عربي
Tuesday 23rd of July 2024
0
نفر 0

القرامــــطة

القرامــــطة



القرامــــطة

 شبكة رافــد

التعريف :

 ـ حركة دينية سياسية ، تفرَّعت من المباركية ، إحدى فِرق الإسماعيلية . دُعيت بهذا الاسم نسبة إلى مؤسِّسها حمدان بن الأشعث ، الملقَّب بـ (قَرْمَط) ، في عهد الخليفة المعتضد العبَّاسي ، واتبعتْ تنظيماً سرِّياً دقيقاً . وكانوا في الأصل على مقالة المباركية ، ثُمّ خالفوهم ، وقالوا : لا يكون بعد محمد(صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) غير سبعة من الأئمَّة.

عوامل الظهور :

ـ ساعدت الأوضاع الفاسدة ، والتهالك ، والانحلال في جسم الدولة العباسية ، على نمو الحركات الثورية المعارضة ، ومنها : الحركة الإسماعيلية ـ القَرْمَطيَّة ، التي انتشرت بصورة عجيبة في المشرق الإسلامي ، وولَّدتْ انفجاراتٍ عسكرية ، أقضَّت مضاجع الخلافة العباسية ، وحرمتها لذيذ الرقاد.

ـ اعتمدت الفِرقة القَرْمَطيَّة على الجانب الإعلامي،  وبعث الدعاة إلى الأقاليم كـ : اليمن ، والحجاز ، والهند ، ومصر ، وبعلبك ، وواسط ، وسلمية ، وعُمان ، وخراسان . فاستطاعت بذلك جذب الأعداد الكبيرة ، من الموالين لها في تلك البلدان ، ألَّفوا فيما بعد القواعد الشعبية ، التي مكَّنتهم من تنظيم الجيوش والتوجُّه لنشر عقائدهم.

ـ تميَّزت الفِرقة القَرْمَطيَّة بالسرية التامة ، وتكتُّمها وإخفائها للحقائق التي تنطوي عليها ، والتستُّر على كبار قادتها ، حتى اخفوا شخصياتهم ، على المقرَّبين إليهم ، ممَّا مكَّنهم من النفوذ إلى الكثير من المجتمعات ، وتعليمهم مذهبهم من دون الكشف عن هويَّاتهم.

ـ اهتمام زعماء القَرَامِطة بكلّ ما يخدم طموحاتهم ، ومخططاتهم الثورية والاجتماعية ، بدرجة أنهم لم يعيروا اهتماماً للانتماء الاسمي، أو الديني أو البحث عن الرسالة، ومن هو الخليفة، أو ورثته أو المهدي المنتظر.

ـ اتخذت القيادة القَرْمَطيَّة التدابير المالية ، بفرض ضرائب متعدِّدة ؛ لتحصل على رصيد مادي ضخم ، يمكنها من تنفيذ مشاريعها وبرامجها ، فطرحت أنواعاً من الضرائب: كـ (ضريبة الفطرة) ، وهي درهم على الرجال والنساء والأولاد ، و(ضريبة الهجرة) ، وهي دينار عن كُلّ من أدرك الحنث ، و(ضريبة البلغة) ، وهي سبعة دنانير ، و(ضريبة الخمس) ، وهي خمس الأرباح السنوية . وأسَّست نظام الألفة ، وهي جمع الأموال في موضع واحد . كُلّ هذا مكَّنها لأن تبني كياناً اقتصادياً متيناً.

ـ إتّباع القَرَامِطة لنهج العنف ، وانحرافهم عن مسير الحركة الإسماعيلية ، وكانوا توّاقين بعنف إلى إمام مهدي منتظر، يسارع في إنقاذهم من الفوضى الاقتصادية ، والقلق النفسي ، فأصرّوا على أن يباشروا فوراً في إعلان دولة في بلاد الشام.

 النشأة والتطوُّر :

 ـ كان ابتداء أمر القَرَامِطة أنّ رجلاً قَدِم من ناحية الأهواز إلى سواد الكوفة ، يُظهر الزهد والتقشُّف ، وأقام على ذلك فترة . وكان إذا قعد إليه رجل ذاكره أمر الدين ، وزهدَّه في الدنيا... ثُمّ مرض ، فمكث على الطريق مطروحاً . وكان في القرية رجل أحمر العينين ، يحمل على أثوار له ، يُسمُّونه كرميته ، فحمل الكرميته المريض إلى منزله ، واعتنى به حتى بَرِئَ . ودعا أهل تلك الناحية إلى مذهبه ، فأجابوه . واتخذ منهم اثني عشر نقيباً ، أمرهم أن يدعوا الناس إلى مذهبهم ، وقال: ( انتم كحواري عيسى بن مريم (عليه السلام) ) .

فاشتغل أهل كور تلك الناحية عن أعمالهم بما رسم لهم من الصلوات ، وكان للهيصم ، في تلك الناحية ضياع ، فرأى تقصير الأكَرة في عمارتها ، فسأل عن ذلك ، فأخبر بخبر الرجل ، فأخذه وحبسه ، وأغلق باب البيت عليه ، وجعل مفتاح البيت تحت وسادته ، واشتغل بالشرب ، فرقّت إحدى الجواري للرجل ، وأطلقت سراحه ، من دون أن يعلم الهيصم ، وشاع ذلك في الناس ، فافتتن أهل الناحية وقالوا : رُفع ثُمّ ظهر في ناحية أخرى ، ولقي جماعة من أصحابه وغيرهم ، ثُمّ خرج إلى ناحية الشام.

وقيل غير ذلك : بأنّ حمدان هو الذي التقى بالرجل الداعي ـ أحد دعاة الباطنية ـ فالتزم حمدان سرّه ، ثُمّ اندفع الداعي في تعليمه فنون (؟) واستجاب له في جميع ما دعاه ، ثُمّ انتدب حمدان للدعوة ، وصار أصلاً من أصول هذه الدعوة ، فسُمِّى أتباعه : القَرَامِطة.

ـ وفي البحرين ظهر رجل من القَرَامِطة يُعرف بأبي سعيد الجنابي ، فاجتمع إليه جماعة من الأعراب ، وقوي أمره ، ثُمّ سار إلى القطيف . وفي سنة 287 هـ أغاروا على نواحي هَجَر ، وقرب بعضهم من نواحي البصرة.

ـ أسّسوا لهم موضعاً سمَّوه بـ (دار الهجرة) ، يهاجرون إليها ويجتمعون بها ، وبنوا حولها سوراً منيعاً عرضه ثمانية أذرع ، ومن ورائه خندق عظيم ، وانتقل إليها الرجال والنساء من كُلّ مكان ، وذلك سنة (277هـ) ، فلم يبق حينئذٍ أحدً إلاّ خافهم لقوَّتهم وتمكُّنهم في البلاد.

ـ في سنة (289 هـ) أحسَّت الخلافة العباسية بخطر القَرَامِطة ، وازدياد حشودهم ، فأمرت عاملها في سورية شبل الديلمي ، فألَّف جيشاً جرَّاراً وهاجم الجيوش القَرْمَطيَّة ، ولكنَّهم دحروا هذه القوّة بعد أن قتلوا عدداً كبيراً منها.

ـ تمكَّن الحسين بن زكرويه ، أبو مهزول ، الملقَّب بصاحب الخال ،  من تجهيز الجيوش ، وفتح الرِّقَّة وحلب ، وحماة ، وحمص ، ودمشق ، وسلمية ، وحقَّق الانتصارات الباهرة ، وخطب على المنابر وأيَّده أهلها.

ـ التبس على بعض كبار دعاة القَرَامِطة الأمر في أنّ إمامهم هو عبيد الله المهدي ، وكانوا لا يزالون يدينون بالولاء والطاعة للإمام محمد بن إسماعيل ، الذي بذر بذور الدعوة بينهم ، واعتبروه المهدي المنتظر . ولم تفلح الحجج والبراهين التي اعتمدها الدعاة في إقناعهم بأنّ الإمام عبيد الله المهدي ، بموجب النصّ الذي أودعه الإمام محمد بن إسماعيل في عقبه.

ويرجع هذا التعنُّت من بعض دعاة القَرَامِطة لانقطاعهم في البادية ، ولعدم احتكاكهم الدائم مع مركز الدعوة الإسماعيلية في سلمية ، وتتبُّعهم تطوُّرات الدعوة ، فاعتبروا أنّ هذه التطوُّرات خارجة عن مفهوم التعاليم الأوَّلية التي لُقِّنوها.

ـ وفي سنة 317 هـ هاجم القَرَامِطة مكّة ونهبوا الكعبة ، واقتلعوا الحجر الأسود . ولما بلغ ذلك الإمام الإسماعيلي ، والخليفة الفاطمي عبيد الله المهدي ، كَتَبَ إلى أبي طاهر يُنكر ذلك ويلومه ، ويقول : ( حقَّقت على شيعتنا ودعاة دولتنا ، اسمَ الكفر والإلحاد ، بما فعلت ) ، وأمره أن يُعيد الحجر الأسود إلى موضعه ، فأعاده.

ـ أنكر القَرَامِطة على الإسماعيليين والفاطميين سياسة الملاينة ، التي اعتمدوها في كسب العناصر غير الإسماعيلية . وقد جسَّدوا معتقداتهم بالعنف والبطش ، واستحلوا استعراض الناس بالسيف ، وقتلهم واخذ أموالهم ، والشهادة عليهم بالكفر.

ـ استغلّ القرامطة شعار الانتساب إلى البيت العلوي الثائر المُضْطَهَد ، ونادوا بالعدالة الاجتماعية ، وطرحوا أنفسهم في قالب ديني ثوري ؛ ممَّا أعطى لتحرُّكهم الإطار الشرعي . ولا يعرف التاريخ الإسلامي مذهباً ثورياً ، لا يستند إلى أساس روحي ، أو حركة ثورية عامة ، لا ترجع إلى الدين.

وكان من المألوف في العصور الإسلامية أن تظهر الجماعات الداعية إلى الثورة السياسية ، مستنيرة بالمذهب الشيعي ، في سبيل نشر رسالتها ، وتأليب رجالها إلى أن يستتِب لها الأمر ، فتسفر عن حقيقة أمرها.

الأفكار والمعتقدات :

 ـ قالوا : إنّ النبي (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) نصّ على علي بن أبي طالب ، وأنّ علياً نصّ على إمامة ابنه الحسن ، وأنّ الحسن نصّ على إمامة أخيه الحسين ، وأنّ الحسين نصّ على إمامة ابنه علي ، وأنّ علياً نصّ على إمامة ابنه محمد الباقر ، ونصّ محمد على إمامة ابنه جعفر الصادق ، ونصّ جعفر على ابن ابنه محمد بن إسماعيل . وزعموا أنّ محمد بن إسماعيل حيّ إلى اليوم لم يَمُت ، ولن يموت حتى يملك الأرض ، وأنّه هو المهدي الذي تقدَّمت البشارة به ؛ واحتجُّوا في ذلك بأخبار رووها عن أسلافهم ، يخبرون فيها : أنّ سابع الأئمة قائمهم.

ـ اثبتوا النبوة ظاهراً ، وأنكروا الوحي ، وهبوط الملائكة . وأولَّوا المعجزات ، فجعلوها رموزاً : فثعبان موسى : حُجَّته ، والغمام : أمره . وأنكروا كون عيسى من غير أب ، بل هو رمزُ اخذ العلم من غير إمام ، وإحياء الموتى إشارة إلى العلم ، ونَبْعِ الماء من الأصابع إشارة إلى كثرة العلم ، وطلوع الشمس من المغرب خروج الإمام.

ـ إنّ الله بدا له في إمامة جعفر وإسماعيل ، فصيَّرها في محمد بن إسماعيل . وزعموا أنّ محمد بن إسماعيل حيّ ، وأنّه غائب مستتِر في بلاد الروم . ومعنى القائم عندهم أنّه يبعث بالرسالة وبشريعة جديدة ، وينسخ بها شريعة محمد (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) ، وأنّ محمد بن إسماعيل من أولي العزم ، وأولو العزم عندهم سبعة.

ـ إنّ جميع الأشياء التي فرضها الله تعالى على عباده ـ  ومنها نبيه محمد (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) ـ وأمر بها ، لها ظاهر وباطن . وإنّ جميع ما استَعبد الله به العباد في الظاهر ، من الكتاب والسنة ، أمثال مضروبة ، وتحتها معانٍ هي بطونها ، وعليها العمل.

ـ أقرّوا حصر ممتلكاتهم في بيت المال ، وسنُّوا التشريعات التي تحدِّد صلاحية الفرد ، وتبيِّن حقوقه ضمن المجموع . وضَمَنُوا حياة
العاجز ، والعاطل ، والعامل ، والصانع ، والفلاَّح.

ـ استحلُّوا استعراض الناس بالسيف ، وقَتْلِهم وأخذ أموالهم ، والشهادة عليهم بالكفر.

ـ زعموا أنّه يجب عليهم أن يبدأوا بقتل من قال بالإمامة ، ممَّن ليس على قولهم ، وخاصة مَن قال بإمامة موسى بن جعفر ووُلْده من بعده.

ـ قسموا المجتمع إلى أربع طبقات ، وهي :

الأولـى :

 طبقة الشباب ، بين عمر 15 ـ 30 عاماً ، ويُسمَّون : الأخوان الأبرار الرحماء.

الثـانية :

 وتشمل مَن كانوا بين 30 ـ 40 عاماً ، وهم الرؤساء وذوو السياسات ، ويُسمَّون : الأخيار الفضلاء.

الثـالثة :

 وتشمل من كانوا بين 40 ـ 50 عاماً من العمر ، وهم أصحاب الأمر والنهي ونصر الدعوة.

الرابعة :

 وهي مرتبة من يزيد عمرهم على الخمسين سنة ، وهي أعلى في نظرهم . ويُطلق عليهم : طبقة المريدين ، ثُمّ المعلِّمين ، ثُمّ القادة ، ثُمّ المقرَّبين إلى الله.

ـ قالوا : بأنّ محمد بن إسماعيل هو خاتم النبيِّين ، الذي حكاه الله في كتابه ، وأنّ الدنيا اثنتا عشرة جزيرة ، في كُلّ جزيرة حجة ، وأنّ الحجج اثنتا عشرة ، ولكلّ داعية يد ، يعنون بذلك أنّ اليد رجل ، له دلائل وبراهين يُقيمها.

ـ حرّموا زيارة القبور وتقبيلها.

ـ إنّ النبي (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) انقطعت عنه الرسالة في حياته ، في اليوم الذي أمر فيه بنصب علي (عليه السّلام) للناس بغدير خم ، فصارت الرسالة في ذلك اليوم في الإمام علي (عليه السّلام) ، وأنّ النبي (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) بعد ذلك كان مأموراً لعلي ، محجوباً به.

 أبرز الشخصيَّات :

 1 ـ حمدان بن الأشعث ،  المعروف بـ : قَرْمَط.

2 ـ عبدان الداعية.

3 ـ أبو سعيد الحسن بن بهرام الجنابي ـ كبير القَرَامِطة في البحرين.

4 ـ ميمون القداح.

5 ـ أبو طاهر سليمان بن الحسن الهجري.

6 ـ أبو يعقوب يوسف بن الحسن الجنابي.

7 ـ يحيى بن زكرويه.

8 ـ الحسين بن زكرويه ، صاحب الخال.

9 ـ الحسن بن محمد الأعسم.

10 ـ زكرويه بن مهرويه.

  لانتشار ومواقع النفوذ :

 ـ انتشرت الفِرقة القَرْمَطيَّة في الكوفة ، و واسط ، والبصرة من العراق . ثُمّ ظهر دُعاتهم في البحرين ، و القطيف ، وعَظُم أمرهم . وأغاروا على نواحي هَجَر ، والإحساء ، والقطيف ، والطائف . وبلغت دعوتهم إلى اليمن ، وتغلَّبوا على سائر مُدُن اليمن ، وساروا إلى بعلبك ، وقتلوا عامة أهلها ، ولم يبق منهم إلاّ اليسير.

ثُمّ ساروا إلى سلمية ، وصالحوهم وأعطوهم الأمان . واستولوا على دمشق عام (260) ، ومنها توجَّهوا إلى مصر ، واجتمع معهم خلق كثير من العرب والإخشيدية . وظهر أمرهم في المغرب وعُمان ، وفي بلاد الديلم.

استطاع أبو حاتم نشر فكر القَرَامِطَة ، وفي نيشابور تولّى الدعوة لهم الشعراني.

أحداث ووقائع :

 ـ في سنة 326 هـ فسد حال القَرَامِطَة ، وقتل بعضهم بعضاً . وسبب ذلك أنّه كان رجل منهم يقال له : ابن سنبر ، وهو من خواص أبي سعيد القَرْمَطي والمطَّلعين على سرّه ، وكان له عدو من القَرَامِطَة اسمه : أبو حفص الشريك ، فعمد ابن سنبر إلى رجل من أصبهان ، وقال له: إذا ملكتُ أمر القَرَامِطَة ، أريدُ منك أن تقتل عدوي أبا حفص ، فأجابه إلى ذلك وعاهده عليه . فأطلعه على أسرار أبي سعيد ، وعلامات كان يذكرانها في صاحبهم الذي يدعون إليه ، فحضر عند أولاد أبي سعيد وذكر لهم ذلك ، فقال أبو طاهر : هذا هو الذي يدعوا إليه ، فأطاعوه ودانوا له ، حتى كان يأمر الرجل بقتل أخيه فيقتله ، وكان إذا كره رجلاً يقول له : إنّه مريض ، يعني أنّه قد شكّ في دينه ، ويأمر بقتله.

وبلغ أبا طاهر أنّ الأصبهاني يُريد قتله ؛ ليتفرَّد بالمُلْك ، فقال لإخوته : لقد أخطأنا في هذا الرجل ، وسأكشفُ حاله ، فقال له : إنّ لنا مريضاً فانظروا إليه ليبرأ ، فحضروا وأضجعوا والدته ، وغطَّوها بإزار ، فلمَّا رآها قال : إنّ هذا المريض لا يبرأ فاقتلوه ، فقالوا له : كذبت ، هذه والدتك ، ثُمّ قتلوه بعد أن قتل منهم خلق كثير من عظمائهم ، وشجعانهم . وكان هذا سبب تمسُّكهم بهَجَر ، وترك قصد البلاد.

 من ذاكرة التاريخ :

 ـ لمّا انتشر القَرَامِطة بسواد الكوفة ، وجّه إليهم المعتضد شبلاً ، غلام أحمد بن محمد الطائي ، وظفر بهم ، وأخذ رئيساً لهم يُعرف بأبي الفوارس ، فسيَّره إلى المعتضد ، فاحضره بين يديه ، وقال له : أخبرني : هل تزعمون أنّ روح الله تعالى ، وأرواح أنبيائه ، تحلّ في أجسادكم فتعصمكم من الزلل ، وتُوفقكم لصالح العمل ؟ فقال له : يا هذا ، إن حلَّت روح الله فينا فما يضرُّك ؟ وإن حلَّت روح إبليس فما ينفعك ؟ فلا تسأل عمَّا لا يعنيك ، وسَلْ عمَّا يخصُّك.

فقال : ما تقول فيما يخصُّني ؟ قال أقول : إنّ رسول الله (صلَّّى الله عليه وآله وسلّم) مات ، وأبوكم العبَّاس حي ، فهل طالب بالخلافة ؟ أم هل بايعه أحد من الصحابة على ذلك ؟ ثُمّ مات أبو بكر ، فاستخلف عمر ، وهو يرى موضع العبَّاس ولم يوصِ إليه ، ثُمّ مات عمر ، وجعلها شورى في ستة أنفس ولم يوصِ إليه ، ولا ادخله فيهم ، فبماذا تستحقُّون أنتم الخلافة ؟ وقد اتفق الصحابة على دفع جدّك عنها . فأمر به المعتضد فعذِّب وخلعت عظامه ، ثُمّ قُطعت يداه ورجلاه ، ثُمّ قُتل.

ـ بعد أن قُتل رئيس القَرَامِطة أبو سعيد الحسن بن بهرام الجنابي سنة (301 هـ) ، تولَّى أبنه أبو طاهر سليمان الجنابي أمر القَرَامِطة في البحرين ، فأراد أن يستولي على البصرة ، فغزاها مراراً . وأشدّ غزواته سنة (311 هـ) ، فقد سار إليها في (1800) رجل ، ودخلها وقتل حاميتها ، وأقام بها (17 يوماً) ، وحمل ما قدر عليه من المال والنساء والصبيان ، وعاد إلى هَجَر ، ثُمّ توجَّه إلى طريق الحج ، فقطع الطريق على الحجاج ، ونهب القوافل حتى مات أكثرهم جوعاً وعطشاً ، فكتب إليه المقتدر يطلب منه أن يطلق مَن عنده من الأسرى ، فأطلقهم وطلب منه أن يُولِّيه على البصرة والأهواز ، فلم يجبه المقتدر إلى طلبه ، فسار إلى الكوفة ، وتغلَّب على عسكر الخليفة.

ـ في سنة (339 هـ) أعاد القَرَامِطة الحجر الأسود إلى مكّة ، وقالوا : أخذناه بأمر وأعدناه بأمر ، وكان بجكم قد بذل لهم في ردّه خمسين ألف دينار ، فلم يجيبوه ، وردّوه الآن بغير شيء في ذي القعدة . فلمَّا أرادوا ردّه ، حملوه إلى الكوفة، وعلَّقوه بجامعها ، حتى رآه الناس ، ثُمّ حملوه إلى مكّة . وكانوا أخذوه من ركن البيت الحرام سنة (317 هـ) ، وبقي عندهم (22 سنة).

  خلاصة البحث :

ـ القَرَامِطة : حركة سياسية دينية ، تفرَّعت من الفِرقة المباركية ، إحدى شُعَب الإسماعيلية . سُميِّتْ بهذا الاسم نسبة إلى زعيمها حمدان بن الأشعث ، الملقَّب بـ (قَرْمَط) . وتولَّت زمام الأمور في بعض البلدان الإسلامية أكثر من قرن ، تمكَّنت من نشر عقائدها وأفكارها ببعثها الدعاة ، وحَمَل رجالها السيف ؛ للاستيلاء على بلدان عديدة من العالم الإسلامي.

ـ ضُعْفُ الدولة العبَّاسية زمن المعتضد ، وتدهورُ الحالة الاقتصادية والاجتماعية ؛ فَسَحَ المجال أمام أغلب الحركات المناهضة لبني العبَّاس ، وخصوصاً تلك التي ثارت باسم الإمامة والتشيُّع ، حيث استقطبت أغلب المعارضين للظلم والفساد العباسي.

ـ تميَّزت الفِرقة القَرْمَطِيَّة بدقَّة التنظيم ، والسرية التامة ، حتى إنّه خفي اسم قادة الحركة على المقرَّبين إلى رؤساء الفِرقة ، واستبدل أغلب قادتِها أسماءهم خوفاً من بطش العبَّاسيِّين ؛ ولكي يتمكَّنوا من التحرّك بفاعلية أكثر بين المُدُن الإسلامية.

ـ تبنَّت الفِرقة أفكاراً ميَّزتها عن غيرها من الفِرق الإسلامية ، حيث آمنت بإمامة محمد بن إسماعيل بن الإمام الصادق (عليه السّلام) ومهدويَّته ، وادّعوا أنّه حيّ لم يمت . وأنكروا الوحي ، وهبوط الملائكة ، والمعجزة ، وقالوا : إنّ الله بدا له في إمامة جعفر وإسماعيل ، فصيَّرها في محمد بن إسماعيل . وإنّ جميع الأشياء التي فرضها الله تعالى على عباده ، وسنَّها نبيُّه (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) ، وأمر بها ، لها ظاهر وباطن . وأقرّوا حصر ممتلكاتهم في بيت المال ، وحددوا حقوق الفرد ضمن المجموع . وزعموا أنّه يجب عليهم أن يبدأوا بقتل مَن قال بالإمامة ممَّن ليس على قولهم ، وغير ذلك من الآراء.

ـ من أبرز شخصيَّاتهم : عبدان الداعية ، وزكرويه بن مهرويه ، وحمدان قَرْمَط ، والحسن بن بهرام الجنابي ، وميمون القدَّاح ، ويحيى بن زكرويه ، والحسين بن زكرويه ، وغيرهم ممَّن تولَّوا قيادة القَرَامِطة في العراق ، وسورية ، والبحرين.

ـ انتشرت آراء الفِرقة القَرْمَطِيَّة في : العراق ، والبحرين ، وسلمية ، ومصر ، والحجاز ، وهَجَر ، واليمن ، والإحساء ، والقطيف ، وامتدّ نفوذهم إلى بلاد الديلم ونيسابور.

ـ دخلوا في حروب كثيرة ، وقادوا الحملات العسكرية على : دمشق ، ومصر ، والكوفة ، والبصرة . كلَّفتهم الجهود العالية ، والتضحيات الجسيمة ، وتنوَّعت نتائجها بين المدّ والجزر في الوجود القَرْمَطي.

0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخر المقالات

قبول الخلافة
تأملات وعبر من حياة يوسف (ع) - ج 2
أقوال علماء السنة في المذهب الشيعي
الثورة الحسينية اسبابها ومخططاتها القسم الاول
الكمالات المحمدية تصنيف مبتكر في الإعجاز الخلقي
صور التقية في كتب العامة
غزوة بدر تكسر شوكة الكفر والشرك
ما المقصود بليلة الهرير؟
يوم عاشوراء في اللغة والتاريخ والحديث
الشيعة في ألبانيا

 
user comment