روي عن عبد الله بن الفضل الهاشمي قال : سمعت الصادق عليه السلام يقول : إنّ لصاحب هذا الاَمر غيبة لا بدّ منها ، يرتاب فيها كلّ مبطل .
قلت له : ولِمَ جعلت فداك ؟
قال : لاَمر لا يؤذن لي في كشفه لكم .
قلت : فما وجه الحكمة في غيبته ؟
قال : وجه الحكمة في غيبته ، وجه الحكمة في غيبات من تقدّمه من حجج الله (۱) تعالى ذكره ، إنّ وجه الحكمة في ذلك لا ينكشف إلاّ بعد ظهوره(۲) كما لم ينكشف وجه الحكمة لما أتاه الخضر عليه السلام ، من خرق السفينة وقتل الغلام وإقامة الجدار لموسى عليه السلام إلى وقت افتراقهما .
يا بن الفضل ! إنَّ هذا الاَمر أمر من الله ، وسرّ من سرّ الله ، وغيب من غيب الله ، ومتى علمنا أنّه عزّ وجلّ حكيم صدقنا بأنّ أفعاله كلّها حكمة ، وإن كان وجهها غير منكشف (۳).
——————————————-
(۱) راجع : كمال الدين وتمام النعمة للصدوق : ج ۱ ص ۱۲۷ ـ ۱۵۳ (في الحكمة من غيبات بعض الاَنبياء عليهم السلام) .
(۲) إنّ مفاد هذه الرواية الشريفة هو عدم معرفة وجه الحكمة من غيبته الشريفة حتى يظهر عجل الله فرجه الشريف ، فحينئذٍ يتبيّن للناس وجه الحكمة من غيبته ، إلاّ أن هناك مجموعة من الروايات الشريفة والتي ذكرها الشيخ الصدوق عليه الرحمة في كمال الدين : ج ۱ ص ۴۷۹ـ ۴۸۲ (ب علة الغيبة) قد أفصحت عن بعض أوجه الحكمة من غيبته : وهي على طوائف خمس على حسب ما تتبعته عاجلاً وهي :
الطائفة الاُولى : كرواية علي بن الحسن بن علي بن فضال ، عن أبيه ، عن أبي الحسن بن موسى الرضا عليه السلام أنّه قال : كأني بالشيعة عند فقدهم الثالث (الرابع ن ل) من ولدي كالنعم يطلبون المرعى فلا يجدونه ، قلت له : ولِمَ ذاك يا بن رسول الله صلى الله عليه وآله ؟ قال : لاَنّ إمامهم يغيب عنهم ، فقلت: ولِمَ ؟ قال : لئلا يكون لاَحد في عنقه بيعة إذا قام بالسيف .
الطائفة الثانية (وهي رواية واحدة) : ما روي عن حنان بن سدير ، عن أبيه ، عن أبي عبد الله عليه السلام قال : إنَّ للقائم منّا غيبة يطول أمدها ، فقلت له : يا بن رسول الله ولِمَ ذلك ؟ قال : لاَنّ الله عزّ وجلّ أبى إلاّ أن تجري فيه سنن الاَنبياء عليهم السلام في غيباتهم ، وإنّه لا بدّ له يا سدير من استيفاء مدد غيباتهم ، قال الله تعالى : (لتركبنَّ طبقاً عن طبق) ـ الانشقاق :۹ـ أي سنن من كان قبلكم .
الطائفة الثالثة : كرواية زرارة عن أبي عبد الله عليه السلام قال : للقائم غيبة قبل قيامه ، قلت : ولِمَ؟ قال : يخاف على نفسه الذّبح .
الطائفة الرابعة : (وهي التي ذكرها أيضاً الشيخ الصدوق عليه الرحمة في كمال الدين : ج۲ ص ۶۴۱ ب ۵۴) عن إبراهيم الكرخي قال : قلت لاَبي عبد الله عليه السلام : أصلحك الله ألم يكن عليّ عليه السلام قوياً في دين الله عزّ وجلّ ؟ قال : بلى . قال : فكيف ظهر عليه القوم ، وكيف لم يدفعهم وما يمنعه من ذلك ؟ قال : أيةً في كتاب الله عز وجل منعته قال : قلت وأيّة آية هي؟ قال: قوله عزّ وجلّ : ( لو تزيّلوا لعذّبنا الذين كفروا منهم عذاباً أليماً ) إنّه كان لله عزّ وجلّ ودائع مؤمنون في أصلاب قوم كافرين ومنافقين ، فلم يكن عليّ عليه السلام ليقتل الآباء حتى يخرج الودائع فلما خرجت الودائع ظهر على من ظهر فقاتله ، وكذلك قائمنا أهل البيت عليهم السلام لن يظهر أبداً حتى تظهر ودائع الله عزّ وجلّ فإذا ظهرت ظهر على من يظهر فقتله .
الطائفة الخامسة : وهي ما روي عن أبي جعفر عليهم السلام محمد بن علي أنه قال : إذا اجتمع للاِمام عدة أهل بدر ثلاث مائة وثلاثة عشر وجب عليه القيام والتغيير . (بحار الاَنوار : ج ۱۰۰ ص۴۹ ح ۱۸) .
فمفاد هذه الطوائف الخمس هي أن أوجه الحكمة خمسة أمور في عدم ظهوره حتى يأذن الله له بالخروج صلوات الله عليه وهي :
۱ ـ لئلا يكون لاَحد في عنقه بيعة إذا قام بالسيف .
۲ ـ لكي تجري فيه سنن الاَنبياء السابقين في غيباتهم واستيفائها .
۳ ـ انّه عليه السلام يخاف على نفسه الذبح لو خرج قبل أوان خروجه المناسب .
۴ ـ انّه لن يظهر عليه السلام حتى تظهر ودائع الله (كما في رواية أخرى : ودائع مؤمنون في أصلاب قوم كافرين) .
۵ ـ إنه عليه السلام لا يظر حتى تتكامل عدة أصحابه عدة أهل بدر ثلاث مائة وثلاثة عشر رجلاً ، وهم إصحاب الألولية ، وهم حكام الله في أرضه على خلقه … الخ كما في رواية المفضل بن عمر عن الإمام الصادق عليه السلام ( بحار الأنوار : ج ۵۲ ص ۳۲۶ ح ۴۲ ) .
فما هو وجه الجمع بين رواية الهاشمي التي مفادها عدم معرفة الحكمة من غيبة حتى يظهر ، وبين تلك الطوائف الخمس في بيان الحكمة من الغيبة ؟ نقول : لعل الرواية الأولى ناظرة إلى عدم انكشاف تمام العلة من غيبة لا بعضها ، ولا مانع من بيان بعض وجوه الحكمة كما في الطوائف الخمس ، وتبقى الحكمة الأصل خافية علينا في غيبة حتى يظهر عجل الله فرجه ، فلا تنافي بين الروايات والله العالم .
(۴)الاِحتجاج للطبرسي : ج ۲ ص ۳۷۶ ، كمال الدين وتمام النعمة : ج ۲ ص ۴۸۲ ح ۱۱ ، حلية الاَبرار : ج ۲ ص ۵۸۹ ـ ۵۹۰ .