ، فكثير من الرجال قد يسقطون ويصبحون مصداق :
( اولئك كالأنعام بل هم أضل ) (12) .
وكثير من النساء قد يصبحن مشمولات لقوله تعالى :
( يا أيها النفس المطمئنة * أرجعي إلى ربّك راضية مرضية ) (13) .
ما يطرح في هذا البحث هو تفصيل للبحث السابق ، وهو لماذا يصل الإنسان إلى هذا المقام الرفيع ؟
في القرآن الكريم كثير من الفضائل العلمية مطروحة . وهي باسم إنسانية الإنسان ، وبعض الفضائل لا يصل إليها الملائكة أيضاً ، فإذا ثبت هذان الموضوعان ، عند ذلك سيتضح سر سجود الملائكة لساحة إنسانية الإنسان .
المقامات العليمة للإنسان :
الموضوع الأول ، وهو أن المقامات العلمية تتعلق بإنسانية الإنسان ، ولا تختص بالمرأة أو الرجل ، بعض الآيات التي يستدل بها في هذا المجال هي آية سورة الأعراف التي تقول :
( وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى ) (14) .
نشأة أخذ الميثاق وساحة أخذ الميثاق نزلت بصفة بني آدم ، ورغم أن الألفاظ التي استعملت في هذه الآية هي ألفاظ مذكر ، ولكن واضح ان عنوان الآية هو بنو آدم ، وكلمة بنين ليست في مقابل بنات بل هي عنوان أبناء آدم ، لا أولاد آدم ، الآية يقول : إن جميع الناس قالوا : ( بلى ) في أخذ الميثاق أي شاهدوا عبوديتهم ، وادركوا ربوبية الله سبحانه وتعالى بالعلم الشهودي ، لا إنهم فهموا بالعلم الحصولي ، هذا المقام الرفيع يتعلق بإنسانية الإنسان بدون تدخل المذكر والمؤنث . هذا مثال .
مثال آخر هو آية سورة الروم المعروفة بآية الفطرة :
( فأقم وجهك للدين حنيفاً فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ) (15) .
في هذه الآية ذكر الناس ، لا المذكر والمؤنث ، إذ يقول تعالى : إن الناس خلقوا على الفطرة التوحيدية . هذه القضية لا تختص بالماضي أو الحاضر ، بل المستقبل أيضاً محكوم بهذا الحكم ، لأنه قال ( لا تبديل لخلق الله ) بعنوان « لاء نفي الجنس » .
مثال ثالث هي آية سورة الشمس التي تقول :
( ونفس وما سوّاها * فألهمها فجورها وتقواها ) (16) .
الإنسان ملهم بالفجور والتقوى ، وفي حين ولادته لا يعرف شيئاً عن العلوم والحصولية .
( والله أخرجكم من بطون أمهاتكم لا تعلمون شيئاً ) (17) .
عندما يأتي الإنسان إلى الدنيا ليس لديه سهم عن العلوم الخارجية ، فيتعلمها بالدرس والبحث ، ولكنه يعرف ويستفيد من العلم الداخلي . العلوم المتعلقة بالتهذيب والتزكية ، وهي رأسمال أساسي ولا يوجد في آية مدرسة ، تلك العلوم خلقها الله مع الإنسان وأعطاها له بعنوان رأس مال أول ، وأما العلوم الحصولية فقد قال للإنسان أن يتعلمها عن طريق الكسب والعمل ، والسمع والبصر ، والفؤاد ، أما العلم الذي لا يوجد في مدرسة البشر فقد اعطاه للإنسان بعنوان رأسمال .
في هذه الآية لم يرد كلام عن المذكر والمؤنث أيضاً ، بل كلام عن ( ونفس وما سواها ) ، لأن كل روح تخلق على الفطرة التوحيدية ، وهي ملهمة بالفجور والتقوى ، وقد التزمت في ساحة أخذ الميثاق ، لذا في سورة الحشر ، كل روح مكلفة بالمراقبة والمحاسبة ، وليس هناك كلام عن المرأة والرجل .
( ولتنظر نفس ما قدمت لغد ) (18) .
في هذه الآية ليس الكلام في أن يكون الرجل مراقباً ، أو يكون أهل محاسبة ، بل كل نفس يجب ان تكون رقبية ، أو حسيبة لنفسها ، وطريق التهذيب ( وهو طريق المراقبة وطريق المحاسبة ) يتعلق بالنفس الإنسانية . لا بالمذكر ولا بالمؤنث .
الإنسان حامل الأمانة :
الأمثلة العلمية التي ذكرت تشير إلى أن الإنسان يستطيع ان يقوم بالعمل الذي تعجز عنه الجبال والأرض والسماوات . والآية الأخيرة في سورة الأحزاب تفهم هذا المعنى .
( إنا عرضنا الأمانة على السموات والأرض والجبال فأبين ان يحملنها واشفقن منها ) (19) .
وأما قوله : ( وحملها الإنسان ) الإنسان ، لا يختص بالمذكر والمؤنث ، ولأن الإنسان الذي تشرحه المعارف العليمة في تلك ، الآيات ، دخل إلى هذا المقام المنيع ، لذا في نهاية سورة الأحزاب وصل إلى هذا المقام الرسمي ، واستطاع بتلك الرساميل وحمل ثقل القرآن والولاية ، والمعرفة والدين وأمثالها ، ولم يكن ليحمل هذه الأمانة الثقيلة ولا يحملها ويكون مصداق ( مثل الذين حملوا التوراة ثم لم يحملوها ) (20) ، بل يحمل بإرادته ، لذا لم يقل حمّل عليها ، ولم يحمل ، بل قال : ( وحملها الإنسان ) .
وعليه فان هذا الإنسان الحامل لثقل الأمانة هو أوزن وأثقل من كل كائن مادي ، وفي هذا القسم ليس هناك كلام عن المذكر والمؤنث أيضاً .
ثم نصل إلى مرحلة أعلى من هذه ، وهي أن الإنسان إذ سار حاملاً رأسمال أخذ الميثاق حسب آية سورة الأعراف وحاملاً رأسمال الفطرة ، حسب آية سورة الروم ، ولديه رأسمال الإلهام حسب سورة والشمس ، وبإداء وظيفة المحاسبة والمراقبة الرسمية حسب سورة الحشر ، عند ذلك سوف يحصل على قدرة ترفع هذا الثقل ويعبر السماوات والأرض ، وإذا رفع هذا الإنسان الحمل الالهي عند ذلك لا يكون في الارض ، ولا في السماء.
وحين يخرج من حدود هذا النظام الدنيوي ، عند ذلك لا يكون الكلام على الرجل ولا المرأة ، الكلام فقط عن إنسانية الإنسان ، ويتضح من قوله : إن الجبال عاجزة عن حمل هذه الأمانة ، أو قوله إن السماوات عاجزة عن حملها ، وأن الإنسان هو الذي يحملها ، ان الإنسان يعبر هذا السقف المقرنس ، ويصل إلى درجة ليست في متناول السماء والأرض أيضاً .
المصادر:
1- سورة الأعراف ، الآية : 22 .
2- سورة الأعراف ، الآية : 21 .
3- سورة ص ، الآية : 82 .
4- سورة طه ، الآية : 120 .
5- سورة الأعراف ، الآية : 20 .
6- سورة البقرة ، الآية : 35 .
7- سورة الأعراف ، الآية : 22 .
8- سورة البقرة ، الآية : 36 .
9- سورة طه ، الآية : 123 .
10- سورة البقرة ، الآية : 36 .
11- سورة النساء ، الآية : 76 .
12- سورة الأعراف ، الآية : 179 .
13- سورة الفجر ، الآيتين : 27 ـ 28 .
14- سورة الأعراف ، الآية : 172 .
15- سورة الروم ، الآية : 30 .
16- سورة الشمس ، الآيتين : 7 ـ 8 .
17- سورة النحل ، الآية : 78 .
18- سورة الحشر ، الآية : 18 .
19- سورة الاحزاب ، الآية : 72
20- سورة الجمعة ، الآية : 5 .

0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخر المقالات

الشعائر الحسينية
الإمام الباقر ( عليه السلام ) مع نافع مولى عمر
حبيب بن مظاهر الاسدي ومكانته عند الحسين (ع)
الهيـبَة في خِـلافَة عُـثمان
الإمام السجاد (عليه السلام) ومحمّد بن الحنفية
زياد ابن أبيه.. أحد رمـــوز الإرهاب الأموي
الأجل والأجل المسمى
مناشدة الإمام علي (ع) يوم الشورى
أو الافطحية وهم الذين يقولون بانتقال الامامة من ...
من خير الناس بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله ...

 
user comment