ما كان للشيخ نصير الدين الطوسي من دور نشر المذهب الشيعي ، ودعمه بالأدلّة والبراهين ، ولاسيّما بتأليفه كتاب تجريد الإعتقاد ، هذا الكتاب الذي أصبح من المتون الأصلية والأوليّة في الحوزات العلميّة كلّها ، وكان يدرّس وما زال هذا الكتاب يدرّس في بعض الحوزات العلميّة ، ولذا كثرت عليه الشروح والحواشي من علماء الشيعة والسنّة ، وحتّى أنّ كتاب المواقف للقاضي الإيجي ، وكتاب المقاصد للسعد التفتازاني ، هذان الكتابان أيضاً إنّما أُلّفا نظراً إلى ما ذكره الخواجه نصير الدين في كتاب التجريد ، ويحاولون أن يردّوا عليه آراءه وأفكاره ، ولربّما يذكرون اسمه بصراحة ، وقد عثرنا على مورد في إحدى تلك الكتب حيث جاء التصريح باسم الشيخ نصير الدين الطوسي مع التهجّم عليه والسب له ، وهو كتاب شرح المقاصد.
وأمّا ابن تيميّة ، فإنّما يتعرّض للخواجة نصير الدين الطوسي بمناسبة أنّ العلاّمة الحلّي ـ تلميذ الخواجة ـ ينقل عن أُستاذه استدلالاً لدعم المذهب الشيعي وإثبات عقيدة الإماميّة ، على أساس حديثين صحيحين واردين في كتب الفريقين.
ينقل العلاّمة رحمهالله عن أُستاذه أنّه سئل عن المذهب الحقّ بعد رسول الله ، فأجاب بأنّ رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم قد أخبر في الحديث المتفق عليه بأنّ الاُمّة ستفترق من بعده على ثلاث وسبعين فرقة ، وهذا الحديث متّفق عليه.
قال : فمع كثرة هذه الفرق قال رسول الله : فرقة ناجية والباقي في النار.
ثمّ إنّ رسول الله عيّن تلك الفرقة الناجية بقوله : « إنّما مثل أهل بيتي كمثل سفينة نوح من ركبها نجا ».
وهذا الإستدلال لا يمكن لاحد أن يناقش فيه ، لا في الحديث الأول ، ولا في الحديث الثاني ، ولا في النتيجة المترتبة على هذين الحديثين.
وحينئذ نرى ابن تيميّة العاجز عن إظهار أيّ مناقشة وإبداء أيّ إيراد علمي في مقابل هذا الإستدلال ، نراه يتهجّم على الشيخ نصير الدين ، ويسبّه بما لا يتفوّه به مسلم بالنسبة الى فرد عادي من أفراد الناس.
ولا بأس بأن أقرأ لكم نصّ ما قاله ابن تيميّة في الشيخ نصير الدين الطوسي :
نص ما قاله ابن تيميّة :
يقول ابن تيمية : هذا الرجل قد اشتهر عند الخاص والعام أنّه كان وزيراً الملاحدة الباطنية الإسماعيليّة في الألموت ، ثمّ لمّا قدم الترك المشركون إلى بلاد المسلمين ، وجاؤوا إلى بغداد دار الخلافة ، كان هذا منجّماً مشيراً لملك الترك المشركين هولاكو ، أشار عليه بقتل الخليفة وقتل أهل العلم والدين ، واستبقاء أهل الصناعات والتجارات الذين ينفعونه في الدنيا ، وأنّه استولى على الوقف الذي للمسلمين ، وكان يعطي منه ما شاء الله لعلماء المشركين وشيوخهم من البخشية السحرة وأمثالهم.
وأنّه لمّا بنى الرصد الذي بمراغة على طريقة الصابئة المشركين ، كان أبخس الناس نصيباً منه من كان إلى أهل الملل أقرب ، وأوفرهم نصيباً من كان أبعدهم عن الملل ، مثل الصابئة المشركين ومثل المعطلة وسائر المشركين.
ومن المشهور عنه وعن أتباعه الإستهتار بواجبات الإسلام ومحرّماته ، لا يحافظون على الفرائض كالصلوات ، ولا ينزعون عن محارم الله من الفواحش والخمر وغير ذلك من المنكرات ، حتّى أنّهم في شهر رمضان يذكر منهم من إضاعة الصلوات وارتكاب الفواحش وشرب الخمور ما يعرفه أهل الخبرة بهم.
ولم يكن لهم قوّة وظهور إلاّ مع المشركين الذين دينهم شرّ من دين اليهود والنصارى ، ولهذا كان كلّما قوي الإسلام في المغل وغيرهم من الترك ضعف أمر هؤلاء ، لغرض معاداتهم للإسلام وأهله ...
وبالجملة فأمر هذا الطوسي وأتباعه عند المسلمين أشهر وأعرف من أن يعرّف ويوصف.
ومع هذا فقد قيل : إنّه في آخر عمره يحافظ على الصلوات الخمس ، ويشتغل بتفسير البغوي وبالفقه ونحو ذلك ، فإن كان قد تاب من الإلحاد ، فالله يقبل التوبة عن عباده ويعفو عن السيّئات ، والله تعالى يقول : ( يَا عِبَادِي الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لاَ تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللهِ إنَّ اللهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً ) (١).
لكنّ ما ذكره هذا ، إن كان قبل التوبة لم يقبل قوله ، وإن كان بعد التوبة لم يكن قد تاب من الرفض ، بل من الإلحاد وحده ، وعلى التقديرين فلا يقبل قوله.
والأظهر أنّه إنّما كان يجتمع به وبأمثاله لمّا كان منجّماً للمغل المشركين ، والالحاد معروف من حاله إذ ذاك ، فمن يقدح في مثل أبي بكر وعمر وعثمان وغيرهم من السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار ، ويطعن على مثل مالك والشافعي وأبي حنيفة وأحمد بن حنبل وأتباعهم ويعيّرهم بغلطات بعضهم في مثل إباحة الشطرنج والغناء ، كيف يليق به أن يحتجّ لمذهبه بقول مثل هؤلاء الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ، ولا يحرّمون ما حرّم الله ورسوله ، ولا يدينون دين الحق ، من الذين أُوتوا الكتاب حتّى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون ، ويستحلّون المحرّمات المجمع على تحريمها ، كالفواحش والخمر في شهر رمضان ، الذين أضاعوا الصلاة واتّبعوا الشهوات وخرقوا سياج الشرائع ، واستخفوا بمحرّمات الدين ، وسلكوا غير طريق المؤمنين ...
لكن هذا حال الرافضة دائماً يعادون أولياء الله المتقين ، من السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار والذين اتّبعوهم بإحسان ، ويوالون الكفّار والمنافقين ... إلى آخر كلامه (2).
هذا جوابه على استدلال العلاّمة بكلام أُستاذه ، الإستدلال الذي ذكرناه ، لأن الإستدلال قوائمه حديث متفق عليه : هو « ستفرق أمّتي » وحديث آخر أيضاً متّفق عليه ، الحديث الثاني يقول : لا نجاة إلاّ بركوب سفينة أهل البيت ، والنتيجة واضحة.
وهذا جواب ابن تيميّة على هذا الإستدلال !!
لكن علينا أن نبحث عن أصل المسألة التي طلبتم البحث عنها في هذه اللّيلة.
الرجوع في قضية سقوط بغداد إلى مَن شهد الواقعة
في مثل هذه القضيّة ، وهي قضيّة واقعة في القرن السابع ، وفي أواسط هذا القرن ، لابدّ وأنْ نرجع إلى من شهد تلك الواقعة وكان حاضراً فيها ويخبر عنها ، وأيضاً إلى المؤرّخين قريبي العهد من تلك الحادثة ، لا أقول نرجع إلى المؤرّخين الشيعة حتّى يقال بأنّ الشيعة يحاولون أن يبرّئوا ساحة علمائهم وكبرائهم من أيّ شيء يطعن فيهم به ، وإنّما أقول نرجع إلى المؤرّخين من أهل السنّة أنفسهم.
الرجوع إلى ابن الفوطي :
لعلّ خير كتاب يمكننا الرجوع إليه بالدرجة الأولى كتاب الحوادث الجامعة ، وهو تأليف العلاّمة ابن الفوطي.
أذكر لكم باختصار عن بعض المصادر المعتبرة ترجمة ابن الفوطي الحنبلي البغدادي المتوفى سنة ٧٢٣ ه :
ترجم له الذهبي قائلاً : ابن الفوطي العالم البارع المتفنّن المحدّث المفيد ، مؤرخ الافاق ، مفخر أهل العراق ، كمال الدين أبو الفضائل عبد الرزاق بن أحمد بن محمّد بن أبي المعالي الشيباني ابن الفوطي ، مولده في المحرّم سنة ٦٤٢ ببغداد ، وأُسر في الوقعة وهو حَدَث ـ أُسر في الوقعة : وقعة بغداد ـ ثمّ صار إلى أُستاذه ومعلّمه خواجة نصير الدين الطوسي في سنة ٦٦٠ ، فأخذ منه علوم الأوائل ، ومهر على غيره في الأدب ، ومهر في التاريخ والشعر وأيام الناس ، وله النظم والنثر ، والباع الأطول في ترصيع تراجم الناس ، وله ذكاء مفرط ، وخط منسوب رشيق ، وفضائل كثيرة ، سمع الكثير ، وعني بهذا الشأن (3).
ويعبّر عنه صاحب فوات الوفيات ابن شاكر الكتبي ، عندما يعنونه يعبّر عنه ب : الشيخ الإمام المحدّث المؤرّخ الأخباري الفيلسوف (4).
وأمّا ابن كثير ، فيذكر ابن الفوطي في تاريخه قائلاً : الإمام المؤرّخ كمال الدين ابن الفوطي أبوالفضل عبد الرزاق ، ولد سنة
٦٤٢ ببغداد ، وأُسر في واقعة التتار ، ثمّ تخلّص من الأسر ، فكان مشرفاً على الكتب بالمستنصريّة ، وقد صنّف تأريخاً في خمس وخمسين مجلّداً ، وآخر ـ أي كتاباً آخر ـ في نحو عشرين ، وله مصنّفات كثيرة ، وشعر حسن ، وقد سمع الحديث من محي الدين ابن الجوزي ، وتوفي في ثالث المحرّم في السنة التي ذكرناها (5).
فهذا العالم المؤرّخ ، الذي شاهد القضيّة ، وحضرها ، وأُسر فيها ، وهو إمام مؤرّخ معتمد ، يذكره علماء أهل السنّة بالثناء الجميل ، ويذكرون كتبه في التاريخ ، هذا الرجل له كتاب الحوادث الجامعة ، في هذا الكتاب يتعرّض لقضيّة سقوط بغداد على يد هولاكو ، وليس لخواجة نصير الدين اسم في هذه القضيّة ولا ذكر أبداً ، يذكرون أنّه قد ألّف كتابه هذا بعد الواقعة بسنة واحدة ، أي أنّ سنة ٦٥٧ تاريخ تأليف كتاب الحوادث الجامعة.
الرجوع إلى ابن الطقطقي :
ثمّ بعد ابن الفوطي ، نرى ابن الطقطقي المولود سنة ٦٦٠ والمتوفّى سنة ٧٠٩ ، هذا صاحب كتاب الفخري في الآداب السلطانيّة والدول الإسلاميّة ، يروي الحوادث ، حوادث بغداد ، بواسطة واحدة فقط ، ولا ذكر في هذا الكتاب حيث يذكر الحوادث لخواجة نصير الدين في القضيّة أصلاً ، لا من قريب ولا من بعيد.
نعم يذكر اسم الخواجة مرّةً واحدةً ، حيث يبيّن دخول ابن العلقمي على هولاكو.
ابن العلقمي كان وزير المستعصم العباسي ، أصبح بعد المستعصم العباسي من الشخصيّات المرموقة في بغداد ، وينسب إليه أيضاً من قبل بعض كتّاب السنّة ـ السابقين واللاّحقين ـ أنّ له يداً في سقوط بغداد ، لكن بحثنا الآن في خواجة نصير الدين وليس في ابن العلقمي ، وبإمكانكم أن ترجعوا إلى كتاب أعيان الشيعة للسيّد الامين العاملي رحمهالله يذكر هناك ما يقال عن ابن العلقمي وبراءة ساحة هذا الرجل أيضاً.
ففي كتاب الفخري في الآداب السلطانيّة يذكر الشيخ نصير الدين الطوسي مرّةً واحدةً بمناسبة أنّ الشيخ نصير الدين كان واسطة في دخول هذا الوزير ، أي ابن العلقمي على هولاكو ، يقول : وكان الذي تولّى ترتيبه في الحضرة السلطانيّة الوزير السعيد
نصير الدين محمّد الطوسي قدّس الله روحه (6).
الرجوع إلى أبي الفداء :
ثمّ ننتقل إلى تاريخ أبي الفداء ، المولود سنة ٦٧٢ والمتوفى سنة ٧٣٢ ، وهذا قريب العهد بالواقعة ، لأن الواقعة كانت سنة ٦٥٦ ، وهذا مولود في سنة ٦٧٢ ، أي بعد سنوات قليلة ، ومتوفى في سنة ٧٣٢.
فنراه يذكر قضيّة فتح بغداد ، واستيلاء المشركين والتتر على بغداد ، وانقراض الحكومة العبّاسيّة ، يقول : في أوّل هذه السنة ـ سنة ٦٥٦ ـ قصد هولاكو ملك التتر بغداد ، وملكها في العشرين من المحرّم ، وقتل الخليفة المستعصم بالله ، وسبب ذلك أنّ وزير الخليفة مؤيّد الدين ابن العلقمي كان رافضيّاً ، وكان أهل الكرخ أيضاً روافض ، فجرت فتنة بين السنّيّة والشيعة ببغداد على جاري عادتهم.
[ دائماً هذه الفتن كانت موجودة في بغداد بين الشيعة والسنّة ، منذ زمن الشيخ المفيد والشيخ الطوسي ، وفي بعض هذه الفتن هاجر الشيخ الطوسي من بغداد إلى النجف الأشرف وأسّس الحوزة العلميّة ، لذلك يقول : على جاري عادتهم ، أي هذا شيء معتاد بينهم ، محلّة الكرخ والمحلّة التي تقابلها ، هؤلاء شيعة وأُولئك أهل سنّة ، جرت فتنة ].
فأمر أبوبكر ابن الخليفة وركن الدين الدوادار [ هذا رئيس العسكر ] العسكر ، فنهبوا الكرخ ، وهتكوا النساء ، وركبوا منهنّ الفواحش.
فعظم ذلك على الوزير ابن العلقمي ، وكاتب التتر وأطمعهم في ملك بغداد ، وكان عسكر بغداد يبلغ مائة ألف فارس ، فقطّعهم المستعصم ليحمل إلى التتر متحصل اقطاعاتهم ، وصار عسكر بغداد دون عشرين ألف فارس ، وأرسل ابن العلقمي إلى التتر أخاه يستدعيهم ، فساروا قاصدين بغداد في جحفل عظيم ، وخرج عسكر الخليفة لقتالهم ومقدّمهم ركن الدين الدوادار ، والتقوا على مرحلتين من بغداد ، واقتتلوا قتالاً شديداً ، فانهزم عسكر الخليفة ، ودخل بعضهم بغداد وسار بعضهم إلى جهة الشام.
ونزل هولاكو على بغداد من الجانب الشرقي ، ونزل باجو ـ وهو مقدّم كبير ـ في الجانب الغربي ، على قرية قبالة دار الخلافة ، وخرج مؤيد الدين الوزير ابن العلقمي إلى هولاكو ، فتوثّق منه لنفسه ، وعاد إلى الخليفة المستعصم وقال : إنّ هولاكو يبقيك في الخلافة كما فعل بسلطان الروم ، فخرج إليه المستعصم في جمع من أكابر أصحابه ، وأنزل في خيمته ، ثمّ استدعى الوزير الفقهاء والأماثل ، فاجتمع هناك جميع سادات بغداد والمدرّسون ، وكان منهم محي الدين ابن الجوزي وأولاده ، وكذلك بقي يخرج إلى التتر طائفة بعد طائفة ، فلمّا تكاملوا قتلهم التتر عن آخرهم ، ثمّ مدّوا الجسر وعدا باجو ومن معه ، وبذلوا السيف في بغداد ، وهجموا على دار الخلافة وقتلوا كلّ من كان فيها من الأشراف ، ولم يسلم إلاّ من كان صغيراً ، فأُخذ أسيراً ، ودام القتل والنهب في بغداد نحو أربعين يوماً ، ثمّ نودي بالأمان.
أمّا الخليفة فإنّهم قتلوه ، ولم يقع الاطّلاع على كيفيّة قتله ، فقيل خنق ، وقيل وضع في عدل ورفسوه حتّى مات ، وقيل غرق في دجلة ، والله أعلم بحقيقة ذلك ، وكان المستعصم ضعيف الرأي ، قد غلب عليه أُمراء دولته لسوء تدبيره ، وهو آخر الخلفاء العبّاسيّين (7).
ولا ذكر لخواجه نصير الدين الطوسي أبداً ، وأمّا ما ذكر عن ابن العلقمي ففيه نظر ، فلابدّ وأنْ يحقّق عنه.
الرجوع إلى الذهبي :
وأمّا الذهبي ، الذهبي هو تلميذ ابن تيميّة وإنْ كان يخالفه في بعض الآراء ، إلاّ أنّه تلميذه ، وقد لخّص كتاب منهاج السنّة أيضاً ، فمن مؤلفات الذهبي منهاج الإعتدال وهو تلخيص منهاج السنّة.
يقول الذهبي في حوادث سنة ٦٥٦ : كان المؤيد ابن العلقمي قد كاتب التتر ، وحرّضهم على قصد بغداد ، لأجل ما جرى على إخوانه الرافضة من النهب والخزي.
فذكر الواقعة كما تقدّم عن أبي الفداء ، وليس فيها ذكر لنصير الدين الطوسي أصلاً (8).
الرجوع إلى ابن شاكر الكتبي :
وصاحب فوات الوفيات ابن شاكر الكتبي المولود سنة ٦٨٦ ، أي بعد الواقعة بثلاثين سنة ، والمتوفى سنة ٧٦٤ ، يترجم الخليفة العبّاسي ويترجم نصير الدين الطوسي كليهما في كتابه ، ولا يذكرشيئاً من دخل الخواجة في حوادث بغداد أبداً ، وبترجمة الخليفة يقول :
كان متيناً متمسّكاً بمذهب أهل السنّة والجماعة على ما كان عليه والده وجدّه ، ولم يكن على ما كانوا عليه من التيقّظ والهمّة ، بل كان قليل المعرفة والتدبير والتيقّظ ، نازل الهمّة ، محبّاً للمال ، مهملاً للاُمور ، يتّكل فيها على غيره ، ولو لم يكن فيه إلاّ ما فعله مع الملك الناصر داود في الوديعة لكفاه ذلك عاراً وشناراً ، والله لو كان الناصر من الشعراء ، وقد قصده وتردّد عليه على بعد المسافة ومدحه بعدّة قصائد ، كان يتعيّن عليه أن ينعم عليه بقريب من قيمة وديعته من ماله ، فقد كان في أجداد المستعصم بالله من استفاد منه آحاد الشعراء أكثر من ذلك.
[ كأنّما كانت عنده وديعة لشخص ، وهذه الوديعة تصرّف فيها ولم يرجعها إلى صاحبها ، يذكر هذه القضيّة ، إلى غير ذلك من الاُمور التي كانت تصدر عنه ، ممّا لا يناسب منصب الخلافة ، ولم يتخلّق بها الخلفاء قبله ].
فكانت هذه الأسباب كلّها مقدّمات لما أراد الله تعالى بالخليفة والعراق وأهله ، وإذا أراد الله تعالى أمراً هيّأ أسبابه.
[ ولم يذكر سائر أعمال هذا الخليفة وأسلاف هذا الخليفة ، من الخلاعة والمجون والإستهتار بالدين والسكر وشرب الخمر ومجالس اللهو واللعب ، وإلى آخره ، كلّ ذلك أسباب لإنقراض الحكومة أيّ حكومة تكون ].
قال : واختلفوا كيف كان قتله ، قيل : إنّ هولاكو لمّا ملك بغداد أمر بخنقه ، وقيل رفس إلى أن مات ، وقيل كذا إلى آخره والله أعلم بحقيقة الحال. وكانت واقعة بغداد وقتل الخليفة من أعظم الوقائع (9).
ولم يذكر شيئاً يتعلّق بالخواجة نصير الدين الطوسي أبداً.
الرجوع إلى الصفدي :
وإذا راجعتم كتاب الوافي بالوفيات للصفدي ، هذا الرجل مولود في سنة ٦٩٦ أي بعد أربعين سنة من الواقعة ، ومتوفى في سنة ٧٦٤.
يقول بترجمة الخليفة : كان حليماً كريماً ، سليم الباطن ، حسن الديانة ، متمسّكاً بالسنّة ، ولكنّه لم يكن كما كان عليه أبوه وجدّه ، وكان الدوادار والشرابي لهم الارض ، جاء هولاكو البلاد في نحو
مائتين ألف فارس ، وطلب الخليفة وحده فطلع ومع القضاة والمدرّسون والأعيان نحو سبعمائة نفس ، فلمّا وصلوا إلى الحريبة جاء الأمر بحضور الخليفة وحده ، ومعه سبعة عشر نفساً ، فساقوا مع الخليفة وأنزلوا من بقي من خيلهم وضربوا رقابهم ، ووقع السيف في بغداد ، وعمل القتل أربعين يوماً ، وأنزلوا الخليفة في خيمة وحده والسبعة عشر في خيمة أخرى ، ثمّ إنّ هولاكو أحضر الخليفة وجرت له معه ومع ابنه أبي بكر محاورات وأخرجا ورفسوهما إلى أنْ ماتا ، وعفّي أثرهما (10).
الرجوع إلى ابن خلدون :
ننتقل إلى ابن خلدون ، ابن خلدون متولّد في سنة ٧٣٢ ، ووفاته سنة ٨٠٨ ، يذكر في تاريخه خبر المستعصم آخر ملوك بني العبّاس ببغداد ، فلم يصف الخليفة بما وصفه به غيره من الصفات الدنيئة الموجبة للعار والشنار ، والمسببة لما وقع به وبأهل بغداد ، بل وصفه بقوله : كان فقيهاً محدّثاً ... ثمّ ذكر ما كان من السنّة ضدّ الشيعة في الكرخ بأمر من الخليفة وابنه أبي بكر وركن الدين الدوادار ، ثمّ ذكر زحف هولاكو إلى العراق ودخول بغداد وقتل الخليفة وغيره.
وليس في شيء ممّا ذكر ذكراً لنصير الدين الطوسي أبداً ، فلاحظوا تاريخه (11).
الرجوع إلى السيوطي :
وذكر جلال الدين السيوطي في تاريخه تاريخ الخلفاء ، السيوطي وفاته سنة ٩١١ ، ذكر أخبار التتر ، وورودهم إلى بغداد ، وقتل الخليفة وغير ذلك ، في صفحات كثيرة ، وليس فيها ذكراً لنصير الدين الطوسي أبداً (12).
فأين ما ذكره ابن تيميّة حول نصير الدين الطوسي رحمهالله فيما يتعلّق بقضيّة بغداد.
الرجوع إلى أصحاب ابن تيمية :
حينئذ ننتقل إلى أصحاب ابن تيميّة والمقرّبين منه ، وهم ثلاثة : الذهبي ، وابن كثير ، وابن القيّم.
الذهبي ذكرنا عبارته ، ووجدناه لا يشير لا من قريب ولا من بعيد إلى ما ذكره ابن تيميّة ، وكذا بترجمة المستعصم إذا راجعتم سير أعلام النبلاء حيث ذكر الواقعة ناقلاً شرحها عن جمال الدين سليمان بن رطنين الحنبلي ، والظهير الكازروني ، وغيرهما ، وليس في ذلك ذكراً لنصير الدين الطوسي أبداً (13).
أمّا ابن كثير ، ابن كثير ولادته سنة ٧٠٠ أي بعد الواقعة حدود الخمسين سنة ووفاته سنة ٧٧٤ ، ترجم لنصير الدين الطوسي ، ولم ينسبه إلى شيء أو لم ينسب شيئاً ممّا ذكر ابن تيميّة إلى الخواجة نصير الدين ، من الإخلال بالصلوات وشرب الخمر وارتكاب الفواحش ، لم يذكر شيئاً من هذه أبداً ، وإنّما ذكر ما نسب إليه من الاشارة على هولاكو بقتل الخليفة ، بعبارة ظاهرة جدّاً في التشكيك في ذلك ، وإليكم نصّ ما قاله ابن كثير في تاريخه في هذه القضية :
يقول : ومن الناس من يزعم أنّه ـ الخواجه نصير الدين ـ أشار على هولاكو خان بقتل الخليفة ، فالله أعلم.
لا يقول أكثر من هذا ، ومن الناس من يزعم ، والله أعلم.
ولا بدّ وأنّه يقصد من الناس ابن تيميّة.
ثمّ يقول بعد أن يذكر ذلك عن بعض الناس : وعندي أنّ هذا لا يصدر من عاقل ولا فاضل ، وقد ذكره بعض البغاددة [ أي أهالي بغداد ] فأثنى عليه وقال : كان عاقلاً فاضلاً كريم الأخلاق ، ودفن في مشهد موسى بن جعفر ، في سرداب كان قد أُعدّ للخليفة الناصر لدين الله (14).
وهذا من جملة المواضع التي لا يوافق فيها ابن كثير شيخه ابن تيميّة.
يبقى ابن قيّم الجوزيّة ، ابن قيّم الجوزيّة لم يتبع ابن تيميّة فقط ، بل زاد على ما قال شيخه أشياء أُخرى أيضاً ، لاحظوا عبارته بالنص عندما يذكر نصير الدين الطوسي يقول :
نصير الشرك والكفر والالحاد ، وزير الملاحدة النصير الطوسي ، وزير هولاكو ، شفى نفسه من أتباع الرسول وأهل دينه ، فعرضهم على السيف حتّى شفى إخوانه من الملاحدة واشتفى هو ، فقتل الخليفة المستعصم والقضاة والفقهاء والمحدّثين.
[ كلمة « المحدثين » مادام هي بالنصب ، لابدّ أنْ تقرأ الكلمة : قَتَلَ ، أي قتل نصير الدين المستعصمَ والقضاةَ والفقهاء والمحدّثين.
اللّهمّ إلاّ أنْ نرجع الضمير إلى هولاكو ، لكن بأمر الخواجة نصير الدين ].
واستبقى الفلاسفة والمنجّمين والطبايعيين والسحرة ، ونقل أوقاف المدارس والمساجد والربط إليهم ، وجعلهم خاصته وأولياءه ، ونصَرَ في كتبه قدم العالم وبطلان المعاد وإنكار صفات الربّ جلّ جلاله من علمه وقدرته وحياته وسمعه وبصره ، واتّخذ للملاحدة مدارس ، ورام جعل إشارات إمام الملحدين ابن سينا مكان القرآن ، فلم يقدر على ذلك فقال : هي قرآن الخواص وذلك قرآن العوام ، ورام تغيير الصلاة وجعلها صلاتين ، فلم يتم له الأمر ، وتعلّم السحر في آخر الأمر فكان ساحراً يعبد الأصنام ، انتهى.
ابن تيميّة قال : في آخر الأمر تاب نصير الدين الطوسي ، قرأنا عبارته في أنّه في آخر الأمر تاب نصير الدين الطوسي وكان يصلّي وتعلّم الفقه وقرأ تفسير البغوي في آخر عمره.
وهذا يقول : تعلّم السحر في آخر الأمر ، فكان ساحراً يعبد الأصنام !!
وإلى هنا تبيّن أنّ ما ينسب سابقاً ولاحقاً إلى الخواجة نصير الدين الطوسي ليس له سبب ، سوى أنّ هذا الرجل العظيم استفاد من تلك الظروف لِصالح هذا المذهب المظلوم ، وتمكّن من تأليف كتابه تجريد الإعتقاد ، وأصبح هذا الكتاب هو الكتاب الذي يدرّس في الأوساط العلميّة ، وطرحت أفكار الإماميّة في الأوساط العلميّة ، بعد أن لم تكن لأفكار هذه الطائفة أيّة فرصة ، ولم يكن لآراء هذه الطائفة أيّ مجال لأن يذكر شيء منها في المدارس العلميّة والأوساط العلميّة ، حينئذ أصبح الآخرون عيالاً على الخواجة نصير الدين الطوسي في علم الكلام والعقائد ، وبتبع كتاب التجريد أُلّفت كتبهم في العقائد ، وهذا ممّا يغتاظ منه القوم ، فهذا كان هو السبب العمدة لأن ينسب ما سمعتم إلى هذا الرجل العظيم.
وقد ثبت أنّ كلّ ما ينسب إليه باطل ، ولا أساس له من الصحّة ، إستناداً إلى كلمات المؤرّخين من أهل السنّة أنفسهم ، من ابن الفوطي الذي عاصر القضيّة وكان من الأسرى في الواقعة ، ثمّ ابن الطقطقي ، ثمّ ابن كثير ، ثمّ الذهبي ، والصفدي ، وابن شاكر الكتبي ، وغيرهم ، وهؤلاء كلّهم من أهل السنّة ، وهكذا أبوالفداء ، ولم ننقل شيئاً لتبرئة ساحة هذا الشيخ العظيم عن أحد من علماء الشيعة.
الثناء على الشيخ نصير الدين الطوسي
والآن ، لا بأس أن أذكر لكم بعض النصوص في الثناء الجميل على هذا الشيخ العظيم من كتب القوم.
لاحظوا عبارة ابن كثير يقول : النصير الطوسي محمّد بن عبدالله [ لكن والده محمّد فهو محمّد بن محمّد ] كان يقال له المولى نصير الدين ، ويقال الخواجة نصير الدين ، اشتغل في شبيبته ، وحصّل علم الأوائل جيّداً ، وصنّف في ذلك في علم الكلام ، وشرح الإشارات لابن سينا ، ووزر لأصحاب قلاع الألموت من الإسماعيليّة ، ثمّ وزر لهولاكو ، وكان معهم في واقعة بغداد ، ومن الناس من يزعم أنّه أشار على هولاكو بقتل الخليفة ، فالله أعلم ، وعندي أنّ هذا لا يصدر من عاقل ولا فاضل ... إلى آخر ما قرأناه سابقاً.
قال : وهو الذي كان قد بنى الرصد في مراغة ، ورتّب فيه الحكماء من الفلاسفة والمتكلّمين والفقهاء والمحدّثين والأطبّاء ، وغيرهم من الفضلاء ، وبنى له فيه قبّة عظيمة ، وجعل فيه كتباً كثيرةً جدّاً ، توفي في بغداد في الثاني عشر من ذي الحجة من هذه السنة ، وله خمس وسبعون سنة ، وله شعر جيّد قويّ ، وأصل اشتغاله على المعين سالم بن بدران بن علي المصري المعتزلي المتشيّع ، فنزع فيه حروب كثيرة منه حتّى أفسد اعتقاده.
هذا كلّه ذكره في ترجمة نصير الدين الطوسي ، وفيه الثناء الجميل على علمه ، إلاّ أنّه يعرّض به لأجل مذهبه (15).
وقال الذهبي في وفيات سنة ٦٧٢ : كبير الفلاسفة خواجة نصير الدين محمّد بن محمّد بن حسن الطوسي صاحب الرصد.
وقال أيضاً : خواجه نصير الدين الطوسي أبو عبدالله محمّد بن محمّد بن الحسن ، مات في ذي الحجّة ببغداد ، وقد نيّف على الثمانين ، وكان رأساً في علم الأوائل ، ذا منزلة من هولاكو (16).
وقال أبو الفداء : وفيها ـ أي في السنة المذكورة ـ في يوم الأثنين ١٨ ذي الحجة ، توفي الشيخ العلاّمة نصير الدين الطوسي ، واسمه محمّد بن محمّد الإمام المشهور ، وكان يخدم صاحب الألموت ، ثمّ خدم هولاكو ، وحظي عنده ، وعمل لهولاكورصداً بمراغة وزيجاً وله مصنفات عديدة كلّها نفيسة ، منها أقليدس يتضمّن اختلاط الأوضاع ، وكتاب المجسطي ، والتذكرة في الهيئة لم يصنّف في فنّها مثلها ، وشرح الإشارات ، وأجاب عن غالب إيرادات فخرالدين الرازي ، وكانت ولادته في الحادي عشر جمادى الأولى سنة سبع وتسعين وخمسمائة ، وكانت وفاته ببغداد ، ودفن في مشهد موسى الجواد (17).
[ يعني موسى والجواد « الواو » هذه لابدّ منها ].
وقال الصفدي : نصير الدين الطوسي محمّد بن محمّد بن الحسن نصير الدين الطوسي ، الفيلسوف ، صاحب علم الرياضي ، كان رأساً في علم الأوائل ، لا سيّما في الأرصاد والمجسطي ، فإنّه فاق الكبار ، قرأ على المعين سالم بن بدران المعتزلي الرافضي وغيره ، وكان ذا حرمة وافرة ومنزلة عالية عند هولاكو ، وكان يطيع على ما يشير عليه ، والأموال في تصريفه ، وابتنى بمراغة قبّة ورصداً عظيماً ، واتخذ في ذلك خزانة عظيمة ، فسيحة الأرجاء وملاها من الكتب التي نهبت من بغداد والشام والجزيرة ، حتّى تجمّع فيها زيادة على أربعمائة ألف مجلّد [ فأين تلك الكتب ] وأقرّ بالرصد المنجّمين والفلاسفة ، وجعل لهم الأوقاف ، وكان حسن الصورة ، سمحاً كريماً جواداً حليماً حسن العشرة غزير الفضل.
حكي أنّه لمّا أراد العمل بالرصد رأى هولاكو ما يقدم عليه ، فقال له : هذا العلم المتعلق بالنجوم ما فائدته ، أيدفع ما قدّر أن يكون ؟ فقال : أنا أضرب لك مثلاً ، يأمر القان من يطلع إلى هذا المكان ، ويرمي من أعلاه طشتاً نحاساً كبيراً من غير أن يعلم به أحد ، ففعل ذلك ، ولمّا وقع كان له وقعة عظيمة هائلة روّعت كلّ من هناك ، وكاد بعضهم يصعق ، فأمّا هو وهولاكو فإنّهما ما حصل لهما شيء لعلمهما بأنّ ذلك يقع ، فقال له : هذا العلم النجومي له هذه الفائدة ، يعلم المتحدّث فيه ما يحدث ، فلا يحصل له من الروعة ما يحصل للذاهل الغافل عنه ، فقال له : لا بأس بهذا ، وأمره بالشروع فيه ، إلى آخره.
ومن دهائه ما حكي : أنّه حصل لهولاكو غضب على علاء الدين الجويني صاحب الديوان ، فأمر بقتله ، فجاء أخوه إلى النصير وذكر له ، فقال النصير ... إلى آخره فسعى في خلاص هذا الشخص.
وممّا وقف له عليه أن ورقة حضرت إليه عن شخص من جملة ما فيها : يا كلب يابن الكلب ، فكان الجواب منه أمّا قوله : يا كلب ، فليس بصحيح ، لأنّ الكلب من ذوات الأربع وهو نابح طويل الأظفار ، وأمّا أنا فمنتصب القائمة بادي البشرة عريض الأظفار ناطق ضاحك ، فهذه الفصول والخواص غير تلك الفصول والخواص ، وأطال في نقض كل ما قاله ذلك القائل.
هكذا ردّ عليه بحسن طوية وتأن غير منزعج ، ولم يقل في الجواب كلمة قبيحة.
ثمّ ذكر تصانيفه ، ثمّ ذكر بعض القضايا الاُخرى (18).
ولا أُريد أن أُطيل عليكم بقراءة كلّ ما في كتاب الوافي بالوفيات.
ولاحظوا هذه العبارة من كلامه ، أقرؤها عليكم ، يقول : وكان للمسلمين به نفع خصوصاً الشيعة والعلويين والحكماء وغيرهم ، وكان يبرّهم ويقضي أشغالهم ويحمي أوقاتهم ، وكان مع هذا كلّه فيه تواضع وحسن ملتقى ، وكان نصير قدم من مراغة إلى بغداد ، ومعه كثير من تلامذته وأصحابه ، فأقام بها مدّة أشهر ومات ، ومولد النصير بطوس سنة كذا ووفاته سنة كذا ، وشيّعه صاحب الديوان والكبار ، وكانت جنازته حفلة ، ودفن في مشهد الكاظم.
وهل في هذا النص على طوله من نقص ، من طعن ؟! والوافي بالوفيات كتاب معتبر ، ومؤلّفه من أهل السنّة المعروفين المشهورين المعتمدين.
وأقرأ لكم ما جاء في فوات الوفيات يقول : الخواجة نصير الدين الطوسي محمّد بن محمّد بن الحسن نصير الدين ، كان رأساً في علم الأوائل ، لا سيّما في الارصاد والمجسطي ، وكان يطيعه هولاكو فيما يشير عليه ، والأموال في تصريفه.
[ هذه تقريباً عبارات الوافي بالوفيات وإلى أنْ يقول ] : وكان حسن الصورة سمحاً كريماً جواداً حليماً حسن العشرة غزير الفضائل جليل القدر داهية.
إلى أنْ ذكر تصانيفه وهي كثيرة جدّاً ، وذكر كلمات بعض العلماء في حقّه قال : ودفن في مشهد الكاظم رحمهالله.
وكذا تجدون الثناء عليه في النجوم الزاهرة (19).
وكذا غير هؤلاء من المؤلفين والمؤرخين.
فأين ما ذكره ابن تيميّة أو ما زاد عليه تلميذه ابن قيّم الجوزيّة ؟
والعمدة ما ذكرته لكم.
والعجيب أنّكم لو قرأتم كتب علمائنا في التراجم وسير العلماء وفي التواريخ ، لن تجدوا لفظة واحدة من هذه الألفاظ التي تصدر من بعض هؤلاء في حقّ علماء الشيعة ، لن تجدوا لفظةً منها فى حقّ علماء السنة ، فإن ذكروا شيئاً عن بعض علماء أهل السنّة ، فإنّما يذكرونه بأدب ومتانة ، فكيف وأن ينسبوا إلى أحد منهم ما ليس فيه ، وما لا يجوز نسبته إليه ، لاحظوا الكتب ، قارنوا بين كتبنا وكتبهم ، قارنوا بين أساليب علمائنا وأساليب شيخ إسلامهم ، لتعرفوا الحقّ وتكونوا من أتباع الحق.
المصادر :
1- سورة الزمر : ٥٣.
2- منهاج السنة ٣ / ٤٤٥ ـ ٤٥١.
3- تذكرة الحفاظ ٤ / ١٤٩٣.
4- فوات الوفيات ٢ / ٣١٩.
5- البداية والنهاية ١٤ / ١٠٦.
6- الفخري في الآداب السلطانية : ٣٣٨.
7- المختصر في أحوال البشر ٣ / ١٩٣ ـ ١٩٤.
8- العبر في خبر من غبر ٣ / ٢٧٧.
9- فوات الوفيات ٢ / ٢٣٠.
10- الوافي بالوفيات ١٧ / ٦٤١.
11- تاريخ ابن خلدون ٦ / ١١٠٤.
12- تاريخ الخلفاء : ٤٦٧ ـ ٤٧٧.
13- سير أعلام النبلاء ٢٣ / ١٨١.
14- البداية والنهاية ١٣ / ٢٦٧.
15- البداية والنهاية ١٣ / ٢٧٦.
16- العبر في خبر من غبر ٣ / ٣٢٦ ، دول الإسلام.
17- المختصر في أخبار البشر ٤ / ٨.
18- الوافي بالوفيات ١ / ١٧٩.
19- النجوم الزاهرة في ملوك نصر والقاهرة ٧ / ٢٤٥.